قال ممثل المرجعية الدينية العليا في خطبة الجمعة، ان الامام السجاد عليه السلام الذي تمر اليوم ذكرى شهادته يعد من اهم الشخصيات في يوم العاشر من المحرم بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام.
واكد السيد احمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني اليوم الجمعة (5/10/2018)، ان من المهم استعراض واقعة الطف تاريخيا واجتماعيا وسياسيا بهدف معرفة تداعيات يوم العاشر من المحرم، مبينا ان الحدث التاريخي لا يبدأ في آنه بل يحتاج الى مقدمات، مستدركا ان هذه المقدمات قد يكون مغفولا عنها باستثناء الشخص الدقيق الذي يرى بان الامور بدأت تأخذ مسير اخر.
واضاف عندما يريد المؤرخ ان يؤرخ فان الكثير من الاحداث ما قبل الحدث الاهم يكون مغفول عنها، مشيرا الى ان الانسان حينما يريد ان يؤرخ حياة عالم من العلماء فانه يجد ان هذا العالم لم يسلط الضوء على طفولته وشبابه لانه كان شخصا عاديا ثم بعد ذلك اصبح علما من الاعلام ومن ثم توفي، فيُعلم تأريخ وفاته لانه حدث كبير لكن بداية ولادته وتاريخ حياته لا يُعلم بهما، مبينا ان الاحداث الاهم تتربع على عرش الاهتمام واما الاحداث الجانبية يغفل عنها.
وبين ان الله تعالى ختم الرسالة بالنبي محمد صلى الله عليه واله وان هذه الرسالة دفعت تضحيات كبيرة، وعندما نقرأ التاريخ نجد بوضوح ان هنالك دماء بريئة اريقت وهنالك من اراق الدماء.
وشدد على ضرورة البحث عن الدماء التي اريقت، وانه لابد من وجود مشكلة وهذه المشكلة لاتحل الا عن طريق الدماء، لافتا الى ان الامام الحسين عليه السلام رفع شعار (اني لم اخرج اشرا ولابطرا ولامفسدا) في اشارة الى ان غيره لعله يمكن ان يخرج طلبا لامر دنيوي عن طريق شعار اخروي، مؤكدا ان هذه النماذج موجودة اذ انها تذهب وتقاتل من اجل الدنيا وترفع شعارها الاخروي للتمويه على البسطاء وان مثل هؤلاء لايقاتلون بالصف الاول لأنهم سيقتلون فتتهدم القضية، مستشهدا بموقف احد خصوم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وهو خصم عنيد ولدود قيلَ لهُ لماذا لا تبارز أمير المؤمنين فإن قتلته فُزت وان قتلك ذهبت الى الجنّة وهذا شعارك، فاُحرج في هذا الموقف ولا يعرف ماذا يقول، لانه يعلم بان الهدف ليس لهُ علاقة بالجنة، منوها الى الذي يتأمر لا يُقاتل في الصف الاول بل يقاتل في الصف الاخير ويدفع بهذه الاغنام للجزروليس له علاقة ان مات عشرة او مات مئة.
وتساءل السيد الصافي هل تحقق الاصلاح الذي خرج من اجله الامام الحسين عليه السلام ام انه لم يتحقق.
واشار في جوابه ان نفس الامام الحسين عليه السلام عظيمة جدا وحاشاه ان يبذلها في قضية مظنونة او مشكوكة، مبينا ان مسألة القتل تهون على اي انسان والموت هو النتيجة الحتمية وان الانسان لاتوجد عنده مشكلة فاما ان يقتل او انه سيموت.
واوضح ان الامام الحسين في هذا المقام خرج من اجل هدف حدده بمقولته (اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي)، مبينا ان الامام الحسين يعلم علم اليقين بان هذا الهدف لايتحقق ببقاء حياته وانه سيقتل في يوم العاشر من المحرم ومع ذلك بقي هذا الشعار معه.
ولفت السيد الصافي ان هذه القضية في غاية الاهمية، اي عندما يتكلم شخص بمقام سيد الشهداء ويريد ان يحقق الاصلاح لايمكن ان يفشل ولابد ان يتحقق هذا الاصلاح.
ونوه ان الامام الحسين عليه السلام تارة يريد من الناس ان يصلحوا انفسهم، مبينا ان هذا الاصلاح غير معلوم تحققه لان الناس قد لايصلحون انفسهم لان ارادتهم تكون ضعيفة، مستشهدا بموقف نبي الله نوح عليه السلام الذي لبث في قومة ما شاء الله واراد منهم ان يؤمنوا فلم يؤمن حتى ولده، موضحا ان الخلل ليس بالنبي نوح عليه السلام بل في قومه، وتارة اخرى هو نوح يريد ان يؤمن، مؤكدا ان مثل نوح عليه السلام لايمكن ان يفشل.
وقال ان الامام الحسين عليه السلام خرج لطلب الاصلاح في امة جده، مستدركا انه من غير الممكن ان يتحقق الاصلاح في خطب يوم العاشر من المحرم لانه غير كافي لتحقيق هذا المطلب.
واردف انه بعد استشهاد الامام الحسين في واقعة الطف انطلقت مسيرة الاصلاح التي قاد زمامها الامام السجاد عليه السلام بشكل قوي.
وكشف ممثل المرجعية الدينية العليا ان اولى العقبات الحقيقية التي واجهت الامام السجاد عليه السلام تتمثل بمشكلة الدعاية المضللة والاعلام.
وبين ان الامام واجه مجتمع لا يعرفونه اصلا قد تشبعت اذانهم وقلوبهم وعقولهم بدين اخر لايمت لدين النبي بصلة.
ويرى السيد الصافي ان الماكنة الاعلامية الشامية مع امكانيات السلطة وتفشي النفاق ووجود المال، لعبت دورا كبيرا في تضليل عامة الناس.
واكد انه في بعض الحالات لايستطيع الانسان الواعي والحكيم والخبير ان يفعل شيئا اذا كانت الامة في ضلال ولاتفهم، مشيرا الى ان المجتمع لم يمنح الامام الحسين عليه السلام الفرصة ليتحدث معه او ان يبين لهم في يوم الطف بل كان جوابهم (لقد ابرمتنا بكثرة كلامك) فلم يعطوه المجال الكافي وسدوا اذانهم.
واوضح ان مهمة الامام السجاد عليه السلام كانت شاقة فواجه جيل اشد، كما ان العنوان الكبير المتمثل بمركز القرار الاسلامي بيد الاعداء وهم يتربعون على منبر خلافة رسول الله، يبدأون خطبهم بالحمد والثناء والصلاة على النبي وان الجمهرة من المجتمع كانت تعتقد ان هذا هو الدين الصحيح.
واشار خطيب جمعة كربلاء ان المجتمع الذي واجهه الامام السجاد عليه السلام كان يرى ويعتقد بان الذي قُتل في الكوفة (الامام الحسين) عبارة عن رجل من الخوارج خرج عن حكم الامير (يزيد لعنه الله) فامكن الله الامير منه، اي ان الامير استعان بالله ووفقه الله لقتل الامام الحسين عليه السلام، جاء ذلك بسبب الدعاية المضللة والاعلام، وانها تحدث في كل زمان ومكان.
ويبين السيد الصافي ان كل شخص تتقاطع مصالحه مع المُصلح ومع العالم ومع الإمام يبدأ بالإعلام المُضاد ويسري هذا الاعلام سرياناً عجيباً لأن الاعلام الغير المتورع سهل المأخذ، موضحا ان الانسان الكذاب من السهل عليه ان يكذب وكذلك الذي يفتري وان الناس تُحب هذه البساطة.
ولفت الى ان الحق ثقيل لا يتحمله كل أحد وان اللذين قاتلوا الامام الحسين كانوا في بحبوحة ولايريدون الحق لان عليهم ترك ما بأيديهم وترك الحرام والابتعاد عن النفاق وموالاة من اراد الله وهذه امور تضر بمصالحهم، خصوصا ان بطونهم مُلئت من المال الحرام ووجودهم الاجتماعي تشكل بالباطل ولايمكن لهم تركهُ.
ونقل السيد الصافي قصة الشيخ الكبير الذي قال للامام السجاد (عليه السلام) عندما دخل الشام مع العائلة قال (الحمد لله الذي أهلككم وأمكنَ الأمير منكم)، مؤكدا ان هذا ما كان يعتقد به هذا الرجل وهو شيخ، متسائلا عن الذي اوصل له هذه المعلومة الخاطئة، لافتا الى ان هذا شيء مهم ويمثل معضلة أمام الإمام السجاد (عليه السلام)، مستدركا بان الامام السجاد (عليه السلام) بدأ يستدل معه فاعطى من نفسه الشريفة على مرضه وعلى تعبه وعلى انكساره في قضية الطف فقال : يا شيخ اقرأت القرآن؟ قال: بلى، قال الامام (عليه السلام): اقرأت قُل لا اسألكم عليهِ اجراً الا المودة في القربى؟ قال الشيخ بلى، ماذا قال الامام (عليه السلام) قال: نحن القُربى يا شيخ،.. فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال :اللهم اني ابرأ اليك من عدو آل محمد.
ويذهب ممثل المرجعية العليا الى ان المشكلة التي واجهها الامام السجاد عليه السلام لم تكن مشكلة صلاة، بل ان الناس كانوا يصلّون ويؤذنون ويشهدون بالشهادة للنبي، ويجلسون على المنبر.
واكد ان الإصلاح ليس بالقوة، وان هنالك من الحكام والسلاطين اللذين اُوتيت لهم القوة ففشلوا فشلا ً ذريعاً.
كما لفت السيد الصافي الى ان الامام (عليه السلام) عندما رأى هذه الحالة والفرح والسرور بدأ احد الخطباء واوعز له الحاكم وقال اصعد المنبر فصعد وبالغ في ذم الحسين (عليه السلام) وامير المؤمنين (عليه السلام)، فصاح الإمام (عليه السلام) أمام هذا الجمع (ويلك ايها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار).
واوضح ان الامام زين العابدين (عليه السلام) عندما صعد على المنبر بالرغم من انه كان في حالة الأسر وفي حالة الانكسار الظاهري لم يستطع احد من الحضور ان يُكذّبه اطلاقاً مع انه تكلم بكلام كبير، لأن هؤلاء لا يعلمون ما القضية ولا يفهمون شيئاً، بل لم يجرأ حتى يزيد ان يقول له انت كاذب والعياذ بالله.
وتلى السيد الصافي مقطع من خطبة الامام السجاد (عليه السلام) الذي جاء فيها (ايها الناس اُعطينا ست وفُضلنا وبسبع)، مبينا ان هذه المقدمة اجبرت الحضور على الإصغاء وان الإمام (عليه السلام) اراد ان يلتفت هؤلاء الغارقون بالدعاية فقال لهم (أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَ فُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَ الْحِلْمَ وَ السَّمَاحَةَ وَ الْفَصَاحَةَ وَ الشَّجَاعَةَ وَ الْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ فُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَ مِنَّا الصِّدِّيقُ، وَ مِنَّا الطَّيَّارُ، وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ ومنّا سيدةُ نساء العالمين فاطمة البتول ومنا سبطا هذه الامّة وسيدا شباب أهل الجنة)، ثم قال (أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَ قَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ، وَ الْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَ أَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَ أَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مبينا ان يزيد امر بانزال الامام (عليه السلام) فاستعمل خديعة اخرى وقالوا للمؤذن: أذّن : وعندما وصل الى الشهادة الثانية، قال الامام (عليه السلام) بعبارته التي هي ايضاً انتصر بها (عليه السلام) قال يا فلان أمحمدٌ هذا جدّي أم جدك فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ، وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ"؟!.
وبين السيد الصافي ان الامام السجاد (عليه السلام) كان أمام مشكلة في غاية الأهمية ألا وهي مشكلة العقول والنفوس التي لم يُتح لها المجال ان تُفكّر وانما ضللتها الدعاية بشكل كبير فحاول ان يوجد شيء آخر يرفع هذه الغشاوة عنهم.
واكد في ختام خطبته ان الدعاية لأهل الباطل على اهل الحق كثيرة ولايتصور احد ان تخف في يوم من الايام، وانه كلما تعارضت المصالح زادت الدعايا على اهل الحق وعلى الناس ان تفهم وتميز.