أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2018
825
التاريخ: 25-4-2018
766
التاريخ: 29-4-2018
3307
التاريخ: 25-4-2018
1922
|
صراع علماء العربية مع دلالة الألفاظ
شهدنا آنفا أن بعض هؤلاء العلماء قد أسرفوا في الاعتزاز بالألفاظ المترادفة ظنا منهم أنها مفخرة اللغة العربية.
وهم لحرصهم على تجميع الألفاظ المترادفة قد تجاهلوا تطور الدلالة فيها، وخلطوا بين عصور اللغة. ولذا جمعوا بين لفظ عرفت له دلالة جاهلية قديمة وآخر اشتهر بدلالة إسلامية حديثة، وجعلوا من اللفظين صنوين وقرينين.
هذا هو ابو الحسن الرماني (1) في كتابها لمسي «الألفاظ المترادفة» قد عقد نحو 142 فصلا، وخصص كل فعل لإحدى الدلالات، ثم سود في كل فصل الألفاظ التي تعبر عن دلالته. فتراوحت تلك الألفاظ بين ثلاث كلمات مترادفة في فصل، ونحو إحدى وعشرين كلمة مترادفة في فصل آخر. ومع اعتدال أبي الحسن في حصر تلك المترادفات، لايكاد الدارس يستعرض ألفاظ الكتاب حتى يتبين أن كثيرا منها لا يمت الى الترادف بصلة، وحتى يتضح له أن معظم كلمات الكتاب من ذوات المعاني المجردة كالأفعال والأحداث والصفات، ويندر أن تشتمل على الدلالات المحسوسة أو أسماء الأشياء.
ولعل من خير ما جمعه من مترادفات قوله:
طرفي، مقلتي، عيني، ناظري (بمعنى واحد).
المجلس، والحقل، والندى، والمجتمع، والموسم (بمعنى واحد).
السرور: الحبور، الجذل، النبطة، الفرح (بمعنى واحد).
ومع ذلك فليس من اليسير أن تحمل كثيرا من الدارسين على الاقتناع بما في هذه الكلمات من ترادف.
فإذا استعرضنا أمثلة أخرى من الكتاب رأينا الشطط والمغالاة في عدها من المترادفات مثل:
ص172
1- وصلته، رفدته، حبوته، أعطيته ثم أخيرا وهذا هو الغريب المضحك [رشيته]!! فكلها في رأي الزماني تعبر عن الصلة والعطية.
2- أقلقني، كربني، ضعضعني !!.
3- أهانني، أشجاني !!
4- البؤس، المسكنة، العسر، الخصاصة، والفاقة !!
5- حصني، ملجأي، ملاذي، كهفي !!
6- سالت، ذرفت، هطلت.
7- الكذب، المين، الزور، الإفك، الانتحال.
8- مريض، عليل، عميد.
9- غريزتي، طبيعتي، عادتي، شيمتي، ديدني، سليقتي.
10- بعد، شط، نزح، تراخى، عزب.
11- الشجاع، البطل، الغشمشم!!
12- الخراج، الإتاوة، الفيء، الجزية، الضريبة.
13- القبر، الجدث، الرمس، الحفرة، الضريح، اللحد.
14- تاب، أقلع، كف، أمسك، صدف، أعرض.
15- أظهر، أعلن، جهر، أشاع، أذاع، بث.
لا أظن أننا بحاجة الى التعليق على هذه الأمثلة، فمجرد النظر اليها يبين بوضوح مقدار مغالاة أصحاب الترادف، وتجاهلهم لتطور الدلالات في الأجيال المختلفة وخلطهم بين دلالات جاهلية وأخرى إسلامية.
وقد سلكوا نفس المسلك حين تحدثوا عما سموه بالمشترك اللفظي، وجعلوا للفظ الواحد أكثر من دلالة واحدة. فأبو عبيد (2) في كتابه المسمى (كتاب الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى) ، قد جمع نحو 300 كلمة من هذا النوع، ويستطيع الدارس أن يستبعد منها قدراً كبيراً، لأنها لا تعدو أن تكون من أمثلة التطور الدلالي، تجمع بين دلالة حقيقية شائعة وأخرى مجازية. فهو مثلا
ص173
بعد كلمة (الجنان) من المشترك اللفظي، لأنها تعبر من دلالات أربع هي: الليل، والفؤاد، والترس، والثوب الأعلى على الثياب! ومن الغريب أن يعقب أبو عبيد على قوله هذا بأن يلتمس السبب أو السر في هذه الدلالات المختلفة فيقول (إن الجنان سمي بالليل لأنه يج كل شيء بظلمته، وبالفؤاد لأنه يجن السر، وبالترس لأنه جنة من السيف والقلم. وبالثوب الأعلى لأنه بستر ما تحته !! فهو إذن يتجاهل النسب المتخلفة في شيوع الدلالات و يتجاهل فوق هذا أن المشترك اللفظي في صورته الصحيحة لا يتصور إلا حيث تنقطع الصلة بين الدلالتين، كالحال حين يعبر عن الشامة في الوجه، وعن أخي الأم مثلا.
وبينما نري بعض هؤلاء العلماء يجمعون الألفاظ ويربطون بينها، نرى آخرين يفرقون ويفصلون حتى بين مالا يصلح فيه الفصل والتفريق. فأبو هلال العسكري (3) في كتابه (الفروق اللغوية) يحاول أن يلتمس فروقا بين الدلالات المتشابهة أو المتماثلة، نقتبس منها بعض الأمثلة فيما بلي:
1- [الفرق بين القديم والعتيق أن العتيق هو الذي يدرك حديث جنسه فيسكون بالنسبة اليه عتيقا، أو يكون شيئاً يطول مكثه، ويبقى أكثر مما يبقى أمثاله مع تأثير الزمان فيه فيسمى عتيقا ... ولهذا لا يقال إن السماء عتيقة وإن طال مكثها لأن الزمان لا يؤثر فيها، ولا يوجد من جنسها ما تكون بالنسبة اليه عتيقا (4) !!]
2- الفرق بين السخاء والجود أن السخاء هو أن يلين الإنسان عند السؤال، ولهذا لا يقال لله تعالى سخي، أما الجود فكثرة العطاء من غير سؤال (5) ].
3- [الفرق بين الغنى والجدة واليسار أن الجدة كثرة المال فقط يقال رجل واجد أي كثير المال، والغني يكون بالمال وغيره من القوة والمعونة وكل ما ينافي الحاجة. وأما اليسار فهو المقدار الذي تيسر معه المطلوب من المعاش فليس ينبئ عن الكثرة ألا ترى أنك تقول فلان تاجر موسر ولا تقول ملك موسر، لأن أكثر ما يملكه التاجر قليل في جنب ما يملكه الملك (6) ].
ثم جاء بعد أبي هلال بعدة قرون عالم آخر هو علي بن محمد الجرجاني (7)،
ص174
ووجه كل عنايته الى تلك الفروق بين الدلالات في كتاب سماء (التعريفات)، حاول فيه التحديد الدقيق لبعض الدلالات مثل قوله:
1- [البخل هو المنع من مال نفسه، والشح هو بخل الرجل من مال غيره قال (عليه السلام) : (اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم)، وقيل البخل ترك الإيثار عند الحاجة، قال حكيم: البخل محو صفات الإنسانية وإثبات عادات الحيوانية].
2- [الإغماء هو فتور غير أصلي لا بمخدر يزيل عمل القوي، وقوله غير أصلي يخرج النوم، وقوله لا بمخدر يخرج الفتور بالمخدرات، وقوله يزيل عمل القوي يخرج العته].
3- [الأبد هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل، كما أن الأزل استمرار الوجود في أزمنة غير متناهية في جانب الماضي].
4- [السكر هو الذي من ماء التمر أي الرطب إذا غلي واشتد وقذف بالزبد].
فهل ما يستخرج من القصب لا يسمى سكراً!؟!.
5- [الوجيه من فيه خصال حميدة من شأنه أن يعرف ولا ينكر].
وهكذا نرى أن القدماء من علماء العربية في صراع مع دلالة الألفاظ طورا يوسعون دائرتها ويتجاهلون الفروق بينها بحيث تتسع لكثير من الكلمات المترادفة أو المشترك اللفظي، وأخرى يحددون تلك الدلالات ويغالون في تحديدها مما قد يترتب عليه أن نتشكك في كثير من النصوص، ونأبى المشهور الشائع من استعمالات كثيرة. وكل هذا لغموض الدلالات في بعض الألفاظ، وورودهم في النصوص مائعة غير محكمة، تحتمل معنى كما تحتمل آخر شبيهاً به.
انظر مثلا الى معجم المخصص لابن سيده (8) حين يصف رأس الإنسان بعدة ألفاظ لا تكاد نخلص منها بصورة واضحة إذ يقول:
رأس أكبس : مستدبر ضخم، والرأس المؤوم: الضخم المستدير.
ورجل أقبص الرأس: ضخم مدور، وقندل الرأس: عظيمه.
والدرواس: العظيم الرأس، والجهضم: الضخم الهامة المستدبر الوجه.
ثم انظر إني غموص الدلالات في تلك الألفاظ المترادفة التي وردت في
ص175
كتاب تهذيب الألفاظ لابن السكيت المتوفي 244 هـ إذ يقول (9) :[ ليلة مدلهمة أي مظلمة، وديجور، وديجوج ... واطرمس الليل أظلم، والغيهب نحوه، والعلجوم الظلمة ... والمسحنكك الأسود، والمطلخم مثله .. واطلخمت علينا الظلمة فما تبصر شيئا؛ وليلة بهيم لا يبصر فيها شيء. والحندس: الليل الشديد الظلمة، ويقال ليله طرمساء لايبصر فيها].
وفي كتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن الهمداني المتوفي 327 هـ (10) .
(أظلم الليل ودجي وأدجي وتغضف وعتم وأعتم، وعبس وأغبس، ودمس وعسعس؛ واعتكر واطلخم وادلهم وأسدف وعطش وأغطش، واسحنلك واحلو لك، وسجا وأسجي، وجن وأحن وارجحن ... الخ).
وفي كتاب جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر المتوفى سنة 337 هـ (11) .
(أشبهه، وضارعه، وضاهاه، وشاكله، وماثله، وشابهه، وشاكهه.. الخ)!!
(لئيم، حسيس، زنيم، مهين، وتح، وضيع، ضعيف، رضيع (12) . خامل، ساقط، رذل) كلها بمعني الدلالة !؟
ص176
__________
(1) المتوفى 384 هـ.
(2) المتوفى 224 هـ
(3) المتوفى 395 هـ.
(4) ص 24.
(5) ص 142.
(6) ص 124.
(7) المتوفى 816 هـ.
(8) المخصص لابن سيدة المتوفى 457 هـ ج 1 ص 63.
(9) ص 416.
(11) ص 289.
(12) ص 12.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|