أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-15
437
التاريخ: 2024-01-27
1038
التاريخ: 2024-02-14
1171
التاريخ: 2024-02-24
971
|
شاءت الصدف المحضة أن تضع بين أيدينا وثيقة عن تنصيب أول كاهن أعظم للإله «آمون» في عهد الفرعون «رعمسيس الثاني»، وتعد فريدة في بابها، بل نسيج وحدها في ذلك العهد، إذ تكشف لنا النقاب عن الخطوات التي كانت تتخذ لملء هذه الوظيفة الخطيرة الشأن، وما كان لها من هيبة وجلال، وقد عثر عليها في قبر هذا الكاهن. ويقع قبر الكاهن «وننف» في جبانة «ذراع أبو النجا» (رقم 157) (1)، ونقوش هذا القبر لا تختلف كثيرًا عن مقابر عظماء الأسرة التاسعة عشرة، فهي تحتوي على مناظر جنازية، وليس فيها ما يلفت النظر، ويدعو إلى الاهتمام التام، إلا منظر واحد على جدار المدخل على يمين الزائر، إذ هو من نوع جديد لم يؤلف من قبل في مناظر قبور هذه الأسرة؛ إذ نشاهد فيه الملك «رعمسيس الثاني» يطل من شرفة قصره على صاحب المقبرة «نب وننف» الذي كان يسير وخلفه صف من حاملي الريش. ويلاحظ أنه قد كتب على عمد القصر الملكي اسم الفرعون، واسم زوجه الملكة «نفرتاري مرنموت»، ويتبع هذه الصورة متن مؤرخ بالسنة الأولى من حكم هذا الفرعون (2)، وهذا المتن خاص بتنصيب «نب وننف» في وظيفة الكاهن الأعظم للإله «آمون» بالكرنك. فقد حدث في السنة الأولى من حكم «رعمسيس الثاني» أن أصبح كرسي الكاهن الأكبر للإله «آمون» خاليًا، وعندما احتفل جلالته بعيد الأقصر (إبت) العظيم في الشهر الثاني من هذه السنة كان هذا الفرعون بنفسه يدير شعائر هذا الحفل، فسار مع سفينة «آمون» التي كان يحملها ثلاثون كاهنًا على أعناقهم بهذه المناسبة، وكانوا يرتدون وجوه أرواح «بوتو»، ووجوه أرواح «هيراكنبوليس» (الكاب الحالية)، وكان الكاهن يرتدي وجه صقر، أو وجه ابن آوى. والواقع أنه كثيرًا ما كان يشترك الملك في الأعياد الدينية، فنعلم مثلًا أن «تحتمس الأول» اشترك في الحفل الذي أقيم لتنصيب ابنه ملكًا على البلاد، كما نشاهد كذلك في نقش بارز في «الكرنك» عندما كان «سيتي الأول» يشترك في موكب قارب «آمون«(3)، غير أننا نلحظ هنا أن «رعمسيس الثاني» كان يقوم فعلًا بدور الكاهن الأول في عيد الأقصر فلم يكتفِ بلبس رداء الكهانة، وفيه الفراء الذي كان يُلبس فوق الملابس الملكية وحسب، بل أتى بعمل فذ في التاريخ المصري؛ وذلك بأن نقش على هذا المنظر العبارة التالية: «الكاهن الأول للإله «آمون» ملك الجنوب والشمال، «رعمسيس الثاني» معطي الحياة«(4). ومع ذلك فإن الفرعون بعد أن أتم الحفل بهذا العيد أخذ يفكر جديًّا في تنصيب كاهن أعظم جديد «بالكرنك»؛ ولذلك استشار الإله «آمون» رب هذا المعبد، فأوحى إليه هذا الإله بتفضيل الكاهن «نب وننف» على كل من سواه (5). ولما كان «نب وننف» هذا ليس من طائفة كهنة «آمون» في «طيبة» فيحتمل أن هذا الاختيار كان من جانب الملك الذي كان يترجم بمهارة عن إرادة الإله «آمون»، وكان الداعي له إما أسباب سياسية أو شخصية، فقد كان «نب وننف» قبل اختياره يشغل وظيفة كاهن أول للإله «أنوريس» (أنحور) بالعرابة، وكذلك الكاهن الأول للإلهة «حتحور» صاحبة «دندرة»، وكانت سلطته نافذة وقتئذ على كهنة ومعابد جزء من مصر الوسطى يبدأ من «طيبة»؛ حيث كان مقره حتى مدينة «حري حر آمون» الواقعة عند بوابات «طيبة» نفسها، وهذا الاختيار الجديد للكاهن «نب وننف» جعل «رعمسيس الثاني» يغادر عاصمة ملكه في الجنوب، ويقلع منحدرًا في النيل ليصل إلى عاصمته «بررعمسيس» في الشمال، بيد أنه رسا بسفينته في مقاطعة «طينة» ليزف الخبر للكاهن «نب وننف». وتقص علينا النقوش تعيين هذا الكاهن، وتعد الوثيقة التي تروي هذا الحادث، وهي التي كتبها «نب وننف» على جدران قبره، وكذلك الوثيقتان اللتان وصلتا إلينا عن تنصيب الكاهن «أمنمأبت»، والكاهن «باكنخنسو» من الوثائق الأصلية التي يعتمد عليها عند كتابة تاريخ الكهنة العظام للإله «آمون» «بالكرنك «. وهاك ترجمة متن هذه الوثيقة كما نقله الأستاذ «زيته «(6):
السنة الأولى، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الأول عندما انحدر جلالته في النيل من عاصمة الجنوب حيث قرَّب القربان لوالده «آمون»، صاحب تيجان الأرضين، والثور القوي، وسيد تاسوع الآلهة، وكذلك الإلهة «موت» سيدة «أشرو» (معبد بجوار الكرنك)، والإله «خنسو» في طيبة «نفر حتب»، وتاسوع «طيبة» في عيده الجميل «بالأقصر». وقد ذهب من هناك في حظوة بعد أن تقبل ما قُدم لحياة وصحة وعافية ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رعمسيس الثاني» ليته يعيش مخلدًا، وقد رسا في مقاطعة «طينة»، وأتى بالكاهن الأعظم للإله «آمون نب وننف» المنتصر أمام جلالته، وكان لم يزل وقتئذ كاهنًا أولًا للإله «أنوريس»، والكاهن الأول للإلهة «حتحور» سيدة «دندرة»، ورئيس كل كهنة الآلهة في الجنوب حتى «حري حر آمون»، وفي الشمال حتى مدينة «طينة»، وعندئذ قال جلالته له: لقد أصبحت منذ الآن الكاهن الأعظم ﻟ «آمون»، وكذلك أصبحت خزائنه ومخازن غلاله تحت خاتمك، وصرت رئيس معبده، وكل خدامه تحت سلطانك، أما معبد «حتحور» سيدة «دندرة»، فإنه سيكون تحت إدارة ابنك، وكذلك موظفو آبائك، والمكان الذي كنت تحتله، وبقدر ما يحبني «رع» حقًّا، وبقدر ما يمجدني والدي «آمون» جمعت له — أي لآمون — موظفي البلاط، ورؤساء الجيش، وكذلك جمعت له كهنة الآلهة، وعظماء بيته ليمثلوا أمام وجهه، فلم يظهر رضاه بأي واحد منهم إلا عندما ذكرت اسمك، فليكن العمل الصالح له لأنه حباك (باختياره)؛ أما عني فإني أعرف فضلك، فزد في ذلك حتى تثني عليك روحه، وكذلك تمدحك حضرتي، ليته يجعلك تمكث في بيته، وليته يمنحك حراسة بيته، ويجعلك ترسو على أديم مدينته (الجبانة)، ولقد سلمك أمراس مقدمة السفينة ومؤخرتها، وإنه يرغب فيك نفسه، وإنه لم يقُل له شخص آخر هذا — أي إن اختيارك جاء من وحي الإله نفسه — وإنه منحك الغرب؛ لأن والدي «آمون» إله قوي، وليس له مثيل إذ يمتحن القلوب، ويجوس خلال الأرواح، وإنه الذكاء الذي يعرف دخيلة النفس، وليس في مقدور إله أن يأتي بما يفعله، ولا يعارض إنسان مشروعاته، ويرتكز الإنسان على ما يخرج من فيه، وهو سيد التاسوع، وقد اختارك لكمالك، وأخذك لسموك. وتأمل: لقد تمدح رجال البلاط، ومجلس الثلاثين معًا بطيبة جلالته، وسجدوا مرات عدة أمام هذا الإله الطيب مصلين له، ومرضين صلَّه الذي على جبينه، ومتعبدين أمام وجهه، وقد مجدوا أرواحه حتى عنان السماء قائلين: أنت يا حاكم «آمون»، ويا من سيبقى حتى السرمدية، ومن أوجده بين الأجيال والأجيال! ليتك تحفل بأعياد ثلاثينية بالملايين، وليت سنيك تكون عديدة مثل رمال شاطئ البحر، وإنك تولد كل صباح، وتجدد لنا مثل الشمس، وتصير صبيًّا كالقمر … وإنك تحكم بوصفك ملكًا على الأرضين، والأقواس التسعة تحت أوامرك، ونهاية حدودك تمتد حتى حدود السماء، ودائرتها تحت سلطانك، وما تحيط به الشمس تحت نظرك، وما يغمره المحيط خاضع لك، وإنك على الأرض فوق عرش «حور»؛ حيث تظهر بوصفك رئيس الأحياء، وإنك تجند شباب مصر، وإنك تقهر أعداءك بوصفك سيدًا ملكه ثابت مثل والدك «آمون رع»، وإنك تحكم كما حكم، وإنك على الأرض كقرص الشمس في السماء، ووجودك مثل وجوده، وإنه يمنحك الخلود بلا نهاية مجهزًا وممنوحًا الحياة والسعادة، أنت يأيها الرئيس الطيب محبوب «آمون» الذي سيبقى حتى نهاية الزمن. تأمل! فقد منحه جلالته خاتميه اللذين صيغا من ذهب، وعصاه التي من السام، ثم نصب كاهنًا أعظم ﻟ «آمون»، ومديرًا لبيتي الفضة والذهب، ومديرًا لمخزن الغلال، ومديرًا للأعمال، ورئيسًا لكل طوائف العمال أصحاب الحرف في «طيبة». ثم أمر بإرسال بريد ملكي ليجعل كل مصر تعلم أن بيت «آمون» قد وكل أمره إليه، وكذلك كل ممتلكاته، وكل قومه … بفضلك يا رئيس «آمون» الذي سيبقى إلى الأبد. وهذه الوثيقة العظيمة تضع أمامنا كيفية تنصيب الكاهن الأكبر ﻟ «آمون»، والحالة التي كان الملك يعزز بها اختياره لهذا الكاهن بوحي إلهي على الرغم من أنه لم يكن من طائفة كهنة «آمون» في «طيبة»، إذ — كما نعلم — أن الكاهن الذي دعي لتولي هذا المنصب كان من أكبر رجال كهانة مقاطعة «طينة» التي كانت تعد أكبر موطن إلهي في البلاد بعد «طيبة» نفسها. وقد وصفت في هذه الوثيقة الأعياد التي أقيمت تكريمًا لهذا الحادث بكل تفصيل. ولما انتهى الحفل أرسل البريد في كل جهات القطر لإعلان اسم «نب وننف» كاهنًا أعظم ﻟ «آمون»، وهذا يذكرنا بالاحتفال الذي أقيم عند تنصيب الملك «تحتمس الأول»، وإعلان اسمه في كل أنحاء القطر بمراسيم ملكية (راجع مصر القديمة ج4)، وقد كان مَثَل «نب وننف» كمَثل كثير من أسلافه وأخلافه يقوم بعبء الأعمال الإدارية الخاصة بمعبد «آمون» كما فصلنا القول في ذلك، فقد عين مديرًا للخزانة ومخازن الغلال للإله «آمون»، كما كان هو المشرف على ملاحظة طوائف الصناع، وأصحاب الحرف في «طيبة»، ومن الجائز أنه — لهذا السبب — قد أقام على مقربة من معبد «سيتي الأول» «بالقرنة» مقصورة عثر «بتري» على قطع الودائع التي وُضعت في أساسها (7)،ويقول «بتري» في هذا الصدد إنه يحتمل أن «نب وننف» قد أقام هذه المقصورة لحسابه هو عندما كان يقوم بالملاحظة على بناء معبد «سيتي الأول». وهذه النظرية في حد ذاتها مقبولة، وبخاصة إذا علمنا أن «رعمسيس الثاني» هو الذي قام بإتمام هذا المعبد، وأن قطع ودائع الأساس قد نقش عليها اسم «نب وننف» بلقبه الكاهن الأكبر ﻟ «آمون»، وبذلك تكون هذه المقصورة قد أقيمت في عهد «رعمسيس الثاني»، وهذا يتفق مع ما ذكرناه عن بناء معبد «سيتي» «بالقرنة «. ولما تسلم «نب وننف» عمله الجديد خلع على ابنه «سماتوي» وظائفه القديمة، فأصبح الكاهن الأول للإلهة «حتحور» صاحبة «دندرة». ومن الغريب أننا نجد في ودائع أساس مقصورة «القرنة» لقبه القديم، وكذلك حافظ على ذكره في نقوش قبره، يضاف إلى ذلك أننا نعرف من نقوش هذا القبر كذلك أن زوجه «تاخعت» كانت تُلقب رئيسة نساء حريم الإله «آمون «. وأهم ما يلفت النظر في مناظر قبره — غير ما ذكرنا — هو صورة رجل جالس يصطاد سمكًا، غير أن المنظر يدل على أن الصياد كان هاويًا لا محترفًا، ويلبس شعرًا مستعارًا، وله لحية قصيرة، ويرتدي جلبابًا طويلًا ذا تجاعيد، ويجلس على كرسي مدَّ تحته حصيرًا، وفي يده قضيب ذو خمسة خيوط، والبِركة التي يصطاد فيها مزينة؛ يرفرف فوقها فراش. ويحتمل أن صيد السمك كان الهواية المحببة إلى نفس هذا الكاهن (8).
...................................................
1- راجع: A. S., XXX, p. 35.
2- راجع: Champ. Notices I, p. 535; L. D., texte III, p. 239; & A. Z. (1907) Vol. XLIV, p. 30ff.
3- راجع: Legrain B. I. F. A. O. T. XII, (1917) pl. III, 4.
4- راجع: A. Z. 58, p. 54.
5- راجع: Sethe A. Z., 44 p. 30.
6- راجع: Sethe A. Z., 44 p. 30.
7- راجع: Petrie, Qurneh 1909 pl. XXXIII & XLVI, p. 18.
8- راجع: Porter & Moss I, p. 147.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|