شبهة الآكل والمأكول من شبهات التي اثيرت حول المعاد الجسماني. |
11934
01:39 مساءاً
التاريخ: 13-12-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014
9739
التاريخ: 24-09-2014
8772
التاريخ: 24-09-2014
9893
التاريخ: 24-09-2014
8389
|
إنّ شبهة «الاكل والمأكول» هي مسألة اخرى من المسائل التي طرحت على طاولة البحث وهي في الحقيقة من أكثر معضلات مباحث المعاد الجسماني من ناحية التعقيد.
و توضيح ذلك : يتفق في بعض الأحيان أن تحل بعض أجزاء بدنِ أحد الناس في بدن شخص آخر، إمّا بصورة مباشرة كما يحصل ذلك عند حصول المجاعات حيث يتغذى بعض الناس على لحوم البشر، وإمّا بصورة غير مباشرة كما لو تحللت اجزاء الإنسان وتحولت إلى تراب فتتغذى النباتات من ذلك الجسم فيأتي إنسان آخر ويتغذى من تلك النباتات (كالخضر والحبوب والفواكه)، أو أن يتغذى أحد الحيوانات على تلك النباتات فيأكل الإنسان الآخر لحم تلك الحيوانات، كما أنّه من الممكن أن تتحلل بعض أجزاء جسم الإنسان وتتحوّل إلى بخار وغازات فيستنشقها إنسان آخر فتحلُّ في جسمه.
ومن الممكن أيضاً أن تحل جميع أجزاء بدنِ الإنسان في بدن إنسان آخر بالتدريج.
من هنا يُطرح هذا السؤال وهو : بأيِّ جسم تختص هذه الأجزاء عندما تعود الروح إلى البدن؟ فإن كانت مختصة بالجسم الأول فالأجسام الاخرى تكون حينئذٍ ناقصة وإذا مااختصت بالأجسام الاخرى فسوف لن يبقى للجسم الأول شيء، وبالإضافة إلى هذا من المحتمل، أن يكون أحد الشخصين صالحاً والآخر مذنباً فما مصير هذه الأجزاء في هذه الحالة؟
كما يستفاد أيضاً من سبب نزول الآية 26 من سورة البقرة في قصة إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة أنّ سؤال إبراهيم عليه السلام كان منحصراً في مجال المعاد الجسماني وشبهة الآكل والمأكول، وذلك لأنّ الحيوان الميت الذي شاهده إبراهيم عليه السلام على ساحل البحر كان قسم منه في ماء البحر وكانت تتغذى عليه حيوانات البحر وكان القسم الآخر على اليابسة وكانت تأكُلُ منه الحيوانات البرية، وهذا المشهد هو الذي جعل إبراهيم عليه السلام يغرق في التفكير ثم عرض طلبه على اللَّه لمشاهدة كيفية إعادة الحياة للموتى.
الجواب :
قد اجيب عن هذا الإشكال القديم بأجوبة مختلفة، وأشهر هذه الأجوبة هو التمسك بعدم فناء «الأجزاء الأصلية».
قال أنصار هذه النظرية : إنّ جسم الإنسان مركب من أجزاء أصلية وغير أصلية، فالأجزاءُ الأصلية هي التي لا تعرض عليها الزيادة ولا النقصان، وغير الأصلية ما تعرض عليها الزيادة والنقصان باستمرار.
فالأجزاء الأصلية تحافظ على بقائها بعد موت الإنسان وإذا ما تحولت إلى تراب فإنّ ذلك التراب لن يحل في جسم موجودٍ آخر، وفي يوم القيامة تنمو هذه الأجزاء فيتكون منها جسم الإنسان ثم تحلّ فيها الروح.
وقد دعموا هذه النظرية بذكر عدّة روايات والتي منها : ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن الإمام الصادق حيث سئل عليه السلام عن الميت يبلى جسده، قال : «نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلّا طينته التي خلق منها فانّها لا تبلى، تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرّة» «1».
وجاء في رواية اخرى مرسلة عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في قصة ذبح بقرة بني اسرائيل أنّه قال : «فأخذوا قطعةً وهي عَجْبُ الذنوب الذي منهُ خلِقَ ابنُ آدم، وعليه يُركبُ إذا اريدَ خلقاً جديداً فَضربوه بها» «2».
الجدير بالذكر أنّ الرواية الثانية ضعيفة السند لأنّها مرسلة، أمّا الرواية الاولى فهي ضعيفة أيضاً لحصول الاختلاف بين علماء الرجال في «عمرو بن سعيد» بالإضافة إلى أنّ هذه الروايات مخالفة لظاهر القرآن- كما سيأتي شرحه-، لذا فلا يمكن التعويل عليها.
ومهما يكن من شيء فإنّ العلوم التجريبية الحديثة أبطلت هذا الرأي من الأساس فهي لا ترى أي فرقٍ بين أجزاء الجسم وترى أنّ جميع أجزاء جسم الإنسان تتحول إلى تراب ومن الممكن أن تحلّ جميعها في أجسام أفرادٍ آخرين.
وقد أثبتت التجارب خلاف ما يعتقده أنصار نظرية الأجزاء الأصلية من أنّ الحلقة الأخيرة من العمود الفقري التي تسمى «عجبُ الذنب» هي الجزء الأصلي من أجزاء البدن وأنّها لا تفنى بمرور الزمان وكثيراً ما شاهدنا تبدّل جميع أجزاء البدن إلى رماد عند نشوب الحرائق كما أننا لم نشاهد أىّ فرق بين أجزاء الرماد المتخلف منها أيضاً.
وحتى لو تجاوزنا ذلك فإنّ النظرية المذكورة لا توافق ظاهر القرآن، لأنّ القرآن عندما أجاب عن إشكال الأعرابي الذي كان يحمل بيده عظماً رميماً قال : {قَالَ مَنْ يُحْي الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى انْشأَهَا اوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}. (يس/ 78- 79) فإنّه من المستبعد جدّاً أنّ الأعرابي كان يحمل الحلقة الأخيرة من العمود الفقري عندما سأل عن ذلك.
كما يستفاد أيضاً من ظاهر قصة إبراهيم عليه السلام مع الطيور الأربعة أنّ الأجزاء المتفرّقة تعود جميعها إلى ما كانت عليه سابقاً.
وعلى أيّة حال لا يمكن الاعتماد على جواب هذه النظرية نظراً لما توصل إليه العلم الحديث، ونظراً للاستناد إلى آيات القرآن الواردة في هذا المجال، كما أنّه لا يمكن الاعتماد على خبر الواحد لإثبات هذه النظرية.
وقد سلك آخرون للردّ على «شبهة الآكل والمأكول» طريقاً آخرَ فقالوا : ليس من الضروري أن تعاد نفس الأجزاء السابقة لجسم الإنسان، لأنّ شخصية الإنسان تكمن في الروح، وإذا ما حلّت الروح في جسمٍ ما فسوف يكون ذلك المركب عين الإنسان السابق، على هذا سوف لن يمس وحدة شخصية الإنسان أيّ ضرر بسبب التحولات التي طرأت على الجسم بسبب طول المدّة وتبدّل الأجزاء بأجزاء اخرى.
بناءً على هذا فلا يوجد هناك مانع من أن يخلق اللَّه جسماً آخر لتحل فيه الروح، فتتنعم الروح بواسطة هذا الجسم بنعم الجنّة أو تتعذب بواسطته بعقوبات النار، فنحن نعلم بأنّ اللذة والألم يتعلقان بالروح وما الجسم إلّا واسطة لا أكثر!
لكنّ هذا الجواب غير صحيح أيضاً، لمعارضته ظاهر كثير من الآيات القرآنية، وقد مرّ علينا في البحوث السابقة تصريح القرآن بأنّ عين تلك العظام المتفسخة تخرج يوم القيامة من عين تلك القبور التي دُفِنت فيها، لا أنّ اللَّه يخلق جسماً آخر لتحلّ فيه الروح. بناءً على هذا فالجواب المذكور يفتقد القيمة العلمية أيضاً.
الجواب النهائي لشبهة الآكل والمأكول :
إنّ الجواب المتين الذي أُجيب به عن هذه الشبهة يحتاج إلى ذكر عدّة مقدمات :
1- نحن نعلم بأنّ أجزاء بدن الإنسان منذ مراحل الطفولة وحتى نهاية العمر تتبدّل عدّة مرات، وهذا التبدّل يشمل خلايا المخ أيضاً على الرغم من أنّ البعض يرى أنّ عددها ثابت إلّا أنّ محتواها متغيّر، وذلك لأنها تحتاج إلى «التغذية» من جهة و «تتحلل» وتتفسخ من جهة اخرى، وهذان الأمران هما السبب في تبدّل محتوياتها بأكملها على مرّ الزمان.
والخلاصة : إنّه بمرور سبع سنين تقريباً لا يبقى أيّ أثر لخلايا الجسم السابقة وتحلّ محلّها خلايا جديدة.
ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الخلايا السابقة عندما تموت تعطي جميع ما تحمله من صفات وخواص وآثار للخلايا الجديدة، لذا فإنّ خصوصيات جسم الإنسان من لون وشكل ومواصفات جسمية اخرى تبقى ثابتة على مرّ الزمان، وهذا لا يتمّ إلّا بانتقال صفات الخلايا القديمة إلى الخلايا الجديدة، (فتأمّل).
بناءً على هذا سوف تحمل أجزاء جسم الإنسان الأخيرة - عند الموت والتي سوف تتحول إلى تراب - جميع الصفات التي كان يتصف بها الإنسان طوال عمره وفي طياتها تاريخ ناطق بجميع فعاليات جسم الإنسان التي أدّاها خلال فترة حياته!
2- رغم كون الروح هي الأساس في تحقق شخصية الإنسان ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الروح تنمو وتتكامل بموازاة نمو وتكامل الجسم، وإن كلًا منهما له تأثير متبادل على الآخر، وبما أنّ الجسمين المستقلين عن بعضهما لا يوجد بينهما شبه من جميع الجهات فإنّ الروحين المستقلّتين لا تتشابهان أيضاً بصورة تامّة، لذا لا يمكن لأيّ روح ممارسة نشاطاتها بصورة تامة بدون الجسم الذي نمت وتكاملت بموازاته، على هذا يجب أن يعاد يوم القيامة عين ذلك الجسم الذي كانت تحلّ فيه تلك الروح لتمارس نشاطها بعد حلولها بذلك الجسم على مستوى أرقى لتتمتع بنتائج الأعمال التي ارتكبها.
3- كل خليّة من خلايا الجسم تحمل جميع خصوصيات ذلك الجسم، فلو تمكنّا من تربية ايّ خلية من خلايا الجسم وتنميتها لتتحوّل إلى إنسان كامل فإنّ ذلك الإنسان الجديد سوف يحمل جميع الخصوصيات التي كانت تحملها تلك الخلية والتي ورثتها من الإنسان السابق، (فتأمّل).
أوَلَم يكن الإنسان في يومه الأول خلية واحدة؟ فتلك النطفة كانت عبارة عن خلية واحدة كانت تحمل جميع صفات ذلك الإنسان ونمت بالتدريج عن طريق الانشطار إلى خليتين ثم إلى اربع وهكذا حتى تكوّنت منها جميع خلايا بدن الإنسان. بناءً على هذا فإنّ كل خلية من خلايا الإنسان هي فرعٌ من تلك الخلية الاولى ولو أنّها نمت وتكاملت مثل سابقتها لأصبحت إنساناً يشبه الإنسان السابق ويحمل صفاته من جميع الجهات.
4- يُستفاد من آيات القرآن في مجال المعاد الجسماني أنّ جسم الإنسان الاخير الذي تحول إلى تراب في القبر يحيى بأمر اللَّه ويُعدّ للجزاء.
ويؤيد هذا المعنى الآيات العديدة التي أشرنا إليها سابقاً في مجال المعاد الجسماني.
5- لا يمكن لجسمٍ ما أن يحلّ بجسم آخر بصورة تامّة، وبتعبير آخر لا يمكن أن يصبح الجسم الثاني عين الجسم الأول، بل قد يشكل الجسم الأول قسماً من الجسم الثاني، وذلك لأنّ هذا الأمر لا يتمّ إلّا بوجود الجسم الثاني أولًا كي يتحول الجسم الأول- أو قسم منه- إلى جزءٍ من الجسم الثاني عن طريق التجزئة.
بناءً على هذا لا يوجد أيّ مانع من حلول جسم بصورة كاملة في جسم ثانٍ ويصبح «جزءاً» منه، ولكن المستحيل أن يصبح «جميع» أجزاء الجسم الثاني، كما يُحتمل حلول أجسام متعددة في جسم آخر لكنها لا يمكن أن تصبح جميع أجزائه، (فتأمل).
وبعد طرح هذه المقدّمات الخمس نتجه للجواب الرئيسي في الرد على شبهة الآكل والمأكول :
يقول القرآن بكل وضوح : إنّ مكونات جسم الإنسان التي يمتلكها عند الموت هي التي تبعث يوم القيامة، بناءً على هذا فلو حلّت هذه الأجزاء بعد تحولها إلى تراب في جسم إنسان آخر فإنّها سوف تعاد إلى صاحبها الأول يوم القيامة، لكن قد تقولون إنّ جسم الإنسان الثاني سيصبح ناقصاً لأنّه فقد قسماً من مكوناته. إلّا أنّهُ من الأفضل أن يقال إنّ جسم الإنسان الثاني سوف يضمر (لا أن يكون ناقصاً) لأنّ أجزاء جسم الإنسان الأول بعد أن تغذّى عليها الإنسان الثاني قد انتشرت في جميع أعضاء بدنه لا أنّها حلت في مكانٍ معينٍ من بدنه (لأنّ الغذاء الذي يتناوله الإنسان يوزّع على جميع أعضاء البدن)، بناءً على هذا فإنّه من الممكن أن يفقد الإنسان الذي وزنه سبعون كيلو غرام مثلًا نصف وزنه أو أن يفقد جميع مكوناته باستثناء كيلو غرام واحد منها أو حتى أقل من ذلك ولا يبقى منه إلّا جسم صغير بحجم جسمه الذي ولد به أو بحجم جسمه عندما كان جنيناً!.
ومع ذلك فإننا لا نواجه أيّة مشكلة، وذلك لأنّ الجسم الصغير يحمل في طياته جميع خصوصيات ذلك الجسم الكبير، فإذا ما نما فسوف يعود عين ذلك الجسم الكبير.
فالمولود في يومه الأول لا يمتلك إلّا جسماً صغيراً وقبل ذلك أي عندما كان جنيناً كان جسمه أصغر من ذلك فنما وكبُر حتى اصبح يحمل صفات الإنسان الكامل من دون أن تتبدّل شخصيته ويتحول إلى شخص آخر.
والسؤال الوحيد الذي ظل من دون اجابة هو : ما هو مصير الأجزاء التي أصبحت جزءً لجسمين أو عدّة أجسام إذا كان أحد صاحبيها مطيعاً والآخر مذنباً؟
والجواب عن هذا السؤال أمرٌ يسيرٌ أيضاً، لأنّه كما أشرنا سابقاً فإنّ الثواب والعقاب في الحقيقة يتعلقان بالروح، والدليل على ذلك هو عندما ينقطع الارتباط الموجود بين الروح والجسم بسبب فقدان الوعي بعد ممارسة عملية التخدير فإننا نرى أنّ الروح لا تتأثّر عند استخدام المَشرط الحاد حتى لو قطّع الجسم إرباً.
وبتعبير آخر : إنّ الثواب والعقاب واللذة والألم لا يختصان بالجسم بل ليس الجسم إلّا واسطة لإيصال آثار الثواب والعقاب واللذة والألم إلى روح الإنسان.
بهذا يتضح أنّ المعاد الجسماني- طبقاً لظاهر الآيات- يتحقق بعين هذا الجسم المؤلف من العناصر المادية، وحتى لو فرضنا أنّ شبهة الآكل والمأكول ترد على هذا الاستدلال فإنها سوف لن تخدش فيه أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أنّ بعض منكري المعاد الجسماني سعوا إلى تغطية حقيقة آرائهم في الأوساط الإسلامية لتبرير جحودهم الواضح مخالفة للآيات القرانية وجاءوا بتعبيرات في مجال المعاد الجسماني تدل في الواقع على أنّ المعاد يتحقق بالروح فقط أو بالروح مع جسم مادي غير هذا الجسم.
فتمسكوا أحياناً بالجسم النوعي وقالوا : إنّ شخصية الإنسان تتمثل بروحه وهذه الروح إذا ما تعلقت بجسمٍ ما فسوف تشكل نفس ذلك الشخص.
وقالوا أحياناً بإعادة الجسم البرزخي أي الجسم النوراني اللطيف.
وتارةً قالوا : إنّ شيئية الشي ووجوده يكمنان في صورته لا في مادته، فحيثُما وُجِدَتْ الصورة وُجِدَ ذلك الشي، وإنّ روح الإنسان هي قوام هذه الصورة، بناءً على هذا فأينما وُجِدَتْ روح الإنسان فسوف تتحقق شيئيته ووجوده.
لكن هذه التعبيرات جميعها لا تتلائم مع تعبيرات القرآن الواردة في مجال المعاد الجسماني، والسبب في سلوك هؤلاء هذا الطريق هو ولعهم بكلام بعض الفلاسفة وعجزهم عن حلّ معضلة شبهة الآكل والمأكول، وهذا ممّا لا يليق بالعالم المسلم الذي يتمسك بتعاليم القرآن.
___________________________
(1) بحار الأنوار، ج 7، ص 43، ح 21.
(2) المصدر السابق، ح 19.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|