أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-01
318
التاريخ: 27-3-2018
2760
التاريخ: 28-6-2016
5681
التاريخ: 8-4-2021
3396
|
يمكن تقسيم أحاديث التسعير إلى عدة مجموعات، ... هذه المجموعات هي:
المجموعة الاولى: تشمل الأحاديث التي تصرح بأن الله سبحانه هو المسعر، وهو الذي يحدد سعر السلع، أو أنه أوكل ذلك إلى ملَك عهد إليه الأمر يدبره بأمره.
المجموعة الثانية: تشمل أحاديث عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يؤيد مضمونها أحاديث المجموعة الاولى، ويرفض بشدة اقتراح الناس التسعير، ويعد ذلك ظلما وبدعة.
المجموعة الثالثة: تتضمن رواية أمر فيها الإمام علي( عليه السلام ) مالك الأشتر في عهده إليه بالحؤول دون الاحتكار، وضرورة أن يبادر إلى برنامج تنتظم فيه الأسعار بصيغة عادلة بحيث لا تجحف بالبائع أو المشتري.
المجموعة الرابعة: تتضمن رواية لها دلالة على أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) منع من رفع الأسعار على نحو غير مباشر حين لم يسمح للبائع أن يقبض من المشتري ثمنا أعلى من الثمن المتداول في السوق، مع تقليل البضاعة وعدم عرض سلعة أفضل، وعندما أراد أحدهم أن ينجز مثل هذه المعاملة أمر الإمام بإخراجه من السوق (1).
المجموعة الخامسة: فيها حديث يومئ إلى عدم رضا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بخفض القيمة والبيع بسعر أدنى من سعر السوق إلا إذا كان ذلك لدافع إلهي.
تدل المجموعات الاولى والثانية والرابعة من أحاديث التسعير على عدم مشروعية تسعير السلع في النظام الإسلامي، وذلك خلافا لما أمر به الإمام في عهده إلى مالك الأشتر بضرورة أن تنتظم الأسعار في قيمة عادلة غير مجحفة.
ولكي يتضح مدلول هذه الأحاديث ويستقر على معنى محدد، ينبغي الإجابة على الأسئلة التالية:
أ - ما هو المقصود من أن الله سبحانه هو المسعر؟
ب - لماذا رفض النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اقتراح التسعير في حال القحط وأنكر ذلك بشدة؟
ج - إذا ما كان نظام التسعير غير مشروع في الإسلام، فلماذا أمر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن تنتظم الأسعار بالعدل ولا تكون مجحفة؟
ـ المسعّر هو الله :
يمكن تقسيم السعر إلى قسمين، هما: السعر الطبيعي، والسعر غير الطبيعي. يتحرك السعر الطبيعي في إطار الأوضاع والمكونات الواقعية للسلعة والسوق؛ مثل النوعية، والكمية، وكلفة الإنتاج، والتوزيع، والحفظ، والطلب، وكل ما له دخل في تكوين القيمة الحقيقية للسلع. أما السعر غير الطبيعي فهو ناشئ عن أوضاع غير طبيعية يفرضها البائع؛ كالاحتكار، والتحالف والتواطؤ على سعر معين - أو ما يعرف بالتباني - وإيجاد السوق السوداء.
على ضوء هذا التصنيف، يعد السعر الإلهي هو السعر الطبيعي نفسه، ويظهر أن الأحاديث التي تنسب السعر إلى الله سبحانه تتحدث عن وجود سعر لكل سلعة ينبثق على أساس الشروط الواقعية لوجود تلك السلعة وإنتاجها وتبعا للحالة الطبيعية للسوق؛ فما ينتج من حاصل كلفة السلعة والوضع الطبيعي للسوق يمثل السعر الطبيعي الذي تذكر الأحاديث أنه من عند الله سبحانه، وهو السعر الذي تستقر عليه السلعة في السوق إذا لم تتدخل العوامل غير الطبيعية.
ـ معارضة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) للتسعير :
يُلقي التنويع السعري - المشار إليه آنفا - ضوءا على موقف الدولة من التسعير، فإذا كان التسعير الحكومي بمعنى خفض السعر الطبيعي للسلع، فهو في الحقيقة ظلم للمنتج، وإضرار بحركة الإنتاج ذاتها.
ولا ريب أن خفض الإنتاج يستتبع التخلف الاقتصادي، ومن ثم لا يحق للدولة أن تخفض أسعار السلع تحت مستوى السعر الطبيعي - الموائم لكلفة الإنتاج والوضع الطبيعي للسوق - حتى في أوضاع الأزمة وفي أوقات شحة السلع، بل تبرز وظيفتها في مواجهة العوامل غير الطبيعية التي تزيد في الأسعار فوق قيمها الطبيعية.
على هذا الضوء، تتبين الحكمة من وراء معارضة النبي والإمام أمير المؤمنين - صلوات الله عليهما - للتسعير ومكافحتهما للاحتكار في الوقت ذاته؛ فمن جهة كان هذا الموقف يهدف إلى الحؤول دون الإجحاف بالمنتج وإلحاق الظلم به، مما يؤدي إلى خفض مستوى الإنتاج، كما كان يسعى من جهة اخرى للقضاء على العناصر التي تفضي إلى ارتفاع الأسعار من دون ضابطة.
على هذا يبدو أن الفقهاء الذين أفتوا بعدم جواز التسعير مطلقا كانوا ناظرين إلى هذا المعنى(2).
ـ عدالة الأسعار في عهد الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) :
بتأمل في ما مضى، يتضح أن ما عهد به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من ضرورة أن يكون البيع سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالبائع والمشتري ليس فقط لا يتنافى مع موقف النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في مناهضة التسعير، وإنما أيضا يقع في سياق الموقف ذاته، لكن من زاوية مواجهة المؤثرات التي تزيد في الأسعار دون ضابطة.
بتعبير أكثر وضوحا: إن ما عهد به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر هو التأكيد على أن يكون البيع سمحا، وأن تكون الأسعار بموازين عدل، ومن ثم فهو لم يأمره بتخفيض الأسعار والتقليل من قيَمها، ولا ريب أن انتظام الأسعار بموازين عدل لا يعني إلحاق الضرر بالمنتج أو بالبائع، وإنما سيكون الأمر كما عبر عنه الإمام في نص عهده؛ من أن الأسعار تنتظم في موازين عدل حين لا يجحف بالفريقين: البائع و المبتاع. وهذه الحقيقة لا تكتسب صيغتها الواقعية على الأرض فعلا إلا إذا هيأت الدولة المناخ المناسب لعرض السلع بأثمانها الطبيعية.
من هذا المنطلق، أفتى عدد من الفقهاء بجواز التسعير للحاكم في حال إجحاف البائع( 3).
حين نأخذ هذا التحليل بنظر الاعتبار، فعندئذ يمكن القول بأن الفتوى بعدم جواز التسعير ناظرة إلى التسعير في مقابل السعر الطبيعي. أما فتوى الجواز فناظرة إلى التسعير والإلزام بقيمة محددة في مقابل السعر غير الطبيعي، وبغية مواجهة العناصر الكاذبة الكامنة وراء رفع الأسعار على نحو وهمي غير واقعي. على هذا الأساس، ليس ثم تهافت في فتاوى الفقهاء حول التسعير.
ـ الرخص الخطير !
إن الرواية التي تحكي عدم رضا رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) واستنكاره لفعل الرجل الذي راح يبيع بسعر أرخص من سعر السوق بدافع غير إلهي، ثم إغضاءه عنه بعد أن كلل فعله بإطار أخلاقي ووضعه في نطاق دافع إلهي (صبرا واحتسابا بحسب لغة الحديث)؛ هذه الرواية وإن كانت تواجه مشكلة من حيث السند، إلا أن محتواها يتوافق مع الضوابط الإسلامية، ومن ثم يمكن قبولها إذا كان المراد منها هو ما تمت الإشارة إليه؛ إذ لا ريب أن الرخص إذا كان بهدف ضرب سعر السوق الطبيعي وخفض القيمة الواقعية للسلع، فإن ذلك سيلحق أضرارا ماحقة بحركة الإنتاج واقتصاد البلد؛ لذلك كله لم يبادر النبي(صلى الله عليه واله وسلم) إلى تأييد خطوة الرجل إلا بعد أن تأكد من سلامة موقفه وصحة الدافع الذي أملى عليه أن يبيع بسعر أرخص من سعر الآخرين.
______________
1ـ فسر بعض المحققين هذه الرواية على نحو ما تدل عليه المجموعة الخامسة من بيع السلعة بثمن أقل من قيمة السوق (راجع: كتاب السوق في ظل الدولة الإسلامية). لكن بأخذ ذيل الرواية بنظر الاعتبار يبدو أن التفسير المذكور في المتن أقرب إلى الواقع.
2ـ أفتى جمع من الفقهاء بعدم جواز التسعير، فمنهم الشيخ الطوسي في النهاية(ص 374)، والمبسوط (ج2، ص 195)، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية، ص 528)، والمحقق في الشرائع (ج 2، ص21)، والعلامة في القواعد (ج1،ص 132) والمختصر (ص 120)، بل نسب في مفتاح الكرامة (ج4، ص 109) هذا القول إلى الإجماع، وقال: «إجماعا وأخبارا متواترة كما في السرائر، وبلا خلاف كما في المبسوط، وعندنا كما في التذكرة». وقال السيد الخوئي بعد أن أفتى بمنع التسعير: «نعم، لو أجحف في القيمة بحيث كان ازديادها نحوا من الاحتكار يمنع الحاكم عن ذلك بحيث يبيع المالك بقيمة السوق أو أكثر منه بمقدار لا يمنع الناس عن الشراء، بأن تكون قيمة كل حقة من الحنطة مائة فلس ويبيع المحتكر بدينارين، فإنه أيضا احتكار، كما لايخفى» (مصباح الفقاهة، ج5، ص 500).
3ـ نسب القول بجواز التسعير إلى المفيد في المقنعة (ص 96)، وابن حمزة في الوسيلة (الجوامع الفقهية، ص 745)، والشهيد في الدروس (ص 332)، ففي مفتاح الكرامة (ج4، ص 109): «وفي الوسيلة والمختلف والإيضاح والدروس واللمعة والمقتصر والتنقيح أنه (أي الحاكم) يسعر عليه إن أجحف في الثمن؛ لما فيه من الإضرار المنفي» (راجع: ولاية الفقيه: ج2، ص 660). وقال السيد الخميني: «وأما التسعير فلا يجوز ابتداء، نعم لو أجحف الزم بالتنزل، وإلا ألزمه الحاكم بسعر البلد أو بما يراه مصلحة. فما دل على عدم التسعير منصرف عن مثل ذلك، فإن عدم التسعير عليه قد ينتهي إلى بقاء الاحتكار، كما لو سعر فرارا من البيع بقيمة لا يتمكن أحد من الاشتراء بها، فلا إشكال في أن أمثال ذلك إلى الوالي، والأخبار لا تشمل مثله » (كتاب البيع، ج 3 ، ص 416).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|