أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-3-2016
10929
التاريخ: 16-11-2014
4002
التاريخ: 10-3-2016
3724
التاريخ: 16-11-2014
2057
|
الاتّجاه الفلسفيّ في تفسير القرآن
تأثير ذوق المفسّر وخلفيّاته الفلسفيّة في عمليّة تفسيره للقرآن وفهم معانيه وبيان مقاصده.
نشأة الاتّجاه الفلسفيّ وتاريخه
بدأ هذا الاتّجاه بالتبلور والظهور في أوائل القرن الثاني الهجريّ، وذلك بفعل ترجمة الآثار الفلسفيّة عند اليونان والهند وفارس ودخول أفكارها إلى البيئة المعرفيّة الإسلاميّة، ما أدّى إلى ظهور توجّهات مختلفة لدى المسلمين في رفض هذه الآراء أو تأييدها، بالاستناد إلى القرآن الكريم، أضف إلى ذلك العلاقة المعرفيّة التي تربط علم الفلسفة بعلم الكلام، وما نشأ في هذه الفترة من إشكاليّات كلاميّة استدعت معالجة عقليّة فلسفيّة. وقد تبلور هذا الاتّجاه في القرون اللاحقة، فظهرت تفاسير فلسفيّة كثيرة، تستفيد من النتاج الفلسفيّ المتداول في عصر تدوينها في فهم القرآن وتفسيره، واستمرّ هذا الاتّجاه بالتداول به في عمليّة التفسير بين المفسّرين إلى عصرنا الحالي(1).
اهتمامات الاتّجاه الفلسفيّ
أغلب ما يهتمّ به المفسِّر في الاتّجاه الفلسفيّ هو الآتي(2):
أ- الآيات المتعلّقة بوجود الله تعالى وصفاته وأفعاله.
ب- الآيات المتشابهة.
ج- تأويل ظواهر القرآن، بما ينسجم مع الآراء الفلسفيّة.
د- الآيات التي تشكّل مؤيّدات وشواهد على الآراء الفلسفيّة.
هـ- الاستفادة من المناهج المختلفة في التفسير، كالمنهج الاجتهاديّ والعقليّ، وتفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة.
أبرز المدارس الفلسفيّة
يختلف لون الاتّجاه الفلسفيّ في التفسير، تبعاً لاختلاف المدارس الفلسفيّة، ومن أبرزها الآتي(3):
أ- المدرسة المشائيّة(4):
يُطلق هذا الاصطلاح على المنهج الفلسفيّ الذي يرجع بجذوره إلى أفكار أرسطو، ويُعدّ كلّ من ابن سينا (370-428هـ.ق) والفارابي من أبرز الفلاسفة المسلمين عناية بهذا المنهج. ومن أبرز التفاسير الفلسفيّة المشائيّة، الآتي:
- تفسير ابن سينا: أبو علي حسين بن عبد الله بن الحسين (ابن سينا).. وله أيضاً كتاب النيروزية في معاني الحروف الهجائيّة.
ب- المدرسة الإشراقيّة(5):
ويُطلَق هذا الاصطلاح على المنهج الفلسفيّ الذي يرجع بجذوره إلى الأفكار الأفلاطونية وفلسفة فارس. ويُعدّ الشيخ شهاب الدين السهروردي (549-587هـ.ق) من أشدّ الفلاسفة المسلمين عناية بهذا المنهج، حيث ظهر هذا الاتّجاه في مؤلّفاته التي تناول فيها تفسير القرآن.
ج- مدرسة الحكمة المتعالية:
ويُطلَق هذا الاصطلاح على المنهج الفلسفيّ الذي أسّسه الشيخ صدر الدين الشيرازيّ (ت: 1050هـ.ق)(6). ومن أبرز التفاسير الفلسفيّة وفق مدرسة الحكمة المتعالية، الآتي:
- تفسير القرآن العظيم: صدر الدين الشيرازي. وله - أيضاً - كتاب أسرار الآيات.
- تحفة الأبرار في تفسير القرآن: الملا محمد الملائكة (القرن الثاني).
- تفسير رضوان: الميرزا عبد الوهاب (ت: 1294هـ.ق).
- مخزن العرفان: السيدة الأصفهانية (ت: 1403هـ.ق).
- الميزان في تفسير القرآن: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي.
نماذج تطبيقيّة للاتّجاه الفلسفيّ
أ- حقيقة إحاطة الله تعالى بالأشياء في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
قال العلّامة الطباطبائيّ قدس سره في تفسير الميزان بصدد تفسيره لهذه الآية: "لمّا كان تعالى قديراً على كلّ شيء مفروض، كان محيطاً بقدرته على كلّ شيء من كلّ جهة، فكلّ ما فُرِضَ أولاً، فهو قبله، فهو الأوّل دون الشيء المفروض أولاً، وكلّ ما فُرِضَ آخراً فهو بعده، لإحاطة قدرته به من كلّ جهة، فهو الآخر دون الشيء المفروض آخراً، وكلّ شيء فُرِضَ ظاهراً، فهو أظهر منه، لإحاطة قدرته به من فوقه، فهو الظاهر دون المفروض ظاهراً، وكلّ شيء فُرِضَ أنّه باطن، فهو تعالى أبطن منه، لإحاطته به من ورائه، فهو الباطن دون المفروض باطناً، فهو تعالى الأوّل والآخر والظاهر والباطن على الإطلاق، وما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافيّة نسبيّة.
وليست أوّليّته تعالى ولا آخريّته ولا ظهوره ولا بطونه زمانيّة ولا مكانيّة، بمعنى مظروفيّته لهما، وإلا لم يتقدّمهما ولا تنزّه عنهما سبحانه، بل هو محيط بالأشياء، على أيّ نحو فُرِضَت، وكيفما تُصُوِّرَت. فبان ممّا تقدّم أنّ هذه الأسماء الأربعة، الأوّل والآخر والظاهر والباطن، من فروع اسمه المحيط، وهو فرع إطلاق القدرة، فقدرته محيطة بكلّ شيء.
ويمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكلّ شيء، فإنّه تعالى ثابت قبل ثبوت كلّ شيء، وثابت بعد فناء كلّ شيء، وأقرب من كلّ شيء ظاهر، وأبطن من الأوهام والعقول من كلّ شيء خفي باطن. وكذا للأسماء الأربعة نوع تفرّع على علمه تعالى ويناسبه تذييل الآية بقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 29].
ب- حقيقة العرش في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].
قال العلّامة الطباطبائيّ قدس سره في تفسير الميزان بصدد تفسيره لهذه الآية: "قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4] ، ويقرب من قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ } [يونس: 3] في الإشارة إلى كون العرش مقاماً تنتشئ فيه التدابير العامّة، وتصدر عنه الأوامر التكوينيّة، قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، وهو ظاهر. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } [الزمر: 75] ، فإنّ الملائكة هم الوسائط الحاملون لحكمه، والمجرون لأمره، العاملون بتدبيره، فليكونوا حافّين حول عرشه. وكذا قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] ، وفي الآية مضافاً إلى ذِكْر احتفافهم بالعرش، شيء آخر، وهو أنّ هناك حملة يحملون العرش، وهم لا محالة أشخاص يقوم بهم هذا المقام الرفيع والخلق العظيم الذي هو مركز التدابير الإلهية ومصدرها، ويؤيّد ذلك ما في آية أخرى، وهي قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة: 17]. وإذ كان العرش هو المقام الذي يرجع إليه جميع أزمة التدابير الإلهية والأحكام الربوبيّة الجارية في العالم، كما سمعت، كان فيه صور جميع الوقائع بنحو الإجمال، حاضرة عند الله، معلومة له، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، فقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾، يجري مجرى التفسير للاستواء على العرش، فالعرش مقام العلم، كما أنّه مقام التدبير العام الذي يسع كلّ شيء، وكلّ شيء في جوفه. ولذلك هو محفوظ بعد رجوع الخلق إليه تعالى لفصل القضاء، كما في قوله: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾، وموجود مع هذا العالم المشهود، كما يدلّ عليه آيات خلق السماوات والأرض، وموجود قبل هذه الخلقة، كما يدل عليه قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] "(7)..
________________
1.انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص376-377.
2.انظر: م.ن، ص377-378.
3.انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص378-379.
4.يُنقل عادةً لتسمية هذه المدرسة بالمشّائية سببان أساسيّان: الأوّل: أن مؤسّسها أرسطو كان يعلّم الحكمة دائماً وهو في حال المشي، لذلك سُمي وأتباعه بالمشّائين. الثاني: أنّ أتباع هذه المدرسة يتّبعون المنهج العقليّ وهو أنّهم يسيرون من المقدّمات ليشكّلوا الدليل حتى يصلوا إلى النتيجة، وهم يرفضون أيّ منهجٍ آخر، ولهذا المشي العقليّ سموا بالمشّائين. وانتقلت هذه الفلسفة من اللغة اليونانيّة إلى الأوساط الاسلامية على يد المترجمين في عهد الترجمة الإسلاميّة. وكان من أبرز الفلاسفة يعقوب بن إسحاق الكنديّ، ولكنّ دوره لم يتجاوز الشرح والتفسير، حتى جاء دور العلَمين الكبيرين، أبي نصر الفارابي الملقّب بالمعلّم الثاني، وأبي علي بن سينا الملقّب بالشيخ الرئيس، وهو رئيس المدرسة المشائيّة في الفكر الإسلاميّ. فقد استطاع هذان العَلَمان - بعد هضم الفلسفات والأفكار السابقة والمطروحة ونقدها- تطويرَ كثيرٍ من الأصول الفلسفيّة حتى بلغت المدرسة المشّائية الرشد والكمال المطلوب. وتمتاز المدرسة المشائيّة بعدّة خصائص وميّزات: الأولى: اعتماد المنهج العقليّ الذي يعتمد عليه في تحقيق المسائل الفلسفيّة، وحصر طريق المعرفة بالعقل. الثاني: إنّ الروح العامّة التي تحكم هذه الفلسفة هي الاهتمام بالإلهيّات خصوصاً، وبأبحاث الفلسفة الأولى عموماً. الثالثة: تحاول هذه الفلسفة أن تربط أبحاثها الفلسفيّة بقضايا الإنسان، لذلك نجدها تهتمّ بالقضايا الأخلاقيّة، وهذا يعني وجود بعدٍ عمليّ طُعِّمت به الفلسفة النظريّة لمعالجة مشاكل الحياة الإنسانيّة.
5.يعدّ الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق، زعيماً لهذه المدرسة في العصر الإسلاميّ. وهو ينسب في أوّل كتابه "حكمة الإشراق" امتداد هذه المدرسة إلى جماعة من الفلاسفة المتقدمين اليونانيين، أمثال: فيثاغورس وأفلاطون، معتبراً أنّهم كانوا من دعاة الحكمة الذوقيّة الإشراقيّة، زاعماً أنّ أفلاطون هو شيخ الإشراقيّين. وسبب التسمية يكمن في أنّ الإشراق يعني انبثاق النور. ومن خلال هذه الكلمة أراد أصحاب هذه المدرسة أن يبيّنوا المنهج الذي يعتمدون عليه، بحيث يميّزهم عن المنهج المشّائي، فهم يعتقدون أنّه بتطهير القلب من أدران الذنوب، وبصقل النفوس من أوساخ التعلّقات الدنيويّة، تشرق العلوم والمعارف في قلوبهم، فيطّلعون على حقائق الأشياء. وممّا يميّز هذه المدرسة عن غيرها من المدارس اعتمادها في تحصيل معارفها على عدّة أمورٍ: الأوّل: العقل والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ. الثاني: الذوق الفطري وصفاء الباطن. الثالث: اعتمادها على ظواهر القرآن الكريم، والسنّة الشريفة. ولكنّ هذه المدرسة بالرغم من تلافيها لبعض المشاكل الموجودة في المدرسة المشائية، لم تستطع أن تحقّق النجاح العملي الذي حقّقته على مستوى التنظير، وإنّما كان النجاح حليف مدرسة الحكمة المتعالية.
6.إنّ الفكر الفلسفيّ السائد في الأوساط العلميّة الإسلاميّة وخصوصاً في الحوزات العلميّة، هو فكر مدرسة الحكمة المتعالية وفلسفتها، التي أرسى دعائمَها وأسّس قواعدَها صدرُ الدين الشيرازيّ، الملقّب بصدر المتألّهين أو بالملا صدرا، وذلك في القرن الحادي عشر الهجريّ. وقد اتّبع في بحثه الفلسفي منهجاً مختلفاً عن المناهج المتّبعة في المدارس السابقة عليه، فهو ليس منهجاً مشّائياً بحتاً، ولا إشراقيّاً بحتاً، ولا صوفيّاً، ولا كلاميّاً، وفلسفته ليست فلسفة تجميعيّة، بل لها بناؤها الفلسفيّ المشخّص. فهي بحقٍّ مزيجٌ من كلّ هذه المناهج والمدارس. وبملاحظة حياة صدر المتألّهين بمراحلها الثلاث، يمكن استنتاج ركائز الفلسفة الني شيّدها، والأُسُس التي اعتمد عليها، فهو فيلسوف إسلاميّ قرأ كلّ ما تقدّم عليه من أفكارٍ وفلسفاتٍ، وطاقت نفسه لحياة العزلة والتصوّف، لكنّه خرج من عزلته منتصراً، يحمل فلسفةً جديدةً، لم يكن ليوفّق إليها من قبله، فكانت فلسفته مزيجاً من البرهان والوجدان والقرآن، أو قل مزيجاً من العقل والكشف والشرع. فكانت مدرسة الحكمة المتعالية مدرسة فلسفية قائمة على عدّة خصائص ومرتكزات قوامها: الجمع بين البرهان والوجدان، والمطابقة بين الشرع والعقل، ومحوريّة القرآن. لقد استطاع صدر المتألّهين أن يجمع بين الفلسفة والعرفان، واستفاد في ذلك من السنّة والقرآن، وبيّن المعارف الذوقيّة في صورة الدليل والبرهان، فتولّد بهذا الترتيب بين مناهج المعرفة منهجٌ حديثٌ، سمّي بالحكمة المتعالية. وقد حسمت هذه المدرسة النزاع بين الفلسفة المشائيّة والإشراقيّة، ولم يعد معنى للصراع بين أرسطو وأفلاطون في هذه المدرسة، حيث وضعت كلّ مسألةٍ في مكانها، واستفادت من المناهج المعرفيّة كلّها.
7.الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج8، ص158-159.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|