المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16371 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) بشّره رسول الله بالجنة
2024-05-04
معنى الـمُبطئ
2024-05-04
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}
2024-05-04
معنى الصد
2024-05-04
معنى الظليل
2024-05-04
معنى النقير
2024-05-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (186) من سورة البقرة  
  
11257   02:24 مساءً   التاريخ: 20-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

لما ذكر سبحانه الصوم عقبه بذكر الدعاء ومكانه منه وإجابته إياه فقال {وإذا سألك عبادي عني} الأقرب أن يكون السؤال عن صفته سبحانه لا عن فعله لقوله سبحانه { فإني قريب} وفيه حذف أي فقل إني قريب فدل بهذا على أنه سبحانه لا مكان له إذ لوكان له مكان لم يكن قريبا من كل من يناجيه وقيل معناه إني أسمع دعاء الداعي كما يسمعه القريب المسافة منهم فجاءت لفظة قريب بحسن البيان بها فأما قريب المسافة فلا يجوز عليه سبحانه لأن ذلك إنما يتصور فيمن كان متمكنا في مكان وذلك من صفات المحدثات .

وقوله { أجيب دعوة الداع إذا دعان } مفهوم المعنى وقوله { فليستجيبوا لي } قال أبو عبيدة معناه فليجيبوني فيما دعوتهم إليه وقال المبرد والسراج معناه فليذعنوا للحق بطلب موافقة ما أمرتهم به ونهيتهم عنه وقال مجاهد معناه فليستجيبوا لي بالطاعة وقيل معناه فليدعوني وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام).

 {وليؤمنوا بي } أي وليصدقوا بجميع ما أنزلته وروي عن أبي عبد الله أنه قال { وليؤمنوا بي } أي وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه { لعلهم يرشدون } أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدون إليه فإذا سئل فقيل نحن نرى كثيرا من الناس يدعون الله فلا يجيبهم فما معنى قوله { أجيب دعوة الداع إذا دعان } فالجواب أنه ليس أحد يدعو الله على ما توجبه الحكمة إلا أجابه الله فإن الداعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه ولا يكون فيه مفسدة له ولا لغيره ويشترط ذلك بلسانه أو ينويه بقلبه فالله سبحانه يجيبه إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخر الإجابة إن كانت المصلحة في التأخير وإذا قيل إن ما تقتضيه الحكمة لا بد أن يفعله فما معنى الدعاء وإجابته فجوابه أن الدعاء عبادة في نفسها يعبد الله سبحانه بها لما في ذلك من إظهار الخضوع والانقياد(2) إليه سبحانه وأيضا فإنه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله إنما صار مصلحة بعد الدعاء ولا يكون مصلحة قبل الدعاء ففي الدعاء هذه الفائدة ويؤيد ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ما من مسلم دعا الله سبحانه بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث إما أن يعجل دعوته وإما أن يؤخر له في الآخرة وإما أن يدفع عنه من السوء مثله قالوا يا رسول الله إذا نكثر قال الله أكثر) وفي رواية أنس بن مالك الله أكثر وأطيب ثلاث مرات .

وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله إن العبد ليدعو الله وهو يحبه فيقول يا جبرائيل لا تقض لعبدي هذا حاجته وأخرها فإني أحب أن لا أزال أسمع صوته وأن العبد ليدعو الله وهو يبغضه فيقول يا جبرائيل اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجلها فإني أكره أن أسمع صوته .

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال ربما أخرت عن العبد إجابة الدعاء ليكون أعظم لأجر السائل وأجزل لإعطاء الأمل(3).

 وقيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو الله سبحانه فلا يستجيب لنا فقال لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه وأكلتم نعمة الله فلم تؤدوا شكرها وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس!! .

______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2، ص18-19.

2- وفي جملة من النسخ : (الافتقار اليه) بدل ( والانقياد اليه ) .

3- وفي المخطوطتين : (لعطاء ) عوض (لإعطاء).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية (1) :

{ وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ } . قيل :

ان أعرابيا جاء إلى النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وقال له : أقريب ربنا فنناجيه ، أو بعيد فنناديه ؟ فنزلت هذه الآية جوابا عن سؤال الاعرابي . . وسواء أصح هذا القول ، أم لم يصح فإنه يتناسب مع الموضوع .

والدعاء من أفضل العبادات ، وقد جاء الأمر به ، والحث عليه في الكتاب والسنة ، لأنه اظهار للعبودية ، والافتقار إليه سبحانه . وقد تكلمنا عنه مطولا في كتاب (بين اللَّه والإنسان ) .

وتسأل : ان ظاهر قوله تعالى : { إِذا دَعانِ } بعد قوله : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } تحصيل حاصل ، لأنه أشبه بقول القائل : انظر إلى القاعد إذا كان قاعدا ، واصغ إلى المتكلم إذا كان متكلما ؟ .

الجواب : ان المراد بإذا دعان الدعاء الصادر عن قلب مخلص صادق في دعائه ، لا مجرد الدعاء باللسان ، فهو أشبه بقول من قال : أكرم العالم إذا كان عالما . يريد العالم حقا وواقعا ، لا من يتسم بسمات العالم فقط .

سؤال ثان معروف ومشهور ، وهوان الظاهر من قوله تعالى : أجيب دعوة الداعي وقوله : ادعوني استجب لكم ، ان اللَّه يستجيب لكل من دعاه ، مع العلم بأن الإنسان يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب ؟ .

وأجاب المفسرون عن ذلك بأجوبة شتى أنهاها بعضهم إلى ست ، واتفقوا جميعا على ان المؤمن المطيع للَّه تستجاب دعوته دون سواه ، ويبطل هذا القول ان اللَّه استجاب دعوة إبليس . . قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال انك من المنظرين .

ومهما يكن ، فان الجواب عن هذا السؤال يستدعي التفصيل على الوجه التالي :

1 - أن يطلب العبد من ربه ما يتنافى مع العادات وسنن الطبيعة ، كطلب الرزق من غير السعي ، والعلم من غير تعلم ، وما إلى ذاك من إيجاد المسببات بلا أسبابها ، ودخول البيوت من حيطانها ، لا من أبوابها . . وليس هذا من الدعاء في شيء ، أو هو من دعاء الجاهل باللَّه وحكمته وسننه ، فان للَّه سنة في خلقه ، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: 23].

2 - أن يطلب في دعائه التوفيق والهداية إلى احكام الدين ، وعمل الخير ، وفعل الواجبات ، وترك المعاصي والمحرمات : {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، واجتناب الشرور والآفات : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } ، وان يهيئ له اللَّه أسباب النجاح في الرزق والعلم والصحة : {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ويَسِّرْ لِي أَمْرِي} ، على أن يعمل الداعي جاهدا مخلصا متوكلا على اللَّه وحده . . وهذا هو مسؤول الأنبياء والصالحين ، والمقصود من دعائهم .

3 - ينبغي قبل كل شيء أن نتنبه ، ولا نذهل عن هذه الحقيقة التي نراها ونشاهدها بالعيان ، وهي ان اللَّه سبحانه يعطي من سأله ، ومن لم يسأله تحننا منه وكرما ، وانه يهب الملك لمن يشاء ، ويمنع الملك عمن يشاء ، ويذل من يشاء ، ويعز من يشاء من غير دعاء . . وعليه فليس معنى قوله تعالى : أجيب دعوة الداعي إذا دعان أنه لا يعطي إلا من دعاه ، ولا معنى قوله : ان رحمة اللَّه قريب من المحسنين ، أن رحمة اللَّه هذه بعيدة عن المسيئين . . كلا . . ان رحمته وسعت كل شيء ، وما كان عطاء ربك محظورا .

وتجمل الإشارة إلى أنه قد جاء في بعض الروايات دعاء لوجع البطن ، وآخر لوجع الظهر ، وثالث للعين والضرس ، وما إليه . . وهذه الروايات اما موضوعة ،

لأنها تخالف الواقع ، ولا تغني شيئا ، واما أن يكون القصد منها السعي في العلاج مع التوكل على اللَّه . . قيل : ان عليا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مر بأعرابي ، وإلى جنبه ناقة جرباء ، فقال له الإمام : ألا تداويها ؟ قال : بلى ، يا أمير المؤمنين ، اني أداويها . قال الإمام : وبماذا ؟ قال الاعرابي : بالدعاء . قال الإمام :

ضع مع الدعاء شيئا من القطران .

{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي } قال الرازي في تفسيره : يقول اللَّه سبحانه لعبده : أنا أجيب دعاءك ، مع اني غني عنك مطلقا ، فكن أنت أيضا مجيبا دعائي ، مع انك محتاج إلي من كل الوجوه ، فما أعظم هذا الكرم !

______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1، ص268-288.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون وأرق أسلوب وأجمله فقد وضع أساسه على التكلم وحده دون الغيبة ونحوها، وفيه دلالة على كمال العناية بالأمر، ثم قوله: {عبادي}، ولم يقل: الناس وما أشبهه يزيد في هذه العناية، ثم حذف الواسطة في الجواب حيث قال: {فإني قريب} ولم يقل فقل إنه قريب، ثم التأكيد بإن ، ثم الإتيان بالصفة دون الفعل الدال على القرب ليدل على ثبوت القرب ودوامه، ثم الدلالة على تجدد الإجابة واستمرارها حيث أتى بالفعل المضارع الدال عليهما، ثم تقييده الجواب أعني قوله: {أجيب دعوة الداع} بقوله: {إذا دعان}، وهذا القيد لا يزيد على قوله: دعوة الداع المقيد به شيئا بل هو عينه، وفيه دلالة على أن دعوة الداع مجابة من غير شرط وقيد كقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ، فهذه سبع نكات في الآية تنبىء بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء والعناية بها، مع كون الآية قد كرر فيها - على إيجازها - ضمير المتكلم سبع مرات، وهي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف.

والدعاء والدعوة توجيه نظر المدعو نحو الداعي، والسؤال جلب فائدة أو در من المسئول يرفع به حاجة السائل بعد توجيه نظره، فالسؤال بمنزلة الغاية من الدعاء وهو المعنى الجامع لجميع موارد السؤال كالسؤال لرفع الجهل والسؤال بمعنى الحساب والسؤال بمعنى الاستدرار وغيره.

ثم إن العبودية كما مر سابقا هي المملوكية ولا كل مملوكية بل مملوكية الإنسان فالعبد هومن الإنسان أوكل ذي عقل وشعور كما في الملك المنسوب إليه تعالى.

وملكه تعالى يغاير ملك غيره مغايرة الجد مع الدعوى والحقيقة مع المجاز فإنه تعالى يملك عباده ملكا طلقا محيطا بهم لا يستقلون دونه في أنفسهم ولا ما يتبع أنفسهم من الصفات والأفعال وسائر ما ينسب إليهم من الأزواج والأولاد والمال والجاه وغيرها، فكل ما يملكونه من جهة إضافته إليهم بنحو من الأنحاء كما في قولنا: نفسه، وبدنه، وسمعه، وبصره، وفعله، وأثره، وهي أقسام الملك بالطبع والحقيقة وقولنا: زوجه وماله وجاهه وحقه، - وهي أقسام الملك بالوضع والاعتبار - إنما يملكونه بإذنه تعالى في استقرار النسبة بينهم وبين ما يملكون أيا ما كان وتمليكه فالله عز اسمه، هو الذي أضاف نفوسهم وأعيانهم إليهم ولولم يشاء لم يضف فلم يكونوا من رأس، وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهو الذي خلق كل شيء وقدره تقديرا.

فهو سبحانه الحائل بين الشيء ونفسه، وهو الحائل بين الشيء وبين كل ما يقارنه: من ولد أو زوج أوصديق أو مال أوجاه أو حق فهو أقرب إلى خلقه من كل شيء مفروض فهو سبحانه قريب على الإطلاق كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85] ، وقال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16] ، "وقال تعالى {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] ، والقلب هو النفس المدركة.

وبالجملة فملكه سبحانه لعباده ملكا حقيقيا وكونهم عبادا له هو الموجب لكونه تعالى قريبا منهم على الإطلاق وأقرب إليهم من كل شيء عند القياس وهذا الملك الموجب لجواز كل تصرف شاء كيفما شاء من غير دافع ولا مانع يقضي أن لله سبحانه أن يجيب أي دعاء دعا به أحد من خلقه ويرفع بالإعطاء والتصرف حاجته التي سأله فيها فإن الملك عام، والسلطان والإحاطة واقعتان على جميع التقادير من غير تقيد بتقدير دون تقدير لا كما يقوله اليهود: إن الله لما خلق الأشياء وقدر التقادير تم الأمر، وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتمه من القضاء، فلا نسخ ولا بداء ولا استجابة لدعاء لأن الأمر مفروغ عنه، ولا كما يقوله جماعة من هذه الأمة: أن لا صنع لله في أفعال عباده وهم القدرية الذين سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجوس هذه الأمة فيما رواه الفريقان من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): القدرية مجوس هذه الأمة.

بل الملك لله سبحانه على الإطلاق ولا يملك شيء شيئا إلا بتمليك منه سبحانه وإذن فما شاءه وملكه وأذن في وقوعه، يقع، وما لم يشأ ولم يملك ولم يأذن فيه لا يقع وإن بذل في طريق وقوعه كل جهد وعناية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ } [فاطر: 15].

فقد تبين: أن قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، كما يشتمل على الحكم أعني إجابة الدعاء كذلك يشتمل على علله فكون الداعين عبادا لله تعالى هو الموجب لقربه منهم، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم وإطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدعاء فكل دعاء دعي به فإنه مجيبه إلا أن هاهنا أمرا وهو أنه تعالى قيد قوله: {أجيب دعوة الداع} بقوله {إذا دعان}، وهذا القيد غير الزائد على نفس المقيد بشيء يدل على اشتراط الحقيقة دون التجوز والشبه، فإن قولنا: أصغ إلى قول الناصح إذا نصحك أو أكرم العالم إذا كان عالما يدل على لزوم اتصافه بما يقتضيه حقيقة فالناصح إذا قصد النصح بقوله فهو الذي يجب الإصغاء إلى قوله والعالم إذا تحقق بعلمه وعمل بما علم كان هو الذي يجب إكرامه فقوله تعالى {إذا دعان} ، يدل على أن وعد الإجابة المطلقة، إنما هو إذا كان الداعي داعيا بحسب الحقيقة مريدا بحسب العلم الفطري والغريزي مواطئا لسانه قلبه، فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقا أو كذبا جدا أو هزلا حقيقة أو مجازا، ولذلك ترى أنه تعالى عد ما لا عمل للسان فيه سؤالا، قال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34] ، فهم فيما لا يحصونها من النعم داعون سائلون ولم يسألوها بلسانهم الظاهر، بل بلسان فقرهم واستحقاقهم لسانا فطريا وجوديا، وقال تعالى: { {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29] ، ودلالته على ما ذكرنا أظهر وأوضح.

فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطى الإجابة، فما لا يستجاب من الدعاء ولا يصادف الإجابة فقد فقد أحد أمرين وهما اللذان ذكرهما بقوله: دعوة الداع إذا دعان.

فإما أن يكون لم يتحقق هناك دعاء، وإنما التبس الأمر على الداعي التباسا كان يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون وهو جاهل بذلك أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر مثل أن يدعو ويسأل شفاء المريض لا إحياء الميت، ولوكان استمكنه ودعا بحياته كما كان يسأله الأنبياء لأعيدت حياته ولكنه على يأس من ذلك، أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله فلا يستجاب له فيه.

وإما أن السؤال متحقق لكن لا من الله وحده كمن يسأل الله حاجة من حوائجه وقلبه متعلق بالأسباب العادية أو بأمور وهمية توهمها كافية في أمره أو مؤثرة في شأنه فلم يخلص الدعاء لله سبحانه فلم يسأل الله بالحقيقة فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره، لا من يعمل بشركة الأسباب والأوهام، فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يخلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلسانهم.

فهذا ملخص القول في الدعاء على ما تفيده الآية، وبه يظهر معاني سائر الآيات النازلة في هذا الباب كقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] وقوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 40، 41] ، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 63، 64] ، فالآيات دالة على أن للإنسان دعاء غريزيا وسؤالا فطريا يسأل به ربه، غير أنه إذا كان في رخاء ورفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه، فالتبس عليه الأمر وزعم أنه لا يدعو ربه ولا يسأل عنه، مع أنه لا يسأل غيره فإنه على الفطرة ولا تبديل لخلق الله تعالى، ولما وقع الشدة وطارت الأسباب عن تأثيرها وفقدت الشركاء والشفعاء تبين له أن لا منجح لحاجته ولا مجيب لمسألته إلا الله، فعاد إلى توحيده الفطري ونسي كل سبب من الأسباب، ووجه وجهه نحو الرب الكريم فكشف شدته وقضى حاجته وأظله بالرخاء، ثم إذا تلبس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أولا من الشرك والنسيان.

وكقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60] ، والآية تدعو إلى الدعاء وتعد بالإجابة وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار والوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.

وبذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب كقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14] ، وقوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، وقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] ، وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] ، وقوله تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا.... الى.... وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا } [مريم: 3، 4] ، وقوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الشورى: 26] ، إلى غير ذلك من الآيات المناسبة، وهي تشتمل على أركان الدعاء وآداب الداعي، وعمدتها الإخلاص في دعائه تعالى وهو مواطاة القلب اللسان والانقطاع عن كل سبب دون الله والتعلق به تعالى، ويلحق به الخوف والطمع والرغبة والرهبة والخشوع والتضرع والإصرار والذكر وصالح العمل والإيمان وأدب الحضور وغير ذلك مما تشتمل عليه الروايات.

قوله تعالى: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، تفريع على ما يدل عليه الجملة السابقة عليه بالالتزام: إن الله تعالى قريب من عباده، لا يحول بينه وبين دعائهم شيء، وهو ذو عناية بهم وبما يسألونه منه، فهو يدعوهم إلى دعائه، وصفته هذه الصفة، فليستجيبوا له في هذه الدعوة، وليقبلوا إليه، وليؤمنوا به في هذا النعت، وليوقنوا بأنه قريب مجيب لعلهم يرشدون في دعائه.

_________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2، ص27-31.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

سلاح اسمه الدعاء

بعد أن ذكرت الآيات السابقة مجموعة هامّة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآية موضوع الدعاء باعتباره أحد وسائل الإِرتباط بين العباد والمعبود سبحانه. ومجيء هذه الآية في سياق الحديث عن الصوم، يعطيه مفهوماً جديداً، إذ أن الدعاء والتقرب إلى الله روح كل عبادة.

هذه الآية تخاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}.

إنه أقرب ممّا تتصورون، أقرب منكم إليكم، بل {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ}(2).

ثم تقول الآية: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.

إذن {فَلْيَسْتَجِيبُوا لي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

ويلفت النظر في الآية، أن الله سبحانه أشار إلى ذاته المقدسة سبع مرات، وأشار إلى عباده سبعاً! مجسداً بذلك غاية لطفه وقربه وإرتباطه بعباده.

روى عبد الله بن سنان عن الإِمام الصادق(عليه السلام) قال: (الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَة وَنَجَاحُ كُلِّ حَاجَة وَلاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ إِلاَّ بِالدُّعَاءِ وَإِنَّهُ لَيسَ بَابٌ يُكْثَرُ قُرْعُهُ إِلاَّ يُوشَكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبهِ)(3).

نعم، إنه قريب منّا، وكيف يبتعد وهو سبحانه {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال: 24].

______________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1، ص434-435.

2 ـ ق، 16.

3 ـ أصول الكافي، ج 2، كتاب الدعاء (باب إن الدعاء يرد البلاء)، الحديث 7.

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
العتبة العباسية تستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) بإقامة مجلس عزاء
أهالي كربلاء يحيون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة الكاظمية
شعبة مدارس الكفيل النسوية تعقد اجتماعًا تحضيريًّا لوضع الأسئلة الامتحانية