أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-11-2016
1088
التاريخ: 4-11-2016
944
التاريخ: 2-11-2016
694
التاريخ: 2-11-2016
763
|
"أبي ــ سين" وانهيار امبراطورية أور:
كان "أبي ــ سين" آخر ملوك سلالة أور الثالثة، وقد خلف أباه "شو ـت سين" السالف الذكر، وحكم اربعة وعشرين عاماً كانت نهاية امبراطورية أور التي دامت زهاء القرن الواحد (2004 – 2112ق.م) وقد عملت على انحلالها وانهيارها عوامل داخلية وخارجية سنوجزها بعد قليل. اما الاحداث الاعتيادية التي سجلتها السنوات المؤرخ بها فتدور على أعمال البناء والتشييد تتخللها بعض الحملات العسكرية إلى الأقاليم الشمالية الشرقية، كما ظهرت بوادر العصيان والانفصال في الأقاليم التابعة من بلاد عيلام، وسنرى هذا الخطر يتطور ويتفاهم في غزو العيلاميين لوادي الرافدين، مضافاً إلى ذلك طوال وادي الفرات، وقد لاقت هذه الأخطار الخارجية جبهة داخلية يعمها التفكك والانشقاق.
ولعل خير ما يوضح إمارات الانهيار والتفكك هذه في الجبهة الداخلية وفقدان سيطرة الملك المركزية على الاجزاء المختلفة من البلاد أن الكثير من هذه الاجزاء لم يلتزم باستعمال الحوادث الرسمية المؤرخ بها، بل استعمل كل منها حوادث خاصة بها، ويعني هذا في العرف السياسي في حضارة وادي الرافدين ان تلك المراكز والمدن نبذت اعترافها بالسلطة المركزية ، أي سلطة الملك وسلطة العاصمة أور. فإذا استثنينا العامين الاولين من حكم الملك "ابي ــ سين" اللذين سار فيهما اكثر المدن على الالتزام بالتأريخ الرسمي فإن تلك المدن بدأت منذ عام حكمه الثالث تستعمل الواحدة بعد الاخرى حوادث محلية خاصة بها للتأريخ منها، وبالإمكان متابعة هذه الظاهرة على ضوء دلالة ألواح الطين المستخرجة من مدن العراق القديمة. ففي منطقة "اشنونا" انقطع، التأريخ بالحوادث الرسمية منذ عامة الثاني (1)، وفي مدينة "سوسة" (عاصمة بلاد عيلام) منذ عامة الثالث وفي لجش منذ عامة الخامس، وفي مدينة "اوما" (تل جوخة) منذ العام السادس وفي مدينة "نفر" التي كانت مصدر الاعتراف بالسلطة الملكية، منذ عامة السابع. بالإضافة إلى هذه البوادر الدالة على انفصال المدن على السلطة المركزية، تشير الاخبار المدونة إلى تهاون حكام الأقاليم في إرسال الحيوانات الخاصة بالقرابين إلى معبد الإله "ننا" في أور منذ العام السادس من حكم الملك. وإذا رجعنا إلى نصوص الفأل والتنبؤات التي دونت في العصور التالية وجدناها تشير إلى انحلال السلطة الداخلية وتمرد السكان على طاعة السلطة المركزية، وظهور العصيان والثورات(2)، كما ان المعاصرين والجبل الذي عاش من بعد سقوط "أور" عزوا سبب سقوطها إلى غضب الإله "أنليل" والآلهة العظام الاخرى على مدينة اور وعلى إلهها "ننا" وملكها فلسطوا القحط والمجاعة والأعداد. واشارات إلى ذلك قصائد الرثاء التي نظمت في رثاء مدينة "اور" ونبوءات الفأل والرسائل، ولا سيما رسائل "اشبي ــ ايرا" التي سنتطرق إليها ف موضع آخر.
إن ذلك الانهيار والانحلال الداخليين اللذين رأينا بعض بوادرهما عجل فعل الأخطار الخارجية التي يمن حصرها في جبهتين: الأخطار التي ظهرت من بلاد عيلام في الجبهة الشرقية وتدفق جموع الساميين الأموريين من الجبهة الشمالية الغربية. اما في بلاد عيلام فلم يستطع الملك "ابي ــ سين" أن يعبد إليه ولاءها أو حيادها في المحاولات الحربية والسليمة التي بذلها، على الرغم من أن تحالفاً تم بينه وبين العيلاميين أيضاً، فإن هؤلاء العيلاميين لم يلتزموا بذلك التحالف، بل اغتنموا فرصة تلك الاحداث وشنوا هجوماً على مملكة أور وأسهموا مع الأموريين في تدميرها، والواقع أن تدمير مدينة "أور" تم على أيديهم، ويرجح أنهم أسروا الملك نفسه. وظهر خطل سياستهم تجاه "اور" وملكها عندما جاء بهجوم الأموريين عليهم وطردهم من البلاد ولا سيما بعد ان استقل احد الحكام التابعين إلى ملك "أور" المسمى اشبي ــ ابرا" الذي طرد الحامية العيلامية التي تركها العيلاميون في مدينة "اور" وضم هذه المدينة إلى مملكته "ايست".
اما الاموريون فقد بدأ اندفاعهم الجديد إلى بلاد وادي الرافدين منذ السنة الخامسة من حكم "بي ـت سين" واستطاعوا اختراق خط الدفاع أو السور الذي شيده "شو ــ سين" ونزلوا على مدن السهل الرسوبي ينهبونها ويدمرونها. فانتهز معظم المدن الاخرى هذه الفرصة وانفصلت عن السلطة المركزية الضعيفة التي ظهر عجزها في صد هجوم اولئك الأموريين. وكان في مقدمة تلك المدن مدينة "ايسن" وكان حاكمها المدعو "اشبي ـ ايرا"، الذي يرجع في أصله إلى مدينة ماري ثم دخل في خدمة ملك اور" ابي ــ سين"، أبرز الحكام في هذه الفترة التي عمها الاضطراب والفوضى السياسية. وقد حقق طموحه السياسي بتأسيس مملكة مستقلة كانت من اهم الدويلات التي قامت على أنقاض امبراطورية "أور" في العصر البابلي القديم (مطلع الألف الثاني ق.م).
ولعل أوضح ما ي مثل لنا الوضع الداخلي المتدهور وموقف الكثير من الحكام التابعين إلى الملك وتقلبهم في ولائهم وانتهاز الفرص للانسلاخ والاستقلال وفي مقدمتهم "اشبي ــ ايرا" السالف الذكر، ما جاء إلينا من نسخ الرسائل(3) المتبادلة ما بين ملك" أور" وبين اثنين من حكاه هما "اشبي ــ ايرا" وحاكم منطقة "كزالو" في الجبهات الشمالية من العاصمة "أور" ففي الرسالة التي أرسلها "اشبي ــ ايرا" إلى الملك حينما كان لا يزال في خدمته ما بينا لسنة الخامسة والثانية عشرة من حكمه، نقرأ نجاح هذا الحاكم في الحصول على كيات كبيرة من الحبوب أرسله الملك ليشتريها بالفضة بالنظر إلى شح الحبوب في العاصمة "ارو" وحلول المجاعة فيها، ولكن "اشبي ــ ايرا" لم يستطع إيصالها إلى أور لأن الأموريين الغزاة دخلوا البلاد وتغلغلوا فيها، فعمد هذا الحاكم على خزن تلك الحبوب في مدينة "ايسن" وطلب من الملك في رسالته السالفة الذكر، أن يرسل سفناً كثيراً ليشحنها. وتنتهي الرسالة بتشجيعه للملك على الصمود إزاء العيلاميين الذي دب الضعف إليهم من جراء قلة مؤونتهم، كما طلب منه أن يمنحه السلطة في حكم مدينة "ايسن" ومدينة "نفر" ويظهر من الرسالة الجوابية التي أرسلها الملك إلى "اشبي ــ ايرا" أنه اقر هذا الحاكم على طلبه. وقد وجدت هذه الرسالة في أثناء تنقيبات جامعة شيكاغو في مدينة "نفر"، ونقف مما جاء فيها على مبلع الخوف والهلع اللذين حلا بملك اور واستعداده لدفع أسعار المعيشة ارتفاعاً فاحشاً في أثناء هذه الازمات. وارتفعت أسعار المعيشة ارتفاعها فاحشاً في أثناء هذه الأزمات. وبوسعنا الوقوف على نوايا "اشبي ــ ايرا" الحقيقية وأنه كان يعمل لتحقيق مطامحة الشخصية في الاستقلال من الرسالة التي وجهها إلى ملك "اور" حاكم إقليم "كزالو" المسمى "بوزر ــ نومشدا" او "يوزر ــ شولكي" وكيف أن "اشبي ــ يراخ" قد استقل في الواقع، وانه كان يحاول م كزالو يحاول ضم كزالو إلى المدن التي استقل بها. وفي جواب الملك على هذه الرسالة نجده بالغ الارتباك والضعف وأنه اعترف بحقيقة تمرد "اشبي ــ ايرا".
وهكذا نقف من هذه الوثائق وغيرها على الأسباب التي عملت على سقوط امبراطورية "أور" وفي مقدمتها العوامل الداخلية التي مهدت للأعداد الخارجيين الانقضاض عليها. وسنتابع النتائج السياسية الخطيرة التي استتبعت انهيار هذه الامبراطورية من عودة القطر إلى وضع "دول المدن"، وهي الدويلات التي قامت على أنقاض امبراطورية "أور" من جانب رؤساء القبائل الأمورية ومشايخها. وكانت نهاية أور نهاية محزنة، ولم يقم للمدينة من بعدها قائمة فلم تظهر فيها سلالات حاكمة، كما انتهت حياة السومريين السياسية واتخذ سقوط "أور" وتدميرها موضوعاً للرثاء وقد جاءت إلينا جملة قصائد في ذلك(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: Jacobsen, JCS, VII, (1958)
(2) حول نصوص الفأل انظر: Goetze, in JCS, I, (1947).
وعن رثاء سقوط "اور": Kramer, in ANET
(3) يرجع عهد هذه الرسائل إلى العصر البابلي القديم. حول أصالة هذه الرسائل وترجمتها والتعليق عليها انظر البحوث الآتية:
(1) Jacobsen in JCS, VII, (953), 36ff.
(2) F. Ali in Archiv Orientalni 33, (1965), ff.
(4) حول قصائد الرثاء التي نظمت بمناسبة سقوط أور انظر:
Kramer, in ANET, (1955), 36ff
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|