المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

معاوية وكتابة السيرة النبوية
27-5-2017
الحنوط
23-9-2016
Segmental processes
7-4-2022
اسلوب المخالفين‏ في نفي ضرورة بعثة الانبياء.
10-12-2015
صيغة المبالغة
18-02-2015
مجـالات أهـداف الحكـومة الألكـترونية والخدمـات التي تـقدمها
29-7-2022


تفسير آية (57-59) من سورة المائدة  
  
2761   01:46 مساءً   التاريخ: 17-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 57 - 59] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة : 57] .

أكد سبحانه النهي عن موالاة الكفار فقال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} أي : أظهروا الإيمان باللسان ، واستبطنوا الكفر ، فذلك معنى تلاعبهم بالدين . {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يعني :

اليهود والنصارى . {والكفار} بالجر أي : ومن الكفار {أولياء} بطانة وأخلاء ، فيكون الهزء من الكتابي ومن المشرك والمنافق ، ويدل على استهزاء المشركين ، قوله سبحانه : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الحجر : 95، 96] ويدل على استهزاء المنافقين قوله : {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} وكل من ذكرنا من المشركين ، والمنافقين ، ومن لم يسلم من اليهود والنصارى ، يقع عليه اسم كافر يدل على ذلك قوله {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله {وَالْكُفَّارَ} تبيينا للاسم الموصول ، وهو الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا ، كما كان قوله {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} تبيينا له . ولو قال من الكفار فبين به ، لعم الجميع ، ولكن الكفار كان إطلاقه على المشركين أغلب ، وأهل الكتاب على من إذا عاهد دخل في ذمة المسلمين ، وقبلت منه الجزية ، وأقر على دينه ، أغلب ، فلذلك فصل بينهما .

وأما القراءة بالنصب ، فمعناه : لا تتخذوا المستهزئين من أهل الكتاب ، ولا تتخذوا الكفار أولياء {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في موالاتهم بعد النهي عنها {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بوعده ووعيده أي : ليس من صفات المؤمنين موالاة من يطعن في الدين ، فمن كان مؤمنا غضب لايمانه على من طعن فيه ، وكافأه بما يستحقه من المقت والعداوة .

{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة : 58] .

ثم أخبر سبحانه عن صفة الكفار الذين نهى الله المؤمنين عن موالاتهم ، فقال : {وَإِذَا نَادَيْتُمْ} أيها المؤمنون {إِلَى الصَّلَاةِ} أي : دعوتم إليها {اتَّخَذُوهَا} أي : اتخذوا الصلاة {هُزُوًا وَلَعِبًا} وقيل في معناه قولان أحدهما : إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة ، تضاحكوا فيما بينهم ، وتغامزوا على طريق السخف والمجون (2) ، تجهيلا لأهلها ، وتنفيرا للناس عنها ، وعن الداعي إليها . والآخر :

إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها ، جهلا منهم بمنزلتها {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} وقيل فيه قولان أحدهما : إنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم لو أجابوا إليها من الثواب ، وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب والثاني :

إنهم بمنزلة من لا عقل له ، يمنعه من القبائح ، ويردعه عن الفواحش . قال السدي :

كان رجل من النصارى بالمدينة ، فسمع المؤذن ينادي : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله " فقال : حرق الكاذب . فدخلت خادمة له ليلة بنار وهو نائم وأهله . فسقطت بشرارة ، فاحترق هو وأهله ، واحترق البيت .

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 59] .

ا لا يجوز عليه في ذاته وصفاته {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} من القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} على الأنبياء {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} . قال الزجاج :

معناه هل تكرهون إلا إيماننا وفسقكم أي : إنما كرهتم إيماننا ، وأنتم تعلمون أنا على الحق ، لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرئاسة ، وكسبكم بها الأموال .

وهذا معنى قول الحسن . " لفسقكم نقمتم علينا " .

قال بعض أهل التحقيق : فعلى هذا يجب أن يكون موضع أن في قوله {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} نصبا بإضمار اللام على تأويل ولأن أكثركم فاسقون . وقيل : لما ذكر تعالى ما نقمه اليهود عليهم من الإيمان بجميع الرسل ، وليس هو مما ينقم ذكر في مقابلته فسقهم ، وهو مما ينقم ، ومثل هذا يحسن في الازدواج ، يقول القائل : هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر؟ وإلا أني غني وأنك فقير؟ فيحسن ذلك لإتمام المعنى بالمقابلة ، ومعنى {فَاسِقُونَ} : خارجون عن أمر الله طلبا للرئاسة ، وحسدا على منزلة النبوة ، والمراد بالأكثر من لم يؤمن منهم ، لان قليلا من أهل الكتاب آمن . وقيل في قوله {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} قول آخر ذكره أبو علي الجرجاني صاحب النظم قال : يجعله منظوما بقوله {آمَنَّا بِاللَّهِ} على تأويل آمنا بالله ، وبأن أكثركم فاسقون . فيكون موضع ان جر بالباء ، وهذا وجه حسن .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 265-368 .

2 . السخف : قلة العقل ، المجون : الصلابة والغلظة .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً ولَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والْكُفَّارَ أَوْلِياءَ } . مرة ثانية نهى سبحانه عن اتخاذ أعداء اللَّه أولياء ، ولكنه بيّن هنا سبب النهي ، وهو أنهم يتخذون من دين الإسلام ، وصلاة المسلمين مادة للهزء واللعب ، شأن السفيه العاجز عن مجابهة الحجة بمثلها ، ولا يليق بالعاقل أن يوالي السفهاء ، بخاصة الذين يهزؤون من دينه وأشرف مقدساته . .

وأيضا زاد سبحانه في هذه الآية انه عطف الكفار على أهل الكتاب ، وهو من باب عطف العام على الخاص ، والقرآن يعطف العام على الخاص كهذه الآية ، والخاص على العام كقوله : { حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الْوُسْطى } [البقرة - 238] . ويعطف النظير على نظيره كقوله : { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وفَضْلٍ } [النساء - 175] .

{ واتَّقُوا اللَّهً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . فيه إشعار بأن من يوالي ويؤاخي من يهزأ بالدين فهو أبعد الناس عن الإيمان ، لأن شبيه الشيء منجذب إليه .

{ وإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً ولَعِباً } . تدعو كنائس النصارى أتباعها إلى الصلاة بضرب الناقوس ، وتدعو بيع اليهود أتباعها إلى الصلاة بالنفخ بالبوق ، أما المسلمون فيدعون إلى الصلاة بصوت المؤذن ينادي بالاستجابة إلى اللَّه وحده لا شريك له ، وإلى العمل الصالح الفالح : اللَّه أكبر . . لا إله إلا اللَّه . . حي على الفلاح . . حي على خير العمل . . وكان بعض أهل الكتاب ، وما زالوا يسخرون من هذا الأذان ، وهذه الدعوة . . والأولى أن يسخروا من نواقيسهم وأبواقهم . . على أن المعتدلين من النصارى يستحسنون الأذان ، وبفضلونه على ضرب الأجراس ، قال صاحب المنار :

« سمعنا من بعض النصارى المعتدلين في بلدنا - أي لبنان - كلمات الثناء على الأذان وتفضيله على الأجراس . . وقد كان جماعة من نصارى طرابلس يصطافون في بلدنا ( القلمون ) ، فكان النساء والرجال يقفون في النوافذ لاستماع صوت المؤذن ، وكان ندي الصوت . . وكان بعض صبيانهم يحفظون الأذان ، ويقلدون المؤذن تقليد استحسان ، فتغضب والدته وتنهاه ، أما والده فكان يضحك ويسر لأذان ولده ، لأنه كان على حرية وسعة صدر » .

{ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } . قال المفسرون بما فيهم الرازي وصاحب المنار : ان المراد من قوله تعالى { لا يَعْقِلُونَ } انهم لا يدركون حقيقة الإسلام ، ولو أدركوا حقيقته لم يتخذوه هزوا .

أما نحن فنرى انهم قد عقلوا الإسلام ، وأدركوا أهدافه ، وأن الذين حاربوه إنما حاربوه لأنهم أدركوا خطره على منافعهم وامتيازاتهم . . فلقد أدركوا ان الإسلام ثورة على الظلم والاستغلال ، وعلى الفقر والتخلف ، وعلى تقسيم الناس إلى سيد ومسود ، وانه لا فضل لمخلوق على غيره إلا بخدمة الناس ، والعمل لصالحهم ومنافعهم . . هذا هو ذنب الإسلام عندهم ، ومن أجله حاربوه بجميع ما يملكون من وسائل ، حتى الهزء والسخرية .

وتتجلى دعوة الإسلام هذه بأكمل معانيها في نداء المؤذن : اللَّه أكبر . .

لا إله إلا اللَّه . . فإن معنى اللَّه أكبر انه لا كبير ولا عظيم إلا هو وحده لا شريك له ، ومعنى لا إله إلا اللَّه : ان المال والجاه والأنساب ليست آلهة تعبد ، ولا قوة يخضع لها ، وإنما الخضوع للحق وحده ، والناس فيه سواء ، وان ما من أحد على وجه الأرض له أن يمس حرية إنسان كائنا من كان . . وكفى بهذا ذنبا للإسلام عند ألد أعداء الإنسان ، ومن أجل عداوتهم هذه ، لا من أجل جهلهم بحقيقة الإسلام وصفهم العليم الحكيم بأنهم قوم لا يعقلون .

{ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ } . أجل ، انهم لا يرضون إلا عمن يؤمن بهم وبامتيازهم واستغلالهم . . ان هذا في مقاييسهم قدس الأقداس ، وان كفر باللَّه ، وجميع الأنبياء والمرسلين . . أما من يكفر بظلمهم وطغيانهم فإنه عندهم شر الأولين والآخرين ، وان كان ولي الأولياء . . ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من أنهم يتهمون الوطنيين الأحرار منهم ، ويرمونهم بالمروق من الدين ، لا لشيء إلا لأنهم يستنكرون السياسة الاستعمارية ، والتفرقة العنصرية . . ومع هذه التهمة الظالمة يزعمون أنهم حماة الدين ، وحراسه من الإلحاد والملحدين .

وتسأل : ان قولك هذا هو الواقع الذي نراه ونشاهده ، ولكنه لا يصلح تفسيرا للآية ، لأن الظاهر منها انهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون يؤمنون باللَّه والقرآن والتوراة والإنجيل ؟ .

الجواب : ان ظاهر الآية يدل صراحة على أن اللَّه سبحانه أمر نبيّه الكريم أن يقول لهم : هل لنا من ذنب يستوجب منكم هذا العداء إلا أننا على حق ، وأنتم على باطل ، تماما كما يقول - الوطني المخلص لخصمه العميل الخائن - هل تنقم مني إلا أني وطني ، وانك عميل ؟ .

وليس من شك ان هذا المعنى يتفق مع تفسيرنا للآية ، بل هو أظهر مصاديقها وأفرادها . وقد تنبه إلى ذلك صاحب مجمع البيان ، حيث جاء في تفسيره :

« معنى الآية هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم ، أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون انّا على حق ، وانكم أقمتم على دينكم لمحبتكم الرياسة ، وكسبكم بها الأموال - ثم قال - ومعنى فاسقون خارجون عن أمر اللَّه طلبا للرئاسة » .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 83-86 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ } { إلخ } قال الراغب : الهزء مزح في خفية ، وقد يقال لما هو كالمزح (انتهى) ، وقال : ولعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا ، يلعب لعبا ، (انتهى) ، وإنما يتخذ الشيء هزؤا ويستهزئ به إذا اتخذ به على وصف لا يعتنى بأمره اعتناء جد لإظهار أنه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه ، وكذا الشيء يلعب به إذا كان مما لا يتخذ لواحد من الأغراض الصحيحة العقلائية إلا أن يتخذ لبعض الشئون غير الحقيقية فالهزؤ بالدين واللعب به إنما هما لإظهار أنه لا يعدل إلا بعض الأغراض الباطلة غير الصحيحة وغير الجدية ، ولو قدروه دينا حقا أو قدروا أن مشرعه والداعي إليه والمؤمنين به ذووا أقدام جد وصدق ، واحترموا له ولهم مكانهم لما وضعوه ذاك الموضع فاتخاذهم الدين هزؤا ولعبا قضاء منهم بأن ليس له من الواقعية والمكانة الحقيقية شيء إلا أن يؤخذ به ليمزح به أو ليلعب به لعبا.

ومن هنا يظهر أولا : أن ذكر اتخاذهم الدين هزؤا ولعبا في وصف من نهي عن ولايتهم إنما هو للإشارة إلى علة النهي فإن الولاية التي من لوازمها الامتزاج الروحي والتصرف في الشئون النفسية والاجتماعية لا يلائم استهزاء الولي ولعبة بما يقدسه وليه ويحترمه ويراه أعز من كل شيء حتى من نفسه فمن الواجب أن لا يتخذ من هذا شأنه وليا ، ولا يلقي أزمة التصرف في الروح والجسم إليه.

وثانيا : ما في اتخاذ وصف الإيمان في الخطاب في قوله : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } من المناسبة لمقابلته بقوله : { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } وكذلك ما في إضافة الدين إليهم في قوله : { دِينَكُمْ }.

وثالثا : أن قوله : { وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } بمنزلة التأكيد لقوله : (لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً) } (إلخ) ، بتكراره بلفظ أعم وأشمل فإن المؤمن وهو الآخذ بعروة الإيمان لا معنى لأن يرضى بالهزء واللعب بما آمن به فهؤلاء إن كانوا متلبسين بالإيمان ـ أي كان الدين لهم دينا ـ لم يكن لهم بد من تقوى الله في أمرهم أي عدم اتخاذهم أولياء.

ومن المحتمل أن يكون قوله : { وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إشارة إلى ما ذكره تعالى من نحو قوله قبيل آيات : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } والمعنى : واتقوا الله في اتخاذهم أولياء إن لم تكونوا منهم ، والمعنى الأول لعله أظهر.

قوله تعالى : { وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً } (إلخ) تحقيق لما ذكر أنهم يتخذون دين الذين آمنوا هزوا ولعبا ، والمراد بالنداء إلى الصلاة الأذان المشروع في الإسلام قبل الصلوات المفروضة اليومية ، ولم يذكر الأذان في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع ـ كما قيل ـ.

والضمير في قوله { اتَّخَذُوها } راجع إلى الصلاة أو إلى المصدر المفهوم من قوله : {إِذا نادَيْتُمْ} أعني المناداة ، ويجوز في الضمير العائد إلى المصدر التذكير والتأنيث ، وقوله : { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } تذييل يجري مجرى الجواب عن فعلهم وبيان أن صدور هذا الفعل أعني اتخاذ الصلاة أو الأذان هزوا ولعبا منهم إنما هو لكونهم قوما لا يعقلون فلا يسعهم أن يتحققوا ما في هذه الأركان والأعمال العبادية الدينية من حقيقة العبودية وفوائد القرب من الله ، وجماع سعادة الحياة في الدنيا والعقبى.

قوله تعالى : { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ } (إلى آخر الآية) قال الراغب في مفردات القرآن : نقمت الشيء (بالكسر) ونقمته (بالفتح) إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة ، قال تعالى : {وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ} ، {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ} ، {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا} (الآية) والنقمة : العقوبة قال تعالى : { فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ } انتهى.

فمعنى قوله : { هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا } { إلخ } : هل تنكرون أو تكرهون منا إلا هذا الذي تشاهدونه وهو أنا آمنا بالله وما أنزله وإنكم فاسقون؟ نظير قول القائل : هل تكره مني إلا أني عفيف وأنك فاجر ، وهل تنكر مني إلا أني غني وأنك فقير؟ إلى غير ذلك من موارد المقابلة والازدواج فالمعنى : هل تنكرون منا إلا أنا مؤمنون وأن أكثركم فاسقون.

وربما قيل : إن قوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ } بتقدير لام التعليل والمعنى : هل تنقمون منا إلا لأن أكثركم فاسقون؟.

وقوله : { أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ } في معنى ما أنزل إلينا وإليكم ، ولم ينسبه إليهم تعريضا بهم كأنهم إذا لم يفوا بما عاهدوا الله عليه ولم يعملوا بما تأمرهم به كتبهم فكتبهم لم تنزل إليهم وليسوا بأهلها.

ومحصل المعنى : أنا لا نفرق بين كتاب وكتاب مما أنزله الله على رسله فلا نفرق بين رسله ، وفيه تعريض لهم أنهم يفرقون بين رسل الله ويقولون : {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} كما كانوا يقولون : {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً } [النساء : 151] .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص23-25 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *  وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } [المائدة : 57-58] .

يحذر القرآن في الآية المؤمنين من اتّخاذ أصدقاء لهم من بين المنافقين والأعداء ، إلّا أنّه لأجل استثارة عواطف المؤمنين واستقطاب انتباههم إلى فلسفة هذا الحكم خاطبهم بهذا الأسلوب ، كما تقول الآية : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ...}.

ولتأكيد التحذير تقول الآية في الختام : {وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بمعني أنّ التودد مع الأعداء والمنافقين لا يتناسب  والتقوى والإيمان أبدا.

«الهزو» هو الكلام المصحوب بحركات تصور السخرية ، ويستخدم للاستخفاف والاستهانة بشيء أو شخص معين ، وفسّر «الراغب» في كتابه (المفردات) الهزو بأنّه يقال لفعل المزاح والاستخفاف الذي يصدر بشأن شخص في غيابه ، كما يطلق في حالات نادرة على المزاح أو الاستخفاف الذي يحصل بشخص معين في حضوره.

أمّا «اللعب» فهو الذي يصدر عبثا وبدون هدف صحيح ، أو خاليا من أي هدف وسمّيت بعض أفعال الصبيان لعبا لنفس السبب.

والآية الثّانية من الآيتين الأخيرتين تتابع البحث في النهي عن التودد إلى المنافقين وجماعة من أهل الكتاب الذين كانوا يستهزئون بأحكام الإسلام ، وتشير إلى واحد من ممارساتهم الاستهزائية دليلا وشاهدا على هذا الأمر ، فتقول : {إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ...} (2).

بعد ذلك تبيّن الآية الكريمة دوافع هذا الاستهزاء ، فتذكر أنّ هذه الجماعة إنّما تفعل ذلك لجهلها وابتعادها عن الحقائق ، فتقول : {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}.

{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 59] .

في هذه الآية يأمر الله نبيّه صلى الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن سبب اعتراضهم وانتقادهم للمسلمين ، وهل أنّ الإيمان بالله الواحد الأحد والإعتقاد بما أنزل على نبي الإسلام  والأنبياء الذين سبقوه يجابه بالاعتراض والانتقاد ، حيث تقول الآية : {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ...} (3) .

وتشير هذه الآية ـ أيضا ـ إلى جانب آخر من جوانب صلف ووقاحة اليهود وتطرفهم غير المبرر ، ونظرتهم الضيقة الآحادية الجانب التي دفعت بهم إلى الاستهانة بكل شخص ودين غير أنفسهم ودينهم ، وهم لتطرفهم ذلك كانوا يرون الحقّ باطلا والباطل حقّا.

وتأتي في آخر الآية عبارة تبيّن علّة الجملة السابقة ، حيث تبيّن أن اعتراض اليهود وانتقادهم للمسلمين الذين آمنوا بالله وبكتبه ، ما هو إلّا لأنّ أكثر اليهود من الفاسقين الذين انغمسوا في الذنوب ، ولذلك فهم ـ لانحرافهم وتلوثهم بالآثام ـ يعيبون على كل إنسان ظاهر اتباعه للصواب وسيره في طريق الحقّ حيث تؤكّد الآية : {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ}.

وبديهي أنّ المقاييس في محيط موبوء بالفساد والفسق ، تنقلب ـ أحيانا ـ بحيث يصبح الحقّ باطلا والباطل حقا ، ويصبح العمل الصالح والإعتقاد النزيه شيئا قبيحا مثيرا للاعتراض والانتقاد ، بينما يعتبر كل عمل قبيح شيئا جميلا جديرا بالاستحسان والمديح ، وهذه هي طبيعة المسخ الفكري الناتج عن الانغماس في الخطايا والذنوب إلى درجة الإدمان .

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الآية تنتقد جميع أهل الكتاب ، وواضح أنّها عزلت حساب الأقلية الصالحة بدقة عن الأكثرية الآثمة باستخدام كلمة (أكثركم) في العبارة الأخيرة منها.

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 558-563 .

2. اختلف المفّسرون في الضمير الوارد في كلمة (اتّخذوها) هل يعود إلى الصّلاة أو إلى النداء وتفيد أسباب النّزول ـ التي أشير إليها سابقا ـ صحة الاحتمالين ، لأنّ المنافقين والكفار كانوا يستهزئون بالآذان والصّلاة معا ، لكن ظاهر الآية يعزز الاحتمال الأوّل ، أي أن الضمير يعود على الصّلاة .

3. إنّ كلمة «تنقمون» مشتقة من المصدر «نقمة» وتعني في الأصل إنكار شيء معين نطقا أو فعلا كما تأتي بمعنى إيقاع العقاب أو الجزاء .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .