المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4821 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تأثير الأسرة والوراثة في الأخلاق
2024-10-28
تأثير العشرة في التحليلات المنطقيّة
2024-10-28
دور الأخلّاء في الروايات الإسلاميّة
2024-10-28
ترجمة ابن عبد الرحيم
2024-10-28
ترجمة محمد بن لب الأمي
2024-10-28
من نثر لسان الدين
2024-10-28



ادراك القوّة العاقلة للأشياء بأنفسها لا بتصوّر زائد على ذاتها  
  
903   02:47 صباحاً   التاريخ: 2-07-2015
المؤلف : مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع الأفكار وناقد الأنظار
الجزء والصفحة : ص20.ج2
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / الحياة و الادراك /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014 785
التاريخ: 25-10-2014 589
التاريخ: 25-10-2014 648
التاريخ: 5-08-2015 615

انّ كلّ عاقل يدرك نفسه لا بصورة زائدة على ذاته. كما لا يخفى على من تأمّل في علمه بنفسه، فانّ كلّ انسان يدرك نفسه على وجه يمتنع فيه الشركة ، ولو كان هذا الادراك بصورة زائدة حاصلة في النفس لكانت كلّية ، وإن حصلت من كلّيات كثيرة شخص حملتها بنفس واحدة ، لأنّ المركّب من الكلّيات ولو تعدّدت كثرة بحيث لا تحصى لا يخرج عن احتمال صدقها على كثيرين ، مع أنّ النفس إذا ادركت ذاتها لا تكون ذاتها المدركة صادقة على كثيرين. فعلم النفس بذاتها انّما هو بحضور ذاتها لا بصورة زائدة عليها ، فتجريد الصورة وتعقّلها إنّما هو في العلم الحصولي الانطباعي دون الحضوري كيف ولو كان من شرط كلّ ادراك أن يكون بتجريد الصورة من العين الخارجي لزم التسلسل في الصور.

بيان ذلك : انّ من أدرك صورة ذهنية لا ريب في انّ تلك الصورة معلومة له بالحضور الاشراقي ، أي : معلومية تلك الصورة إنّما هي بعين تلك الصورة لا بصورة أخرى والاّ لتوقّفت تلك الصورة الأخرى أيضا إلى صورة ثالثة ... وهكذا ، فيلزم التسلسل في الصور ؛ ومع ذلك يلزم أن تجتمع صور متساوية في الماهية مختلفة بالعدد في محلّ واحد ؛ وهو محال.

وممّا يدل على ثبوت العلم الحضوري الغير المحتاج إلى صورة أخرى غير حضور ذات المدرك لنا : انّا نتألّم بتفرّق اتصال وقع في عضو من أعضائنا ونشعر به وليس ذلك بأنّ تفرّق الاتصال تحصل له صورة أخرى في ذلك العضو أو في غيره ، بل المدرك نفس تفرّق الاتصال والألم المحسوس بذاته لا بصورة تحصل منه ، فيظهر منه انّ من الأشياء المدركة ما يكفي في ادراكها مجرّد حضور ذاتها للنفس أو لأمر له تعلّق حضوري خاصّ بالنفس.

ثمّ كما انّ علم النفس بذاتها وبالصورة القائمة بها ـ سواء كانت صورا لأشياء الخارجية حاصلة للنفس بالتجريد أو صورا خلقية قائمة بها من الشجاعة والسخاوة والمحبّة وغيرها ـ انّما هو بحضور ذات النفس وذوات تلك الصور لا بحضور صورة أخرى زائدة عليها ، كذلك قد يدرك غير ذاتها وغير تلك الصور أيضا لا بحصول صورة ذهنية زائدة ، كما تدرك النفس المجرّدة بدنه الخاصّ الّذي تحرّكه وتصرف فيه وقوّته المفكّرة الّتي يستخدمها في تركيب الصور والمعاني الجزئية وتفصيلها وفي ترتيب الحدود الوسطى ، وبتلك الاستخدام نجرّد الكلّيات وننزعها من الجزئيات ونأخذ النتائج من المقدّمات. وبانضمام ذلك الاستخدام إلى ما يدركه بنفسها من دون الاستخدام ندرك الأشياء جميعا ، وكذلك ندرك قوّتها الخيالية والوهمية الشخصيين بذاتهما لا بصورة زائدة منتزعة عنهما. وكذا ندرك مدركات تلك القوى والأشياء الحالّة فيها بالحضور والمشاهدة بدون صور زائدة ، ولو كان ادراك النفس لتلك الأمور بصور مأخوذة عنها لأدركتها على الوجه الكلّي ، لما مرّ من أنّ كلّ صورة تجرّدها النفس وتحصل فيها فهي كلّية وان تحصّلت من كليّات كثيرة ؛ وحينئذ لم تكن مانعة من الشركة. وهو خلاف الواقع ، لانّ نفس تعقّل كلّ واحد من تلك الأمور مانع عن الشركة.

قيل : وممّا يدلّ على ثبوت العلم الحضوري : انّ النفس في مبدأ فطرتها خالية عن العلوم الانتقاشية كلّها ، ولا ريب في أنّ حصول كلّ علم انطباعي يتوقّف على استعمال الآلات ، واستعمال الآلات يتوقّف على العلم بالآلات ، فلو كان ذلك العلم ـ أي : العلم بالآلات ـ بالارتسام لزم توقّفه على استعمال الآلات المتوقّف على العلم بالآلات ، وهكذا يعود الكلام ؛ فامّا أن يدور أو يتسلسل ، وهو باطل. فأوّل علوم النفس هو علمها بذاتها ، ثمّ علمها بقوى البدن والآلات الّتي هي الحواسّ الباطنة والظاهرة ـ وهذان العلمان من العلوم الحضورية ـ ، ثمّ بعد هذين العلمين ينبعث عن ذات النفس لذاتها استعمال الآلات بدون تصوّر هذا الفعل الّذي هو استعمال الآلات والتصديق بفائدته ، فانّ هذا الاستعمال ليس فعلا اختياريا بمعنى كونه حاصلا بالقصد والرويّة وان كانت النفس عالمة به مريدة له ، لأنّ إرادة ذلك الفعل إنّما تنبعث عن ذاتها لا من رويتها. فذاتها بذاتها موجبة لاستعمال الآلات لا بإرادة اختيارية زائدة عليها قائمة بها ، بل لمّا كانت ذاتها في آن وجودها عالمة بذاتها وعاشقة لها ولفعلها ـ عشقا ناشئا عن الذات لذاتها ـ اضطرّت إلى استعمال الآلات الّتي لا قدرة لها بدونه.

وبذلك يندفع ما قيل : انّ استعمال الآلات من الحواسّ الظاهرة والباطنة فعل اختياري وصدور كلّ فعل اختياري مسبوق بالتصوّر والتصديق بفائدة ما ، فوجب أن تحصل قبل استعمال الآلات صور تصورية وتصديقية ، وذلك لانّ نسبتي صدور استعمال الآلات وعدمه ليستا متساويتين ليلزم الاحتياج إلى المرجّح من تصوّر الفعل والتصديق بالفائدة قبل الاستعمال ، بل المرجّح والمقتضي ذات النفس ، فينبعث الاستعمال عن الشوق الذاتي الّذي هو عين ذاتها الدرّاكة الفعّالة ، فلا يكون مسبوقا بتصوّر ذلك الفعل ؛ بل صدور ذلك الجزئي عن النفس هو بعينه تصوّرها له بلا صورة مستأنفة أخرى ـ كما أدّى إليه ذوق أهل الاشراق ـ ؛ انتهى.

وما ذكره من أنّ استعمال النفس لقواها وآلاتها لا يتوقّف على قصد زائد ـ بل هو ناش عن ذاتها وارادتها له عبارة عن كونه معشوقا محبوبا ، لأنّ كلّ شيء يحبّ فعله من حيث انّه فعله ـ قريب ممّا ذكره الحكماء في إرادة الواجب من أنّ ارادته لفعل ليس بقصد زائد وليس فعلها وتركها متساويين عنده حتّى يحتاج إلى مرجّح ، بل ذاته يقتضي فعلها. وكونه مرادا له : انّه محبوب عنده مرضي لديه ، لانّ كلّ فعل ناش عن الذات معشوق عند الذات.

ثمّ إن قيل : إن كان الاستعمال ناشئا عن ذات النفس وعن شوقها الذاتي فما الباعث لاختلاف الاستعمالات في النفوس قلّة وكثرة وشدّة وضعفا؟ ، ووقوع بعضها في محلّه وبعضها في غير محلّه؟ ، وكون بعضها موجبا للنجاة وبعضها باعثا للهلاك؟ ـ وغير ذلك ـ ؛

قلنا : الباعث في ذلك اختلاف النفوس واختلافهما في الأفعال ، وكون كلّ منها عاشقة لفعلها المخصوص بها اللازم لها.

فان قيل : لا ريب في أنّ علم النفس بالصور الحاصلة لها القائمة بها علم حضوري لا يتوقّف على صورة زائدة وإلاّ لزم التسلسل ، وأمّا علمها بغير تلك الصور من الأشياء الخارجية ـ سواء كان ذاتها أو ما يتعلّق بها من القوى أو الآلات أو غيرهما ـ لا بدّ أن يكون بالصور الزائدة ولا يمكن أن يكون على سبيل الحضور ، فكلّ ما يصير معلوما للنفس من الأشياء الخارجة انّما ينكشف بتجريد صورته وقيامها بالنفس ، وأمّا نفس تلك الصورة فهي حاضرة عند النفس ملاحظة ايّاها ، فالربط والمناسبة اللازمتان في تحقّق الانكشاف بين النفس وبين تلك الصور هو قيامها بها ، وبين النفس وبين ذي الصورة هو قيام صورته بها. وبالجملة علم النفس في الأمور الخارجية والأشياء العينية ولو كانت ذاتها أو قواها وآلاتها لا يمكن أن يكون بالحضور ، بل لا بدّ أن يكون بتجريد صورها وحصول تلك الصور للنفس. وحينئذ كلّ شيء يكون معلوما للنفس فانّما يكون معلوما على وجه كلّي ، لانّ العلم الانطباعي الإرتسامي الحاصل للمجرّد لا يكون إلاّ كلّيا.

وممّا يؤكّد ذلك انّ مبلغ علم كلّ نفس بذاتها هو أنّها تعلم أنها حقيقة مجرّدة متّصفة بكذا وكذا ، وهذا لا يكون الاّ كلّيا وان انضمّ إليه الف مخصّص من الكلّيات ، وكذا مبلغ علمه بخياله وواهمته وتخيّله وبدنه الخاصّ به ، فانّ المعلوم له من كلّ واحد منها انّ له قوّة أو بدنا من شأنه كذا وكذا ؛ وبالجملة انّ علم كلّ نفس بكلّ واحد من ذاتها وقواها وآلاتها إنّما هو على الوجه الكلّي ـ أي : يعلم أنّ واحدا منها متّصفا بصفة كذا وكذا من الصفات الكلّية ـ ، ولا ريب في كونه علما انطباعيا يتجرّد فيه الصور عن الأشياء الخارجية وتحصل للنفس. وعلم كلّ نفس مجرّدة لنفس أخرى وقواها وآلاتها أيضا من هذا القبيل. وإذا علم المذكورات على وجه جزئي بأن يعلم من حيث عروض المادّيات ـ من الوضع الخاصّ والأين الخاصّ لها ـ فالعالم بذلك انّما هو بعض القوى الجسمانية دون النفس الناطقة ، ولا نسلم انّ المدرك لها حينئذ هو النفس. وحينئذ فمن أين يعلم انّ المدرك لهذه المذكورات هو النفس بالعلم الحضوري على وجه جزئي بأن يلاحظها ملاحظة حضورية من حيث كونها جزئية بسبب الارتباط الحاصل بين النفس وبينها ، أعني : كون المعلوم الحاضر نفس العالم ـ كما في علم النفس بذاتها ـ أو كون المعلوم متعلّقا بالعالم تعلّقا خاصّا ـ كما في علمها بقواها وآلاتها ـ ؛

قلنا : لا ريب في أنّ المراد من علم النفس بذاتها هو انكشاف ذاتها عندها وظهورها بين يديها وتعقّلها بأنّها هي ، وهذا لا يتوقّف على صورة زائدة أصلا وعلمها بأنّ حقيقتها كذا وكذا. وبالجملة تحديد ذاتها وتعريفها بالصفات الذاتية أو العرضية لا مدخلية له بما هو المقصود من العلم الحضوري الحاصل للنفس بذاتها ، لأنّه لا شبهة في أنّ علمها بأنّ حقيقتها كذا وكذا من العلوم الانطباعية لأنّه من العلوم التصورية أو التصديقية وكلاهما من اقسام العلم الحصولي ، وما نحن فيه ـ أي : حضور الذات للذات ـ غير هذين القسمين.

وممّا يظهر المطلوب انّ كلّ ما يقوم بذاته غير متعلّق الهوية والوجود بشيء آخر فهو موجود لذاته حاضر عند ذاته غير غائب ولا منفكّ ذاته عن ذاته ، وقد مرّ أنّ التعقّل هو حضور المعلوم بعينه أو بصورته عند المجرّد الموجود القائم بذاته وانكشافه لديه ووجوده بين يديه ، ولا ريب في أنّ النفس مجرّدة قائمة بذاتها ، فذاتها حاضرة لذاتها والتعقّل ليس إلاّ هذا. وأمّا علمها بنفس أخرى فلا بدّ أن يكون على سبيل الارتسام وتجريد صورة منها ، فيكون علما حصوليا ولا يمكن أن يكون حضوريا ، لعدم حضور هذه النفس للأخرى بذاتها لها ؛ ولا لأمر له تعلّق حضوري خاصّ بها ، ولذا تشير كلّ نفس إلى ذاتها بـ « أنا » وإلى ما عداها بـ « هو » ، لكونه زائدا عليها ، فعلم النفس بذاتها ليس سوى ذاتها وبما عداها بصورة زائدة عليها.

وأمّا علمها بقواها وآلاتها فالوجه في كونه حضوريا : انّ تلك القوى والآلات متعلّقة بالنفس تعلّقا خاصّا ليس مثله متحقّقا بينها وبين القوى والآلات الّتي لنفس اخرى ، فهذا التعلّق نوع ارتباط ومناسبة صار منشأ لحضورها عندها وانكشافها لديها ووجودها بين يديها ، فتدرك النفس أنّها قواها وآلاتها ويلاحظها بذواتها وان امكنها تعقّلها على وجه كلّي أيضا حتى يكون علما انطباعيا بأن يتصوّر حقيقة كلّ واحد منها بانّه كذا وكذا وشأنه كذا وكذا.

ثمّ انّ انكشاف المادّي بخصوصياته المعينة من الوضع والمقدار وغيرهما بالحضور لوجود علاقته ليس فيه بأس ـ لعدم لزوم كون المجرّد محلاّ للمادّي بلواحقه الغريبة ـ ، لأنّ انكشاف المادّي من حيث انّه مادّي وملاحظته الحضورية لا يوجب ارتسام هذا المادّي بلواحقه الغريبة في المجرّد حتّى يلزم كونه محلاّ لها ، بل الحاصل في المجرّد انّما هو مجرّد انكشاف لهذا المادّي بلواحقه على وجه يمنع الشركة ، لأنّ الانكشاف والملاحظة انّما هو على سبيل الجزئية ، ولذا لا يبقى فيه ابهام ، بخلاف ما لو ارتسم صورته فيه ، فانّه لو ارتسم المادّي بلواحقه الغريبة في المجرّد لزم كون المجرّد محلاّ لمادّي من حيث هو مادّي ، ولزم أيضا كون المدرك غير متّضح ؛ بل مبهما ، لانّ المدرك حينئذ ليس هو الذات الموجودة في الخارج حتّى إذا انكشف لا يبقى فيه الابهام ، بل المدرك هو الصورة والفرض انّها مخلوطة بغيرها من اللواحق ، وكلّ ما هو مخلوط بغيره لا يكون معلوما ما دام كونه مخلوطا بغيره ، فانّ الصورة إذا جرّدت تكون واحدة ممتازة وإذا كانت مخلوطة بالوضع الخاصّ والمقدار الخاصّ لا تكون ممتازة عن غيرها بالكلّية ، فلا تكون معلومة على سبيل الوضوح والانجلاء.

والحاصل : انّ المطلوب ادراكه وانكشافه في العلم الحضوري هو الموجود الخارجي ـ أي : الحقيقة الخارجية مع لوازمها الخاصّة ولواحقها المعينة ـ ، ولا ريب في انكشاف تلك الحقيقة الخارجية بلوازمها ولواحقها بالعلم الحضوري من دون التباس بغيرها واختلاط بما عداها ، فيكون المدرك حينئذ متّضحا حقّ الإتضاح.

وامّا المدرك بالعلم الحصولي فانّما هو الصورة دون الموجود الخارجي ، فكلّما تكون تلك الصورة المدركة أشدّ امتيازا عن غيرها يصدق انّ العلم بالصورة من حيث هي أوضح وأجلى، وكلّما كانت أكثر اختلاطا بما سواها يصدق أنّ الخفاء فيها أكثر ؛ فالمادّي إذا علم بالعلم الحضوري أو الحصولي بالتجريد التامّ والنزع المحكم يكون معلوما متّضحا ، وإذا علم بالحصولي من دون التجريد التامّ ـ أي : لم تكن صورته المدركة مجرّدة ، بل كانت مع غشاوة ما من المادّة وعلائقها ـ لا تكون متضحة حقّ الإتضاح. فقد ظهر ووضح انّ العلم الحضوري لا يحتاج إلى صورة زائدة ذهنية ، بل الاحتياج إليها حيث يكون المدرك غير حاضر عند المدرك أصلا. وعدم حضوره إمّا لعدم وجوده في الخارج أصلا ـ كالمعدومات والممتنعات ـ ، أو لعدم وجوده عند المدرك وان كان موجودا في الخارج ـ كالأشياء الخارجة عن ذات المدرك غير متعلّقة به أصلا ـ ، فانّ كلّ واحد من الموجودات ليس متعلّقا وحاصلا لكلّ واحد وإلاّ لكان كلّ من له صلاحية العالمية عالما بالفعل بكلّ من له صلاحية المعلومية ، وليس كذلك. فلا بدّ في تحقّق العالمية والمعلومية بين شيئين مع صلاحيتهما لهما من علاقة ذاتية بينهما بحسب الوجود. فكلّ شيئين لهما صلاحية العالمية والمعلومية إذا تحقق بينهما علاقة ذاتية وارتباط وجودي يكون أحدهما عالما بالآخر ، لانّ تلك العلاقة مستلزمة لحصول إحداهما للآخر وانكشافه لديه. وهي قد يقع بين ذات العالم والموجود الخارجي ـ أي : ذات المعلوم ـ بحسب وجوده الخارجي كما في العلم الحضوري بأقسامه ، فانّ الارتباط الموجب للانكشاف في هذا العلم إمّا ايجاد المدرك والمدرك ومعلوم انّه لا علاقة مصحّحة للارتباط أشدّ من هذا ؛ أو كون المدرك من حيث وجوده في الخارج لازما للمدرك ؛ أو مربوطا به لتحقّق نوع علاقة بينهما ـ ككونه آلة له ـ.

وقد تكون العلاقة بين ذات العالم وصورة الشيء المعلوم ـ كما في العلم الحصولي المحقّق ، لحصول صورة الشيء في ذات العالم ، أو في بعض قواه حصولا ذهنيا ـ ، والمدرك بالحقيقة هو نفس الصورة الحاضرة لا الموجود الخارجي الخارج عن التصوّر ، واطلاق المعلوم عليه انّما هو بقصد ثان ـ كما تقدّم ـ فالعلاقة الوجودية المستلزمة للعلم في الحقيقة إنّما هي بين العالم والصورة لا غير ، بخلاف المعلوم من حيث وجوده ـ أعني : بالعلم الحضوري ـ ، لانّ المعلوم بالذات فيه هو نفس ذات الشيء العيني لتحقّق العلاقة الوجودية بين هذه الذات الخارجية وبين العالم ؛ هذا.

وقيل : العلم الحضوري هو اتمّ صنفي العلم ، ومن ذهب إلى انّ العلم بالغير منحصر في الارتسام فقد أخطاء. نعم! ، الادراك على وجه يكون المدرك كلّيا مشتركا بين كثيرين ينحصر في الصورة الذهنية ، وهي المنقسمة إلى التصور والتصديق ؛ وهي الّتي تكون كاسبة ومكتسبة. فاذا تحقّقت العلاقة الوجودية المستلزمة للعالمية أو المعلومية بين ذات مستقلّة الوجود مجرّدة وصورة مرتسمة فيها فتحقّقها بين ذات مستقلّة الوجود وبين الصورة الّتي معلولة لها وصادرة عنها أولى واحرى ، لأنّ نسبة القابل الى المقبول بالإمكان ونسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب، فالعلاقة المتحقّقة بين العلّة ومعلولاتها الخارجية أوكد من العلاقة بين ذات الشيء والصورة المرتسمة فيها ـ كما حقّقه المحقّق الطوسي ـ.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.