أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-3-2019
2098
التاريخ: 10-4-2016
3625
التاريخ: 26-4-2022
1585
التاريخ: 7-2-2019
2372
|
أبو ذر أعظم شخصية عرفها التأريخ الاسلامى فقد تجسدت فيه جميع طاقات الاسلام وعناصره ومقوماته ووعى حقيقة الاسلام وتغذى بجوهره وواقعه وهو اقدم من سبق الى اعتناقه والايمان به وجهر بالشهادتين أمام قريش فانبرت إليه عتاتهم فأوجعوه ضربا والهبوا جسمه بالسياط حتى كاد أن يتلف ولم يثنه ذلك فقد انطلق كالمارد الجبار يدعو قومه الى الاسلام وهجر الاوثان وكان من ابرز الصحابة في علمه وورعه وتقواه وزهده وتحرجه في الدين وقد أثر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال فيه : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من أبي ذر من سره أن ينظر الى زهد عيسى بن مريم فلينظر الى ابي ذر .
لقد كان ازهد الناس فى الدنيا وأقلهم احتفالا بمنافعها وأشدهم خوفا من الله وانصرافا عن اباطيل الحياة وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ويسر إليه حين لا يسر الى احد وهو أحد الثلاثة الذي أحبهم الله وامر نبيه بحبهم كما انه احد الثلاثة الذين تشتاق لهم الجنة ؛ ولما حدثت الفتن واستأثر عثمان مع بني أميّة بأموال المسلمين فكنزوا لأنفسهم واكثروا من شراء الضياع وبناء القصور وقف أبو ذر عملاق الامة الاسلامية فأخذ يندد ويهدد عثمان ويدعو المسلمين الى الثورة وقلب الحكم واعادة النظام الاسلامي الحافل بكل مقومات النهوض والارتقاء وتطبيق سياسته البناءة على واقع الحياة.
إن صيحة ابي ذر كانت صيحة رجل يقظ وعى الاسلام ووقف على اهدافه واحاط بواقعه فانه ليس من الاسلام فى شيء أن تستغل أموال المسلمين وتمنح للوجوه والاعيان فيمعنون في التلذذ والاسراف وقد اخذ الفقر بخناق المسلمين وعمت في بلادهم المجاعة والفاقة والبطالة فانكر أبو ذر ذلك واندفع بوحي من عقيدته الى تلك الصيحة التي دوخت عثمان وانكرها المستغلون من اتباعه.
يقول الاستاذ السيد قطب : إن صيحة ابي ذر كانت دفعة من دفعات الروح الاسلامى أنكرها الذين فسدت قلوبهم ولا يزال ينكرها امثالهم من مطايا الاستغلال فى هذه الايام لقد كانت هذه الصيحة يقظة ضمير لم تخدره الاطماع امام تضخم فاحش فى الثروات يفرق الجماعة الاسلامية طبقات ويحطم الاسس التي جاء هذا الدين ليقيمها .
وانطلق أبو ذر يوالي انكاره ومعارضته للحكم القائم لا يعبأ به ولا يبالي بشدة ارهابه وقسوته فكان يقف على اولئك الذين منحهم عثمان بهباته فيتلو قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]ورفع ذلك مروان بن الحكم الى عثمان فارسل إليه ينهاه عن ذلك فقال أبو ذر : اينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله , فو الله لأن ارضي الله بسخط عثمان أحب الي وخير لي من أن اسخط الله برضاه ؛ فالتاع عثمان من ذلك ولكنه كظم غيظه وقد أعياه امر ابي ذر وضاق به ذرعا ؛ واستمر صاحب رسول الله في اداء رسالته الاصلاحية لم يصانع ولم يحاب وانما يبغي الحق ويلتمس وجه الله ورضاه وقد وجد عليه عثمان وامر بنفيه الى الشام ويقول الرواة : إن السبب في ذلك هو ان عثمان سأل حضار مجلسه فقال لهم : أيجوز ان يأخذ من المال فاذا ايسر قضى؟ فانبرى كعب الاحبار فأجاب عن سؤاله فقال : لا ارى بذلك بأسا ؛ ولما رأى أبو ذر كعب الاحبار يتدخل في امور الدين وهو يهودي النزعة ويشك في اسلامه غضب من ذلك ورد عليه قائلا : يا ابن اليهوديين ؛ أتعلمنا ديننا؟ فثار عثمان وقال له : ما اكثر أذاك وأولعك بأصحابي؟ الحق بمكتبك في الشام , وذهب أبو ذر الى الشام فلما انتهى إليها ورأى منكرات معاوية وبدعه جعل ينكر على معاوية ويندد بالسياسة الاموية ويذيع مساوئ عثمان وبعد سيرته عن سيرة الرسول وسنته وقد نقم من معاوية حينما قال : المال مال الله فقال له : المال مال المسلمين وانكر عليه بناء الخضراء التي انفق عليها الاموال الطائلة من بيت المال فكان يقول له : يا معاوية إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة وان كانت من مالك فهذا الاسراف؟ واخذ يوقظ النفوس ويبعث روح الثورة على معاوية فكان يقول لأهل الشام : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها , والله ما هي فى كتاب الله ولا في سنة نبيه والله اني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيى وصادقا يكذب وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه , وكان الناس يسمعون قوله ويؤمنون بحديثه وخاف معاوية من دعوة أبي ذر فكتب الى عثمان يخبره بخطره على الشام فكتب عثمان إليه ان يرسله على اغلظ مركب وأوعره فأرسله معاوية مع جماعة لا يعرفون مكانته ولا يحترمون مقامه فساروا به ليلا ونهارا حتى تسلخت بواطن أفخاذه وكاد ان يتلف ولما بلغ المدينة مضى في دعوته فكان ينكر على عثمان أشد الانكار ويقول له : تستعمل الصبيان وتحمى الحمى وتقرب أولاد الطلقاء؟ وانطلق يبين للمسلمين ما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه واله) في ذم الامويين ومدى خطرهم على الاسلام يقول : قال رسول الله : اذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا , واصدر عثمان اوامره بمنع مجالسة أبي ذر كما حرم الكلام معه والاختلاط به.
ثقل أبو ذر على عثمان وضاق به ذرعا فقد ايقظ النفوس واوجد فيها وعيا أصيلا يبعثها على الثورة العارمة والاجهاز على النظام القائم الذي آثر الاغنياء بأموال الدولة وحجبها عن المصالح العامة الامر الذي أدى الى فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية وشيوع الفقر والمجاعة في البلاد ؛ ورأى عثمان ان خير وسيلة له من الخطر الذي يتهدده ابعاد ابي ذر عن يثرب ونفيه عن سائر الامصار الاسلامية الى بعض المجاهل والقرى التي لا تزدحم بالسكان فأرسل خلفه فلما حضر بادره أبو ذر بالكلام فقال له : ويحك يا عثمان!! أما رأيت رسول الله ورأيت ابا بكر وعمر هل رأيت هذا هديهم؟ إنك لتبطش بي بطش الجبارين , فقطع عثمان كلامه وصاح به : اخرج عنا من بلادنا ؛ فقال ابو ذر : اتخرجني من حرم رسول الله؟ قال : نعم وانفك راغم , فقال له : اخرج الى مكة؟ فرد عثمان : لا . فقال له : الى البصرة؟ قال : لا , فقال : الى الكوفة
قال : لا , فأجابه ابو ذر : الى اين اخرج؟ فقال: الى الربذة حتى تموت فيها ؛ وأوعز الى مروان باخراجه فورا من المدينة وهو مهان الجانب محقر الكيان وحرم على المسلمين ان يشايعوه ويخرجوا لتوديعه ولكن أهل الحق ومن طبعوا على نصرته ابوا إلا مخالفة عثمان فقد خف الامام أمير المؤمنين لتوديعه ومعه عقيل وعبد الله بن جعفر والحسن والحسين وبادر مروان الى الحسن فقال له : إيه يا حسن!! ألا تعلم ان عثمان قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك .
فحمل امير المؤمنين عليه وضرب أذني راحلته بالسوط وصاح به : تنح نحاك الله الى النار وولى مروان منهزما الى عثمان يخبره بالحال , ووقف الامام أمير المؤمنين على أبي ذر فودعه والقى إليه كلمات كانت له سلوى طيلة حياته في تلك البقعة الجرداء قال له : يا أبا ذر انك غضبت لله فارج من غضبت له إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فاترك في أيديهم ما خافوك عليه واهرب بما خفتهم عليه فما احوجهم الى ما منعتهم وما اغناك عما منعوك وستعلم من الرابح غدا والاكثر حسدا؟ ولو ان السموات والارض كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله منهما مخرجا لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لآمنوك ؛ وحدد الامام بهذه الكلمات الرائعة الموقف الرهيب الذي وقفه أبو ذر من عثمان فانه لم يكن من اجل المادة ولا من اجل سائر الاعتبارات الاخرى التي يئول امرها الى التراب وانما كان من أجل المبادئ الاصيلة والقيم العليا التي جاء بها الاسلام وهي تهيب بالحاكمين والمسئولين أن لا يستأثروا بأموال المسلمين وقد جافى عثمان ذلك وانتهج سياسة خاصة بنيت على الاستغلال والإثرة فلهذا ثار أبو ذر في وجهه وناجزه وقد خافه عثمان على ملكه وسلطانه وخافه أبو ذر على دينه وعقيدته وقد امره الامام ان يترك ما بأيديهم ويهرب بدينه ليكون بمنجاة من شرور القوم وآثامهم , وبيّن (عليه السلام) فى كلماته اتجاه ابي ذر وميوله فانه لا يؤنسه إلا الحق ولا يوحشه إلا المنكر والباطل ولو انه غيّر اتجاهه فسالم القوم ووادعهم لأحبوه واخلصوا له وأجزلوا له العطاء ومنحوه الثراء ؛ وبادر إليه الامام الحسن فصافحه وودعه وألقى عليه كلمات تنم عن قلب موجع لهذا الفراق قائلا : يا عماه ؛ لو لا انه ينبغي للمودع أن يسكت وللمشيع ان ينصرف لقصر الكلام وإن طال الاسف وقد اتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك وهو عنك راض .
لقد امره الامام الحسن (عليه السلام) بالصبر على ما انتابه من الكوارث والخطوب التي صبها عليه القوم ليلقى رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو عنه راض , والقى ابو ذر على أهل البيت نظرة مقرونة بالتفجع والاسى والحسرات وتكلم بكلمات يلمس فيها ذوب قلبه على هذا الفراق المرير قال : رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة اذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلى الله عليه واله) ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم إني ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام وكره أن اجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما فسيرنى الى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله والله ما أريد إلا الله صاحبا وما اخشى مع الله وحشة , وانصرف أبو ذر طريدا في فلوات الارض شريدا عن حرم الله وحرم رسوله قد باعدته السياسة العمياء وفرقت بينه وبين اهل البيت الذين يكن لهم أعمق الود وخالص الحب من أجل حبيبه وصاحبه رسول الله (صلى الله عليه واله) لقد مضى أبو ذر الى الربذة ليموت فيها جوعا وفي يد عثمان ذهب الارض يصرفه على بني أمية وعلى آل ابي معيط ويحرمه على شبيه المسيح عيسى بن مريم في هديه وسمته , ورجع الامام امير المؤمنين مع اولاده من توديع ابي ذر وقد علاه الاسى والحزن فاستقبلته جماعة من الناس فاخبروه بغضب عثمان واستيائه منه لأنه خالف أمره وخرج لتوديع خصمه فقال (عليه السلام) : غضب الخيل على اللجم , وبادر عثمان الى الامام فقال له : ما حملك على رد رسولي؟ أجابه الامام (عليه السلام) اما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن ردي وأما امرك فلم ارده .
فقال : او لم يبلغك أني قد نهيت الناس عن تشييع ابي ذر؟
فأجابه (عليه السلام) : أو كل ما أمرتنا به من شيء يرى طاعة الله والحق في خلافه أتبعنا فيه أمرك؟!!
قال : أقد مروان ؛ قال : وما أقيده؟ فأجابه : ضربت بين اذني راحلته , فاجابه الامام : أما راحلتي فهي تلك فإن اراد ان يضربها كما ضربت راحلته فليفعل وأما أنا فو الله لئن شتمني لأشتمنك أنت بمثلها بما لا اكذب فيه ولا أقول إلا حقا.
قال : ولم لا يشتمك إذ شتمته فو الله ما أنت عندي بأفضل منه ؛ وغضب الامام من عثمان لأنه ساوى بينه وهو من النبي بمنزلة هارون من موسى وبين الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم الذي لعنه رسول الله وهو في صلب أبيه فقال (عليه السلام) له : إلي تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلني؟!! فانا والله افضل منك وأبي افضل من أبيك وأمي أفضل من أمك وهذه نبلي قد نثلتها , فسكت عثمان وانصرف الامام وهو ملتاع حزين منه لأنه لم يرع مقامه ولم يلحظ جانبه وقرن بينه وبين مروان.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|