أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
2067
التاريخ: 31-8-2016
3364
التاريخ: 1-9-2016
1218
التاريخ: 30-8-2016
1493
|
لا شبهة في عدم دلالة الألفاظ على معانيها بنفس ذاتها، بحيث [يفهم] كل أحد من اللفظ معناه بلا توسيط شيء آخر في البين، ولا اظن توهمه من أحد، فليس نظر من التزم بأن دلالة الألفاظ [مستندة] إلى المناسبات الذاتية إلى كون المناسبة المزبورة مما يلتفت إليها كل أحد، وبتوسطها يفهم المعنى من نفس اللفظ بلا قرينة عامة أو خاصة بل قصارى ما يتخيل في المقام أمران: أحدهما: أن تعيين كل لفظ لأي معنى وتخصيصه به لابد وان يكون لخصوصية وربط بينهما كي لا يلزم الترجيح بلا مرجح في هذا التخصيص، مع الالتزام بأن هذه الخصوصية لابد وان تكون ملتفتا إليها حين الوضع والتخصيص لدى الواضع والمعين. وحيث ان المحيط بهذه الجهات اليس إلا علام الغيوب فالجاعل لا يكون الا هو، غاية الأمر قد ألهم غيره في استعماله اللفظ الخاص في معنى مخصوص بلا التفاته [إلى] خصوصيتها. مؤيدا ذلك أيضا بأن المحيط بألفاظ غير متناهية ومعاني كذلك لا يكون إلا الباري عز اسمه علاوة من عدم معروفية أحد في وضع هذه الألفاظ بكثرتها واختلاف لغاتها من تاريخ أو غيره ولو كان الواضع أحد من المخلوقين لبان.
ثانيهما: هذا المعنى مع عدم لزوم التفات الواضع إلى المناسبة المزبورة بل المناسبة الواقعية دعته إلى التفاته [إلى لفظ مخصوص] والمعنى كذلك [ف] عينه له بلا شعوره [بالمناسبة] المسطورة، أو ان إلهامه تعالى اياه دعاه إلى وضع لفظ خاص لمعنى مخصوص لعلمه بمناسبة بينهما بلا وضعه تعالى له بل أوكل الوضع إلى مخلوقه بإلهامه لوضعه [له]. هذا غاية بيان لما يتوهم.
أقول: لا يخفى ان عمدة الذي دعاهم إلى الالتزام بما ذكر هو توهم احتياج تخصيص كل لفظ بمعناه إلى خصوصية وربط بينهما هو المرجح للتخصيص، وأظن أن الإلتزام بذلك في جميع الاضافات والاختصاصات يوجب انكار المقارنات الاتفاقية بين الأشياء، إذ مقارنة الوجودين أو الموتين يستلزم [ربطا] بينهما حذرا من ترجيح اختصاص هذا الوجود بحال وجود الآخر دون غيره بلا مرجح، فلابد وان يكون لمرجح وربط بينهما، وهكذا الأمر في الموتين. ورفع هذه الغائلة ليس إلا بدعوى إمكان تقارن الآجال و[تصرم] الاستعدادات للوجودات. بل ويمكن في المقام دعوى كون المرجح خصوصية في نفس وضع اللفظ لمعناه لا بينهما. نظير ما قيل في الأحكام الوضعية (1) من كون الجعل لمصلحة في نفس الجعل بلا ربط بين متعلقي الجعل أبدا، كما أن الالتزام بكون علام الغيوب واضعا أيضا مستند إلى توهم كون [واضع جميع] الألفاظ لمعانيها شخصا واحدا محيطا بجميع الألفاظ بمعانيها. وهذا التوهم أيضا أوضح فسادا من الأول، إذ من الممكن إن من زمن آدم إلى زماننا في كل طبقة [أشخاصا] [عديدين] واضعين ألفاظا مخصوصة لمقدار من المعاني التي كانت محل ابتلائهم بحيث ينتهي أمر الواضعين بمرور الزمان إلى أشخاص غير محصورين [خارجين] عن تحت الضبط بحيث لم يقبل نقلهم في التواريخ ولا في [غيرها].
نعم ربما ضبطوا في التاريخ اول واضع في كل لغة، كما حكي أن المخترع للغة العرب يعرب، وهكذا الأمر لمخترعي سائر اللغات، وان كان [الواضعون] في كل طائفة أيضا غير محصورين. ولعمري إن الوجدان السليم يساعد ما ذكرنا، ولا أقل من امكانه واحتماله فينسد حينئذ طريق كشف الربط والخصوصية بين اللفظ والمعنى أو كون الواضع هو الباري عز اسمه، فلا محيص حينئذ إلا من الالتزام [بعدم] انتهاء دلالة الألفاظ إلى المناسبات الذاتية، ولا كون الواضع علام الغيوب، بل من الممكن وضع الألفاظ من المخلوقين لمحض [إنتقالهم] إلى لفظ من باب الإتفاق بالنسبة إلى معنى كذلك، أو لا أقل من جهة خصوصية في نفس وضعه بلا ربط بين اللفظ والمعنى كما نشاهد في وضع الأعلام الشخصية أو المعاني الحادثة الاختراعية. وما نرى أيضا من بعض المناسبات العرضية في بعض المقامات غير مرتبط بمحل البحث إذ هي امور عرضية ملحوظة احيانا غير مرتبطة بالمناسبة الذاتية المقتضية لتعيين اللفظ لمعناه بالطبيعة (2) كما هو المدعى كما لا يخفى.
وحيث اتضح لك ما تلوناه وانتهى أمر الدلالة إلى نحو علقة واختصاص حاصل بين اللفظ والمعنى من جعل جاعل أو كثرة استعمال يبقى الكلام في شرح حقيقة هذه العلقة فنقول:
أولا: إن هذه العلقة هي نحو من الارتباط الحاصل بين المرآة ومرئيه بحيث لا يلتفت إلى اثنينيتهما، ويحسب أحدهما قالبا للآخر ونحو وجود له وكانا بنحو يكون الانتقال بأحدهما عين الانتقال بالآخر، وربما [تسري] صفات أحدهما إلى الآخر، فقبح المعنى ربما يسري إلى اللفظ، كما أن تعقيد اللفظ قد يسري إلى المعنى وبذلك تمتاز نسبة الألفاظ إلى معانيها عن نسبة العلامات إلى ذيها كالبيرق الموضوع علامة للحرب أو الخشبة الموضوعة علامة للفرسخ أو الدخان الذي هو علامة وجود النار، فان الالتفات إلى البيرق والخشب والدخان يلازم الالتفات إلى غيره لا عينه، بل و[لا تسري] صفات أحدهما - حسنا وقبحا - إلى الآخر كما يشهد له الوجدان السليم والذوق المستقيم.
بقي تتميم فيه تحقيق: وهو أن هذه العلقة والارتباط بعد تمامية جعلها وصحة منشأ اعتبارها وإن سميت من الامور الاعتبارية في قبال مالها ما بإزاء في الأعيان من نحو هيئة قائمة بها ولكن لم [تكن] من الاعتبارات المحضة المتقومة بالاعتبار محضا بحيث تنعدم بانقطاعه بل كانت من الواقعيات التي كان الاعتبار طريقا إليها بحيث كانت قابلة لتعلق الالتفات إليها تارة والغفلة اخرى، ولها موطن ذهني وخارجي [نظير] الملازمات الذاتية بين الأشياء المحفوظة في عالم تقررها المخزونة في الذهن تارة وفي الخارج اخرى تبعا لوجود طرفيها خارجا وذهنا، فالعقل كما يرى في الذهن الملازمة بين الطبيعتين كذلك يرى في الخارج هذه الملازمة بين الموجودين في الخارج وهكذا نقول في العلقة المزبورة بأنها بين الطبيعتين [ذهنية] وبين الموجودين خارجا [خارجية]، ولا نعني من خارجية هذه الامور إلا كونها بنفسها خارجية لا بوجودها، نظير نفس الوجود والعدم كما أن في الذهن ايضا كذلك، إذ واقع ما هو ملازمة واختصاص بالحمل الشايع غير مفهومهما. وما هو موجود في الذهن هو أمثال هذه المفاهيم لا مصداقها، فمصداقيتهما التي هي قائمة بالطرفين تبعا لنفس الطرفين بنفسها ذهنية بحيث لا يرى في الذهن وجود زائد عن الطرفين بشهادة أنه لو فرض رفع الملازمة مثلا عنهما [لا تتغير] صورتهما في الذهن عما هما عليه حين تلازمهما كما هو الشأن أيضا في وجودهما خارجا وبهذه الجهة نقول: إن مثل هذه العلائق [لا توجب] تغيرا في وجود [أطرافها] لا خارجا [و] لا ذهنا، وليست من الموجودات في الأعيان كالنسب الموجبة لهيئة خارجية أو ذهنية في طرفيهما كالفوقية والتحتية [والمحاذاة] والتقابل وامثالها، ولكن مع ذلك لا يقتضي ذلك نفي الواقعية لها، فلا مجال حينئذ للاستشهاد بعدم تغير الوجودات بمثل هذه النسب ذهنا وخارجا على كونها من الاعتباريات المحضة المنقطعة بانقطاع الاعتبار، كيف ; وذلك يستلزم انعدامها واقعا بانعدام الاعتبار واللحاظ، والعقل يأبى عن الإلتزام بانعدام الملازمة - ولو جعلية واقعا - بمحض الغفلة عن لحاظها أو اعتبار عدمها في مورد ثبوتها.
ولئن شئت توضيح المقام بأزيد من ذلك فاسمع: إن حقيقة الملازمة [تنتزع] من ملاحظة وجود شيء في ظرف وجود غيره ولو في فرضه الطريق إلى الخارج. كما ان مرجع اختصاص اللفظ بالمعنى في مقام الابراز ايضا إلى مبرزية اللفظ له في فرض وجوده كذلك، ومثل هذه الجهة من الامور الواقعية كسائر القضايا الحقيقية المبنية على فرض وجود الموضوع في فرضه الطريق إلى واقعه لا بنحو الموضوعية وبذلك [تمتاز] أمثال هذه النسب والاختصاصات عن الامور الاعتبارية المحضة المتقومة بحقائقها بنفس الاعتبار، كالوجودات الادعائية والتنزيلية حيث لا واقعية لها لو لا اعتبار معتبر.
ومن هذا الباب اعتبار وجود غول وأنيابه، ومنه أيضا النسب الحاصلة بين المفاهيم التحليلية المنتزعة عن وجود واحد حيث إن بانقطاع الاعتبار [تنعدم] مثل هذه النسب واقعا. وبذلك ايضا أجابوا عن شبهة اعتبار اضافة اخرى بين الاضافة والمضاف على من التزم بوجود الاضافات في الخارج. وعمدة الوجه فيها هو أن في أمثال هذه الاعتبارات كان لحاظ المعتبر من وسائط ثبوتها لا طريقا إليها بخلاف ما ذكرنا من أنحاء الاختصاصات الجعلية، إذ هي كأنحاء الملازمات الذاتية كان لحاظها مجددا طريقا إليها، لا من وسائط ثبوتها، ولقد أشرنا في أول الكتاب بأن حقيقة الفنون عبارة عن القواعد التي يتعلق بها العلم تارة والجهل اخرى، مع أن قوانينها غالبا جعلية، وما كان منها غير جعلي كان من سنخ أبواب الملازمات الواقعية، ولو كانت مثل هذه أيضا من الاعتبارات المتقومة باعتبار المعتبر لزم الالتزام بانعدام القوانين من كل فن بمحض غفلة اللاحظ عن لحاظها فينتهي إلى انعدام الفنون واقعا بمحض الغفلة عنها وهذا مما يأبى عنه العقل السليم والذوق المستقيم.
فان قلت: ان ذلك إنما يلزم لو كانت اعتباريتها [تابعة] [لاعتبار] أي شخص كان. وأما لو قيل بأنها [تابعة] [لاعتبار] معتبر خاص فلا شبهة حينئذ في أن نظر غيرهم بالنسبة إليها طريق صرف بلا موضوعية له إلا نظر شخص الجاعل وحينئذ لا يلزم ما ذكرت من التالي من انعدام الفنون بالغفلة عنها.
قلت: إن كان الغرض من اعتبار [المعتبر] الخاص، حدوث اعتباره محضا فلا شبهة في انعدامه خصوصا بفناء معتبره فلازمه عدم بقاء الأمر الاعتباري إذ هو تابع اعتباره حدوثا وبقاء فلازمه حينئذ عدم تصور بقاء للفنون حتى مع التفات غير المعتبر فضلا عن غفلته، وهذا المعنى أشد محذورا في باب الفنون الأبدية [غير] المنسوخة. وإن كان الغرض اعتبار المعتبر بنحو يبقى اعتباره الموجب لبقاء الامر الاعتباري فنقول: كيف يتصور ذلك مع فناء المعتبر، وحينئذ لا يتصور البقاء في الامور الجعلية إلا بدعوى سيرورة الجعل منشأ لإحداث نحو اختصاص وملازمة بين الطرفين باقية ما دام اقتضاء الجعل له نظير سائر الملازمات الذاتية، ومرجع ذلك إلى الالتزام بنحو من الواقعية التي أشرنا إليها آنفا فراجع.
وعليه فلا غرو بدعوى أن لأمثال هذه النسبة نحو شباهة بالاعتبارات المحضة حيث لا يوجب تغيير صورة بين الطرفين لا خارجا ولا ذهنا، بل هي بنفسها ذهنية وخارجية، ولها أيضا نحو شباهة بالإضافات المقولية والنسب الخارجية حيث إن لها واقعية بحيث [تكون] [قابلة] للالتفات إليها تارة والغفلة اخرى.
ولئن شئت قلت: ان مثل هذه الاعتبارات بل وأنحاء الملازمات الخارجية نحو اعتبار وسيط بين الاعتباريات المحضة المنقطعة بانقطاع الاعتبار وبين النسب الخارجية المحدثة لأنحاء من الهيئة لطرفيها، كما لا يخفى. بقي هنا دفع سهم آخر , لعلك تقول ايضا: ان لازم واقعية هذه الامور الجعلية عدم اختلاف أحد في اعتبارها بمحض جعل جاعل، مع أنا نرى اختلافهم فيه، وربما لا يعتبر بعضهم الاختصاص المعهود مع التفاته [إلى جعل] غيره كما ترى مخالفة الشارع مع العرف في اعتبار الملكية بل وترى الاختلاف بين أهل العرف في ذلك.
قلت: ذلك كله لولا رجوع اختلافهم إلى صحة الجعل ومنشأه، والا فمرجع اختلافهم إلى تخطئة بعضهم بعضا في المنشأ بملاحظة عدم كون ما يرى غيره منشأ بمنشأ. وإلى ذلك أيضا يرجع أمر اختلاف العرف والشرع في اعتبار الملكية، وهذا المقدار لا يقتضي نفي الواقعية لها عند واقعية منشأه وصحته، وهل ترى [أحدا] يعتبر عدم الاختصاص واقعا بين اللفظ والمعنى في فرض كون المنشأ كثرة الاستعمال. ولو كان أمرا اعتباريا محضا لزم امكان اعتبار خلاف الاختصاص حتى مع كثرة الاستعمال وهو كما ترى.
هنا ايقاظ فيه إرشاد: وهو ان حقيقة الجعل عبارة عن ارادة الجاعل كون اللفظ مبرزا وقالبا لمعناه، وهو نحو من اختصاصه به، ومرجع ذلك إلى توجه الارادة إلى ثبوت القالبية له، و[الباسه] لباس المبرزية. ولئن شئت فعبر عنه بتعهد الواضع والجاعل على اتصاف اللفظ بصفة المبرزية والقالبية بحيث يكون ارادته وتعهده متوجها إلى صيرورته قالبا ومبرزا. وحينئذ فغرض القائل بإرجاع أمر الوضع وحقيقته إلى تعهد الواضع على ذكر اللفظ عند لحاظ المعنى أو مع ارادة تفهيمه، إن كان تعهده على اتصاف اللفظ بصفة المبرزية والقالبية فنعم الوفاق إذ [القائلون] بجعلية الوضع ايضا لا يريدون أزيد من هذا، بل ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى حينئذ مستدرك، إذ اتصاف اللفظ بالمبرزية والقالبية لو كان قابلا للتحقق بمحض ارادة المريد فلا يحتاج تقييده بحين ذكر اللفظ ولحاظ المعنى، والا فلا معنى لتعلق الارادة بإيجاد صفة المبرزية والقالبية له مطلقا [لإستحالة] تعلق الارادة بالمحال. وان كان غرضه التعهد على ذكر اللفظ وايجاده فارغا عن الاتصاف بالمبرزية والقالبية فلا محيص من كون اتصافه بهما من ناحية غير هذا التعهد ولازمه حينئذ ان ينتهي الأمر بالأخرة إلى تعهد آخر راجع إلى حقيقة الجعل كما أسلفنا.
نعم هنا تصور آخر لا يرجع إلى الجعل ولا ينتهي إليه وهو: أن يراد من التعهد ارادة ذكر اللفظ لا بعنوان كونه مبرزا لمعناه اتصافا أو ايجادا بل كان لمصلحة اخرى حاصلة عند لحاظ المعنى فانه حينئذ ربما ينتقل إلى المعنى باللفظ لكونه من اللوازم الاتفاقية من جهة إناطة ارادته به. ولعمري ان هذا التوهم مما [تأبى] عنه الفطرة المستقيمة لأوله إلى كون اللفظ مرادا لمصلحة نفسية اخرى غير ملحوظ فيه حيث آليته لتفهيم المعنى مع أن لازمه صيرورة اللفظ حينئذ علامة لمعناه كعلامة البيرق للحرب مثلا، لا أنه قالب له بحيث يكون انتقاله للمعنى بعين انتقاله إلى اللفظ، كما لا يخفى على كل ذي مسكة. تشريح فيه تحقيق: وهو انه بعد ما عرفت حقيقة الجعل والمجعول فربما يستفاد لعنوانه بعض العناوين الخارجية فيدعى، نحو عنوان وضع اللفظ على معناه لمثله تشبيها له بوضع شيء خارجي على غيره، ولكن ذلك المقدار لا يخرج حقيقة الجعل والاختصاص عن الحقيقة الواقعية، وإنما الاعتبار والعناية في عنوانه فلا مجال حينئذ لتوهم الخلط بين العناية في العنوان الجاري على الشيء وبين جعل حقيقة الشيء أمرا ادعائيا عنائيا، وارجاع جعل الاختصاص المسمى بالوضع بحقيقته إلى اعتبار العناية والتنزيل التي هي من الاعتبارات المحضة المنقطعة بانقطاع الاعتبار.
ولعمري إن الفهم المستقيم أيضا يأبى عن ذلك ويرى ان حقية الجعل هو ايجاد العلقة بين اللفظ والمعنى الراجع في الحقيقة إلى ايجاد صفة المبرزية للمعنى بإرادته، ومرجعه إلى نحو تخصيص اللفظ بمعنى مخصوص، الراجع إلى نحو تلازم بينهما، واجري على هذا المعنى عنوان ادعائي عنائي وعبر عنه بوضع اللفظ على معنى، ففي هذا المورد [لوحظت] العناية في جري العنوان لا في الحقيقة فلا معنى لجعل حقيقة الوضع الذي هو عبارة عن الجعل المعهود أمرا اعتباريا محضا وعنائيا، كما لا يخفى على من راجع إلى ما اسلفنا في وجه فساده.
ثم ان من التأمل في ما ذكرنا ظهر حال سائر الأحكام الوضعية من الملكية والزوجية وان روحها ايضا مثل الاختصاص الوضعي في الألفاظ يرجع إلى نحو اعتبار واقعي بنحو [تكون] الاعتبارات الذهنية طريقا إليها لا ان قوام حقيقتها بصرف الاعتبار الذهني كما هو الشأن في الاعتباريات المحضة كالوجودات التنزيلية أو النسب التحليلية، كما أن مثلها ايضا غير حاكية عما بأزاء خارجي ولو مثل هيئة خارجية كما هو شأن الاضافات المقولية من الفوقية والتحتية ولقد أشرنا إلى ذلك سابقا أيضا، فتدبر.
تتميم للمرام بإرشاد في المقام وهو: ان حقيقة الوضع كما انه قد يتحقق بجعل قبل الاستعمال فقد يتحقق بنفس استعمال لفظ في معناه بقصد حصوله، وتوهم أوله إلى اجتماع اللحاظين غلط، إذ النظر المرآتي متوجه إلى شخص اللفظ والمعنى حال الاستعمال وهما غير ملحوظين استقلالا حين الوضع وما هو ملحوظ كذلك فهو طبيعة اللفظ وطبيعة المعنى حين وضعه وأحدهما غير الآخر في مقام اللحاظ كما لا يخفى، والعجب من صدور هذا الإشكال من بعض أعاظم المعاصرين على ما في تقرير بعض تلامذته.
__________________
(1) المقصود من الأحكام الوضعية: الأحكام الموضوعة بمعنى (المجعولة) لا الوضعية المقابلة للتكليفية.
(2) متعلق بقوله (المقتضية) أي المناسبة الذاتية المقتضية بطبيعتها لتعيين اللفظ لمعناه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|