لم يغادر الشعراء موطئاً لم تطأه قرائحهم ولم تَنَلهُ قصبات أقلامهم قدحاً أو مدحاً، وما من شيء في هذا الكون إلّا وهو غرض لمراميهم وعرضة لسهامهم، وهم متحفزون لكل واقعة وحدث مميز، لكي يتناولوه بمخيلاتهم ويشبعوه سعة وإحاطة، خصوصاً تلك الأحداث التي كانت منعطفات تاريخية لهذه الأمة، كمناسبة ولادات الأنوار الشعبانية، والتي تُعد من أغزر المناسبات مادةً وأكثرها تأثيراً على واقع الحياة وأعظمها إثارةً للعواطف والانفعالات النفسية، فهي منحة الوجود الفريدة ومصدر الإلهام وعين الإبداع ومنبعه لكل متذوقي الجمال والفن خصوصاً الشعراء والأدباء والكتاب. فلا تغيب مثل هذه الولادات وهذه الشخصيات عن تصورهم في رسم لوحات فنية يقحمون فيها كل إبداعهم، علّهم يحيطون بمصدر الجمال والكمال، وهم وإن لم تعجزهم الكلمات ولم تقصر بهم الهمم عن بلوغ المرامي. فلو إنهم أرادوا سكب الدنيا في لوحة صغيرة لفعلوا، إلّا إنهم مهما اعتقدوا في الأئمة فإنهم لا يحيطون بما لم تدركه عقولهم ولم تبلغ بهم حواسهم حد تصور ماهية الأئمة الأطهار "عليهم السلام"، وتطول بهم كلماتهم رغم علو شأوها وطواعيتها لهم لتصل حد مراقيهم القدسية الرفيعة، فالأئمة منيعون على قرائح الشعراء مستطيلون على كلماتهم، لذا سلّموا تسليم العاجز واكتفوا بمقدار بذلهم والعمل بمستطاعهم، فأقاموا المحافل والمهرجانات التي جعلوها محط رحال قوافيهم وموسم فضلائهم، ومترع آمالهم، ليؤكدوا أصالة العلاقة ما بينهم وبين أصحاب الولادات الشعبانية، وعرفاناً لجميلهم على الأمة، وتسليماً بما جاؤا به من المفاخر، عندها راحوا يرسمون لهم بقصائدهم صوراً شعرية أجمل من نسج الخيال وأحلى من تباشير الصباح. ولما كانت العتبة الكاظمية المقدسة مهتمة بجمع تراث أهل البيت "عليهم السلام" وإظهاره للعالم، أقامت المهرجانات الشعرية السنوية وتناولت في كلّ مهرجان مناسبة خاصة تتعلق بأئمة أهل البيت "عليهم السلام"، فقد تناول المهرجان السنوي الأول مناسبة الذكرى (1250) لاستشهاد الإمام موسى بن جعفر "عليه السلام" ، تحت شعار ( الإمام موسى بن جعفر "عليه السلام" مصدر عطاء خالد للإنسانية)؛ أما المهرجان السنوي الثاني فكان تحت شعار ( الإمامان العسكريان امتداد للإمامين الكاظمين "عليهم السلام")، وكان المهرجان السنوي الثالث تحت شعار ( من فكر أئمة البقيع "عليهم السلام" ننهل، وبنهجهم نعمل)، وأما الرابع فقد كانت بمناسبة الذكرى المئوية لانطلاق حركة الجهاد في الكاظمية، وفتوى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني "دام ظله الوارف"، والذي كان تحت شعار ( الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه). أما بخصوص المهرجان السنوي الخامس للشعر العربي، والذي نحن بصدد التحدث عنه فقد أختص بالولادات الخمسة الشعبانية المباركة، فأقيم المهرجان إحتفاءً بها، تحت شعار ( تُستلهم القوافي ويسمو الشعر بولادات الشموس الشعبانية). والحقيقة التي لم تغب عن الأمانة وحاولت اغتنامها لنشر فكر أهل البيت "عليهم السلام" وإشاعتة، هي أن الشعر بما له من تأثير في الأفراد في هذا الزمان وفي كلّ زمان ــ لأنه من أكثر الأساليب إثارة للأحاسيس الجيّاشة والمشاعر الفياضة ــ أصبح أقرب الوسائل وأنجعها في التواصل ما بين الأمة وقادتها ، وكما لا يخفى أيضاً فإن الشعر هو من يُبقي جذوة اللغة متقدة، ويحافظ على آصالة اللغة العربية بِعدّها لغة القرآن الكريم، ولغة الآباء والأجداد للناطقين بها، وإرث الأبناء الذين يجب عليهم تعلمها ليتواصلوا بها مع دينهم وتراثهم وقيمهم وتأريخهم وحضارتهم، وهذا ما جعل الأمانة تركز على إقامة المهرجانات الشعرية في كل عام وتعطيها عنواناً هاماً وقسطاً كبيراً من الاهتمام. ولم تكتف العتبة المقدسة بإقامة المهرجانات وإلقاء القصائد فيها، بل ارتأت أن توثّق تلك القصائد، وتجعلها في كتب خاصة تبنت طباعتها وإصدارها، فأفردت لكلّ مهرجان كتابا خاصاً به، لحفظ القصائد المشاركة فيه، وحفظ ما تناثر عنها من شذرات ورموز وصور شعرية خلابة في هذه المناسبات، وكذلك حفظاً لجهود الشعراء المشاركين الذين بذلوا الجهود المضنية وأمضوا الوقت الطويل في كتابة قصائدهم، وهم يحملون العواطف والأحاسيس والمشاعر الجيّاشة للأئمة الأطهار"عليهم السلام". ومن بين الكتب التي اختصت بهذه المهرجانات والتي أصدرتها الأمانة العامة هذا الكتاب الذي يحتفي بولادات الأنوار الشعبانية، وقد تصدرت الكتاب كلمة الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة في هذه المناسبة، تلاها فهرس القصائد المشاركة التي ألقيت في المهرجان والبالغ عددها خمس وعشرون قصيدة، علماً أن القصائد التي وصلت إلى لجنة تسلّم القصائد ناف عددها على السبعين قصيدة، أحيلت كلّها إلى لجنة فحص النصوص وتقويمها. وقد تم استحسان كمّ لا بأس به منها، فوقع الاختيار على ما يصلح منها للمشاركة والإلقاء، ثم عَرَضَ الكتاب بعد الفهرس النص الكامل لكلّ قصيدة من القصائد المشاركة التي ألقيت في المهرجان مع السيرة الذاتية الخاصة لشاعرها، واعتمد الكتاب نظام ترتيب القصائد وفق ترتيب الحروف الأبجدية لأسماء الشعراء المشاركين، تجدر الاشارة إلى أن الشعراء المشاركين كانوا (11) من العراق و(10) من البحرين و(3) من المملكة العربية السعودية و(1) من لبنان.