المطلب الثالث - الآثار الاقتصادية لظاهرة غسيل الأموال

إن لظاهرة غسيل الأموال آثار سلبية على التنمية الاقتصادية بصفة عامة فضلاً عن تأثيرها على مناخ الاستثمار وعلى الدخل القومي وتوزيعه وعلى الجهاز المصرفي، وعلى الأسعار وعلى قيمة العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية وعلى الموازنة العامة، ولقد تعرضت اتفاقية فينا عام 1988 في مقدمتها إلى الأضرار التي يمكن أن تلتحق بالأسس الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية نتيجة لغسيل الأموال، ومن أبرز هذه المخاطر اقتصادياً نجد ما يلي:

1 . تؤثر عمليات غسيل الأموال في زيارة عرض النقود وزيادة الائتمان المصرفي وانخفاض أسعار الفائدة، كما هو الحال بالنسبة لبقية محددات العرض النقدي فكلها تشير إلى سياسة نقدية توسيعية، وبالعكس يشير انخفاض عرض النقود وانخفاض الائتمان المصرفي وارتفاع أسعار الفائدة إلى سياسة نقدية انكماشية، إلا أن هذه السياسات تختلف تأثيراتها باختلاف أهداف السياسة النقدية التي غالبا ما ترمي إلى :

أ ـ تحقيق الاستخدام الكامل للموارد الاقتصادية والذي يشمل الحد من البطالة واستقرار الأسعار والمحافظة على التوازن في ميزان المدفوعات .

ب ـ العمل على توفير المتطلبات النقدية للنمو الاقتصادي.

ولكن قد يحصل تضارب أو عدم توافق بين تلك السياسات فيما بينها فتؤدي سياسة الزيادة في عرض النقود والائتمان المصرفي إلى تحفيز الطلب الكلي وبالتالي ارتفاع الإنتاج والاستخدام، إلا أنه قد يصاحبها في نفس الوقت زيادة في الأسعار وضغوط تضخمية في الاقتصاد الداخلي، كما تؤثر سلباً على ميزان المدفوعات الخارجية وأسعار صرف العملة نتيجة لزيادة الاستيراد وانخفاض الصادرات .

2 ـ تؤدي عمليات غسيل الأموال إلى ضعف الشفافية الدولية والإقليمية والوطنية في أسواق المال مما يخلق مناخاً ملائماً لوجود أسواق سيئة السمعة وضعيفة المصداقية، فمثلا " بنما وجزر الباهاماس" صارتا مشهورتين بأنهما مراكز التسوية المدفوعات في تهريب الكوكايين، وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حجم الأموال المغسولة تصل إلى 80 مليار دولار أي ما يتراوح بين (2%) و (5%) من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم، وفي ضوء ذلك يعتبر حجم المشكلة كبيراً يستحق كامل اهتمام كل بلد من بلدان العالم .

3 ـ تؤثر عمليات غسيل الأموال في المتغيرات الاقتصادية الكلية : إن البلدان النامية تعاني من هذه الظاهرة ومن آثارها حيث يقوم غاسلو الأموال باستغلال ظروف مثل هذه الدول التي مازالت وسائل الرقابة فيها ضعيفة والقوانين والتشريعات المتعلقة بالأموال يمكن اختراقها بسهولة، لذلك يقومون بتحويل هذه الأموال إلى تلك البلدان التي بها معدلات فائدة قليلة وأسعار صرف غير مستقرة، مما يؤدي إلى وجود مؤشرات اقتصادية مضللة خاصة فيما يتعلق بمعدلات الفائدة وأسعار الصرف.

4 ـ تؤثر عمليات غسيل الأموال على دخول فئات المجتمع إذ تتحول دخول الفئات المنتجة التي تحقق دخولاً مشروعة إلى فئات غير منتجة وتحصل على دخول مشروعة مما يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويتضاعف الخلل الاجتماعي في البلد المعني.

5 ـ تؤثر عمليات غسيل الأموال على الادخار المحلي ، تقترن هذه العمليات بهروب رأس المال إلى الخارج وتعجز المدخرات المحلية عن الوفاء باحتياجات الاستثمار ويتسع نطاق الفجوة التمويلية حيث أن المدخرات يتم تحويلها إلى البنوك الخارجية دون أن تتوجه إلى قنوات الاستثمار داخل البلاد.

6 ـ تؤثر عمليات غسيل الأموال على قيمة العملة الوطنية : نظراً لارتباط هذه العملة بالعملات الأجنبية فتهرب الأموال إلى الخارج في ظل زيادة عرض العملة الوطنية مع زيادة الطلب على العملات الأجنبية التي تم تحويلها سواء بقصد الإيداع في البنوك الخارجية أو الاستثمار الأجنبي، فإن المضاربين سيتنافسون في السوق لشراء العملات الأجنبية مما يؤدي إلى ارتفاعها، ولا شك أن النتيجة الحتمية لذلك هي انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

7. تؤدي عملية غسيل الأموال إلى انتقال القوة الاقتصادية في الدولة إلى أيدي عصابات تخريبية غير فاعلة بفعل نفوذها وسيطرة رأس المال المشبوه على المشاريع داخل البلاد

8 . تؤدي عملية غسيل الأموال إلى إفساد الشفافية الدولية وانتشار ظاهرة الفساد الإقليمية والقطرية في أسواق المال، حيث يتوجه الحاصلون على المبالغ المختلفة من الرشاوى كبيرة القيمة إلى إيداعها في البنوك الأجنبية خارج البلاد في ظل حرية السوق وتحرير الاقتصاد وانفتاحه على العالم الخارجي.

9. تؤدي عمليات غسيل الأموال وما يربطها عند عودة الأموال إلى داخل البلاد بصورة جديدة زيادة القوة الشرائية لفئات معينة تتصف بعدم الرشد في الإنفاق والاستهلاك، وهو ما يعتبر رافدا من روافد الضغوط التضخمية نتيجة ارتفاع المستوى العام للأسعار المصحوبة بانخفاض القوة الشرائية للنقود.

10. تؤدي عمليات غسيل الأموال إلى الزيادة في معدلات البطالة في البلدان النامية والمتقدمة على السواء، فتهريب الأموال إلى خارج البلاد عبر القنوات المصرفية قد يؤدي ذلك إلى نقل جزء من الدخل القومي إلى الدول الأخرى ومن ثم تعجز الدول عن الإنفاق الاستثماري اللازم لتوفير فرص العمل ومواجهة خطر البطالة.

11. تؤدي عمليات غسيل الأموال إلى تزايد الضغوط المعيشية والاقتصادية للمجتمع، فعوائد غسيل الأموال الهاربة من الالتزامات الضريبية المستحقة عليها لخزينة الدولة تضعف الموارد المتاحة لدى الدولة لتمويل برنامجها الاقتصادي وتزيد الدين العام الداخلي والخارجي وكذلك الأعباء المرتبطة بهما مع زيادة عجز الموازنة.

12. تؤدي عمليات غسيل الأموال إلى إفلاس المؤسسات والشركات الوطنية، حيث تتمكن عصابات الجريمة المنظمة من التفوق في المنافسة على المؤسسات التي تمارس أعمالاً مشروعة ونظيفة في السوق ممـا يـؤدي إلى إفلاسها نتيجة عدم قدرتها على المنافسة.