ريتشارد هاموند

لقاء مع المشتري

• إنني أبدأ هذه الحوارات عادة من خلال طرح أسئلة عن المولد، فهلا حدثتنا عن مولدك؟

حسناً. كان ذلك قبل نحو خمسة بلايين سنة، وربما أكون قد نسيت بعض التفاصيل. إن الإشاعة الرائجة تقول إن سحابة هيدروجينية كبيرة كانت تنهار وتتقلص بشكل سريع، وكلما كان حجمها يصغر كانت سرعة دورانها تكبر إلى أن فقدت القدرة على الاحتفاظ بكتلة كبيرة منها انفصلت خارجة عن نطاق السيطرة ومنبوذة، لتدور في مدار بعيد حول تلك السحابة التي أصبحت تسمى أخيراً شمسكم أنا هو ذلك المنبوذ الذي لم يستطع البقاء ،كتلته

• عليك أن تبتهج ، فلقد كان الناس مندهشين منك على مدى قرون، وكانوا يطلقون عليك اسم أعظم الآلهة في الزمن القديم.

أنا لست سوى نجم فاشل.

• نجم فاشل؟

نعم، فأنا في المقام الأول هيدروجين، مثل شمسكم، ولو كان حجمي أكبر لبدأت عملية الاندماج، ولصرت نجما عوضاً أن أكو قذيفة لم تنفجر. أنا فاشل.

• لماذا؟! أكنت ستصبح نجماً لو كنت أكبر حجماً؟

إنني شديد السخونة والحرارة عند المركز، ولكن ليس بدرجة كافية، فهذه الحرارة متبقية منذ مولدي، عندما كانت ذرات الهيدروجين تتطاحن معاً. ولأجل إنشاء عملية انصهار واندماج، حيث يتماسك البروتون والنيوترون معاً لتشكيل الهيليوم، كان علي أن

آمدهما بمقدمات أفضل.

• مقدمات أفضل؟

أعني أن أبقيهما معاً ،بالقوة وأجعلهما أكثر قرباً، ولفعل ذلك كان علي أن أمارس ضغطاً أكبر على مركزي، ولفعل ذلك أيضاً كنت أحتاج إلى كتلة أكبر حجماً بقليل، ولكن، وبما أنني أفتقد

ذلك، كان مصيري أن أشع من خلال مصدر آخر من النور.

• أود أن أبعث في نفسك بعض السرور. أؤكد لك أنك مكرم على الأرض.

تكريم أم شفقة؟

• ليست شفقة، أؤكد لك ذلك، ولكن حدثنا عن نفسك قليلاً. ماذا عن أقمارك؟

أقر بأنهم مصدر فخري واعتزازي وسروري، وهم سلوتي الوحيدة في هذه الحياة المقفرة. لقد تم اكتشاف أقماري الأربعة الأكثر كبراً، من قبل غاليليو. إنهم مثل أبنائي، وأنا أحب أبنائي الآخرين العديدين كذلك، ولكنهم لم يحظوا أبداً بالمنزلة والمقام نفسيهما اللذين للأقمار آي) أو (10)، و«أوروبا» (Europa)، وغانیمید (1) (Ganymede)، وكاليستو (2) (Callisto).

• إنني أدرك بأن لدى القمر IOبركاناً كان ذلك اكتشافاً عظيماً لدينا على الأرض، وطالما أن القمر IO هو إلى حد ما أكثر ضخامة من قمرنا، نظن أنه سيتلاشى، وهذا يعني أنه جيولوجياً غير سيصبح فعال

إنني أبقي على حرارة القمر 10 من خلال قوة المد والجزر لدي، وإن الحرارة التي أحدثها تسبب البراكين.

• إن ذلك إذا ليس كما هو على كوكب الأرض؟

  لا، البتة، فمن هذا المحيط الكتيب القاحل نحاول أن نصنع ما بوسعنا لنعيش هذه الحياة البائسة.

• هل باستطاعتك توضيح ماذا قصدت بقولك قوى المد والجزر؟

أتصور أنك مدرك أن قمركم الوحيد يحدث مداً وجزراً على أرضكم، وذلك لأن جهة كوكبك الصغير الأقرب للقمر تقع تحت من التي تقع تحتها الجهة الأخرى البعيدة. لذا، تأثير قوى أشد تلك

فإن تأثيرها النهائي يؤدي إلى الجذب وتفسخ الكوكب.

• إذاً، هذا هو ا الأصل في عملية المد والجزر على كوكب الأرض؟

نعم، إن قوة مدّي وجزري على القمر 10 تشوه شكله وعلى سبيل المثال: خذ ملعقة شاي صغيرة وحركها لياً في الاتجاهين بضع مرات، ثم لاحظ كيف اكتسبت .سخونة هذا ما يحدث على القمر 10. إنها إحدى متعنا القليلة في تلك الأعماق القاحلة في الفضاء الذي أسكنه.

• وأنت الديك حلقة مثل زحل (Saturn)؟

لا، ليست مثل حلقات زحل، إن حلقتي صغيرة جداً ورقيقة، حتى إنكم لم تلحظوها إلى العام 1979، وذلك عندما قامت مركبة الفضاء فويجر (Voyager) بزيارتي. هذه قصة حياتي البائسة، قصيرة جداً ومتأخرة جداً.

• ماذا حول بقعتك الحمراء الهائلة؟ هل هي كبيرة بحجم الأرض؟

هممهههم، إنها مجرد عاصفة وستنتهي وتزول بلمح البصر.

• حسناً. إن لديك أكثر الألوان لفتاً للنظر من أي كوكب آخر، فهو يتدرج من الأحمر الوردي إلى الأحمر الداكن، وأصفر مفعم بالحيوية، وسمرة مصفرة. كل هذه الألوان منتظمة ضمن شرائط عبر سطحك، فكيف ذلك؟

ترتفع المواد الساخنة ضمن أحزمة مضيئة نسبياً، أما الغازات التي تبرد، فتغوص عائدة إلى الداخل، مشكلة أحزمة باردة وأكثر عتمة. هذه كلها متاخمة لبعضها، لذا فإنك ترى أحزمة، وهي تشبه إلى حد ما رياحكم التجارية، ولكن طبعاً، في هذه المياه الراكدة، لن يكون هناك من بحارين ليبحروا... أبداً.

• إحم... (يسعل) معذرة، فإنني على ما يبدو أصابني سعال خفيف، ولكن أخبرني ما الذي يؤدي إلى هذه الألوان الرائعة؟ هذا ناشئ على الأغلب عن فعل الكبريت، فالقليل منه يفعل الكثير
• فهمت. حسناً، أنت رائع مسر للنظر بالتأكيد، وأتمنى لو كان هناك ما أُسري به عنك.

كانت زيارة المركبة فويجر لطيفة بالتأكيد، وكذلك مراكب الفضاء الأخرى، وأنا أقدر الزيارات، لعلها تتكرر أكثر:

• سأرى ما بوسعي فعله.

شكراً.

• شكراً لك.