أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
1835
التاريخ: 9-10-2014
2148
التاريخ: 2023-08-17
2350
التاريخ: 2023-03-13
1769
|
يقول تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 65-66]
إنّ بني إسرائيل الذين فُضلوا على الآخرين بما ظفروا به من وافر النعم والبينات فإنهم، عوضاً عن السمو على سائر الأمم بالشكر والطاعة والإيمان، فقد أصبحوا أخس الأمم وأحطها جراء كفرانهم وزرعهم للعراقيل وارتكابهم لأقبح الخطايا. فقد استبدلوا بالجمعة يوم السبت وخصصوه للعبادة ادعاء منهم أن الله (عز وجل) لم يخلق شيئاً في هذا اليوم أيضاً. عندها أمر الله (عز وجل) موسى الكليم (عليه السلام) أن يذرهم وشأنهم، وقد منعهم فيه من العمل أيضاً، خصوصاً صيد السمك، إلا أن اصطيادهم للسمك بالمكر والحيلة انتهى بهم إلى الخسران المتمثل بالتحول إلى قردة وخنازير، وقد مثل هذا الاعتداء الجزء الأخير من العلة التامة لصيرورتهم قردة.
في هذه القصة والحادثة التاريخية المسلمة، التي وقعت في عصر نبي الله داوود (عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم) والتي كان يهود عصر نزول القرآن يعلمون بشكل مسلم بقطعية تحققها، فإن الجماعة المعتدية ـ التي كانت واعية على نحو التحقيق عن قصد صيد السمك غير المشروع بالاحتيال في يوم السبت - قد ابتليت بتبدل الصورة وتحول أفرادها حقيقة إلى قردة مع بقاء سائر الإسرائيليين مصونين من هذا التنكيل.
إن الأمر التكويني (وليس اللفظي) (وكونو) هو كناية عن سرعة التكوين ونفوذ الإرادة الإلهية في تبديل المعتدين إلى قردة؛ كما أن اليهود اللدودين قد تحولوا فوراً إلى قردة بسرعة الإجابة التكوينية وعدم التأخر والتلكؤ في الامتثال.
ظاهر الآية الشريفة يوحي بتحقق المعنى الحقيقي للكلمة، أي بمسخ المعتدين في السبت قلباً وقالباً، وليس بمجرد اتصافهم بالأوصاف الحيوانية ومسخ قلوبهم خاصة؛ كما أنه لا يفهم منه إعدام فرد من الناس وإحداث فرد من القردة أو إيلاج روح الإنسان في بدن القرد. في النمط من المسخ لم تبطل ولم تنعدم إنسانية الإنسان الممسوخ وإنما هو قد بات «إنساناً قرداً». فهذا المسخ مقترن بالحفاظ على المعرفة والإدراك للهوية الإنسانية، ومن هذا المنطلق فإن إدراك الهبوط والسقوط والشعور بالعار والذلة والعذاب هو من نصيب المخاطبين بقوله: {كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة: 65] والقردة الممسوخين والمطرودين، وليس هو لقردة عاديين غير ممسوخين.
وهذه إنما هي سنة الله (عز وجل) في خلقه حيث إن الخطيئة الخاصة والمحدثة تكون متبوعة بعذاب خاص وجديد، وسنة الله ثابتة عبر الأزمنة وواحدة مهما تبدلت الأمكنة وإن ما تتميز به من طابع التأديب والعقاب والجزاء متساو بالنسبة للمعاصرين والمتأخرين، وهو ينطوي على تحذير للمكلفين كافة بأنهم إذا تعدوا على حدود حكم الله فإن خطراً كهذا كامن لهم بالمرصاد؛ إذن فإذا اقتضت الحكمة الإلهية البالغة التأديب والمعاقبة حينما يبادر المجتمع إلى الإجرام والانحراف فسيكون هذا المجتمع موضع قهر الله تعالى وسيؤاخذ الله منطقة الذنب بالآثار المشؤومة للمعصية، وبناء عليه فمن الممكن أن تتكرر قصة المسخ في أي حقبة من التاريخ.
إن تذكير الأقوام بخطايا أسلافهم بغية الإنذار والإيفاظ ومن أجل تبري الجيل المعاصر من أفعال الماضين المريرة والقبيحة، هو من السنن الأدبية القديمة المتبعة لدى جميع الأقوام والملل، لكنه إذا لم يتبرأ الجيل الحاضر من أفعال السلف الغابر بل تفاخر بجرائمهم وتباهي بقبيح فعالهم، فسيكون التذكير المشار إليه ضرورياً؛ وعلى هذا الأساس فقد جعل الله (سبحانه وتعالى) هذه القصة التاريخية، حالها حال سائر أصناف الجزاء الإلهي التكويني والتشريعي، التي هي نكال للمجرم العاصي وسبب لنكول الآخرين واجتنابهم ارتكاب الجرائم والآثام، جعلها عبرة للمعاصرين والآتين وموعظة للمتقين.
التفسير:
«فجعلنها»: الضمير «ها» في عبارة: «فجعلناها» يعود إلى مرجع «المسخة» أو «العقوبة» المستفادة من الآية السابقة، أو وفقاً للحديث الذي رواه الطبرسي (رحمه الله) عن الإمام الباقر (عليه السلام) إلى الأمة الممسوخة: «وهم أهل إيلة؛ قرية على شاطئ البحر» [1]، لكن بالنظر إلى اشتقاق الكلمة (نكالاً) من مادة «النكول» التي تعني المنع والردع، وبالالتفات إلى أن المراد من عبارة: {وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66] هو الآتون من الأقوام (حيث جاء في رواية الصادقين إلا أن المراد من {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} [البقرة: 66] هي القرى المعاصرة لها، والمقصود من {وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66] هو نحن ويقصد المسلمين) [2] وأنه لا معنى لكون مسخ بني إسرائيل عقوبة للأقوام الآتية، إذن يراد من الكلمة: {نَكَالًا} [البقرة: 66] العبرة التي تكون سبباً لنكول المعتبر وردعه عن القيام بعمل مشابه لعمل الأمة الممسوخة؛ كما صرح بهذا المعنى بعض المفسرين [3].
كما ويمكن أن يكون المراد منها العقاب، لكنه العقاب الذي يؤدي بالآخرين إلى استلهام العبر وابتعادهم ونكولهم عن الإتيان بمثل هذا العمل؛ أي إننا جعلنا المسخة عقاباً لتكون مدعاة لاعتبار المعاصرين والآتين؛ كما نوه العزيز القدير بهذه الملاحظة في سورة «النساء» مذكراً أهل الكتاب المعاصرين لنزول القرآن عندما يقول: إذا لم تؤمنوا فقد تبتلون بالعذاب الذي ابتلي به أسلافكم فتتحولون إلى قردة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعولًا}[النساء:47]
{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66]: اتضح مما سبق قوله أن المقصود من «ما بين يديها» هو الأمم المعاصرة، والمراد «ما خلفها» هو الأمم والأجيال القادمة وأن مرجع الضمير في العبارتين: (لما بين يديها) و(ما خلفها) هو ذات مرجع الضمير في قوله: «فجعلناها» (أي الأمة الممسوخة أو نفس المسخة أو العقوبة) و«اللام» في قوله: «لما بين يديها» هي لام الاختصاص.
وما يجدر الالتفات إليه هنا هو أن نظام الدين النيسابوري بعد أن فسر «النكال» بمعناه الأصلي، أي العقوبة، فقد رجح وجهاً آخر لمعنى {لِمَا بَيْنَ} [البقرة: 66] وهو أن المراد من عبارة: «ما بين» هو الذنوب التي أقدمت عليها الأمة الممسوخة والتي أقربها هي نفس قصة «السبت» والمقصود من عبارة: «ما خلف» هو الخطايا التي كانوا يجترحونها في حالة الحياة وعدم المسخ، ومن الجلي أنه طبقاً لهذا المعنى فإن «اللام» في ولما بين يديها ستكون سببية وبمعنى «لأجل»؛ أي: إننا جعلنا ظاهرة المسخ عقوبة لهم جراء الذنوب التي ارتكبوها والمعاصي التي كانوا يقومون بها في حالة حياتهم [4]
إن الذي يمكن أن يؤيد ما اختاره النيسابوري هو أنه طبقاً لهذا المعنى، تصبح كلمة «نکال» مستعملة بمعناها اللغوي (وهو العقوبة) وهذا ينسجم أيضاً مع سائر استعمالات هذه المفردة في القرآن الكريم (التي من جملتها الآية: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] والمؤيد الآخر لذلك هو الحرف «ما» في جملة: {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66] حيث طبقاً لهذا القول يكون مستعملاً بمعناه الأصلي (غير ذوي العقول) ولا حاجة لتبرير أنه كيف تستخدم «ما» لذوي العقول (المعاصرين والآتين).
وتوخياً للإنصاف فإن هذا المعنى هو خلاف الظاهر التركيبي الذي تكون فيه «اللام» الجارة متعلقة بالفعل «جعل»؛ نظير: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء:2] {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91]، {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63] لأن ظاهر اللام في مثل هذه التركيبات هو أنها للاختصاص ولا سبيل للاحتمال المذكور (كونها بمعنى لأجل) إليها. هذا علاوة على أن هذا المعنى يخالف وحدة السياق في نفس الآية أيضاً؛ لأنه ما من شك في أن «اللام» في عبارة: «فجعلناها... وموعظة للمتقين» هي للاختصاص وليست بمعنى (لأجل).
وقد طرحت في هاتين الآيتين حادثة أخرى من الحوادث التي وقعت لبني إسرائيل في زمن النبي داوود (عليه السلام) والقرآن الكريم يروي هذه القصة ليهود النزول وكل من يخاطبه الوحي الإلهي كي يعتبروا منها؛ تلك الحادثة التي كان بنو إسرائيل المعاصرون لعهد النبي الأكرم يعتبرونها حدثاً تاريخياً مسلماً: (ولقد علمتم ....).
هذه الحادثة التي تمثلت بالنهي الإلهي عن صيد السمك في يوم السبت من جهة وعدم اكتراث جماعة من بني إسرائيل لهذا الأمر من جهة أخرى وابتلائهم ـ بالنتيجة ـ بعذاب «المسخ» الأليم الذي شكل عبرة للآخرين وموت عظة للمتقين.
لقد انعكست هذه القصة المؤلمة الملهمة للعبر في الآيتين موضع البحث بهذه الصورة: إنكم تعلمون (أيها اليهود المعاصرون لنزول القرآن) قصة تلك الجماعة من أسلافكم الذين لم يطيعوا أمرنا في يوم السبت فانقلبوا إلى قردة خاسئين بعيدين عن رحمة الله) ونحن جعلنا هذا العذاب عبرة تاريخية وعامل ردع عن ارتكاب الذنوب والمعاصي للأجيال الحاضرة والقادمة وموعظة لأهل التقوى؛ أي ليست المسألة أنها مجرد حديث عن قضية شخصية، بل الكلام يدور حول سنة إلهية مفادها أن أي طائفة أو قوم يدمنون على التعدي ويستأنسون بالعصيان وعدم الامتثال للأوامر الإلهية فمن الممكن أن يتورطوا بما يشبه ما نزل ببني إسرائيل؛ وإن كان لا يشبهه في أي جهة من الجهات.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|