أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
![]()
التاريخ: 31-8-2016
![]()
التاريخ: 8-8-2016
![]()
التاريخ: 5-8-2016
![]() |
متعلّق الطلب في النهي:
المشهور بين الأعلام ـ منهم المحقّق الخراساني(1) ـ أنّ النهي كالأمر في دلالته على الطلب ، غير أنّ متعلّقه هو الترك ونفس أن لا تفعل .
والتحقيق : امتناع ذلك ثبوتاً ، ومخالفته لظواهر الكلام إثباتاً :
أمّا الأوّل : فلأنّ الإرادة لا تتعلّق بشيء إلاّ بعـد حصول مبادئها ; من التصوّر والتصديق بالفائدة والاشتياق إليه أحياناً ، بل هـذه المبادئ من علل حصول الإرادة ووجـودها . وحينئذ : فالعدم والترك من الاُمور الباطلة الوهمية ، لا يمكـن أن يكون ذا مصلحـة تتعلّق بـه اشتياق وإرادة أو بعث وتحريك ; إذ البطلان المحض لا يترتّب عليه أثر حتّى يقع مورد التصديق بالفائدة ، وقـد عرفت(2) أنّ ما هـو المشهور مـن أنّ للأعدام المضافة حظّاً من الوجـود ممّا لا أصل له ; إذ الوجود لملكاتها لا لأعدامها .
وأوضح بطلاناً ما ربّما يقال : بتعلّق الطلب ببعض الأعدام وجداناً ; لأنّ ذلك مغالطة ، وحصلت من أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ; لأنّه قد يكون وجود شيء مبغوضاً لفساد فيه ، فينسب المحبوبية إلى عدمه عرضاً بعد تصوّره بالحمل الأوّلي . وبالجملة فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان .
وبذلك يظهر : أنّ النزاع الدائر بين قدماء الاُصوليين من أنّ متعلّق النهي هل هو الكفّ أو نفس أن لا تفعل ; ظانّين أنّ الحقّ منحصر فيهما(3) ليس كما ينبغي ، بل هنا وجه آخر ، كما سيوافيك بيانه .
وأمّا مخالفته للظواهر إثباتاً فلأنّ النهي كالأمر ينحلّ إلى مادّة وهيئة ، والمادّة تدلّ على نفس الماهية ، والهيئة تدلّ على الزجر عن الماهية أو عن إيجادها بالمعنى الحرفي كما سبق(4) ، وليس هناك شيء يدلّ على الترك والعدم ; لا مادّة ولا هيئة .
والتحقيق ـ كما هو المتبادر من النواهي ـ أنّ مادّتها هي مادّة الأوامر ، لا تدلّ إلاّ على نفس الطبيعة ، ولكن مفاد هيئة الأمر هو البعث والتحريك تشريعاً ، ومفاد هيئة النهي هو الزجر والمنع عن الطبيعة تشريعاً وقانوناً .
والسرّ في ذلك : أنّ ملاك الأمر هو اشتمال المتعلّق على مصلحة ملزمة ، كما أنّ ملاك الآخر هو اشتمال وجود الطبيعة على مفسدة شخصية أو نوعية ، فكما أنّ مقتضى الأوّل هو التحريك لاستيفائها كذلك مقتضى الثاني هو زجره ومنعه عن إيجادها . والمناسب مع اشتمال الطبيعة على المفسدة هو الزجر عنها ، لا طلب تركها والبعث إلى استمرار عدمها ; إذ هذا أشبه شيء بالأكل عن القفاء ، كما لا يخفى .
ويؤيّد ما ذكرنا : التفحّص حول سائر اللغات ; فإنّ مرادف قولنا لا تضرب في الفارسية كلمة «نزن» وليس مفاده عرفاً وتبادراً إلاّ ما ذكرنا . على أ نّه لو صرّح بطلب العدم لابدّ من تأويله لما عرفت من امتناع تعلّق الإرادة به .
دلالة النهي على التكرار:
ثمّ إنّه لا خلاف بين العقلاء في النواهي ـ ومنها النواهي الشرعية ـ في أنّ النهي يتميّـز عن الأمر بأنّ مقتضى النهي لدى العرف هو ترك جميع الأفراد ـ عرضية كانت أو طولية ـ بخلاف الأمر ; فإنّ الغرض منه يحصل بإيجاد فرد واحد منه ، ويسقط الأمر به دون جميع الأفراد .
لكن الكلام في أنّ ذلك من ناحية اللغة أو حكم العقل أو العرف :
فذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ مقتضى العقل أنّ الطبيعي يوجد بفرد ما ، وينعدم بعدم جميع الأفراد(5) .
وأنت خبير بفساد هذه القاعدة ; لأنّ المراد منها إن كان هو الطبيعة المهملة ـ أي بلا شرط ـ فهي كما توجد بفرد ما تنعدم بانعدام فرد ما ، وإن اُريد الطبيعة السارية في مصاديقها ـ على اصطلاح القوم ـ فهي لا توجد إلاّ بوجود جميع مصاديقها .
هذا ، وقد عرّفناك(6) : أنّ الطبيعي متكثّر وجوداً وعدماً ، فكما أنّ له وجودات كذلك له أعدام بعدد الأفراد ; إذ كلّ فرد حائز تمام الطبيعي بلا نقصان ، فعدمه يكون عدماً للطبيعي حقيقة .
وما قرّر في المنطق من أنّ نقيض السالبة الكلّية هو الموجبة الجزئية ليس مبنياً على أساس عقلي وبرهان علمي ، بل على الارتكاز العرفي المسامحي ; لأنّ الطبيعة لدى العرف العامّ توجد بفرد ما وتنعدم بعدم جميع الأفراد .
فإن قلت : فعلى هذا قد انحلّت العويصة ; لأنّ القاعدة المزبورة وإن لم يساعدها البرهان إلاّ أنّ الارتكاز العرفي يساعدها في محاوراتهم ، والنواهي الشرعية تحمل على المحاورات العرفية . فحينئذ إذا تعلّق نهي بطبيعة يكون حكمه العقلائي أنّ امتثاله بترك الأفراد جميعاً .
قلت : نعم ، لكنّه يتولّد منه عويصة اُخرى ; وهو أنّ لازم ذلك أن يكون للنهي امتثال واحد ومعصية واحدة ; لعدم انحلاله إلى النواهي ، مع أنّ العرف لا يساعده كما ترى ، ولذا لو خولف يرى العرف أنّ النهي بحاله . هذا حكم العقل والعرف .
وأمّا اللغة : فلا دلالة للنهي وضعاً بمادّته وهيئته عليه ; ضرورة أنّ ما تعلّق به هيئة الأمر عين ما تعلّق به هيئة النهي ; وهو نفس الطبيعة لا بشرط ، والهيئة لا تدلّ إلاّ على الزجر مقابل البعث ، وليس للمجموع وضع على حدة .
وأفاد بعض الأعيان من المحقّقين ـ رحمه الله ـ في رفع الإشكال : أنّ المنشأ حقيقة ليس شخص الطلب المتعلّق بعدم الطبيعة كذلك ، بل سنخه الذي لازمه تعلّق كلّ فرد من الطلب بفرد من طبيعة العدم عقلاً ; بمعنى أنّ المولى ينشئ النهي بداعي المنع نوعاً عن الطبيعة بحدّها الذي لازمه إبقاء العدم بحدّه على حاله ، فتعلّق كلّ فرد من الطلب بفرد من العدم تارة بلحاظ الحاكم ، واُخرى بحكم العقل لأجل جعل الملازمة بين سنخ الطلب وطبيعي العدم بحدّه(7) ، انتهى .
قلت وفيه أ مّا أوّلاً ـ فبعد الغضّ عن أنّ النهي ليس طلباً ، والمتعلّق ليس عدماً ـ أ نّه منقوض بمثله ; إذ لقائل أن يقول : إنّ الأمر حقيقة في جعل الملازمة بين سنخ الطلب وطبيعي الفعل ، مع أ نّه باطل .
وأ مّا ثانياً : فإنّ ما يدّعي من إنشاء سنخ الطلب إن كان لأجل اتّحاد السنخ والطبيعي مع الشخص ، فبجعله يصير مجعولاً ، ففيه : أنّه لا يفيد ; لأنّ الطبيعي في الخارج ليس إلاّ الفرد ، فلا يكون قابلاً للانحلال عقلاً .
وإن كان لأجل كون جعل طبيعي الطلب القابل للكثرة ملازماً لطبيعي العدم ; بحيث يصير قابلاً للانحلال ، ففيه : أنّ هذا يحتاج إلى لحاظ غير إنشاء الطلب ، ويحتاج إلى قرينة وتجوّز .
ولو التزمنا به فالأهون ماذهب إليه بعض الأعاظم من الالتزام بالعموم الاستغراقي في جانب النهي حتّى ينحلّ النهي بتبعه(8) ; وإن كان خلاف التحقيق ; لعدم استعمال المادّة في الأفراد وجداناً ، كما لم تستعمل الهيئة في الطبيعي على ما ادّعاه المدّعي .
وبذلك يظهر الخلل فيما يقال من أنّ المصلحة تترتّب غالباً على صرف الوجود ، فتكون تلك الغلبة كاشفاً عن تعلّق المصلحة بصرف الوجود المتحقّق بإيجاد فرد ، كما أنّ المفسدة في النهي تترتّب على كلّ فرد ، فتكون قرينة عامّة على أنّ النهي متعلّق بكلّ فرد باستقلاله(9) ، انتهى .
وجه الخلل فيه : أ نّه إن أراد من تعلّق النهي بكلّ فرد أنّ المادّة اُخذت مرآة للخصوصيات والزجر تعلّق بكلّ فرد فقد عرفت امتناع مرآتيتها لها ، وضعف ما يتمسّك به لإثباتها من سريان الطبيعة واتّحادها معها .
وإن أراد أنّ النهي متعلّق بالطبيعة إلاّ أنّ تلك الغلبة قرينة على أنّ جدّ المولى هو الزجر عن كلّ فرد ففيه : أنّ الزجر مفاد النهي الاستعمالي ، فإذا استعملت الهيئة في نفس الطبيعة دون الأفراد فلا يرجع كون الزجر عن الأفراد جدّاً إلى محصّل ، إلاّ أن يرجع إلى التشبّث بالاستعمال المجازي ، وهو كما ترى .
وأمّا ما عن بعض الأكابر ـ أدام الله أظلاله ـ من أنّ الأمر لمّا كان متعلّقاً بالطبيعة فيكون تمام المتعلّق له هو الطبيعة ، فبتحقّق فرد منها يتحقّق تمام المطلوب ، فيسقط الأمر ; لأنّ بقائه مع تحقّق تمام المطلوب جزاف .
وأمّا النهي فلمّا كان حقيقته الزجر عن الوجود لا طلب الترك يكون حكمه العقلائي هو دفع الطبيعة والزجر عنها بتمام حقيقتها ، فلا يكون المطلوب حاصلاً مع انتهاء المكلّف في زمان ، ولا النهي ساقطاً مع الإتيان بفرد ، فإنّ العصيان لا يعقل أن يكون مسقطاً ; لا في الأمر ولا في النهي ، فإنّ السقوط إمّا بحصول المطلوب أو رفع الموضوع أو موت المكلّف أو عدم قابليته للتكاليف ; لنقصان عارض له ، أو خروج الوقت في الموقّتات ، فلا يكون السقوط مستنداً إلى المعصية في شيء من الموارد . فتحصّل ممّا ذكر : أنّ مفاد النهي لمّا كان هو الزجر فلازم ذلك ما ذكرنا ، بخلاف ما لو كان طلب الترك(10) .
غير تامّ ، بل ما أفاده لا يزيد إلاّ عن دعوى كون حكم العرف ذلك ، من غير إقامة برهان مقنع على سرّه .
ومجرّد كون مفاد النهي هو الزجر لا يوجب الفرق في الحكم العقلائي ; ضرورة أنّ المولى إذا قال «اترك شرب الخمر» أو صرّح بـ «أنّي أطلب منك ترك شرب الخمر» يكون حكمه العقلائي هو لزوم الترك مطلقاً ، ومع الترك في زمان والإتيان في الآخر عدّ مطيعاً وعاصياً .
فهذا الافتراق ليس من جهة كون مفاد النهي هو الزجر ، بل لو فرض تعلّق الزجر بصرف الوجود ـ أي ناقض العدم ـ فمع المخالفة يسقط النهي بالضرورة ; لانتهاء اقتضائه ، كما لو نهاه عن ذكر اسمه في الملأ ; لغرض عدم معروفيته ، فمع ذكره يسقط النهي ، لا لأجل تعلّقه بأوّل الوجود ـ كما توهّم ـ بل لأجل تعلّقه بصرف الوجود ، فيسقط ما ذكر : أنّ العصيان لا يوجب السقوط في شيء من الموارد .
فالأولى أن يتشبّث في جانب النهي بذيل فهم العرف المتّبع في تلك المقامات في كلتا المرحلتين ; أي مرحلة أنّ الطبيعي ينعدم بعدم جميع الأفراد ، ومرحلة أنّ النهي إذا تعلّق بالطبيعة ينحلّ إلى النواهي ، من غير أن تستعمل الطبيعة في الأفراد ، ومن غير فرق بين كون النهي زجراً أو طلب ترك ، فتأمّل .
____________
1 ـ كفاية الاُصول : 182 .
2 ـ تقدّم في الجزء الأوّل : 411 .
3 ـ راجع معالم الدين : 90 ـ 91 .
4 ـ تقدّم في الجزء الأوّل : 191 .
5 ـ كفاية الاُصول : 182 ـ 183 .
6 ـ تقدّم في الجزء الأوّل : 27 و 496 .
7 ـ نهاية الدراية 2 : 291 .
8 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 395 .
9 ـ أجود التقريرات 1 : 328 ، الهامش 1 .
10 ـ لمحات الاُصول : 208 ـ 210 .
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تقدم دعوة إلى كلية مزايا الجامعة للمشاركة في حفل التخرج المركزي الخامس
|
|
|