المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18467 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من قصة أصحاب الايكة
2025-03-04
من قصة الخضر عليه السلام
2025-03-04
من قصة النبي سليمان عليه السلام
2025-03-04
من قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه
2025-03-04
مرض العفن الوردي في عرانيص الذرة Gibberella Stalk and Ear Rot
2025-03-04
مقبرة الملك شبكا
2025-03-04



من قصة النبي سليمان عليه السلام  
  
29   02:59 صباحاً   التاريخ: 2025-03-04
المؤلف : الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
الكتاب أو المصدر : التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة : ج 5 ص255-266.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي سليمان وقومه /

من قصة النبي سليمان عليه السلام

قال تعالى : {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [النمل: 17 - 44].

قال علي بن إبراهيم القميّ : قعد على كرسيّه ، فحملته الريح ، فمرّت به على وادي النمل ، وهو واد ينبت الذهب والفضّة ، وقد وكّل اللّه به النمل ، وهو قول الصادق عليه السّلام : « إنّ للّه واديا ينبت الذهب والفضّة ، قد حماه بأضعف خلقه ، وهو النمل ، لو رامته البخاتيّ من الإبل ما قدرت عليه » .

- وقال أبو جعفر عليه السّلام في قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ : « يحبى أولهم على آخرهم » « 1 » .

فلمّا انتهى سليمان إلى وادي النمل ، قالت نملة : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ إلى قوله تعالى : فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ .

- أقول : قال الإمام الصادق عليه السّلام في قول اللّه : فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها : « لمّا قالت النملة : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، حملت الريح صوت النملة إلى سليمان عليه السّلام ، وهو مارّ في الهواء ، والريح قد حملته ، فوقف ، وقال : عليّ بالنملة . فلمّا أتي بها ، قال سليمان : يا أيّتها النملة ، أما علمت أنّي نبيّ ، وأني لا أظلم أحدا ؟ قالت النملة : بلى . قال سليمان عليه السّلام : فلم حذّرتهم ظلمي ، فقلت : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ ؟ قالت النملة : خشيت أن ينظروا إلى زينتك ، فيفتنوا بها ، فيبعدوا عن ذكر اللّه تعالى .

ثم قالت : أنت أكبر ، أم أبوك داود عليه السّلام ؟ قال سليمان : بل أبي داود .

قالت النملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود عليه السّلام ؟ .

فقال سليمان : ما لي بهذا علم . قالت النملة : لأن أباك داود داوى جرحه بودّ ، فسمّي داود ، وأنت - يا سليمان - أرجو أن تلحق بأبيك « 2 » .

ثم قالت النملة : هل تدري لم سخّرت لك الريح ، من بين سائر المملكة ؟ ، قال سليمان : ما لي بهذا علم . قالت النملة : يعني عزّ وجلّ بذلك : لو سخّرت لك جميع المملكة ، كما سخّرت لك هذه الريح ، لكان زوالها من يدك كزوال الريح . فحينئذ تبسّم ضاحكا من قولها » « 3» .

وكان سليمان إذا قعد على كرسيّه ، جاءت جميع الطير التي سخّرها اللّه لسليمان ، فتظلّ الكرسيّ والبساط - بجميع من عليه - من الشمس ، فغاب عنه الهدهد من بين الطير ، فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه السّلام ، فرفع رأسه ، وقال ، كما حكى اللّه : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ إلى قوله تعالى : بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجّة قويّة - أقول : قال أبو إبراهيم : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام : جعلت فداك ، أخبرني عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ورث النبيين كلهم ؟ قال :

« نعم » قلت : من لدن آدم ، حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال : « ما بعث اللّه نبيّا إلا ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أعلم منه » .

قال : قلت : إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللّه . قال : « صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقدر على هذه المنازل » .

قال : فقال : « إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده ، وشكّ في أمره ، فقال : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ حين فقده . وغضب عليه . فقال : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وإنما غضب لأنه كان يدلّه على الماء ، فهذا وهو طائر ، قد أعطي ما لم يعط سليمان ، وكانت الريح ، والنّمل ، والجن والإنس ، والشياطين ، والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه » .

وإنّ اللّه يقول في كتابه : {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31] وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء . وإنّ في كتاب اللّه لآيات ، ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن اللّه به ، مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه الماضون ، وجعله اللّه لنا في أمّ الكتاب ، إنّ اللّه يقول : {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [النمل: 75] .

ثمّ قال : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [فاطر: 32] فنحن الذين اصطفانا اللّه عزّ وجلّ ، وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شيء » « 4 » .

وقال أبو جعفر عليه السّلام في قوله : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً : يقول لأنتفنّ ريشه « 5 » .

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم ، قال : فلم يمكث إلّا قليلا إذ جاء الهدهد ، فقال له سليمان : « أين كنت ؟ » قال : أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، أي بخبر صحيح إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وهذا ممّا لفظه عام ، ومعناه خاصّ ، لأنّها لم تؤت أشياء كثيرة ، منها : الذكر ، واللّحية .

ثم قال : وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قوله تعالى : فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ، ثمّ قال الهدهد : أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ أي المطر ، وفي الْأَرْضِ النبات .

- [ أقول في قوله تعالى : اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ : قال حنان بن سدير : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العرش والكرسيّ ، فقال : « إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة ، فقوله : رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ يقول : الملك العظيم ، وقوله : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك الكيفوفيّة في الأشياء .

ثمّ العرش في الوصل متفرد عن الكرسي ، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ، والكون ، والقدر ، والحدّ والأين ، والمشيئة ، وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبداء ، فهما في العلم بابان مقرونان ، لأنّ ملك العرش سوى ملك ملك الكرسيّ ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ ، فمن ذلك قال : رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أي صفته أعظم من صفة الكرسيّ ، وهما في ذلك مقرونان » .

قلت : جعلت فداك ، فلم صار في الفضل جار الكرسيّ ؟ قال : « إنّه صار جاره ، لأنّ فيه علم الكيفوفيّة ، وفيه الظاهر من أبواب الباء ، وأينيّتها ، وحدّ رتقها وفتقها . فهذان جاران ، أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، وبمثل صرف العلماء يستدلون على صدق دعواها ، لأنّه يختصّ برحمته من يشاء ، وهو القويّ العزيز .

فمن اختلاف صفات العرش ، أنه قال تبارك وتعالى {رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] وهو وصف عرش الوحدانية ، لأنّ قوما أشركوا كما قلت لك :

قال تبارك وتعالى : رَبُّ الْعَرْشِ ربّ الوحدانيّة عمّا يصفون . وقوما وصفوه بيدين ، فقالوا : {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة : 64] وقوما وصفوه بالرجلين ، فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء ، وقوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات ، قال : رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * يقول : ربّ المثل الأعلى عمّا به مثّلوه ، وللّه المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ، ولا يتوهّم ، فذلك المثل الأعلى .

ووصف الذين لم يؤتوا من اللّه فوائد العلم ، فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال ، وشبّهوه لمشابهة منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] فليس له شبه ، ولا مثل ، ولا عدل ، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره . وهي التي وصفها في الكتاب ، فقال : {فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف : 180] جهلا ، بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم ، يشرك وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظنّ أنّه يحسن ، فلذلك قال : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف : 106] فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم ، فيضعونها غير مواضعها .

يا حنان ، إنّ اللّه تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء ، فهم الذين أعطاهم الفضل ، وخصّهم بما لم يخصّ به غيرهم ، فأرسل محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فكان الدليل على اللّه ، بإذن اللّه عزّ وجلّ حتى مضى دليلا هاديا ، فقام من بعده وصيّه عليه السّلام دليلا هاديا على ما كان هو دلّ عليه من أمر ربّه ، من ظاهر علمه ، ثمّ الأئمة الراشدون عليهم السّلام » « 6 ».

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم القمي : ثم قال سليمان : سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ إلى قوله : ما ذا يَرْجِعُونَ ، فقال الهدهد :

إنها في حصن منيع ، في سبأ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ أي سرير .

قال سليمان : « ألق الكتاب على قبتها » فجاء الهدهد ، فألقى الكتاب في حجرها ، فارتاعت من ذلك ، وجمعت جنودها ، وقالت لهم ، كما حكى اللّه :

يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ أي مختوم ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ أي لا تتكبّروا علي – وقال أبو جعفر عليه السّلام : لا تعظموا علي « 7 ».

ثم قالت : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ، فقالوا لها ، كما حكى اللّه : نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ فقالت لهم : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً . فقال اللّه عزّ وجلّ : وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ .

ثمّ قالت : إن كان هذا نبيّا من عند اللّه - كما يدّعي - فلا طاقة لنا به ، فإنّ اللّه لا يغلب ، ولكن سأبعث إليه بهديّة ، فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها ، وعلمت أنه لا يقدر علينا . فبعثت إليه حقّة « 8 » فيها جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ، ولا نار .

فأتاه الرسول بذلك ، فأمر سليمان جنوده من الديدان ، فأخذ خيطا في فيه ، ثمّ ثقبها ، وأخرج الخيط من الجانب الآخر ، وقال سليمان لرسولها : فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أي لا طاقة لهم بها - وهو ما روي عن أبي جعفر عليه السّلام وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ .

فرجع إليها الرسول ، فأخبرها بذلك ، وبقوّة سليمان ، فعلمت : أنه لا محيص لها . فخرجت وارتحلت نحو سليمان ، فلمّا علم سليمان بإقبالها نحوه ، قال للجنّ والشياطين : أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قال سليمان : « أريد أسرع من ذلك » . فقال آصف بن برخيا : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ، فدعا اللّه باسمه الأعظم ، فخرج السرير من تحت كرسيّ سليمان ، - [ أقول : قال أبو جعفر عليه السّلام : « إن اسم اللّه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ، فتكلّم به ، فخسف بالأرض ، ما بينه وبين سرير بلقيس ، حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت ، أسرع من طرفة العين ، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند اللّه تبارك وتعالى ، استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه » « 9 ».

وقال سدير : كنت أنا ، وأبو بصير ، وميسّر ، ويحيى البزّاز ، وداود الرقيّ ، في مجلس أبي عبد اللّه عليه السّلام ، إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلمّا أخذ مجلسه ، قال : « عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ! ما يعلم الغيب إلا اللّه ، لقد هممت بضرب خادمتي فلانة ، فذهبت عنّي ، فما عرفتها في أيّ البيوت هي من الدار » .

فلمّا أن قام من مجلسه ، وصار إلى منزله ، دخلت أنا ، وأبو بصير ، وميسّر على أبي عبد اللّه عليه السّلام ، فقلنا له : جعلنا فداك ، سمعناك تقول كذا وكذا في أمر خادمتك ، ونحن نعلم أنّك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب ، فقال : « يا سدير ، أما تقرأ القرآن ؟ » قلت : قد قرأناه ، جعلنا اللّه فداك .

فقال : « هل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ؟ » ، قلت : جعلت فداك ، قد قرأته . قال : « فهل عرفت الرجل ، وعرفت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ » .

قال : قلت : فأخبرني حتى أعلم ، قال : « قدر قطرة من المطر الجود « 10 » ، في البحر الأخضر ، ما يكون ذلك من علم الكتاب ؟ » .

قلت : جعلت فداك ، ما أقلّ هذا ؟ قال : « يا سدير ، ما أكثره إن لم ينسبه إلى العلم الذي أخبرك به ! يا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه :

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] كلّه ؟ » . قال :

وأومأ بيده إلى صدره ، فقال : « علم الكتاب كلّه ، واللّه عندنا - ثلاثا - » « 11 » .

ولعل سائل يسأل هل أن سليمان عليه السّلام كان محتاجا إلى علم غيره مثل آصف بن برخيا ؟ ! يكون الجواب الرواية التالية :

قال الطبرسي : روى العياشيّ في ( تفسيره ) بالإسناد قال : التقى موسى ابن محمد بن علي بن موسى عليهم السّلام ، ويحيى بن أكثم ، فسأله عن مسائل ، قال : فدخلت على أخي علي بن محمد عليهما السّلام ، إذ دار بيني وبينه من المواعظ ، حتى انتهت إلى طاعته ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّ ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها ؟ فضحك ، ثمّ قال : « هل أفتيته فيها ؟ » ، قلت : لا .

قال : « ولم ؟ » ، قلت : لم أعرفها ، قال : « وما هي ؟ » ، قلت : قال : أخبرني عن سليمان ، أكان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا ؟ ثم ذكر المسائل الأخر .

قال : « اكتب - يا أخي - بسم اللّه الرحمن الرحيم ، - سألت عن قول اللّه تعالى في كتابه : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف ، لكنّه ( صلوات اللّه عليه ) أحبّ أن يعرّف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده ، وذلك من علم سليمان بن داود عليه السّلام ، أودعه آصف بأمر اللّه تعالى ، ففهّمه اللّه ذلك لئلا يختلف في إمامته ، ودلالته ، كما فهّم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته ونبوّته من بعده ، لتأكيد الحجّة على الخلق » « 12 ».

وقال أبو جعفر عليه السّلام : « . . . وقول سليمان : لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ لما أتاني من الملك أَمْ أَكْفُرُ إذا رأيت من هو أدون منّي أفضل منّي علما ؟ فعزم اللّه له على الشكر » « 13 » .

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم القمي : فقال سليمان نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي غيّروه نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ .

وكان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيتا من قوارير ، ووضعه على الماء ، ثمّ قيل لها ادْخُلِي الصَّرْحَ فظنّت أنه ماء ، فرفعت ثوبها ، وأبدت ساقيها ، فإذا عليها شعر كثير ، فقيل لها : إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فتزوّجها سليمان ، وهي بلقيس بنت الشرح الحميرية ، وقال سليمان للشياطين - وقيل وقالت الشياطين - : « اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها » . فعملوا الحمّامات ، وطبخوا النورة والزرنيخ . ، فالحمامات والنورة ممّا اتخذته الشياطين لبلقيس ، وكذا الأرحية « 14 » التي تدور على الماء » « 15 ».

_________________
( 1 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 129 .

( 2 ) ذكر المجلسي ( رحمه اللّه ) وجوها أربعة في تفسير هذه العبارة ، ارتضى التالي منها : أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الأولى ، وصار قلبه مجروحا بذلك ، فداواه بودّ اللّه تعالى ومحبته ، فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالودّ ، وأنت لمّا لم ترتكب بعد ، وأنت سليم منه سميت سليمان ، فخصوص العلّتين للتسميتين ، صارتا علّة لزيادة اسمك على اسم أبيك .

ثم لمّا كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه ، استدركت ذلك بأنّ ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه ، بل صار سببا لكمال محبّته وتمام مودّته ، وأرجو أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك ، البحار : ج 14 ، ص 93 .

( 3 ) عيون أخبار الرضا عليه السّلام : ج 2 ، ص 78 ، ح 8 .

( 4 ) الكافي : ج 1 ، ص 176 ، ح 7 .

( 5 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 129 .
( 6 ) التوحيد : ص 321 .

( 7 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 129 .

( 8) الحقّة : وعاء من خشب ، وقد تسوّى من العاج « أقرب الموارد - حقق - ج 1 ، ص 215 » .

( 9 ) الكافي : ج 1 ، ص 179 ، ح 1 .

( 10 ) المطر الجود : المطر الواسع الغزير .

( 11 ) بصائر الدرجات : ص 233 ، ح 3 .

( 12 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 351 .

( 13 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 129 .

( 14 ) الأرحية : واحدتها الرّحى ، وهي الأداة التي يطحن بها .

( 15 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 126 .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .