المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مميزات لحم السمان
2024-04-28
مميزات بيض السمان
2024-04-28
انواع السمان
2024-04-28
تمييز الجنس في السمان
2024-04-28
الاستخدامات التحليلية للبوليمرات شبكية التداخل
2024-04-28
البوليمرات شبكية التداخل الآنية Simultaneous IPNs (SIN)
2024-04-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الاثار المترتبة على الإيمان بالله وشريعته  
  
6806   11:13 صباحاً   التاريخ: 28-4-2017
المؤلف : صالح عبد الرزاق الخرسان
الكتاب أو المصدر : تربية الطفل واشراقاتها التكاملية
الجزء والصفحة : ص241-265
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-20 964
التاريخ: 15-4-2016 2088
التاريخ: 31-8-2020 4073
التاريخ: 2-1-2020 2898

في الحقيقة بمكان ان للإيمان بالله سبحانه وتعالى وبشريعته الغراء وقوانينه الحكيمة ومفردات مناهجه القيمة في التربية والتهذيب والتعليم وتنظيم الحياة وحل مشاكل الانسان وتكامله لها من الاثار مما يفوق الوصف ويعجز اللسان عن بيانه وتوضيحه.

لأن الحضارة الانسانية المزدهرة قد شُيّدت عليه وهي أثر من آثاره العظيمة لان أركانها وثقافتها كانت ولا تزال على عاتق المؤمنين من البشر لأنهم وحدهم يملكون الارادة القوية في مواجهة التحديات وتحمل الصعاب والاهوال الثقال والآلام وهم الصابرون الثابتون عند الشدائد والمفاجآت. وقطعا ان الذي لا يملك الايمان المتين لن يستطيع الصمود ومواصلة المسير وتحقيق الطموحات والاهداف والغايات.

نعم ان الايمان شيء عظيم وقد اكد عليه الاسلام تأكيداً منقطع النظير وآثاره واضحة في ارتقاء الانسان وتكامله ونجاحه في الحياة.

سواءً كان في مرحلة الطفولة او ما بعدها ومن هذه الاثار المترتبة على الايمان وشريعته نذكر ما يلي :

1ـ الإيمان اساس الاستقرار وطمأنينة النفس:

كما قلنا إن للإيمان اثاراً عظيمة في تحقق التقدم البشري وارتقائه وتكامله وهو سر نجاح الانسان وظفره بالمقصود، وكثيراً ما عبر عنه بانه الاساس القوي لاستقرار الانسان وطمأنينة نفسه وانشراح صدره وعلو همته وتحقيق مآربه.

وقد اكد علماء النفس عليه وقالوا: إن للإيمان قدرة عظيمة وثماراً عجيبة في علاج الآلام الروحية والامراض النفسية وايجاد الطمأنينة والراحة وهدوء البال.

وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28] وتستقر الانفس وتبتهج الصدور.

أجل، ان ذكر الله تبارك وتعالى المستمر والايمان به والتوكل عليه، يطمئن القلب ويشرح النفس، ويمنح الطاقة اللازمة لمواجهة المشاكل والمواقف الصعبة التي تنهك الانسان وتسلبه الارادة والامل، وتمنح تلك النفس المنهزمة اثرا فاعلا وايجابيا فيحولها إلى نفس قوية مطمئنة تصمد امام الخطوب، وتحقق الانتصار في نهاية المطاف.

يقول عالم النفس المعاصر (يونك) ما نصه :

(لم نكن نجد بين المصابين بالأمراض النفسية من اصحاب الاعمار (35) عاماً والاكثر حتى شخصاً واحداً لم تكن ترجع مشكلته النفسية إلى عوز في (الإيمان الديني) والافضل ان نقول :ان كل واحد منهم كان مريضا بعلة (انعدام معطيات الدين فيه) ولم يعالج ولم يشف أي واحد منهم من دون استعادته لأيمانه الديني)(1).

نعم، ان الإيمان الديني هو صمام الامان والنافذة الهامة لإيجاد التوازن في الرغبات النفسية والاهواء التي هي منشأ لكثير من الاضطرابات والالام وبالأيمان الديني يعتدل سلوكه ويتوازن جسده مع روحه وتتكامل صورة الحياة عنده خصوصا وان اعتقاد الانسان بوجود حياة اخرى ينتقل اليها بعد وفاته سيجعله اكثر تفاؤلاً واعتدالا، وبالتالي سيحدث ذلك في نفسه طمأنينة

خاصة وارتياحاً عاماً.

ولا شك ان الايمان بالله تعالى والحياة الاخرة، والرجاء في تحصيل الثواب والخوف من العقاب يجعل الانسان اكثر توازناً في حب الاموال واكتنازها والتي كانت تشكل عاملا مهما من عوامل الهم والغم واضطراب الخواطر النفسية، وطبيعي ان هذا التوازن والتعادل الذي وجد في اعماق الانسان بواسطة الايمان بالله وتنفيذ قواعد الدين سيخلق للإنسان الطمأنينة والراحة النفسية، والاستقرار في الحياة.

أضف إلى ذلك إن اعتقاد الانسان بوجود الجنة والنعيم الدائم للمطيعين والمحسنين ووجود الجحيم والعذاب الاليم للعاصين والمستكبرين يخلق في نفس الانسان تواضعا وشعوراً انسانيا وحبا للآخرين، مما يمهد له الطريق إلى أن يكون محبوباً عند الجميع، وهذا بدوره يؤدي إلى رضاه عن نفسه وتحقيق سعادته، هذا من جهة.

ومن جهة اخرى سينعدم عامل اخر من عوامل الاضطراب والقلق النفسي ألا وهو تصور العدم والفناء المطلق بعد موته الذي كان يقض مضجع الانسان ويثقل كاهله.

وعلى كل حال فان الايمان بالله عز وجل ودينه القيم هو القوة الرصينة والقدرة التي لا تزلزل والتي اذا حلت في قلب بشر فانه لم يصب بقلق اصلا وقطعا بل يستطيع ان يقف شامخا في احرج المواقف واقسى الظروف

ويقول (ويليام جيمس) ابو علم النفس الحديث واستاذ الفلسفة في جامعة (هارفرد) ما نصه:

( ان اشد العقاقير تأثيراً في رفع القلق هو الايمان بالله والاعتقاد الديني) (2). ويقول ايضا في نفس المصدر:

( ان الايمان هو احد القوى البشرية التي يحيا الانسان بمددها وان فقدانها الكامل يعني سقوط الانسانية)(3).

والواقع، ان الايمان بالله العظيم وبشريعته الانسانية الخالدة لا يرفع الاضطراب والقلق النفسي والآلام فحسب وانما يوجد درعا قويا وحصانة خاصة ضد كل ما من شانه ان يقلق النفس ويؤلمها ويؤذيها او يهجم عليها لقول الله سبحانه في قرآنه المجيد: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:139].

اجل، ان البشرية لا تضعف ولا تحزن البتة، ولا تنزل عن سنام المجد والمقام الرفيع لكن شريطة ان تؤمن بالله العزيز الحكيم، وتجسد قواعد الاسلام الحقيقي في دنيا الوجود، وواقع السلوك ومفردات الحياة كافة ولا ريب في ذلك على الاطلاق؛ لان الله وحده القادر على ان ينزل السكينة والامان والسلام في القلوب والنفوس وواقع الحياة، لذلك فأولياؤه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ولنقرا ماذا يقول القرآن الكريم:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح: 4]

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام: 82]

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62]

نعم، لقد انزل الله سبحانه السكينة في قلوب المؤمنين حصراً، وليس في قلوب الكافرين والمشركين، وهو الذي منح الامن لمن آمن إيماناً خالصا نقيا من شوائب الظلم والعصيان والتعدي، فهم في راحة واطمئنان وسعادة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ليس في حياتهم الدينا وحسب وانما في الاخرة ايضاً، ولمثل هذا فليعمل العاملون.

يقول امير المؤمنين (عليه السلام) في احدى خطبه:

(ان الله تعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمح به الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة وما برح الله ـ عزت آلاؤه - في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات رجال ناداهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم)(4).

نعم، هذا حال المؤمنين، وهذه اوصافهم، وثمرات ايمانهم فهل يدانيهم احد في الكون من ماديين او غيرهم وهل يحق لنا ان نقيسهم بغيرهم في مواجهة الخطوب والاحداث؟!

قطعا : لا وألف لا. فأين الثرى من الثريا ؟!

يقول احد مؤرخي السيرة: ( إن إحدى النساء المسلمات في المدينة بلغها الخبر: أنها قد فقدت في جبهة حرب (أحد) ثلاثة من أعزاءها، فتوجهت نحو (أحد) ومعها جمل كي تحمل عليه اجساد أعزاءها الشهداء، وحملت اجساد أعزاءها المضرجة بدمائها على البعير ورجعت بهم نحو المدينة. وفي اثناء الطريق تلاقت معها عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه واله) كانت قد خرجت في نسوة تستروح الخبر ـ ولم يضرب الحجاب يومئذ – لقيتها وهي هابطة من بني حارثة إلى الوادي بمنقطع الحرة، فقالت عائشة:

(عندك الخبر، فما وراءكِ)

فقالت هند بنت عمرو بن حزام : خيراً، اما رسول الله فصالح وكل مصيبة بعده جلل)(5).

اجل ، ما أعظم هذا الايمان؟ وما ادراك ما هو؟ فقد منح روح هذه الثكلى التي فُجِعت بأولادها الثلاثة دفعة واحدة !!

هكذا رباطة الجأش والاطمئنان والسكون والهدوء؟.!

إذن، فما علينا الا ان نغرس هذه المثل وبأسلوب شيق في نفوس اطفالنا وشبابنا وان نتدبر ونحاسب انفسنا قبل ان نحاسب، ونرجع إلى عقولنا ورشدنا ونعيد كل حساباتنا ونؤوب إلى الله خالقنا ونؤمن به ايماناً خالصاً ونعمل بكل ما اوتينا من طاقة وقدرة من اجل تنفيذ قواعد دينه وقوانين شريعته على واقع حياتنا، وان نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وندعو الآخرين إلى الله الحكيم المتعال بالحكمة والموعظة الحسنة. ليتحقق الصلاح والاصلاح، وتعم الفضيلة والطمأنينة في نفوس الاطفال والشباب وعموم البشرية في أرجاء المعمورة، وننعم جميعاً بالسعادة والاستقرار والخير النعيم.

2- الايمان اساس الارادة الصلبة :

إن الحقيقة والواقع يصرحان ويؤكدان تأكيدا لا يقبلان الشك والمواربة: ان الظفر وتحقيق الآمال والنجاح في الحياة لا يحصل من دون ارادة صلبة وان الارادة القوية لا بد ان تحتاج إلى مستند ثابت ومتين، ألا وهو: الايمان، فالإرادة لازمة للإيمان هو ملزوم الارادة فالنسبة بينها لازم وملزوم.

ولكن احيانا قد يتوفر الايمان عند شخص معين بأمر ما ولكنه لا يملك الارادة بخصوص تحقيق ذلك الامر الذي يؤمن به، ولم يعمل بجد وفاعلية فانه سيفشل حتما ولن يستطيع ان يصل إلى هدفه البتة لان التوفيق مرهون بسعي الفرد ونشاطه أي توفر الايمان والارادة معا لذا فان الله سبحانه يقول : {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]. اذن ، فلا بد من السعي لتحقيق الذي يسعى اليه: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}[النجم:40] {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:41] أي الجزاء التام.

واحيانا اخرى : قد يتمتع الفرد بقوة الارادة ولكنه يفتقر إلى سلاح الايمان فانه يظل يعمل

ويسعى ولكنه متى ما اصطدم بمعوقات وعراقيل وصعوبات مستعصية الحل انطفأت شعلة الامل في نفسه وبدأ يشك في قدراته وامكاناته ويدب عدم الثقة بنفسه شيئا فشيئاً. وعندئذ سيفشل ايضا ولن يتمكن من مواصلة اعماله وسعيه وتحقيق هدفه.

وحينئذ لا يجبره وينجيه من هذه الورطة والحالة المغلقة التي يعيشها الا اللجوء إلى الله سبحانه والتوكل عليه. والايمان بقدرته الازلية وتوفيقه بحل ما تعرض اليه من مشاكل وصعوبات واضطرابات، فالمؤمن الذي يؤمن بالله ويتوكل عليه في احلك الظروف واقصى الصعوبات واشد اللحظات، ويملك الارادة الصلبة المستندة على الايمان الراسخ، بقدرة الله في حل المشاكل وإزالة العراقيل، فانه سينجح حتما في مساعيه وتحقيق اهدافه لان عناية الله تعالى ورعايته ستشمله وتعنيه في تذليل الصعاب وتحقيق المنشود من الآمال.

يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم محمداً (صلى الله عليه واله) وآمره بالتوكل عليه حينما يعزم على تنفيذ امر وتحقيقه في الوجود: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[آل عمران:159] وقال تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:3].

نعم، إن الانسان المؤمن إذا توفرت له العزيمة الراسخة والارادة الثابتة زائدا التوكل على الله عز وجل فان شعلة الأمل والثقة بالنفس لن تنطفئ ابدا وسيظفر النجاح والفلاح وتحقيق المأمول والمرجو من الاهداف.

والحقيقة ان الانسان اذا اعتقد وادرك ان الله سبحانه وتعالى ـ ومن باب لطفه بعباده ـ انه سينصر اذا نوى على عمل الخير والصلاح وسعى بجد ونشاط من اجل تجسيدهما على الواقع، وسيوفقه في ذلك.

فانه سيواصل العمل ولن يتركه حتى يتمه ويتوفق في انجازه فانه بهذه الروحية العظيمة سيتغلب في ميدان اختياره العملي على كل المعوقات والاخطار والصعوبات التي تقطع طريق التقدم على الاخرين، بل سيزداد رقياً وجرأة وقدرة بقدر ما يواجهه من اخطار ونكسات ومشاكل، ولن يترك مشروعا بدأ به حتى يصل إلى نهاية المطاف ومراحل الانجاز النهائية.

ولولا هذه الروحية الكبيرة وهذا الايمان العظيم الذي منحه الاسلام الحنيف إلى اتباعه ومحبيه لما استطاعوا ان يفتحوا طريقهم بين المشكلات والتعسفات، وينشروا النور والهداية في أصقاع الدنيا.

وقطعا انهم بذلك اعانوا الانسانية على السعادة والتطور والتقدم بهمة عالية وعزيمة لا تلين، ولا غرو في ذلك البتة، لأنهم لم يألوا جهدا في سبيل تقدم الامم وازدهارها ورقيها.

وعلى كل حال فان الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) والجماعة الصالحة التي اوجدها من اولياء واصفياء واتقياء الذين تخرجوا من جامعة الاسلام الكبرى ومدرسة اهل البيت (عليهم السلام) العظيمة لهم الفضل الاكبر في انقاذ الانسانية من دياجير الجهل والضلالة إلى نور العلم والهداية، ومن البدع انواع الرذيلة إلى الحق والحقيقة والفضيلة، لأنهم بحق رجال التحرر والعلم والفضائل واصحاب الشهامة والمتابعة، والارادة الصلبة والإيمان الثابت الذي لم يتزلزل قط .

رغم المكر والحرب والخديعة وصنوف الاذى والتشوية الذي لا قوة من اتباع مدرسة البغي والشيطان.

وقد بقيت اسماؤهم لامعة في التاريخ وتقدسهم الاجيال جيل بعد جيل كأبي ذر الغفاري والمقداد وسلمان وعمار ومالك الاشتر ومن هم على شاكلتهم، وعلى رأس هؤلاء الصفوة الامام المعجزة علي (عليه السلام) وابناؤه البررة الحسن والحسين وابي الفضل وابن الحنفية وشهداء ملحمة الطف الخالدة الذين ضربوا اروع الامثلة في البطولة والتضحية والفداء والجهاد والايمان والفضيلة والايثار وقد تعطر بشذاهم الدهر ولم يزل وحتى نهاية الحياة. فهم بحق عطر الحياة، وحياة العزة والكرامة والحرية والاباء....

فهذا علي (عليه السلام) امير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم وسيد المسلمين، الاسطورة الايمانية الالهية والنموذج الكامل للرجال الشجعان الذين لا يعرفون الهزيمة قط في الوغى وسوح الجهاد الذي نادى جبرائيل ورضوان وغيرهما باسمه فامتلأت ارجاء الفضاء : لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار.

نجد هذا البطل الشامخ يقوي عزيمة ابنه محمد بن الحنفية ويشحذ همته عندما دفع له الراية ليقاتل جيش الغدر والنفاق والخيانة الذي استعد لحربة في البصر، بقوله الشريف:

(تزول الجبال ولا تزُل، عُضْ على ناجذِكَ، أعِر الله جمجمتك تِد في الارض قدمك، ارمِ ببصرك اقصى القوم او غُض بصرك، واعلم بان النصر من عند الله سبحانه)(6).

ويقول (عليه السلام) في احدى كلماته ودرره:

(والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيتُ عنها)(7).

وقد قال (عليه السلام) لهمام :

(يا همام المؤمن نفسه اصلب من الصلد)(8).

وهنا الإمام (عليه السلام) يضمن كلماته ودرره هذه دروسا في الاقدام والصرامة والشجاعة، لان النصر معقود عليها، وبالنصر تتغير مجرى الحوادث ويتحقق ما لم يكن بالحسبان من حيث قوة الحركة وفاعلية النشاط . فالشدة والشجاعة وقوة الارادة في الرجال تسرع في تقدمهم نحو تحقيق آمالهم وطموحاتهم المرسومة، وتحل كل عقد المشاكل في طريقهم.

وعليه، فان الارادة الصلبة المستندة على الايمان الثابت هي الاساس في انجاز أي مسعى وتحقيق كل الاهداف المنشودة، والسعادة المطلوبة. لذلك يتحتم على الاباء والمربين والمعلمين ان لا تغيب عنهم هذه الامور وهم يؤدون دورهم التربوي والتعليمي، وان يسعوا بجد ونشاط واهتمام بالغ بغرس الايمان بالله العلي القدير وشريعته المتكاملة في نفوس الاطفال وجميع المتعلمين، وتقوية ارادتهم وعزائمهم خصوصا عند الشدائد والظروف الصعبة والحساسة.

لكي يصبحوا رجالا اشداء يثقون بأنفسهم ويعبدون ربهم، ويخدمون امتهم ووطنهم، ويحققون اهدافهم وسعادتهم في الحياة.

وعلى المربين ايضا، ان يعملوا على تقوية ارادة الناشئة وكل المتعلمين وذلك بتلقين نفوسهم بالطموحات الكبيرة والآمال العالية، وبعث روح العمل الجدي بتحقيق تلك الآمال والطموحات لان ذلك من العوامل الهامة في دعم ارادتهم، والوصول إلى مقاصدهم ورفاهيتهم، وازدهار حياتهم.

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) بهذا الصدد:

( تنافسوا في الاخلاق الرغيبة، والاحلام العظيمة، والاخطار الجليلة، يعظم لكم الجزاء)(9).

اجل ان الذي لا يتصور الآمال العظيمة ولا يستوعب تحقيقها لنفسه فان احتمال توفيقه قليلا جدا وانه بذلك، سيطفئ ما كان يمكن ان يكون له من لياقة وجدارة وتقدم ورقي وثقة بالنفس كبيرة.

3- الإيمان اساس التسليم لأمر الله والرضا بقضائه:

ان الايمان امر عظيم واساس متين للتسليم بأمر الخالق الحكيم، والرضا بقضائه، لأن من لا

يملك الايمان بالله سبحانه سيهزم امام عوامل الطبيعة غير الملائمة له، لأنه يرى نفسه ضعيفا مقهورا منهزما امام قواها، ولم يجرأ على مواجهة المصاعب والمصائب وقد تجرفه مشاكل الحياة ويغرق في خضم بحرها المتلاطم او سيولها المهاجمة الجارفة.

وهذا خلاف الشخص الذي يستند إلى منطق الايمان بالله العزيز القادر ذي المشيئة القاهرة والمؤثرة في نظام الخلقة والسنن الكونية دون غيره، ويعتقد ان ما يحصل له من مشاكل وأحداث مؤلمة قد تكون فيها المصلحة والحكمة من تطهير وتهذيب، وتكامل، لأنها وقعت خارج إرادته وبعيدة عن إطار اختياره ورغبته.

أو أن ما يصادفه في حياته ويلاقيه من امراض او مشاكل او ضنك في العيش والحياة، وانما هو يحصل من باب الاختيار والامتحان لان به يُكرم المرء او يُهان. وبناء على هذا كله، فانه لا يسمح لمشاكله ومصائبه ان تفقده الامل في الحياة وتحبط قواه الروحية.

بل انه على العكس من ذلك سيبقى متماسكا ومحتفظا باتزانه واطمئنانه، ولا ابالغ اذا قلت : انه سيزداد متعة روحية وصلابة معنوية كلما تزايدت الامه نتيجة استعانته بالله وقدرته البالغة.

قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران:186].

أجل، لابُد من الابتلاء والاختبار في المال والنفس والمصائب، فالمؤمن يصبر عند الشدائد حتى يُبدّل خوفه وتردده امنا واستقامة وصموداً، نعم ان الايمان يهزم الخوف واليأس والمشكلة، ويحقق النصر والتزكية والتهذيب الروحي، بل السعادة ايضاً.

إن الانسان في ظل الايمان لا ينسى تكاليفه مهما كانت الظروف وشدة الآلام وقوة المشاكل، فهو يعمل بأوامر الله عز وجل بأحسن وجه، ولم يفقد توازنه تحت أي ضغط خارجي؛ لان اعتقاده بحكمة الله وعدله وقدرته، وعمله بانه سبحانه لا يعمل الا ما فيه المصلحة والحكمة، كل ذلك يوجد في كيانه التعادل والتوازن والرضا بقضاء الله سبحانه.

حينما مرض (جابر بن عبد الله الانصاري) الصحابي الجليل خريج مدرسة الرسول والرسالة واهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين جاء الإمام محمد الباقر (عليه السلام) لعيادته في بيته وسأل عن حاله.

فقال له جابر : اصبحت ارى الهرم خيراً من الشباب، والسقم خيرا من السلامة، والموت خيرا من الحياة!!

فقال له الإمام (عليه السلام) :

(ولكننا آل رسول الله لسنا كذلك. فما ارتضاه الله لنا من السقم او السلامة والشباب او الهرم، والموت او الحياة، قبلناه وصبرنا على مصائب الحياة).

أجل، فما ارتضاهُ الله سبحانه لأهل بيت النبوة من سقم او سلامة. من موت او حياة قبلوه ورضوا به، وصبروا على مصائب الحياة، فهم القدوة والاسوة وهكذا هو حال المؤمن عند الشدائد والمصائب لأنه يصبر على قضاء الله تعالى ويسلم لأمره ويقتدي برسوله (صلى الله عليه واله) واهل بيته الكرام (عليهم السلام) يقول الفيلسوف (برتراندرسل) ما نصه:

( ان لحالة التسليم والرضا أثراً في تحقيق السعادة، ليس باقل من اهمية السعي والعمل، لذلك ان العاقل في حين لا يبقى عاطلاً امام الحوادث المرة الممكنة التغيير، لا يتلف عمره بالفكرة في التعاسة والشقاء الذي لا بد منه. بل حتى في الامور غير المرغوب فيها الممكنة التغيير اذ كان ما يقتضيه دفعها من الوقت والجهد يعوقه عن الهدف الاسمى استسلم للأمر الواقع.

وقد يغضب البعض من حدوث بعض الامور غير المرغوب فيها حتى الجزئية منها ويفور من الغضب لذلك وبذلك فهو يهدر كمية من طاقاته كان بالإمكان ان تصرف في افضل من ذلك حتى في العمل من اجل الاهداف المهمة جدا ليس من العقل ان يعطف الانسان كل فكره وحواسه إلى ذلك العمل بحيث يصبح احتمال الفشل تهديدا دائما لسلامة خياله وفكره.

فإن من شروط التوفيق في أي عمل ان يكون خاليا من شائبة القلق والاضطراب فإنهما قد يعوقان عن التقدم والاطراد والتوفيق. اذن فالصحيح هو ان يقوم الانسان بكل سعيه ثم يفوض الامر إلى القدر)(10).

أجل ، إن تفويض الامر إلى الله تبارك وتعالى والتسليم لأمره والرضا بقضائه له الاثر البالغ في تحقق التوفيق في الاعمال. والسعادة في الحياة ولكن ينبغي ان يفهم القارئ الكريم.

إن التسليم لأمر الله سبحانه والالتزام بالصبر لا يكون الا على ما قدر الله تعالى من امور وقضايا قد لا تكون سهلة، او التي يجهل الانسان معرفتها وقد خرجت عن محيط مقدوره وإرادته، وما عدا ذلك يجب ان يجد ويجتهد ويقوم بدوره الفاعل من اجل التغيير نحو الافضل والاصلح في حاله أي خروج عن الحق او اعتداء عليه.

يقول العالم الانكليزي (آويبوري) ما نصه:

( إن الايمان الديني في ايام التعاسة والشقاء أفضل ما نتوسل به لتسلية أنفسنا وتخفيف ضغط المصاب عنها. إن الخلود في هذه الحياة الدنيا قليل للإنسان وان وراءه الخلود خلود ابدي آخر، والدين يريد ان يحدث روح الانسان عن تلك الابدية ويقنعه بها.

من المسّلم به ان الدين مفيد جدا لاطمئنان القلوب ولراحة الخواطر النفسانية اكثر مما نتصوره بكثير، فان الافكار الدينية بما لها من جمال وظرافة تحررنا من قيود الحياة الاعتيادية فتخرج بنا من هذا العالم الارضي إلى عالم اعلى واوسع واجلى وأطيب للقلوب.

إن الدين لا يقول لنا بأن لا نعتني بحياتنا الدنيا بل انما يقول لنكن في حياتنا شرفاء عفيفين وقورين، لا نترك ازمة نفوسنا لأهوائنا، ولا نحرق ارواحنا بنار الحرص والطمع ولا بنار الظلم في بيدر آمال الاخرين.

ان الدين يريد أن يحدّ حبنا لأنفسنا والذي لا يزال يتعالى ويطغى كشيطان مهول، يحدّه لئلا يذهب ابعد من ذلك فيتلاعب بكيان الآخرين. إن الدين يقول لنا لنقض اعمارنا شرفاء فاضلين، وان نجعل التقوى قائدنا متبعين لتسكن ارواحنا وترتاح ضمائرنا ونروى من ينابيع السعادة الابدية.

ان الحياة مليئة بالحوادث، وما يسترعي انتباهنا نحوه متغيّر بدوره، ولعلّه يفنى في طي الحوادث، وحينئذ تحيط بأرواحنا ظلمات مهولة فنحس بأننا قد سئمنا من الحياة، فلا خوف فينا ولا أمل ولا حب بنا ولا بغض، وهذه الازمة الغريبة لو أضيف اليها ضعف النفس أدت إلى الانتحار.

يقول ماركوس: ( إن صنع القول بالمبدأ او المعاد فما أحلى الموت، وإلا فما امر طعم الحياة).

واحياناً ترتفع الافكار الدينية بنا إلى اسمى حدود حياتنا المادية فتطير بنا في بطون السماوات.

حرّروا افكاركم من قيود الحياة وفكروا في أسرار الابدية والحياة والموت ودقائق الكائنات. فبهذه الطريقة فقط نتمكن من أن نتحرر من اضطرابات الحياة، وذلك بان نجعل اوهام الطفولة تحت اقدامنا ونرتقي عليها، ونبحث في عالم الافكار والتصورات عن الجمال والسرور والسعادة)(11).

وكتب عالم النفس (دايل كارينجي) ما نصه :

( كان أبي يئن تحت ثقل الديون والفقر والتعاسة والشقاء بحيث فقد صحته وسلامته لذلك، وقال الطبيب لأمي: لم يبق من عمر ابي سوى ستة اشهر، وقرر ابي تكرار ان ينهي حياته بتعليق نفسه بالحبال او بإغراق نفسه في الأنهار... ثم قص ابي عليّ بعد سنين يقول:

إن العامل الوحيد الذي منعني إذ ذاك من الانتحار هو الايمان الثابت والراسخ لأمك، فإنها كانت ترى اننا لو اجبنا ربنا واتبعنا أوامره واطعناه صلحت جميع امورنا وكان الحق معها، فقد صلحت بالتالي جميع امورنا وعاش ابي بعد ذلك اثنين واربعين عاما عيشة هانئة وفي طول كل تلك السنين المليئة بالآلام والمشاكل لم تقلق امي قط. كانت ترفع شكواها عن المشاكل  والمصائب إلى ربها، وتدعو ربها في بيتها الصغير في القرية ان لا يحرمنا من حبه وعونه لنا.

كما تهمني وتؤثر في حياتي خواص الكهرباء والماء والطعام الجيد وفوائدها وكذلك تهمني تماما بركات الدين وفوائده ومنافعه وخيراته بل ان الكهرباء والماء يساعدانني في توفير حياة افضل واكمل واكثر راحة ، بينما تزيد فوائد الدين وقيمه عن كل ذلك بكثير جداً.

ان الدين يمنحني الايمان والامل والشهامة ويبعد عني القلق والاضطراب والخوف ويعيّن لحياتي مسارا واهدافا. ان الدين يكمّل لي سعادتي إلى حد كبير يجود علي بصحة وسلامة وعافية ويساعدني على ان اقيم لنفسي بين امواج الحياة. حياة آمنة مطمئنة هادئة)(12).

اجل، إن الايمان الحقيقي بالله سبحانه وبقوانين الاسلام النزيه لان (الدين عند الله الإسلام)- وتنفيذها على واقع الحياة الفردية والاجتماعية والانسانية ستواجه الصعاب وتحل المشاكل ويتخلص من القلق والاضطراب والخوف والآلام وتكتمل السعادة وتتوفر حياة اكمل واكثر راحة واطمئناناً وهدوءًا.

نعم، إن الاسلام والايمان الخالص بثوابته ومفرداته هو الذي يمنح الامل والشهادة والارادة الصلبة في مواجهة التحديات، وهو الذي يعيّن المسار والاهداف للفرد والمجتمع ويساعدهما في ايجاد الهدوء والاطمئنان والهناء بين امواج الحياة المتلاطمة والصاخبة.

ونختم بما قاله العالم الغربي الشهير في القرن العشرين (آينشتاين) بعد ان يشير إلى اختلاف الاديان يقترح دينا يسميه : مذهب الوجود ثم يصف الاحساس الذي يتمتع به المتدين بهذا الدين فيقول:

( في هذا الدين يحس الانسان بصغر آماله واهدافه امام العظمة والجلال الذي يبدو له في افكاره وطبيعته عما وراء الطبيعة. انه يرى وجود سجناً بحيث يحاول دائما ان يطير من هذا القفص فيدرك كل الوجود كحقيقة واحدة) (13).

اجل ، ان الايمان بالله وتجسيد مبادئ الدين على ارض الواقع والسلوك الانساني هو اساس التحرر من سجن الطبيعة وادراك كل الوجود كحقيقة واحدة وبالتالي ادراك السعادة والنعيم بطعمها وشذاها.

اذن، اذا اردنا ان نبني جيلاً واعيا وناشئة قوية تتحمل المسؤولية، وتصد رياح المصائب والمشاكل العاتية وتخرج منتصرة يجب ان نزودها بسلاح الايمان النقي الخالص من الشوائب، الايمان بدين الاسلام الحقيقي الواقعي الذي جاء به رسول الانسانية محمد (صلى الله عليه واله)، وبشّر به هو والائمة الاثنا عشر المعصومون من اهل بيته سلام الله عليهم اجمعين ومن سار على نهجهم وحذا حذوهم حذو القذة بالقذة رضي الله عنهم وارضاهم اجمعين.

4- الايمان اساس السعادة وراحة الضمير:

ان الايمان بالله العزيز العليم وبشريعته الاسلامية الحكيمة، وتنفيذ الاوامر والنواهي الصادرة

عن الله سبحانه يحقق السعادة وراحة الضمير. ان الايمان كنز عظيم وعامل اساسي هام في تربية الانسان وتهذيبه وكماله وترقيته وتقدمه نحو الامام دائما.

ان الايمان يجعل الانسان يتمتع برؤية واقعية في مسيرته الحياتية التكاملية لذا نراه معتدلا في سلوكه وطريقة كسبه وجمع ثروته، قنوعا في حياته ولا غرو ان القناعة كنز لا يفنى كما في المأثور. وقد جاء عن امير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة :

( لا كنز اغنى من القناعة، ولا مال اذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة).

فالقناعة تمنح الانسان الاطمئنان وامن الخاطر، وتبعده عن تطويل الآمال وطوبائيتها التي تسبب القلق والاضطراب النفسي ان القناعة تقود الانسان إلى التقليل من كمية التوقعات والآمال الطويلة العريضة.

وطبعاً ان هذا التقليل سيؤدي بدوره من احتمالات الانكسار والمخيف والهزائم المرة وخيبة الآمال، والحقيقة ان القناعة هي بنفسها (قانون الهناء) وليس غيرها البتة.

نعم ، ان القناعة التي اوجدها الايمان الحقيقي هي التي تصوغ الانسان وتجعله يعرف نفسه ويقنع بطاقاته وقدراته، ولا يتجاوز حدوده وامكاناته وكل هذا بدوره سيؤدي إلى الاطمئنان وراحة الضمير.

أضف إلى ذلك ان من فروع الايمان، هو الايمان بالحياة الاخرة الحياة الابدية الحقيقية التي يجب على الانسان ان يعمل لها لينعم بخيراتها ونعيمها الدائم الذي لم يخطر على قلب بشر نعم ان الايمان بحدوديته وقصر الحياة الدنيا وخلود الاخرة سيمنع النفس من الانطلاق اللامحدود في ملاذ الدنيا وشهواتها، ويجعل دوافع الطمع والانانية والحرص قيد الموازنة والسيطرة، وهذا بدوره سيريح الضمير، ويحقق السعادة والراحة وامن الخاطر والهناء.

اجل ، ان الانسان اذا اعتقد اعتقادا صادقاً وواقعياً بمحدودية فرصة الحياة وقلة متاعها، وكثرة اللذائذ الروحية والادبية فيها فعندئذ لا يبقى يهتم لمتاع هذه الحياة والاندفاع نحوها، ولا يأسف او يحزن على شيء فات منها ابدا وطبعا ان هذا سيخلق عنده سكون القلب وراحة الضمير، والوحدات والثقة وبالتالي يكون سلوكه في هذه الحياة، وتمتعه بلذائذها عن عقل ورؤية وسعادة حقيقية ، وهذا ما نشاهده في حياة الاولياء والمؤمنين الزاهدين في الدنيا وملاذها وعلى راس هؤلاء الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) ووصيه امير المؤمنين علي (عليه السلام) والائمة الأطهار سلام الله عليهم اجمعين، الذين كانوا الاسوة والقدوة للإنسانية جمعاء في كل معلم من معالم الخير والاستقامة ، والاعتدال والفضيلة.

ومما لا يقبل الشك والارتياب، ان هذه المتع المادية الزائلة هي بنظر الانسان المؤمن وسائل للوصول إلى اهداف اثمن وأرقى وليست هي غايات الحياة واهدافها حتى يفقد الانسان الغالي والرخيص او يفقد اعتداله المعنوي، واستقامته الروحية، ويفني عمره كله من اجل تحصيلها والظفر بها.

ويجب ان لا ننسى ان الضغوط النفسية، والقلق والاوهام والاحزان تعمل عملها المهلك والهادم للنفس والجسد على حد سواء لذا يجب ان نطرد تلك الضغوط والاحزان ولا ندعها تستولي على اروحانا وارواح الناشئة من اجل الحفاظ على صحة وسلامة نفوسنا واجسادنا ونفوسهم واجسادهم، ونبعد شبح أي ضرر وهدم وتخريب في كياننا وكيانهم على حد سواء.

يقول امير المؤمنين علي (عليه السلام):

( الحزن يهدم الجسد)(14).  و(الهم ينحل البدن)(15).  و(تجرع الغصص فإني لم ار جرعة احلى منها عاقبة ولا الذ مغبة)(16).

وعلى كل حال فان الايمان الخالص اذا تمكن من نفس الانسان وقلبه وفكره فانه يهديه إلى الخير والاعتدال وراحة البال والضمير، والصبر على الدنيا وما فيها وبالمناسبة ان الصبر والايمان متلازمان لان من لا صبر له لا ايمان له.

جاء عن امير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) انه قال في احدى خطبه في النهج: (ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فمن لا رأس له لا جسد له ومن لا صبر له لا ايمان له).

وجاء عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال:

(اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة فما مضى منها فلا تجد له الما ولا سروراً، وما لم يجيء فلا تدري ما هو وانما هي ساعتك التي انت فيها، فاصبر فيها على طاعة الله واصبروا فيها عن معصية الله)(17).

اجل، ان الايمان اساس للصبر، والصبر فضيلة عظيمة حيث انه مفتاح للفرج من الكروب والشدائد، ووسيلة للظفر بالمأمول وتحقيق الانتصار ، في الحياة، وهل هذا الا مجلبة للسعادة وراحة الضمير والخاطر؟!

اذن، يجب على الآباء والمربين والمعلمين ان يزرعوا الايمان النقي في نفوسهم ونفوس الاطفال والناشئة ليتغلبوا على الصعاب، ويحققوا الامل والنجاح في الحياة، ويعيشوا على قدر كبير من التسامي والرفعة، والاتزان والكمال، والراحة والصحة في العقل والجسم والنفس.

5- الايمان اساس الشعور بالمسؤولية:

من الحقيقة بمكان ان الشعور بالمسؤولية، والالتزام بالتكاليف الشرعية، والمفاهيم الدينية المفروضة على الانسان وتجسيدها على ارض الواقع، من اهم الاسس لسعادة الفرد والمجتمع، لذلك قرر الاسلام ان تبتني تربيته للناشئة والاطفال بصورة خاصة والامة بصورة عامة على الشعور بالمسؤولية.

إن الشعور بالمسؤولية والقيام بأداء التكاليف الشرعية لا يحصلان في الواقع ما لم يكن هناك ايمان ثابت وخالص بالله تعالى وقوانين شريعته الغراء. وعليه ينبغي ان يتحقق ذلك الايمان ويحصل ذلك الشعور عند المسلم ليكونا مستنداً لتضمين السعادة الواقعية في الحياة.

لذا نرى الإمام زين العابدين (عليه السلام) يؤكد على تكايف الانسان في احدى كلماته القيمة، حيث يقول:

(اعلم رحمك الله، ان لله عليك حقوقاً محيطة بك في كل حركة تحركها او سكنة سكنتها او منزلة نزلتها، او جارحة قلبتها، او آلة تصرفت بها بعضها اكثر من بعض)(18).

نعم، ان حقوق الله على الانسان محيطة به، بعضها اكبر من بعض، والانسان مسؤول عن تأديتها وهو لا يتحمل مسؤولية غيره، والذي يهتدي لتحمل المسؤولية فلنفسه، وان لم يهتد فعليها ولا يتحمل وزره غيره.

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد:

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] .

والواقع، ان الايمان الحقيقي بالله سبحانه يخلق في اعماق كيان الانسان قوة تحثه وتدفعه إلى اداء تكاليفه ومسؤولياته، ولا يغيب عنا وجود الفطرة التي جبل الانسان عليها، اضافة إلى دعوة الضمير والوجدان الاخلاقي إلى تأدية المسؤولية والتكاليف المنوطة بالإنسان وبتأديتها يشعر بالسرور والاطمئنان النفسي.

ان الدين والضمير الاخلاقي يعملان معا جنباً إلى جنب من اجل تنفيذ الخير على يد الانسان، وهما اللذان يشكلان المستند الاساسي لأداء مختلف التكاليف وانواع المسؤولية وهما معا يمنعان من انحراف الانسان وانجرافه إلى هاوية السقوط.

اجل ، ان الضمير والوجدان لهما قيمة لا يُستهان بها في ضمان سعادة الانسان الا انهما يستندان إلى الايمان لأنه هو الذي يهدي الضمير ويرشد الوجدان، ولا يتكلف بتنفيذ         أوامر العرف والسنن الاجتماعية.

نعم ، ان الذي يؤمن بالله ايماناً حقيقياً وقد تيقظت في ذاته فطرة التوحيد هو الذي يستجيب لنداء ضميره استجابة تامة ولا يرى صعوبة في اداء التكاليف والمسؤوليات المناطقة به ، بل يبادر إلى القيام بها بكل همة ونشاط واشتياق.

وهكذا يتبين بوضوح وجلاء ان الايمان هو الاساس لأداء التكاليف والشعور بالمسؤولية وتحقيق السعادة في الحياة، لذا يتحتم على الآباء والمربين ان يهتموا بغرس الايمان الخالص في نفوس الاطفال والناشئة وخصوصاً في بدايات العمر بما يتناسب مع مستوياتهم العقلية والفكرية والعاطفية، لينشؤوا اسوياء سعداء صالحين واعضاء نافعين لامتهم ووطنهم وهذا غيض من فيض للآثار اكثر واعظم لان هذا الايمان هو المنبع الثر لكل القيم الرفيعة والمثل العليا في الحياة الانسانية، وهو القوة الديناميكية المحركة والدافعة والباعثة لقوى الانسان وكنوز طاقاته العقلية والجسدية والروحية. ولولا هذه الطاقات التي حرَّرها الايمان الصافي لم يحصل التغيير الحقيقي النافع للإنسان البتة.

____________

1ـ دع القلق وابدأ الحياة:ص154.

2ـ نفس المصدر:ص159.

3ـ نفس المصدر:ص155.

4ـ نهج البلاغة: خطبة342.

5ـ مغازي الواقدي:ج1،ص265.

6ـ نهج البلاغة:ج1، خطبة11، ص55.

7ـ نهج البلاغة:ص418، خطبة45.

8ـ نهج البلاغة كص533،المختار من الحكم، رقم 333.

9ـ غرر الحكم :355.

10ـ انظر رسالة الاخلاق:ص152 نقلا عن : شاهراه خو شبختي ص264 بالفارسية.

11ـ انظر رسالة الاخلاق:ص154 نقلا عن : درجستجوي خوشبختي،ص207و213و217 بالفارسية.

12ـ بالفارسية: عن رسالة الاخلاق: ص154.

13ـ بالفارسية:ص57 نقلا من رسالة الاخلاقص155.

14ـ غرر الحكم:23.

15ـ غرر الحكم :16

16ـ غرر الحكم: 351.

17ـ اصول الكافي: ج2،ص454.

18ـ انظر رسالة الاخلاق:ص152 نقلا عن : شاهراه خو شبختي :ص264 بالفارسية.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






قسم الشؤون الفكرية يناقش سبل تعزيز التعاون المشترك مع المؤسّسات الأكاديمية في نيجيريا
ضمن برنامج عُرفاء المنصّة قسم التطوير يقيم ورشة في (فنّ الٕالقاء) لمنتسبي العتبة العباسية
وفد نيجيري يُشيد بمشروع المجمع العلمي لحفظ القرآن الكريم
الشركة العامة للبريد: للعتبة العباسية حضور فاعل في معرض المؤتمر التشاركي