أقرأ أيضاً
التاريخ: 11/12/2022
1595
التاريخ: 29-4-2021
2478
التاريخ: 14/11/2022
1646
التاريخ: 19-6-2016
2560
|
الحرمان هو سبب الاضطرابات العقلية والنفسية، أن الأدلة لا تدع مجالا للشك بوجه عام في أن حرمان الأطفال الصغار من رعاية أمهاتهم يسبب آثاراً خطيرة وعميقة في سلوكهم، وعلى حياتهم المستقبلة - ومع أن هذا الرأي مشابه تماماً في شكله لتلك الآراء المتعلقة بالأضرار المتخلفة عن الإصابة بالحصبة الألمانية قبل الولادة، أو بنقص فيتامين (د) في عهد الطفولة إلا أن هناك مقاومة عجيبة لقبوله - حقيقة إنه لا يزال هناك أطباء للصحة النفسية في كافة الدول يتحدون هذه النتائج وإن كان يجب أن يلاحظ أن القليلين منهم هم الذين سبق لهم الحصول على قدر من التدريب فيا يتعلق بالصحة النفسية الأطفال، أو ممارسة العمل في عيادات توجيههم، إذ أن عملهم منحصر فقط في إجراء اختبارات على مرضى أكبر سناً، ومن الصعب أو من المستحيل إلقاء الضوء على ما حدث فعلا لهؤلاء المرضى في حياتهم الأولى. ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن المرضى كانوا يذكرون أنهم قاسوا كثيراً من المرارة والإفساد في طفولتهم، إلا أن كثيراً من الأطباء نظروا إلى حكاياتهم على أنها ليست إلا خيالات، ولم يلقوا بالا إطلاقا إلى الآثار الحقة المشئومة لطفولتهم التعسة - ليس هناك شك في أن الدراسات المنظمة والمقارنات الإحصائية عن مجموعات الأطفال التي وضعت تحت مراقبة مباشرة لا تزال قليلة، وتبعاً لذلك فإن هذه الدراسات القليلة إذا أخذت على حدة، فقد تبدو إيحائية إلى حد كبير.
ولكن عند مطابقة الأدلة في مجموعها، فإنها تبدو متفقة تماماً، فإذا ما أضيفت إليها آراء موجهي الأطفال المجربين فى مختلف البلاد، فإن ذلك لا يترك مجالا للشك في أن الآراء الأساسية صحيحة، والتردد في قبول هذه الآراء وبما يرجع إلى أن قبولها ستترتب عليه تغييرات بعيدة المدى في النظر إلى الطبيعة البشرية وطرق رعاية الأطفال الصغار. ومهما كان الأمر، فمع أن الآراء الأساسية يمكن اعتبارها من الأمور المسلم بها، إلا أن المعلومات التفصيلية ما زالت بكل أسف قليلة - وهي في هذا مثل ما ثبت من أن: نقص فيتامين (د) والكالسيوم، يسببان مرض الكساح. إلا أنه لا يعلم شيء عن مقدار كل مادة منها، ولا عن العلاقة بين هاتين المادتين. كذلك فإنه وإن كان من المسلم به أن للحرمان نتائج سيئة، فإنه لم يحدد بعد إلى أي حد يمكن الأطفال في مختلف الأعمار تحمل هذا الحرمان - والأدلة التي أمكن الحصول عليها، يمكن تلخيصها الآن واعتبار نتائجها مقبولة.
ففي المقام الأول توجد أدلة عديدة على أن للحرمان نتائج سيئة على نمو الأطفال:
أـ في فترة الانفصال
ب- في الفترة التي تلي العودة إلى رعاية الأم مباشرة
ج- بصفة دائمة.
والقول بأن بعض الأطفال قد لا يتعرضون لمثل هذه النتائج قول لا أهمية له. إذ أن مثل ذلك يمكن أن يقال عن بعض الأطفال الذين يشربون اللبن الملوث بميكروب السل أو الذين يتعرضون لفيروس شلل الأطفال، ففي كلتا الحالتين يصاب عدد كبير منهم بإصابات بالغة - ولا يمكن أن يتعمد إنسان تعريض طفل لمثل هذه الأخطار لمجرد الرغبة في البحث - وحرمان الطفل من الأمومة خطر من هذا القبيل ـ ومعظم الأدلة فيما يختص بالآثار البعيدة المدى تشير إلى أن الاضطرابات الخطيرة تتبع الحرمان القاسي، والبحث من هذه الناحية المقررة أيسر من البحث فيما لم يثبت فهمه بعد - وهذه الأدلة توضح أن هناك ثلاث تجارب مختلفة يمكن أن ينتج عنها انعدام المحبة وانحراف الأخلاق:
ا - عدم وجود فرصة لإيجاد روابط بالأم البديلة في السنوات الثلاث الأولى من العمر.
ب- الحرمان لأجل محدود، وهو على الأقل ثلاثة أشهر، وربما أكثر من سنة إبان السنوات الثلاث أو الأربع الأولى.
ج- التنقل من أم بديلة إلى غيرها في نفس المدة.
ومع أن النتائج العامة لهذه التجارب المختلفة تدل على أنها واحدة، إلا أنه من المحتمل أن تظهر فروق من الدراسة الأكثر إمعاناً، وربما يكون صحيحاً ما يعتقده بعض الباحثين من أن الأطفال الذين يوضعون بالمعاهد لمدة قصيرة بعد سن الثانية تقريباً. لا يسلكون سلوك العزلة وعدم المحبة إلا أننا على علم بحالات كافية عن أطفال نقلوا من أم بديلة إلى غيرها إبان عامهم الثالث أو الرابع، فكانوا في سلوكهم غير اجتماعيين، وغير قادرين على إيجاد روابط سارة بغيرهم. وهذا يؤيد أن الأطفال قد يتعرضون لنتائج سيئة جداً، حتى في هذه السن. وبديهي أن المؤثرات على نمو الشخصية في أي سن مما ذكر، إنما تعتمد على نوع التجربة التي تعرض لها الطفل، والتي لم ترد عنها في السجلات معلومات تذكر. والواقع أن عاملا من أكبر عوامل النقص في الأدلة الحالية، هو حاجتها إلى التفاصيل والدقة من هذه الناحية.
ومع أن جميع الباحثين في هذا الموضوع متفقون على أن السنة الأولى من العمر ذات أهمية حيوية، إلا أن هناك جدلا فيما يتعلق بالسن التي يكون للحرمان فيها أسوأ الأثر. ذكر الدكتور (باولبي) بعد مراجعة الحالات التي تولاها، ان الانفصال الذي يبدو أنه ضار حدث جميعه بعد الأشهر الستة الأولى من العمر، وفي أغلب الأحوال في الاثنى عشر شهراً التالية، ولهذا كان ميالا إلى تقرير أن الانفصال والحرمان في الأشهر الستة الأولى من العمر، أقل أهمية بالنسبة لسعادة الطفل عنه في الأشهر التالية.
وهذه أيضاً وجهة نظر السيدة (أنا فرويد) Anna Frued في مباحثاتها مع الآخرين ممن يعلقون أهمية خاصة على النصف سنة الأولى من العمر - ومهما كانت حصيلة هذا الجدل، فإن دراسة الدكتور (جولد فارب) التي اختبر فيها التوافق الاجتماعي للمراهقين بالنسبة إلى السن التي دخلوا فيها إلى المؤسسة، تشير دون خطأ إلى الخطر المعين الذي يتعرض له الطفل خلال السنة الأولى بالنسبة إلى ما يتلو ذلك من السنين - والشواهد الأمريكية الأخرى فيما يختص بالأطفال الذين كان حرمانهم محدداً في السنة الأولى من أعمارهم والذين لم يظهر عليهم تأخر أو عجز في شخصيتهم، تلقى مزيداً من الضوء فيما يتعلق بالسنة الأولى بوجه عام، ولو أنها لم تدعم الجدل الدائر حول إحساسات الطفل خلال النصف سنة الأولى من عمره بصفة خاصة.
لذا يمكننا أن نسجل الآن أن جميع الدارسين لهذا الموضوع متفقون على أن الحرمان في النصف الثاني من العام الأول له أهمية كبرى، وأن الكثيرين يعتقدون صدق هذا أيضاً بالنسبة إلى الحرمان الذي يحدث في النصف الأول وخاصة من الشهر الثالث إلى السادس من العمر. وخلاصة الرأي في الواقع هي أن أضراراً خطيرة يمكن أن تصيب الصحة العقلية نتيجة للحرمان في تلك الأشهر.
هناك نقطة أخرى، وهي مدى الزمن الذي يصبح التبني في أثنائه قادراً على التخفيف من آثار الحرمان في هذه السن المبكرة.
إن النجاح النسبي الذي حققه كثير من الأطفال الذين تم تبنيهم ما بين ستة وتسعة أشهر، والذين قضوا النصف سنة الأولى من حياتهم في ظروف من الحرمان، يثبت أنه من الممكن تخفيف آثار الضرر الذي لحقهم في سن مبكرة، وذلك على الأقل بالنسبة للأطفال الذين وجدوا من يحسن تبنيهم في الوقت المناسب.
إن ما أثبته بحث الدكتور (جولد فارب) دون شك هو أن مثل هذا التبني يصبح عديم الجدوى تماماً إذا تأخر إلى ما بعد الثانية والنصف من العمر، والواقع أن الحد الأقصى لمثل هذا التبني بالنسبة لمعظم الأطفال، يمكن أن يكون قبل الشهر الثاني عشر من أعمارهم - لكن احتمال وجود حد للأمان يجب ألا يدعو إلى الرضى، فإمكان إصلاح بعض الأضرار الناجمة عن الحرمان في الشهور الأولى عن هذا السبيل، ليس عذراً يبرر السماح بوجود ظروف الحرمان من مبدأ الأمر.
إن كثيراً من الأمراض العقلية الواضحة والظروف التي أوجدتها أصبحت الآن ظاهرة المعالم لأطباء الأمراض العقلية والنفسية، ويشير المشتغلون بهذه المشكلة إلى وجود حالات أقل إثارة يمكن أن تنجم عن حرمان أخف حدة إلا أنها أكثر وأعم انتشاراً.
وليس الأمر في ذلك مقصوراً على وجود أنواع كثيرة من اهتزاز الشخصية بما فيها الأمراض الهستيرية، بل إن كثيراً من حالات القلق والانهيار تنشأ بلا شك عن حالات الحرمان أو على الأقل تسوء بسببها.
هذه الأمثلة كثير ما تشاهد في البالغين الذين تمثل حياتهم الاجتماعية مجموعة من العلاقات مع من هم أكبر منهم سناً والذين يعد كل واحد منهم بديلاً للأم، وسواء أكانوا بمفردهم أو مع مجموعة، فالأمر ببساطة يقتضى اتصال المريض في شئون حياته بشخص يستمد منه نفس المطالب التي انتقدها في حياته الأصلية مع الأم، وتصبح حياته العادية إذا معتمدة على الحصول على مثل هذه العلاقات حتى إذا ما انفصمت واحدة منها نتج عن ذلك فترة من الانهيار أو الشعور بفقدان شيء عظيم الأهمية، ويستمر ذلك حتى توجد علاقة أخرى ـ ويلاحظ نوع آخر من رد الفعل يكون بصفة خاصة على صورة مطالب عديدة يرهقون بها الشخص المختار وذلك لسد المطالب اللازمة في بدء الحياة.. والمشكلة دائماً واحدة وهي عبارة عن المطالب الملحة للطعام والنقود وأيضاً للحصول على امتيازات.
وكثيراً ما ينكر أولئك الذين يتحملون هذه المتاعب وجودها بما يظهرون من فرح متزايد ومن نشاط، وهذه محاولة يقنعون بها أنفسهم، بأن الله في عليائه قد وضع كل شيء في موضعه في هذه الحياة، مع أن هذه أمور هم بعيدون عن التحقق منها، وطبيعي أن تلقى هذه الطريقة بعض النجاح، ولكنه نجاح في الواقع مبني على تجاهل الواقع، ويكون دائماً في خطر من التصدع تاركاً صاحبه في حالة يأس.
ومع أن هذه الأحوال كثيرة بكل أسف، إلا أنها لحسن الحظ أكثر قابلية للعلاج من الحالات الأخرى القاسية، ويقرر جميع أطباء الأمراض العقلية والنفسية أن علاج النافرين والمنحرفين يعد من أشق الأعمال، كما يقررون أنه بسبب عجزهم التام عن إيجاد علاقات مع مرضاهم فإنهم يفقدون الأداة الرئيسية للعلاج، ولذا فعلى الطبيب أن يكون على جانب من الذكاء في سياسة المرضى الذين يكرهونه، كما يجب عليه أن يتعلم طرقاً للتأثير على مرضاه الذين لا يحملون له أي نوع من الود.
إن الفشل في علاج جميع من قاسوا الإبعاد، أو الذين لم تكن لهم علاقة مودة لتذكرنا بملاحظة للدكتور (جولد فارب) وهي أنه لم ير حتى ولا مثلا واحداً يدل على الاستجابة المفيدة عن طريق العلاج بالطرق التقليدية لطب الأطفال العقلي والنفسي. وقد ذهب طبيب آخر إلى أبعد من هذا فقال إذا ما حدث الخلل مرة فإنه لا يمكن إصلاحه، وأوصى بأنه يجب عدم بذل العناية نحو محاولة العلاج أو نحو الإصلاح، بل يجب أن توجه العناية إلى الوقاية، كما يجب أن تهدف إلى إيجاد علاقة تبعية (بين الطفل ومن يرعاه)، وهناك آخرون أكثر تفاؤلا يعتقدون أنه لو سمح للطفل بأن يتراجع حتى يسلك دور الطفولة الأولى تماماً، فإن هناك فرصة متاحة لنموه من جديد على طريق أقوم، إن التجربة التي أجريت في قرية الأطفال في (سكا) بالقرب من (استكهلم) مثل لتجربة أوربية في هذا الاتجاه، إذ يشجع الأطفال هناك على أن يكونوا معتمدين بدرجة كبيرة على البيت والأم، ويسمح لهم بأن يعودوا إلى السلوك الطفولي. هذا المثل وغيره من التجارب المشابهة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية ينظر إليها على أنها اتجاهات معقولة، ولو أن هناك جدلا حول مقدار الرقابة الواجب فرضها على الأطفال، ولا بد أيضاً من مرور كثير من الأعوام قبل الحكم على هذه الطرق.
والأدلة المتاحة تشير إلى أنه لا يمكن أن تتحقق فائدة تذكر إلا عن طريق الإقامة الطويلة للطفل مع واحد من الكبار ممن يتسمون بالفطنة في إدراك المشكلة وبالمهارة في تناولها، وممن يتوافر لديهم وقت متسع لا حدود له يستطيع تخصيصه لمواجهة مشاكل هذا الطفل.
وهذا ليس أمراً باهظ التكاليف فحسب، ولكنه لا يمكن أن يتاح إلا لعدد قليل من الحالات فقط - والأكثر من هذا واقعية والأرخص تكاليفا، هو تنظيم طرق العناية بالأطفال حتى يمتنع انتشار هذه الأحوال.
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|