الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن الأوطان والكرامات والمقدسات هي الشرف الأسمى والمرتبة العُليا التي ينالها المجاهدون الأحرار وهم يقارعون قوى الظلم والإجرام، بها تصان الحرمات وتحفظ الحريات، وتبقى الأرض عزيزة رغم كل التحديات، وهذا ما مضى عليه رجال العقيدة والحق وهم يسارعون لتلبية فتوى الدفاع الكفائي المقدس لتحرير أرض العراق وصون مقدساته من العصابات الإجرامية، وراحوا يبذلون أرواحهم الطاهرة لتحقيق النصر المؤزر، حيث رقت أنفسهم الزكية لتعانق ذرى المجد والخلود، واستذكاراً وتخليداً لقادة هذا النصر العظيم الشهيدين السعيدين الحاج أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني ورفاقهم الأبرار الذين نالوا شرف الشهادة اثر الاعتداء الإجرامي الغاشم الذي تعرضوا له في مطار بغداد مطلع سنة 2020م، أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة وبرعاية أمينها العام خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري، حفلاً تأبينياً في رحاب الصحن الكاظمي الشريف لإحياء الذكرى الخامسة لاستشهادهم، بحضور نخبة من الشخصيات الدينية والرسمية والاجتماعية فضلاً عن جمع غفير من زائري الإمامين الكاظمين "عليهما السلام".
واستهل الحفل بتلاوة آي من الذكر الحكيم شنف بها أسماع الحاضرين القارئ الخادم باقر أحمد سهر، بعدها قراءة سورة الفاتحة المباركة أهدي ثوابها إلى الشهداء الأبرار، تلتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة وألقاها أمينها العام جاء فيها قائلاً: (الشهداء هم منارات الأمة، ورموز التضحية والفداء الذين رسموا بدمائهم الطاهرة طريق الحرية والعزة.. وها نحن اليوم نجتمع في هذه الرحاب القدسية في جنة موسى والجواد لنستذكر شهداء معارك النصر والتحرير، وهي مناسبة تذكرنا بواجبنا في حمل رسالة النبي الخاتم وآله الشهداء الطيبين الطاهرين، والسير على نهجهم لتحقيق الأهداف التي جاءوا بها واستشهدوا من أجلها.. فهم لم يكونوا مجرد أفراد، بل كانوا روح الإنسانية التي تسعى للدفاع عن كل فضيلة ونبذ كل رذيلة فجسدوا اسمى معاني البذل والعطاء.. فلنخلد ذكراهم بالمحافظة على الوحدة والعمل المشترك لتحقيق هدفهم بمجتمع مؤمن بالله تعالى وبدينه الحق الإسلام العظيم، لا تزحزحه رياح الشر والرذيلة مجتمع متسلح بالعقيدة والإيمان والإباء، والعدل والبناء، وجبهة صدٍّ لمواجهة أعداء الإنسانية، ولنكن أوفياء لدمائهم ولدماء من استشهد على نهجهم بأن نبقى على دربهم ثابتين، لا نحيد عن الحق ولا نخشى التضحيات.
ولأن درب الإمام الحسين "عليه السلام" وطريق (هيهات من الذلة) لابد أن يُعبّد بالدماء الطاهرة فقد بقيت ساحة الجهاد والمقاومة تجود بالشهداء كي يكتمل الطريق نحو دولة العدل الإلهي والظهور المبارك حتى فجعنا باستشهاد سيد الجنوب، ورمز المواجهة مع الك#يا@ن الص#هيو#ني الغاصب سماحة السيد حسن نصر الله "قدس سره" والتي عبرت عنه المرجعية الدينية في بيانها قائلة: (لقد كان الشهيد الكبير انموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة، وقد قام بدور مميز في الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي بتحرير الأراضي اللبنانية، وساند العراقيين بكل ما تيسر له في تحرير بلادهم من الإرهابيين ال#دواع@ش، كما اتخذ مواقف عظيمة في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم حتى دفع حياته الغالية ثمناً لذلك).
وأضاف: إن واجبنا تجاه تضحيات الشهداء هو مسؤولية عظمى تُلقى على عاتق كل فرد منّا، وتتجسد من خلال حفاظنا على المبادئ والقيم التي جاهدوا لتحقيقها.. وحملنا الرسالة التي استشهدوا من أجلها.. في الحفاظ على الوحدة الوطنية فهي السبيل الوحيد لاستكمال طريقهم، فالشهداء ضحوا بأنفسهم من أجل وطن متماسك ومجتمع قوي بعيد عن الانقسامات.. ولكي لا تذهب دماء الشهداء سدى علينا بالعمل الجاد لبناء الوطن وبناء مستقبل مزدهر وهذا أفضل رد لجميل تضحياتهم، فهم قدموا أرواحهم ليعيش أبناء الوطن بكرامة وأمان.. كما لا ننسى أفرادا ومؤسسات ضرورة الوقوف مع ذوي الشهداء ورعايتهم ماديًا ومعنويًا، وذلك جزء من الوفاء لتضحيات ابنائهم).
كما تخلل الحفل التأبيني مشاركة للشاعر محمد الفاطمي بقصيدة أجاد في مطلعها:
منذ الصبى هم قادة أبطال *** مع الزمان معارك وقتال
هم في جهاد النفس كانوا *** أسوة في الصبر فيهم تضرب الأمثال
أعقبها مشاركة لفرقة إنشاد الجوادين "عليهما السلام" بأوبريت يحمل عنوان: (لن ننساكما)، وأخر بعنوان: (ستلتقيان) من كلمات الخادم عبد العظيم الحسناوي،استُذكر فيها مواقف الشهداء السعداء المدافعين عن حياض الوطن ومقدساته، واختتم الحفل التأبيني بالدعاء والتوجّه إلى المولى العليّ القدير أن يرحم شهداءنا، ويتغمدهم بوافر رحمته ويسكنهم فسيح جناته، وأن يُلحقهم بركب شهداء عاشوراء الذين استشهدوا مع سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين "عليه السلام" وأن يُلهم ذويهم ومحبّيهم الصبر والسلوان ويربط على قلوبهم ويشدّ من أزرهم إنه سميع مُجيب.