أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-11
213
التاريخ: 2024-09-17
472
التاريخ: 2024-05-02
821
التاريخ: 2024-05-07
686
|
طرق معرفة الله تعالى[1]
1- معرفة الله عبر طريقَي الآفاق والأنفس:
حثّ القرآن الكريم على التفكّر والتدبّر في آيات الخَلْق، بوصفها آثاراً ومظاهر وجوديّة تحكي عن جمال الخالق وجلاله، وقد أرشد إلى طريقين من التفكّر والتدبّر، أحدهما: التفكّر في الآيات الآفاقيّة، والآخر: التفكّر في الآيات الأنفسيّة: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾[2]، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[3].
فمعرفة الآيات بما هي آيات مُوصِلة إلى معرفة الله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله، ككونه تعالى حيّاً لا يعرضه موت، وقادراً لا يشوبه عجز، وعالماً لا يُخالطه جهل، وأنّه تعالى هو الخالق لكلّ شيء، والمالك لكلّ شيء، والربّ القائم على كلّ نفس بما كسبت، خلق الخَلْق لا لحاجة منه إليهم، بل ليُنعِمَ عليهم بما استحقّوه، ثمّ يجمعهم ليوم الجمع لا ريب فيه، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. وهذه وأمثالها معارف حقّة إذا تناولها الإنسان وأتقنها مثَّلت له حقيقة حياته، وأنّها حياة مؤبّدة، ذات سعادة دائمة، أو شقاوة لازمة، وليست بتلك المتهوّسة المنقطعة اللاهية اللاغية، وهذا موقف علمي يهدي الإنسان إلى تكاليف ووظائف بالنسبة إلى ربّه، وبالنسبة إلى أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهي التي نُسمّيها بالدين، فإنّ السنّة التي يلتزمها الإنسان في حياته، ولا يخلو عنها حتى البدويّ والهمجيّ، إنّما يضعها ويلتزمها أو يأخذها ويلتزمها لنفسه، من حيث إنّه يُقدِّر لنفسه نوعاً من الحياة، أيّ نوع كان، ثمّ يعمل بما استحسنه من السنّة لإسعاد تلك الحياة، وهذا من الوضوح بمكان. فالحياة التي يُقدّرها الإنسان لنفسه تُمثّل له الحوائج المناسبة لها، فيهتدى بها إلى الأعمال التي تضمن - عادة - رفع تلك الحوائج، فيطبّق الإنسان عمله عليها، وهو السنّة أو الدين.
ومن هنا، كان النظر في الآيات الأنفسيّة والآفاقيّة ومعرفة الله سبحانه بها يهدي الإنسان إلى التمسّك بالدين الحقّ والشريعة الإلهيّة، من جهة تمثيل المعرفة المذكورة الحياة الإنسانيّة المؤبّدة له عند ذلك، وتعلّقها بالتوحيد والمعاد والنبوّة. وهذه هداية إلى الإيمان والتقوى، يشترك فيها الطريقان معاً، أي طريقي النظر إلى الآفاق والأنفس.
2- المعرفة الأنفسيّة أنفع من المعرفة الآفاقيّة:
عن الإمام علي عليه السلام: "المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين". والمراد بالمعرفتين: المعرفة بالآيات الأنفسيّة والمعرفة بالآيات الآفاقيّة. وكون السير الأنفسيّ أنفع من السير الآفاقيّ، لعلّه لكون المعرفة النفسانيّة لا تنفكّ عادة من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقيّة، لأنّ النظر إلى آيات النفس أنفع لا يخلو من العثور على ذات النفس وقواها وأدواتها الروحيّة والبدنيّة، وما يعرضها من الاعتدال في أمرها أو طغيانها أو خمودها، والملكات الفاضلة أو الرذيلة، والأحوال الحسنة أو السيّئة التي تُقارنها. واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الأمور والإذعان بما يلزمها مِن أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ينفكّ من أن يُعرِّفه الداء والدواء من موقف قريب، فيشتغل بإصلاح الفاسد منها، والالتزام بصحيحها، بخلاف النظر في الآيات الآفاقيّة، فإنّه، وإنْ دعا إلى إصلاح النفس وتطهيرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها، وتحليتها بالفضائل الروحيّة، لكنّه ينادي لذلك من مكان بعيد، وهو ظاهر.
كما أنّ النظر في الآيات الآفاقيّة والمعرفة الحاصلة من ذلك، نظر فكريّ وعلم حصوليّ، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلّية منها، فإنّه نظر شهوديّ وعلم حضوريّ، والتصديق الفكريّ يحتاج في تحقّقه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان، وهو باقٍ ما دام الإنسان متوجّهاً إلى مقدّماته، غير ذاهلٍ عنها، ولا مشتغلٍ بغيرها، ولذلك يزول العلم بزوال الإشراف على دليله، وتكثر فيه الشبهات، ويثور فيه الاختلاف. وهذا بخلاف العلم النفسانيّ بالنفس وقواها وأطوار وجودها، فإنّه من العيان، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه، وشاهد فقرها إلى ربّها، وحاجتها في جميع أطوار وجودها، وجد أمراً عجيباً، وجد نفسه متعلّقة بالعظمة والكبرياء، متّصلة في وجودها، وحياتها، وعلمها، وقدرتها، وسمعها، وبصرها، وإرادتها، وحبّها، وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يتناهى بهاء، وسناء، وجمالاً، وجلالاً، وكمالاً، من الوجود، والحياة، والعلم، والقدرة، وغيرها من كلّ كمال.
3- المعرفة الأنفسيّة طريق للمعرفة الشهوديّة:
النفس الإنسانيّة لا شأن لها إلا في نفسها، ولا مخرج لها من نفسها، ولا شغل لها إلا السير الاضطراريّ في مسير نفسها، وأنّها منقطعة عن كلّ شيء كانت تظنّ أنّها مجتمعة معه، مختلطة به، إلا ربّها المحيط بباطنها وظاهرها وكلّ شيء دونها، فوجدت أنّها دائماً في خلا مع ربّها، وإن كانت في ملا مِن الناس. وعند ذلك، تنصرف عن كلّ شيء، وتتوجّه إلى ربّها، وتنسى كلّ شيء، وتَذْكُر ربّها، فلا يحجبه عنها حجاب، ولا تستتر عنه بستر، وهو حقّ المعرفة الذي قُدِّر لإنسان. وهذه المعرفة الأحرى بها أن تُسمّى بمعرفة الله بالله، وأمّا المعرفة الفكريّة التي يُفيدها النظر في الآيات الآفاقيّة، سواء حصلت من قياس، أو حدس، أو غير ذلك، فإنّما هي معرفة بصورة ذهنيّة عن صورة ذهنيّة، وجلّ الإله أن يُحيط به ذهن، أو تساوي ذاته صورة مُختَلَقة اختلقها خَلْق مِن خَلقه، ولا يحيطون به علماً: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾[4]، ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾[5].
ومن هنا، فإذا اشتغل الإنسان بآية نفسه، وخلا بها عن غيرها، انقطع إلى ربّه من كلّ شيء، وعقب ذلك معرفه ربّه معرفة بلا توسيط وسط، وعلماً بلا تسبيب سبب، إذ الانقطاع يرفع كلّ حجاب مضروب، وعند ذلك يذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه، وينكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أنّها الفقيرة إلى الله سبحانه، المملوكة له ملكاً لا تستقلّ بشيء دونه، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[6].
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|