أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-25
326
التاريخ: 2024-03-29
966
التاريخ: 2024-06-08
809
التاريخ: 2024-04-01
814
|
تحدثنا فيما سبق عن الإله الذي كان يُمثل في الخشب والحجر وعن حياته اليومية والشعائر التي كانت تُقام لخدمته يوميًّا لإلباسه وإطعامه، والآن ننتقل إلى الكلام عن عبادة الحيوان في تلك الفترة، وبخاصة الثور في أشكاله المختلفة، ونخص بالذكر أولًا العجل «أبيس» (حب).
والواقع أن عبادة الثور كانت ظاهرة مشتركة في كل تاريخ الجنس البشري (راجع A. b. Cook Zeus Vol, l, Cambridgé). والسبب في وجود هذه العبادة ظاهر، وليس هناك ما يدعو إلى وجود أية علاقة ثقافية بين شعبين يعتنقان هذه الديانة في وقت واحد. فالثور يمثل الخصب من ناحيتين: فهو رمز للقوة الكريمة في نظر العقل البدائي وعلى ذلك أصبح موضوعًا للمنافسة، وهو كذلك من ينابيع الخصب الممتازة في الزراعة بوصفه سيد الماشية التي تنتج اللحم واللبن والزبد والجلد وبوصفه حارثًا للأرض؛ وبهذه الكيفية أصبح رمزًا للرياسة والملكية، ولا أدل على ذلك من أننا نرى الملك في مصر القديمة يوصف بالثور القوي كما تُطلق في اللغة العربية لفظة الثور على سيد القوم. وكذلك نجد أن الرؤساء في إقليم بحيرة «شاد» كانوا يُدفنون ملفوفين في جلد ثور، وأقدم مثال «يلفت النظر من الوجهة الدينية» للثيران عند قدماء المصريين يرجع إلى عصور ما قبل الأسرات في جهة «الحمامية» في المكان الذي حفرته مس «كيتون تمسون»؛ حيث وجدت أكوامًا من عظام الثيران مرتبة بنظام ورؤوسها على قمتها، وبجوار هذه الجهة عثر المستر «برنطون» على مدفن حيوان يُحتمل أنه عجل ملفوف في حصيرة من عهد البداري. وتمثيل الملك بمثابة ثور على لوحة الملك «نعرمر» (مينا) العظيمة المصنوعة من الأردواز من الأشياء المعروفة تمامًا، وقد جاء ذكر العجل «أبيس» على حجر «بلرمو» ولذلك فلا بد أنه عُبد في زمن الأسر الأولى، وقد ذكر «مانبتون» أن عبادته ترجع إلى الأسرة الثانية، والواقع أنه قد وُجد فعلًا في عهد الأسرة الأولى (Emery, The Tomb of Hemaka p. 40 & pl. 19 d.)ولدينا وثائق قليلة يرجع عهدها للدولة القديمة تحدثنا أن العجل «أبيس» كان يعيش وقتئذ في «منف» وأنه كان يُحتفل تكريمًا له منذ أقدم العهود بعيد سنوي كان له علاقة من وقت مبكر بالعيد الملكي. ولدينا برهان غير مباشر على أنه كان يُقام منذ الأسرة الأولى ويُفهم ذلك من تركيب اسم هذا العجل في أسماء الأسرة المالكة. والواقع أن اسم «أبيس» (حب) يدخل في تركيب اسم أم الملك «أثوتيس» التي تُدعى «خنت حب» (راجع Untersuchungen XIII, p. 14 Ott) وفي اسم أم الملك «زوسر» المسماة «ني ماعت حب». ولكن من جهة أخرى لا نعرف تفسير اسم «أبيس» على وجه التأكيد. والواقع أنه يوجد نوع من البط مشهور بقوته التناسلية، وقد كان المصريون يسمونه «حب» (راجع Sefhe, pyr 1313) وليس ببعيد أن يكون المصريون قد أطلقوا اسمه على العجل «أبيس» الذي كان يعجب القوم بقوته التناسيلة كما يفسر ذلك الأستاذ «زيته» (راجع Sitzungsber. Preus. Akad. Phil-hist kl 1934, 13). وهذا التفسير يمتاز بأنه يشرح لنا وجود رسم بطة بمثابة «مخصص» تتبع كثيرًا اسم ثور «منف». وقد كان للعجل «أبيس» كهنته الذين كانوا يُسمون في عهد الدولة القديمة عصيًّا أي مربين للعجل «أبيس». وفي عهد الأسرة الخامسة ذهب الملك «نوسر رع» في العيد الثلاثيني إلى محراب العجل «أبيس» مما يدل على وجود عبادة لهذا الحيوان في ذلك العهد، يُضاف إلى ذلك أن لدينا متنًا من بين متون الأهرام (راجع Sefhe, pyr 1998) يوحي بوجود جبانة (في العهود القديمة جدًّا) للعجل «أبيس» في «منف «.
هذا كل ما نعلمه تقريبًا عن عبادة العجل «أبيس» في العصور الموغلة في القدم، ولكن منذ بداية الدولة الحديثة أصبحت الوثائق عن عبادة هذا الحيوان كثيرة ودقيقة بدرجة عظيمة. وأقدم مقابر معروفة للعجل «أبيس» يرجع عهدها للفرعون «أمنحتب الثالث» في منتصف الأسرة الثامنة عشرة، وأحدث مقابر معروفة لدينا من نهاية عصر البطالمة؛ إذ الواقع أن جبانة العجل «أبيس» في العهد الروماني لم يُعثر عليها بعد على الرغم من أن عبادته كانت موجودة في عهد «جوليان» الكافر في عام 362 ميلادية. وبين هذين العهدين — أي عهد «أمنحتب الثالث» ونهاية عهد البطالمة — كانت سلسلة مقابر هذا العجل تختفي من وقت لآخر. وقد كان لكل عجل قبره الخاص حتى عهد الأسرة التاسعة عشرة، وكان يعلوها مزاره الخاص. ومنذ عهد «رعمسيس الثاني» أُقيم مدفن عام وهو الذي كشف عنه «مريت» (راجع Prat. Ancient Egypt p. 362) وهو المعروف باسم السرابيوم (مصر القديمة الجزء الخامس) ، وهو يحتوي على سلسلة دهاليز طويلة تحت الأرض قد حُفرت في جوانبها كوات لتكون مدافن. وكانت هذه الكوات تُسد بجدران بعد الدفن. وقد ثُبتت على الجدران الخارجية لهذه المدافن لوحات عدة بعضها ملكي وبعضها من وضع الأفراد، وهذه اللوحات تقدم للباحثين تواريخ ثمينة، والقليل منها يقدم معلومات عن عبادة العجل نفسه. ومع ذلك فإن هذا القليل مضافًا إلى قطعة من الشعائر الجنازية «لأبيس»، وكذلك ما رواه لنا المؤرخون الأقدمون ينير لنا الطريق بوجه عام في تتبع مجال حياة الثور المقدس في «منف». ولا يبتدئ تاريخ حياته عند ولادته بل عند بداية أعياد التتويج التي كان يُحتفل بها في «منف»، وكان يرأسها الكاهن الأكبر للإله «بتاح»، وكان العجل يزور أولًا محراب الإله «حعبي» (النيل) في جزيرة الروضة، وبعد ذلك يقلع إلى «منف» في الوقت الذي كان يبتدئ فيه طلوع القمر. أما العيد الحقيقي فكان يُحتفل به في «منف» نفسها عند اكتماله بدرًا. وكان هذا رمزًا لعهد جديد يُفتتح بحكم «أبيس» جديد. وبعد تتويج الثور كان يخرج من الباب الشرقي — أي الجهة التي تشرق منها الشمس — للمعبد ليظهر للناس، وبعد ذلك كان يُقتاد إلى معبده «الأبيون» (راجع Urk II, p, 186) الذي كان لا يخرج منه إلا ليشترك في الأحفال. وفي هذا المكان كان يتقبل تكريمات المخلصين له، وفي هذا المكان كان كذلك يدلي بالوحي عندما يُسأل. وعند موت العجل «أبيس» كان القوم يعتقدون أنه ذهب إلى السماء بروحه، أما جسمه فكان يُدفن على حسب الشعائر الأوزيرية، فكان يبتدئ بوضع اللفائف والمسوح والتضميخ المعتادة عليه ثم يُوضع في تابوته الذي كان في بادئ الأمر يُصنع من الخشب ثم من الجرانيت في عهد «أحمس الثاني» من عهد الأسرة السادسة والعشرين. وبعد ذلك كانت تمر المومية بالباب الغربي — أي في الجهة التي كانت تغرب فيها الشمس — وتُحمل حتى «بحيرة الملوك» تصحبها نائحتان — إزيس ونفتيس — وكهنة إله النيل «حعبي»، وفي أثناء سياحة المومية على البحيرة كانت تُقرأ تسع شعائر أوزيرية الصيغة. وبعد تأدية الشعائر الجنازية التي كانت لا تستمر أقل من سبعين يومًا ينزل التابوت في مخدعه. وكان للعجل «أبيس» المتوفى مثل كل ميت أوزيري المذهب أوانٍ لأحشائه وتماثيله المجيبة وكانت تُمثل غالبًا برأس ثور وجسم إنسان.
وقد كان لكل «أبيس» قطيع من البقرات المقدسة يكرم نتاجها تكريمًا خاصًّا. وتدل شواهد الأحوال على أنه كان من النادر جدًّا أن يولد «أبيس» من «أبيس» آخر، بل في معظم الأحيان لم يكن هذا العجل من أصل منفى، وكان يُمثل حاملًا بين قرنيه قرص شمس محلى بصل. والعلامات التي كانت تميزه بأنه ثور مقدس كانت ظاهرة جدًّا؛ وهي مثلث أبيض على الجبين، وعلامة بيضاء في صورة هلال على كلا جانبيه، وصورة نسر على رقبته. وقد كان الثور «أبيس» في الأصل أسود اللون وفيه علامات بيضاء، وقد فُسرت هذه العلامات فيما بعد بأنها رموز الآلهة الذين كانوا يتقمصون «أبيس «.
وكان العجل «أبيس» من الوجهة اللاهوتية يُعد إلهًا منتخبًا، كما كان يمثل القوة والإكثار، وهذه الصفة البدائية كما ذكرنا قد بقيت له على مر الأجيال، ولا أدل على ذلك من علاقته الوثيقة بالفيضان (راجع Otto Untersuchungen XIII, p. 25) من جهة، ومن جهة أخرى علاقته بالإله «أوزير» إله النبات. والواقع أنه يوجد سبب آخر كان يربط العجل «أبيس» ﺑ «أوزير»؛ وذلك أنه كان في الحقيقة مثل البشر عرضة للموت، فكان يُدفن مثلهم أيضًا. وفي ذلك ما يكفي أن يجعله يُعد أوزيرًا. والظاهر أن البعض قد اعتقد في بادئ الأمر بوجود تمييز بين «أبيس-أوزير» أي الثور الحي، و«أوزير-أبيس» أي الثور الميت، غير أن هذا التمييز الذي يشعر بوجود فرق بين الحيوان العائش والحيوان الميت كان قد نشأ عن عقيدة لم تلبث أن تُركت ظهريًّا بسرعة. ومع ذلك فإن الإغريق قد عادوا لوضع فرق بين «سرابيس» (أبيس الميت) «وأبيس» الحي، وبعبارة أخرى قد وضعوا تمييزًا بين «سرابيس» الذي يمثل تعدد الثيران المتوفاة و«أوزور أبيس» الذي يمثل كل فرد ميت من هذا الحيوان. والواقع أن توحيد «أبيس» ﺑ «أوزير أبيس» كان أصلًا لتقدم لاهوتي هام؛ وذلك أن «أبيس» بسبب أنه كان «أوزيرًا» قد أصبح بطبيعة الحال إلهًا جنازيًّا، فكان يحمل لقب «أول أهل الغرب» (خنتي إمنتي) أي الأموات، كما أنه يُوحد أحيانًا بالإله «سكر» — إله الموتى في منف — وكذلك كان يُعد إلهًا قمريًّا، فقد رأينا أن أعياد التتويج للعجل «أبيس» كانت تُقام عند اكتمال القمر، كما أن «أبيس» كان يحمل على جانبيه علامة بيضاء على هيئة هلال، هذا فضلًا عن أن القرص القمري قد حل في العهد الروماني محل القرص الشمسي بين قرني العجل «أبيس». وقد كان كذلك يوحد الثور «أبيس» بالإله «حور»؛ فقد ذكرت الأسطورة أنه عند فرار «إزيس» و«حور» من وجه «ست» كانا قد تحولا إلى البقرة «سخات حور» والثور «أبيس» (راجع Dumichen Oasen der libyschen Wuste pl. 6 and Brugsch A. Z. 17 (1879) p. 19) وكذلك كان الملك المتوفى يُوحد مع «أوزير»، وعلى ذلك فإن الثور «أبيس» الحي كان يصبح «حورًا» مع بقائه «أوزيرًا». وقد كان في مقدور المصري أن يقبل هذه الفكرة التي لا تتمشى مع المنطق السليم. ومن جهة أخرى كان الثور «أبيس» بطبيعة الحال ذا علاقة وثيقة «بحور» وكذلك بالملك كما يُشاهد في أعياد تتويجهما. فلما كان صاحب سلطان هكذا كان لزامًا أن يكون «حورًا»؛ لأن كل سلطان عند المصريين كان منبعه حور.
وإنه من الصعب جدًّا أن يفسر الإنسان العلاقات القديمة التي كانت بين «أبيس» والإله «بتاح». والظاهر أن «أبيس» كانت دائرة نفوذه تتفق مع دائرة نفوذ «بتاح» ولهذا السبب وحده أصبح «أبيس» متصلًا بجاره القوي، على أن هذا الاتصال لا يمكن أن يكون إلا وضعيًّا. ويرجع السبب فيه بلا نزاع إلى كهنة الإله «بتاح» وكهنة أبيس الذين كانوا لا يرون في هذا إلا تحالفًا ينجم عنه فوائد تعود على «بتاح» ببعض ما «لأبيس» من شهرة وعلى «أبيس» الحي بعض ما «لبتاح» من فخار. وأهم لقب كان يحمله هذا العجل المقدس هو: «أبيس الحي» حاجب «بتاح»، والذي يجعل الحق يعلو حتى الإله صاحب الوجه الجميل — أي بتاح — وهذا اللقب قد يكون له علاقة بالدور الذي يلعبه الثور «أبيس» في الوحي. وقد كان يُسمى هذا الثور كذلك «روح بتاح». وعلى وجه خاص «ابن بتاح»، ومما يجدر ذكره هنا أن الثور «أبيس» كان له علاقات وثيقة بعض الشيء بالإله «آتوم» إله الشمس في «هليوبوليس». فهنا كذلك نلاحظ أن تقارب موطني هذين الإلهين وهما «منف» و«هليوبوليس» لا بد كان في الأصل منبع صلة حسنة بينهما، وعلى أية حال فإن الصيغة الجنازية التي يمثلها كل منهما متقاربة، فقد كان العجل «أبيس» مظهرًا «لأوزير» كما كان «آتوم» مظهرًا لإله الشمس عند الغروب، أي إن كليهما كان يمثل إله الحياة في الآخرة. وأخيرًا يمكن أن يُعد القرص الذي كان يحمله «أبيس» بين قرنيه بمثابة شاهد على صنعته الشمسية.
هذه هي الشخصية المركبة للإله الذي يسميه المصريون أحيانًا «أوزير – أبيس – آتوم – حور». وقد كان بلا نزاع يُعد بين الحيوانات المؤهلة في العصر التاريخي ومن أكثرها شهرة وأعظمها انتشارًا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|