أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2017
2245
التاريخ: 2023-07-30
829
التاريخ: 15-8-2019
3700
التاريخ: 24-9-2019
1519
|
المفهوم الحضاري:
لعب التكوين الطوبوغرافي لمناطق عالم " الشرق القديم " دوراً حاسماً في تحديد لون الحضارات التي نشأت فيها وبالتالي في قدرة هذه الحضارات على الصمود ثم الاستمرار خلال الصراع الدائم الحاد الذي نشب بين شعوبها بغية تسلم زمام القيادة السياسية في هذا العالم القديم المتحضر .
وقد كونت الحدود التي تفصل مستوطنات الانسان القديم في القسم الغربي من " الشرق القديم " عن بقية المناطق الاخرى منه ، عن بقية المناطق منه ، وتوفر المياه الغزيرة والتربة الخصبة في كثير من بقاعها والمواقع الاستراتيجي الهام بين قارات ثلاث كون كل ذلك عوامل دفعت الى نشوء الحضارات ونموها وخاصة خلال حقبها الاولى .
ولكنها اصبحت خلال العصور التاريخية اللاحقة عقبة كأداء في سبيل التطور والتقدم لم يكن با مكاننا تقسيم عالم " الشرق القديم " الى قسمين لو لا جبال سليمان الشاهقة الارتفاع التي تفصل بنهما . لقد حدت هذه الجبال خلال الالفين الثالث والثاني قبل الميلاد كثيرا من اتصالهما بعضهما ببعض ، مما جعل حضارات شعوب القسم الواحد تختلف في كثير من جوانبها عن حضارات شعوب القسم الآخر .
كذلك حالت هضاب ايران الغربية وجبال زاغروس وجبال كردستان في شمال العراق وشماله الشرقي وطوروس والاناضول في شمال بلاد الشام دون الاتصال المستمر بين شعوب بقية اقطار غرب آسية وشمال افريقية من جهة وبين شعوب مناطق ايران وارمينيا التركية الحالية (ارارت القديمة) ومناطق آسية الصغرى الميلاد .
وعلى العكس من ذلك لم تقم بين الأجزاء الأخرى من النصف الغربي لعالم " الشرق القديم " وهي الأقطار العربية الحالية ، حدود طبيعية تفصل بعضها عن البعض الآخر ، وهو أمر سهل قيام علاقات وثيقة جدا بين شعوب ما بين النهرين وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وبلدان وشمال افريقية ، حتى ليصعب علينا دراسة العديد من جوانب تاريخ هذه الشعوب اذا لم يتحقق لنا الفهم الشامل لحضاراتها المشتركة الاصول . ومن ناحية اخرى لم يكن النصف الغربي من عالم " الشرق القديم " معدوم الاتصال بنصفه الشرقي ، فقد برهنت البحوث اللغوية والأثرية على وجود صلات حضارية بينهما ، ولكنها لم تكن من حيث القوة والعمق كتلك التي ربطت بين شعوب ايران وآسية الصغرى من جهة وبين شعوب الاجزاء الاخرى من غرب آسية وشمال افريقية منذ الألف الثاني قبل الميلاد من جهة اخرى .
وقد توطدت هذه العلاقات مع مرور الزمن ، لدرجة اصبحت دراسة التاريخ القديم لإيران وآسية الصغرى امرا هاما لفهم الأوضاع السياسية والحضارية والاقتصادية لهذه المنطقة ، وخاصة منذ بداية الالف الثاني قبل الميلاد .
كذلك شكلت الحدود الطبيعية بمسالكها الصعبة خلال العصور القديمة وخاصة خلال الفترات الاولى التي قامت فيها القبائل والعشائر بهجرات كبيرة من مناطق الى اخرى بحثا عن الماء والكلأ لقطعانها وعن الغذاء لأفرادها ، شكلت هذه الحدود سدا منيعا حال بينها وبين حرية التجوال باتجاه ايران وآسية الصغرى.
فاضطرت الى اقامة مستوطناتها على منحدرات المرتفعات الخصبة وضفاف الانهار وفي الواحات الواقعة على طريق هجرتها ضمن البلدان التي تشكل حالياً المنطقة العربية. ثم انصهرت هذه القبائل بعضها في بعض خلال قرون طويلة فكونت شعوباً وبنت مدناً وانتجت حضارات ولكنها لم تحقق خلال ذلك الا اليسير من الاتصال بغيرها من قبائل ايران واسية الصغرى وشعوبها.
وقد نتج عن التنوع الجغرافي في معظم مناطق النصف الغربي من عالم " الشرق القديم" (المناطق العربية الحالية) من بحار وسهول وجبال وانهار وبواد وصحاري تفاعل حيوي مستمر بينه وبين العنصر البشري خلال العصور القديمة. وهو تفاعل الانسان مع طبيعة ارضه وبيئته، فشكلت بذلك المعطيات المادية الضرورية لإنتاج اقدم الحضارات الانسانية في هذه الاقطار: انها حضارات متعاصرة احياناً ومتعاقبة احياناً اخرى، ولكن بعضها يكمل بعضها الآخر في سلسلة متعددة الحلقات وتكون المدماك فوق الآخر في بناء صرح اقدم الحضارات الاقتصادية والاجتماعية في لونها وتركيبها عن تلك التي ظلت شعوبها تعيش على الجبال والهضاب المرتفعة في ايران وآسية الصغرى وأواسط افريقية . ولم تتمكن هذه الاخيرة من اكتشاف الممرات والطرق التي تخترق الحواجز الجبلية الشاهقة الارتفاع وتشق بطاح الصحراء الى التربة الخصيبة في ما بين النهرين وبلاد الشام وسواحل شبه الجزيرة العربية وبلدان شمال افريقية الا في عصور متأخرة ، وعلى وجه التحديد منذ بداية الالف الثاني قبل الميلاد .
اما قبائل المنطقة العربية فقد كانت تهاجر منذ أقدم العصور من قطر الى آخر ضمن هذه المنطقة ، من أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية الى ما بين النهرين ومن بلاد الشام الى ما بين النهرين ومصر ومن ليبيا الى مصر وتونس والجزائر ومراكش ومن هذه الأخيرة الى شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق . ولذا يحق لنا ان نشبه هذه الأقطار خلال تلك العصور بحوض بشري ضخم ذي جدران طبيعية من الجبال والبحار والصحارى ، مياهه قبائله المختلفة ، وامواجه هجراتها المحلية المتعاصرة منها والمتعاقبة ، وتياراته صراع دويلاتها ودولها الغالبة احيانا والمغلوبة احياناً اخرى . وهو أشبه ببركان دائم الثورة ، تأتي ثورته هذه دائما بالجديد من باطن هذا الحوض البشري وتعطي موقعه الجغرافي الاستراتيجي الهام بين قارات ثلاث الكثير من الجديد للغير .
ولكن كان لهذا الموقع الجغرافي من ناحية اخرى آثار سلبية على شعوب مناطقه اذ وجب عليها تتلقى الضربة المخربة تلو الأخرى عن طريق البر والبحر من شعوب غربية عن هذه المناطق ، بعد ان اهتدت هذه الشعوب الى الممرات والطرق في الجبال الوعرة المسالك واكتشفت اخرى نظيرها على امواج البحر العاتية وعبر الصحارى المترامية الاطراف . وعندها ركزت هجومها الوحشي المدمر على الحضارات العريقة القدم القائمة في هذا الحوض ، وخاصة في غرب آسية ، ثم استوطنت في بعض بقاعه . ولكن امواج هذا الحوض الهادرة ثارت من جديد فحطمت هذه الشعوب وصهرتها حمم بركانه واستقر ما تبقى منها في قاعه . وكان يحدث احياناً ان يقذفها هذا الحوض خارج حدوده لعجزها عن التلاؤم مع البيئة الجديدة . وتعود شعوبه الاصلية بعد ذلك لمتابعة بناء حضارتها في مستوطناتها التقليدية ، التي استطاعت البقاء فيها أو في تلك التي اقامتها من جديد .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|