أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
8199
التاريخ: 24-09-2014
9013
التاريخ: 8-11-2014
7967
التاريخ: 24-09-2014
8838
|
شبهة - الكثير من الأشخاص حينما يقرأون بحث عصمة الأنبياء، يتبادر إلى أذهانهم فوراً هذا السؤال وهو أنّ مقام العصمة موهبة إلهيّة مفروضة على الأنبياء والأئمّة، وكلّ من نال هذه «الموهبة» فقد حُفظ من المعصية والخطأ، ومن هنا فلن تعد معصوميتهم فضيلة وفخراً، لكونها أمراً إلهيّاً مفروضاً كما تقدّم.
وبناء على هذا فارتكاب الخطأ مع وجود مقام العصمة مستحيل، وواضح أنّه لا فضيلة في ترك المحال، فعدم ظلمنا مثلًا للناس الذين سيأتون بعد مائة عام أو الذين عاشوا قبل مائة عام لا يعدّ لنا فضيلة وفخراً، لأنّ أداء مثل هذا العمل بالنسبة لنا محال!
الجواب :
بالرغم من أنّ هذا الإشكال لا يتعرّض إلى عصمة الأنبياء عليهم السلام، بل إلى كونها فضيلة أم لا، مع ذلك فالتمعّن في عدّة ملاحظات يمكن أن يزيح الستار عن الغموض المحيط بهذا السؤال :
1- إنّ الذين يثيرون هذا الإشكال لا يلتفتون إلى جذور عصمة الأنبياء عليهم السلام، بل يتصوّرون أنّ مقام العصمة مثلًا هو كالمناعة من بعض الأمراض والتي تحصل للإنسان عن طريق بعض اللقاحات، فكلّ من يلقّح بمثل هذا اللقاح لن يبتلى بذلك المرض شاء أم أبى.
لكنّنا عرفنا في الأبحاث السابقة أنّ مصونية المعصومين من المعاصي نابعة من مقام معرفتهم وعلمهم وتقواهم، بالضبط كاجتنابنا لقسم من الذنوب لعلمنا وإحاطتنا بسلبياتها، كعدم الخروج إلى الزقاق عراةً، وهكذا بالنسبة لمن له اطّلاع تامّ بالآثار السلبية للمواد المخدّرة ويعلم بأنّ الإدمان عليها يتسبّب في موت تدريجي بطيء، فسوف يتجنب تعاطيها. فمن المسلّم أنّ تركه هذا يعدّ فضيلة حتّى لو كان الدافع له على تركها هو علمه بمفاسدها، وذلك لقدرته على استعمالها، إذ لا إجبار في البين.
ولهذا السبب نسعى لرفع مستوى معرفة وتقوى الأفراد عن طريق التربية والتعليم، لنضمن ابتعادهم عن الذنوب الكبيرة والأعمال الشنيعة على أقل تقدير.
أفلا يعدّ ترك البعض لقسم من هذه الأعمال نتيجة للتربية والتعليم فضيلة؟!
وبعبارة أخرى إنّ ترك الأنبياء للذنوب محال عادي لا عقلي، ونعلم بعدم المنافاة بين المحال العادي وبين الإختيار، وكمثال على المحال العادي هو : أن يصطحب عالم جليل معه خمراً إلى المسجد ويشربه بين صفوف الجماعة، فهذا محال عادي لا عقلي كما لا يخفى.
خلاصة القول : إنّ المستوى الرفيع للإيمان ومعرفة الأنبياء عليهم السلام والذي يعدّ بنفسه فضيلة وافتخاراً، هو السبب في فضيلة أخرى، ألا وهي مقام العصمة (تأمّل جيّداً).
ولو قيل من أين لهم هذا الإيمان وتلك المعرفة؟، لقلنا من الألطاف الإلهيّة، إلّا أنّها لا تعطى لأي شخص اعتباطاً، بل لوجود الأهلية الكامنة فيهم، بالضبط كما يقول القرآن الكريم بالنسبة لإبراهيم الخليل إنّه لم يبلغ مقام الإمامة إلّا بعد اجتيازه للإمتحانات الإلهيّة الخطيرة : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} (البقرة/ 124).
أي أنّ إبراهيم وبعد طيّه لهذه المراحل بمحض إرادته واختياره، نال تلك الموهبة الإلهيّة العظيمة.
وكما يقول تعالى بالنسبة ليوسف عليه السلام : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ} (يوسف/ 22).
وذلك بعد تكامله البدني والروحي واستعداده لتلقّي الوحي.
إنّ جملة {وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ} تعدّ شاهداً قويّاً على مرادنا، إذ يقول القرآن : إنّ أعمال يوسف الإيجابية ولياقته هي التي هيّأته لتلك الموهبة الإلهيّة العظيمة، كما أنّ هناك تعابير توضّح هذه الحقيقة بالنسبة لموسى عليه السلام حيث يقول القرآن : {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} «1» (طه/ 40).
ومن الواضح وجود مؤهلات وقابليات كامنة في نفوس هؤلاء العظماء، لكن تنميتها وتقويتها ليس فيه صفة إجبارية مطلقاً، بل إنّهم قد قطعوا هذا الطريق بمحض اختيارهم وإرادتهم، وما أكثر اولئك الذين يتمتّعون بالقابليات لكنّهم مع ذلك لا يسعون لتطويرها ورفع مستواها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فتمتّع الأنبياء عليهم السلام بمثل هذه المواهب، قد وضع بالمقابل في اعناقهم مسؤوليات خطيرة، وبعبارة أخرى إنّ اللَّه تعالى إنّما يهب الشخص قدرة وطاقة بحيث تتناسب والمسؤولية التي يضعها على عاتقه، ثمّ يختبره في أداء وظيفته.
2- الجواب الآخر لهذا السؤال هو أنّه ومع فرض كون الأنبياء منزهين من ارتكاب أي ذنب وخطأ، بالعناية الإلهيّة اجبارياً لغرض كسب ثقة الخلق، وليكونوا مشعلًا ينير الطريق لهدايتهم، فلا زال الطريق في «ترك الأولى» أي العمل الذي لا يتناسب وشأنهم مع عدم كونه معصية، مفتوحاً أمامهم بالرغم من كلّ ذلك.
ففضيلتهم تعود إلى عدم تركهم حتّى للأولى مع كونه اختيارياً بالنسبة إليهم، وتعرّض البعض من الأنبياء للخطاب والعتاب الإلهي الشديد اللهجة والإبتلاء بالحرمان في بعض الأحيان، إنّما هو لاحتمال تركهم للأولى نادراً، وأيّة فضيلة أسمى من اجتنابهم لترك الأولى طاعة لأوامر الحقّ؟
إنّ فخر الأنبياء يكمن في تحمّلهم للمسؤولية بحجم هذه المواهب، واجتنابهم حتّى لترك الأولى، ولو حدث أن صدر منهم ترك للأولى استثناءً فسرعان ما يبادرون إلى جبران ذلك.
___________________________
(1) جملة {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} فسّرت أحياناً بالإستعداد لتلقّي الوصيّة وأحياناً أخرى بالمعنى الزماني أي أنّه ولغرض تلقّي الرسالة كان من المقدّر أن تأتي إلى هنا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|