أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-08
143
التاريخ: 2024-09-07
165
التاريخ: 20-9-2016
301
التاريخ: 2024-09-08
110
|
كما انه من المناسب التنبيه على حكم العشرة والخلطة معهم توطئة للبحث في مفاد الروايات الاتية، والمحصل في ذلك من مجموع الايات والروايات الواردة في الكفار مطلقا هو انقطاع المودة معهم وكذا الموالاة من حيث انهم كفار أو مطلقا، نعم البر والاحسان لهم تأليفا لقلوبهم مع ديننا أومن جهة الرحم أو كنظير في الخلق لا حرمة فيه كما هو مفاد سورة الممتحنة (1).
وقال الشيخ في التبيان (2): (الذي عليه الاجماع والمفسرون بأن بر الرجل من شاء من أهل دار الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس بمحرم)، وقد تعرض الأصحاب إلى حكم ذلك في بحث الوقف عليهم، فلك ان تقول أن الموادّة بالمرتبة النازلة جدا من جهة غير دينية بل انسانية سائغة.
وروايات هذه الطائفة هي:
الاولى: صحيح العيص قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي، أفآكل من طعامهم؟ قال: لا) (3)، وصدر السؤال وان كان يومي إلى حكم العشرة معهم، الا ان تخصيص النهي بطعامهم مع كونه يعم المشتمل على اللحم وغيره من المطبوخ المباشر بأيديهم يكون بذلك قوي الظهور في النجاسة لوحدة النهي المتعلق بطبيعي الطعام سواء غير المذكى أو غيره من المطبوخ.
ونظيره صحيحة هارون بن خارجة (4) وموردها المجوس.
الثانية: صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (ع) قال: (سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة، وأرقد معه على فراش واحد، وأصافحه؟ قال: لا) (5)، والقصعة وعاء يؤكل فيه ويثرد، وكان يتخذ من الخشب غالبا كما في المعجم الوسيط، والرواية وإن اشتمل السؤال فيها عن المعاشرة إلا انها مشتملة أيضا على نجاسة أبدانهم كما يشير إليه فرض
وحدة وعاء الأكل.
ومثله صحيح علي بن جعفر الآخر المروي بطريق آخر الا أنّ فيه (أوفي المسجد أو يصاحبه) (6)، ولا يخفى ظهور السؤال عن العناوين المتعددة في استقذارهم وفي المباعدة عنهم لدى الراوي.
الثالثة: صحيح محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر (ع) عن آنية أهل الذمة والمجوس؟
فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر) (7)، ووحدة السياق ظاهرة بقوة في النجاسة كما هو مقتضى آنية الخمر وآنية الطعام بالتقريب المتقدم.
فهي تردف الملاقاة لابدانهم ولذبائحهم وللخمر في نهي واحد عن استعمال الملاقي لها، ثم ان تقييد النهي الثالث عن الآنية بالتي يشرب فيها الخمر فيه رائحة التقية من العامة إذ بعد اطلاق الآنية في النهي الأول الدال على نجاسة أبدانهم يكون التقييد المزبور من قبيل تعليل النهي والنجاسة بالأمر العارض مع وجود ما هو كالذاتي الغالب.
وهذا النمط من التقية قد تكرر في الروايات الواردة في النهي عن ذبائحهم، إذ هي تارة تصرح بحرمة ذبائحهم سموا أم لم يسموا، واخرى تعلل بأنهم لا يسمون بل يذكرون اسم المسيح، وثالثة بأنّ الاسم لا يؤمن عليه غير المسلم وغير ذلك من التعليل بالأمر العرضي بدلا عما هو كالذاتي وهو كون الذابح من أهل الكتاب.
وهو يظهر تشابه منشأ التقية في البابين وهو فهمهم الخاطىء لآية حل الطعام فتشابه لسان التقية لذلك، وهو نظير التعليل المحكى عن مالك في الانتصار أن سؤر النصراني والمشرك لا يتوضأ به وان ذلك على سبيل الكراهة لا التحريم لاستحلالهم الخمر والخنزير من دون القطع بنجاسته.
الرابعة: صحيحته الاخرى عن أبي جعفر (ع) في رجل صافح رجلا مجوسيا، قال: (يغسل يده ولا يتوضأ) (8)، وهو ظاهر في النجاسة كما انه يعيّن دلالة ما سبق من الروايات الناهية عن المصافحة في النجاسة أيضا.
والتأمّل: في دلالته لاطلاق الأمر بالغسل لصورة الجفاف.
مدفوع: بأنّه نظير ما ورد مما تقدم في نجاسة الآدمي بالموت من اطلاق الأمر بالغسل بمماسته باليد كما في رواية التوقيعين الواردة في موت امام الجماعة في الاثناء، حيث قد ذكرنا أن في طبيعة بلد الراوي الحارة تكون اليد في الغالب رطبة بالعرق لاسيما وان المماسة بالمصافحة توجب مزيدا من الحرارة كما هو مجرب.
مضافا إلى أنّ الأمر بالغسل مع الجفاف لو سلم وكان ندبيا فهو لا يندب له الا في ملامسة الأعيان النجسة كما ورد في الكلب ونحوه.
ثمّ ان ذيل الرواية يفيد وجود توهم ان مماسة أبدانهم توجب الحدث وكأنّ نفي الوضوء لذلك، وهو يعطي أن نجاسة أبدانهم كادت تعدّ وتقايس في ارتكاز المتشرعة كبدن الميت من حيث ايجاب الحدث بعد اتحادهما في نجاسة البدن.
فالصحيحة على هذا من الروايات الناصة على نجاستهم، كما أنّها تدل على مدى النفرة والاستخباث لهم لاسيما ان السائل هو مثل محمد بن مسلم من كبار فقهاء أصحابه (ع)، واين هذا الارتكاز الذي هو على طرف نقيض من فتوى العامة قاطبة فقهائهم وحكامهم القائلين بطهارة أبدانهم وحل طعامهم ومؤاكلتهم.
الخامسة: مصحح أبي بصير عن أحدهما (ع) في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني، قال: (من وراء الثوب، فإن صافحك بيده فاغسل يدك) (9)، وهي وان احتملت ورودها في حكم العشرة معهم وان ذلك نحو من التنفر منهم، إلا أن الجواب صريح في حكم الملاقاة لأبدانهم، مع انه تقدم أن تعرّض الرواية لحكم التعامل معهم غير صارف للأمر بالغسل عن الدلالة على النجاسة.
وهذا المصحح شاهد على ما تقدم من أن أحد وجوه الحكمة في الحكم بنجاستهم هو المباعدة والنفرة عنهم، كما انه شاهد على أن ما تقدم من النهي عن مصافحتهم في الروايات متضمن للدلالة على نجاستهم.
وأمّا الاشكال في الدلالة: بأن التفرقة بين الملاقاة باليد أو الثوب ليدهم إذا كانت رطبة لا مجال لها مع نجاسة أبدانهم، فهي حينئذ شاهد الطهارة والتنزه.
فمدفوع: بأن المصافحة باليد أدعى للحرارة وبالتالي للعرق من الملامسة بالثوب كما هو مجرب، ولا يخفى أن السؤال عن المصافحة والتحرج منها شاهد على ارتكاز النجاسة الذاتية لدى الرواة- لاسيما من مثل أبي بصير- كالرواية السابقة.
السادسة: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: (سألته عن فراش اليهود والنصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس، ولا يصلّي في ثيابهما وقال: لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه، قال: وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصح الصلاة فيه؟ قال: ان اشتراه من مسلم فليصل فيه، وان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله) (10).
فان النهي عن الصلاة في ثيابهم في الصدر والذيل حتى يغسله لكثرة وغلبة تلوثها بابدانهم فكانت أصلا محرزاً للنجاسة في ثيابهم وامارة فعليه كما هو الحال في النهي عن أوانيهم، مع أن الأصل في باب الطهارة هو البناء عليها عند الشك، فكان الأصل في الاشياء التي لها تعلق وتناول كثير منهم هو النجاسة لنجاسة ظاهر ابدانهم الذاتية لا العرضية كما قد يرتكب جمعا مع ما استدل به على طهارتهم، فان تلك الأدلة على فرض التسليم بتماميتها تدل على أصالة الطهارة في الاشياء المتعلقة بهم أيضا.
بل ان مساورة ثيابهم لابدانهم مع الرطوبة هي الغالبة إذ هم يحافظون على نظافتها من فضلات أكلهم ومشروباتهم، وأما النهي عن الأكل معهم في قصعة واحدة فقد مرّ تقريبه ونكتة التقييد بالقصعة الواحدة ناصة في أن وجه النهي هو النجاسة لا أنه من حكم المعاشرة معهم.
وأما النهي عن اقعاده على الفراش والمسجد الذي هو مكان صلاته في البيت وعن المصافحة معه فهو وان ظهر في حكم المعاشرة معهم إلا انه مع عدم منافاته لحكم ظاهر أبدانهم، أن ظهوره في استقذارهم والتحرز عن التلوث بهم كالتحرز عن الكلب والخنزير قوي جدا لا يخفى على المتمعن المتأمل في تعاقب النواهي المزبورة عن موارد ومرافق قريبة لما يؤكل أو يصلى فيه مما يشترط فيه الطهارة، وليس النهي عن مطلق المعاشرة معهم ولولم توجب تلوّث البيئة المحيطة بالمكلف.
وبهذا التقييد لموارد النهي يتضح قوة دلالتها على قذارتهم.
السابعة: مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) في آنية المجوس، قال: إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء (11).
واطلاق الآنية شامل لآنية الشرب والأكل، ولما يوضع فيه عين نجاسة ولما لا يوضع فيه ذلك كآنية شرب الماء وآواني الفاكهة الجافة ونحوها.
ومن هنا حمل بعض متأخري العصر (12) - ممن يقول بالطهارة الذاتية- الرواية على أصالة النجاسة العرضية فيهم عند الشك، وكذا اطلاق النهي أو الأمر بالغسل السابق.
لكنك عرفت قرائن قوة ظهورها في النجاسة الذاتية فان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري في استعمال واحد- كما في ارداف الخمر والطعام الشامل لغير المذكى- وان لم يكن ممتنعا إلا انه محتاج إلى قرينة ودلالة على أخذ الشك في الموضوع، فالظهور وقوته على حالهما.
الثامنة: مصحح إسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبد الله (ع) (لا تأكل ذبائحهم، ولا تأكل في آنيتهم، يعني أهل الكتاب) (13)، ومثله مصححة الآخر (14) إلا أن فيه لا تأكل ذبيحة اليهودي ولا تأكل في آنيته.
وهذه الرواية شاهد على ما ذكرنا في صدر هذه الطائفة من أنها للتعريض بالعامة القائلين بحلية ذبائحهم وطهارة أبدانهم بدلالة اطلاق آية حل الطعام، فمن البعيد أو الممتنع بعد ذلك حمل النهي على التنزيه لوجود معارض دال على الطهارة على فرض التسليم بدلالته، حيث ان مقتضى الصناعة هو حمل المعارض على التقية، لكون المصحح دالا على كون الطهارة من فتوى العامّة نظير فتواهم بحلية الذبائح، وعلى خطائهم في ذلك ومن ثمّ يدل المصحح على كون روايات الطائفة الثانية بأسرها ناظرة إلى ذلك حيث انها تردف النهي عن آنيتهم بالنهي عن طعامهم.
كما يتضح بذلك أنها على نسق مفاد الطائفة الأولى، وأن منشأ قولهم وذهابهم إلى طهارة أهل الكتاب هو خطائهم في فهم آية حل الطعام وحملهم آية النجس على الخباثة المعنوية.
الطائفة الثالثة من الروايات:
ما ورد في نجاسة أسئارهم بالمعنى الاعم للسؤر وهي مختلفة في درجات ظهورها، من هذه الروايات:
الاولى: صحيحة سعيد الأعرج قال: (سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن سؤر اليهودي والنصراني فقال: لا) (15) وهي وان كانت ظاهرة محمولا إلا أنّها كالصريحة في الموضوع وانه عنوان ذواتهم بما هي لا الامر العارض.
الثانية: صحيح الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) انه كره سؤر ولد الزنا، وسؤر اليهودي والنصراني، والمشرك، وكل ما خالف الاسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب (16).
والكراهة في الروايات تستعمل في الحرمة كثيرا، وخروج ابن الزنا بدليل غير رافع للظهور في الحرمة، لاسيما وان الموضوع العام فيه هو كل ما خالف الاسلام ويندرج فيه كل العناوين في الرواية ما عدا ابن الزنا وهو قرينة تغاير الحكم، واندراج الناصب تحت العنوان العام للموضوع يعين الكراهة في الحرمة، وهو يوافق مفاد الآية المتقدم.
الثالثة: صحيح علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام، قال: (إذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، الا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل، وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، الا أن يضطر إليه) (17).
والاقرب في مفاد السؤال الأول هو ارادة ماء الأحواض الصغار الذي ينفعل بالنجاسة عند انقطاع المادة عنه، فاذا اغتسل فيه النصراني اغتسل بغيره من أحواض بيوت الحمام، الا ان يدع النصراني يغتسل وحده فلا يغتسل المسلم معه، ثم يغسل الحوض المزبور فيطهره بوصله بالمادة ثم يغتسل، فيكون مقتضى هذا التأكيد ناصا على نجاسة الماء الملاقي لهم، نعم في كون ذلك الانفعال بسبب نجاستهم أبدانهم الذاتية هو بنحو الظهور.
فان قلت: ان ما ورد في الجنب نظير ذلك يستشف منه النجاسة العرضية لا الذاتية.
قلت:
أولا: قد افترق اللسان الوارد فيهما حيث ان في الجنب قد ورد نفي البأس عن القطرات المنتضحة من جسده إذا طهّر فرجه ويديه عن القذارة، وهذا بخلاف ما ورد في أهل الكتاب فانه لم يستثن.
ثانيا: إلى أنّ روايات الحمام قد ورد فيها عدة من العناوين الأخر وهي ابن الزنا والناصب والزاني، فبعضها بلحاظ العناوين الذاتية وبعضها بلحاظ العناوين العرضية.
ثالثا: انه لو كان جهة النهي في الماء الملاقي لبدن أهل الكتاب هو النجاسة العرضية لما كان وجه لتخصيصهم بالذكر في قبال الجنب والحائض وغيرهما ممن هو متلوّث بالنجاسة العرضية.
وأمّا السؤال الثاني فالنهي ظاهر في النجاسة، وأما الاستثناء في حالة الاضطرار فنظيره قد ورد في الماء القليل الملاقي لليد القذرة بالجنابة كحسنة محمد بن ميسر (18)، ومثل ما رواه علي بن جعفر أيضا في الجنب الذي أدخل يده القذرة واضطر إلى الاغتسال بذلك الماء (19)، فهو مطرح بعد البناء على الأصح الاقوى من انفعال الماء القليل وبعد معارضة الترخيص المزبور بالخصوص بالنهي (20) عن استعماله والتيمم، فلا دلالة له على التنزيه كما قد قيل.
الرابعة: موثقة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: (وإيّاك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه) (21).
وفيها التصريح بالنجاسة وأن الشرية المتكرر ورودها في روايات غسالة الحمام من أهل الكتاب والناصب هي القذارة.
وما يقال: من عدم ظهور النجاسة في الحكمية للتعبير بالشرية المناسبة للمعنوية، ومقتضى التناسب بين التعليل والمعلل هوكون التعليل بالنجاسة والحزازة المعنوية ولا أقل من الاجمال (22)، بل هي لا تصل إلى حد الدلالة على النجاسة ولو سلم فتحمل على الكراهة كما في ولد الزنا حيث ورد في بعضها انه لا يطهر الى سبع آباء، أو على ابتلائهم بالنجاسات (23).
فضعيف: فإن النجاسة في الكلب لا محمل لها على المعنوية بل هي البدنية فهي صريحة في ذلك، نعم هي ظاهرة كما تقدم في الآية في كون الموجب لنجاسة بدن الناصب وأهل الكتاب هو اعتقاداتهم المنحرفة، ولو كانت معنوية فأي ربط لها بانفعال الغسالة المائية، واشتمال بعضها الاخر على ابن الزنا أو الزاني مع انه غير متضمن لأهل الكتاب ليس بمضر بالدلالة في الموثقة بعد خلوها منهما، وبعد قيام الدليل التام ف يأتي بيان ضعف ما دل على الطهارة، وأمّا الثاني فالمشهور ذهبوا إلى نجاسة عرقه.
ثمّ انه لا يخفى لحن التغليظ الشديد في الحكم بالنجاسة من عدة وجوه، كالتعبير بأفعل التفضيل الدال على ثبوت مادة المفاضلة في الجميع وانها الشرية المادية المعلولة للوصف والعناوين، والتأكيد باللام الداخلة على الخبر، مع البدء بأن التحقيقية، مضافا إلى التشبيه والمفاضلة على نجاسة الكلب الموازية للمفاضلة على أهل الكتاب، مضافا إلى بيان كون المفضول وهو الكلب من أشد النجاسات على الاطلاق بعبارة النفي المطلق المؤكد بالمصدر.
فهذه الغلظة في الحكم كيف تتلائم مع الحمل على الاستحباب ونحوه، كالعفو عن النجاسة كما في الحديد، أو التجنب من باب الاحتياط، أو النجاسة العرضية مع أن المفاضلة قائمة على النجاسة الذاتية الخلقية، وغير ذلك من المحامل المخالفة لصريح الدلالة، فالحق أن الموثقة من الادلة الصريحة الآبية عن التأويل.
الخامسة: الصحيح إلى أبي يحيى الواسطي عن بعض اصحابه عن أبي الحسن الهاشمي قال: (سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام، لا أعرف اليهودي من النصراني، ولا الجنب من غير الجنب؟ قال: تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر فانه طهور) (24)
ونظيرها مصححة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت: أخبرني عن ماء الحمام، يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي والنصرانيي شرائط الحجية سندا وجهة ودلالة على الكراهة في الأول بخلاف أهل الكتاب كما والمجوسي؟ فقال: ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا) (25).
فإن ظاهر جوابه (ع) تقرير ما في السؤال من نجاسة أهل الكتاب بعنوانهم لا بالنجاسة العرضية وإلا لكان حالهم حال الجنب أو الصبي في ذلك ولم يكن موجب لافرادهم بالذكر، والاجابة باعتصام ماء الحمام المراد به الحوض الذى له مادة لا الاحواض الصغار حال انقطاعها عن المادة.
والظاهر أن السائل في الرواية الأولى اما هشام بن سالم إما حماد بن عثمان، إذ هما المصرح بهما في ما يسنده الواسطي في طرق اخرى وان كان الغالب في ما يسنده التعبير المزبور، فمثل أحدهما مع ابن أبي يعفور مرتكز لديهم النجاسة الذاتية لأهل الكتاب.
السادسة: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) في حديث قال: (سألته عن الصلاة على بواري النصارى واليهود الذين يقعدون عليها في بيوتهم أتصلح؟ قال: لا يصلى عليها) (26).
وهي ظاهرة أيضا في النجاسة، والرواية وان سبق فيها نفي البأس عن الصلاة على البواري التي أصابها البول بعد ما يجف، الا انها دالة على تنجسها بالملاقاة لابدانهم حيث ان النهي وان كان تنزيهيا عن الصلاة عليها إلا انه في مورد تنجس البواري بنجاسة أشد من البول بمقتضى الحكم السابق في تنجسها بالبول، وعلى ذلك تزداد قوة دلالتها على النجاسة.
السابعة: صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: (انما الوضوء حدّ من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه، وان المؤمن لا ينجسه شيء، انما يكفيه مثل الدهن) (27)، ونظيره مروي بطرق مستفيضة عند العامّة كما مر، فقد استدل بمفهومها العلامة في النهاية وان الوصف مشعر بالعلية، لكن التقريب الأول دال على المطلوب.
وأمّا الثاني فهو يعطي أن الحدث ينجس أبدانهم، غاية الأمر الحدث لا يرتفع لتوقفه على النية التي لا تصح منهم، نظير الحال في عرق الجنب من الحرام على المشهور من النجاسة إذا لم يرتفع.
الثامنة: ما رواه درست بن أبي منصور في كتابه عن أبي المعزا عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع) وأبي الحسن (ع) قال: (لا نأكل من فضل طعامهم ولا نشرب من فضل شرابهم) (28)، وهي نص من حيث المورد حيث ان النهي من جهة الفضل والسؤر أي الملاقاة لابدانهم
التاسعة: ما رواه في الدعائم، قال: سئل جعفر بن محمد عليه السّلام عن ثياب المشركين أيصلّى فيها؟ قال: لا ورخصوا (صلوات الله عليهم) في الصلاة في الثياب التي يعملها المشركون ما لم يلبسوها أو يظهر فيه نجاسة (29).
العاشرة: ما رواه الدعائم أيضا عن رسول الله (ص) انه نهى عن الصلاة في ثياب اليهود والنصارى والمجوس، يعني التي لبسوها (30).
الحادية عشر: موثقة- على الاصح- مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله قال: (قال أمير المؤمنين (ع): أيّها الناس ان الله تبارك وتعالى أرسل اليكم الرسول (ص) ... وأنتم أميّون عن الكتاب ... على حين فترة من الرسل ... حيّهم أعمى نجس، وميتهم في النار مبلس) (31)، وصفا للناس قبل بعثة الرسول (ص).
الثانية عشر: ما رواه في البحار عن الخرائج: روى عن الصادق (ع) انه قال: (لما قتل علي (ع) عمرو بن عبد ودّ أعطى سيفه الحسن (ع) وقال: قل لأمّك تغسل هذا الصيقل فردّه وعلي (ع) عند النبي (ص) وفي وسطه نقطة لم تنق قال: أليس قد غسلته الزهراء؟ قال: نعم، قال: فما هذه النقطة؟ قال النبي (ص): يا علي سل ذا الفقار يخبرك، فهزّه وقال: أليس قد غسلتك الطاهرة من دم الرجس النجس؟ فانطق الله السيف فقال: بلى ...) (32).
الثالثة عشر: ما رواه في العلل بسنده عن معاذ بن جبل في حديث خلقته وعلي (صلوات الله عليهما وآلهما) ... (ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر ...) (33).
ولا تخفى ان الاصابة في الرواية مادية بلحاظ الاصلاب والارحام، وكذا الرواية السابقة حيث انه في مقام بيان شدة نجاسة الدم باضافته إلى نجاسة المشرك عمرو بن عبد ودّ، وكذا الرواية الأسبق عليهما، حيث ان وصف النجاسة للحيّ في قبال الميت، أي بلحاظ البدن الحي بالروح وإلا فالنفس والروح هي هي قبل وبعد فلوكان الوصف لها دون البدن لم يقتصر الوصف على الح الرابعة عشر: حسنة عيسى بن عمر مولى الانصار انه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يحلّ له أن يصافح المجوسي؟ فقال: (لا، فسأله أيتوضأ إذا صافحهم؟ قال: نعم، ان مصافحتهم تنقض الوضوء) (34).
المحمول على غسل اليد كما في موثقة أبي بصير (من مسّ كلبا فليتوضأ) (35) ونقضه للوضوء بمعنى طهارة اليد والسائل هو خادم للصادق (ع) سنينا، وقد روى عنه منصور بن حازم وكذا سيف بن عميرة في طريق هذه الرواية، وعلى كل تقدير في مفاد الرواية فانها تدل على ارتكاز التقذر لدى أصحاب الأئمة (عليهم السلام) من أهل الكتاب وانهم بمنزلة الكلب أو الميت في نجاسة أبدانهم.
الخامسة عشر: مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) في آنية المجوس فقال: (إذا اضطررتم اليها فاغسلوها بالماء) (36)، فان تقييد الاستعمال بالاضطرار ثم اشتراط الاستعمال بالغسل، يظهر مدى التقذّر من آوانيهم سواء المستعملة في الأكل أو الشرب أو غيرهما مما يلاقي أبدانهم ويساورونه.
السادسة عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسير الآية ((أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ)) (37)، قال الصادق (ع): (يعني نحّ عنه المشركين، وقال: لما بنى إبراهيم عليه السّلام البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من أيدي المشركين وانفاسهم، فأوحى
الله اليها قرّي كعبتي فاني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون) (38).
وتخصيص المشركين بالتنحية- مع اطلاق الأمر بتنحيتهم من دون التقييد بحال شامل لحال تنظفهم من القذارات العارضة، كما ان كون الشكوى من ملاقاة أيديهم- مع كونها تغسل من القذارات العارضة عادة- دال على كون النجاسة ذاتية.
السابعة عشر: ما رواه السيد بن طاووس في مصباح الزائر عنهم (عليهم السلام) من الزيارة الجامعة للائمة عليه السّلام وفيها في وصف أعدائهم (والقلوب المنتنة من قذر الشرك والأجساد المشحنة من درن الكفر).
_____________________
(1) سورة المممتحنة، الآية: 8 .
(2) التبيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 583، تفسير الآية 8 من سورة الممتحنه.
(3) وسائل الشيعة ج 24، ص 209، باب 53 من ابواب الاطعمة، ح 3 .
(4) وسائل الشيعة ج 24، ص 209، باب 53 من ابواب الاطعمة، ح 3 .
(5) المصدر، ح 1 .
(6) المصدر، ح 4 .
(7) وسائل الشيعة، ج 3، ص 419، باب 4 من ابواب النجاسات، ح 1.
(8) المصدر، ح 3 .
(9) المصدر، ح 5.
(10) المصدر، ح 10 .
(11) المصدر، ح 12 .
(12) منهاج الصالحين (السيد الحكيم) ج 1، ص 151 وغيره.
(13) وسائل، ج 3، ص 518، باب 72 من ابواب النجاسات، ح 3 .
(14) وسائل، ابواب الاطعمة المحرمة باب 54، ح 7 .
(15) وسائل الشيعة، ج 1، ص 229، باب 3 من ابواب الأسئار، ح 1 .
(16) المصدر، ح 2 .
(17) وسائل الشيعة، ج 3، ص 421، باب 14 من ابواب النجاسات، ح 9 .
(18) وسائل، ج 1، ص 152، باب 8 من ابواب المطلق، ح 5.
(19) بحار الانوار، ج 8، ص 14 .
(20) وسائل، ج 1، باب 8 من الماء المطلق، ح 4، 14، 10 .
(21) وسائل، ج 1، ص 220، باب 12 من ابواب المضاف، ح 5 .
(22) بحوث في شرح العروة للشهيد الصدر، ج 3، ص 286 .
(23) كتاب الطهارة، للسيد الخميني، ج 3، ص 305 .
(24) وسائل الشيعة، ج 1، ص 149، باب 7 من ابواب الماء المطلق، ح 6 .
(25) المصدر، ح 7 .
(26) الوسائل، ابواب النجاسات باب 73، ح 4 .
(27) الوسائل، ابواب الوضوء، باب 52، ح 1 .
(28) مستدرك الوسائل، ابواب النجاسات، باب 10، ح 1 .
(29) المصدر، ح 2 .
(30) المصدر، ح 3 .
(31) الكافي، ح 1، ص 49 .
(32) بحار الانوار، ج 30، ص 249 .
(33) بحار الانوار، ج 15، ص 7. علل الشرائع، ص 80 .
(34) وسائل الشيعة، ج 1، ص 275، باب نواقض الوضوء، باب 11، ح 5 .
(35) المصدر، ح 4 .
(36) الوسائل، ابواب الاطعمة المحرمة، باب 54، ح 8 .
(37) سورة البقرة، الآية: 125 .
(38) تفسير القمي، ح 1، ص 59 .
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
شعبة الخطابة النسوية تطلق فعّاليات النسخة السادسة من رابطة خطيبات المنبر الحسيني
|
|
|