أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-10-2016
2042
التاريخ: 2024-03-13
920
التاريخ: 2024-08-20
354
التاريخ: 2024-02-18
1044
|
لقد كان الرأي السائد عند علماء الآثار أن ينسبوا — دون برهان مقنع — تصميم قاعة العمد العظمى بالكرنك، والبوابة الثانية للفرعون «حور محب»، وكذلك ينسبون إتمام هذين البناءين إلى أخلافه «رعمسيس الأول»، و«سيتي الأول»، ثم «رعمسيس الثاني«(1)، ويستندون على وضع تاريخ هذه المباني قبل «رعمسيس الأول» الذي نجد طغراءاته على خمسة مناظر على الوجهة الشرقية من البرج الشمالي للبوابة الثانية، وعلى السمك الشرقي للخارجة الشمالية للجزء الجنوبي من الدهليز الواقع أمام البوابة، إلا أن هذا الفرعون الذي لم يدُم حكمه أكثر من سنتين لا يستطيع في هذه المدة القصيرة أن يتمم مثل هذه الأبنية الضخمة التي تحتويها قاعة الأعمدة العظمى، وقد أجاب الأثري «كيث سيلي» عن هذا الاعتراض بما يلي (2):
لما كان «رعمسيس الأول» هو أول ملك زين جدران البوابة الثانية على حسب التخطيط الجديد لقاعة العمد، ولما كانت النقوش التي قام بها تدل على وجود نقش ثانوي مضاف إلى أحجار السقف، فقد أصبح من الضروري بداهة أن تفحص فيما إذا كانت فكرة قاعة العمد كما نعرفها من ابتداعه، أو قد ورثها عن أسلافه (3)، والجواب على هذا السؤال على ما يظهر يتوقف — على ما يمكن استنباطه — من أمرين رئيسيين، وإن كانت معلوماتنا عنهما محدودة للغاية. فالأمر الأول هو طول مدة حكم «رعمسيس الأول» التي نعلم أنها كانت على ما يظن قصير جدًّا، والتاريخ الوحيد المحقق لدينا هو السنة الثانية، اليوم العشرون من الشهر الثاني من فصل الزرع، وهذا التاريخ يعد أقل مدة لحكمه، وقد يجوز أنه حكم خمسة أعوام على أكبر تقدير، غير أن معظم علماء الآثار يعتقدون أنه لم يحكم أكثر من سنتين، وقد كان من الطبعي أن يوجه الفرعون جل همه لبناء معبد جنازي له لا إلى إقامة المباني في «الكرنك»، اللهم إلا إذا كان قد أجبر على ذلك إجبارًا من كهنة «آمون»، أو بعوامل أخرى ساعدته على ادعائه بأحقيته في تولي عرش البلاد، ومع ذلك لم نجد أن هذا الفرعون قد أتم بناء واحدًا باقيًا للآن؛ إذ الواقع أن ابنه «سيتي الأول» هو الذي أقام له معبده الجنازي الصغير في «العرابة»، وقد حُفظ جزء منه في متحف «متروبوليتان»، وكذلك شاركه ابنه في معبده الخاص، ولم يتممه «سيتي» بدوره في عهد حكمه الذي بلغ اثنتي عشرة سنة أو أكثر، وهذه الحقيقة تجعلنا نعتقد أن ما قام به «رعمسيس الأول» من المباني كان محدودًا، اللهم إلا إذا كانت هناك ظروف خارجة عن حد المألوف جعلته يشحذ من عزيمته، ويضاعف من همته.
شكل 1: قاعة العمد بالكرنك.
أما الأمر الثاني فينحصر في فهمنا طرق البناية عند المصريين للمعابد الضخمة، وقد اتفق علماء الآثار المهرة والمهندسون منهم بخاصة على أن قاعة العمد قد أُقيمت باستعمال الطوارات الخارجية لبناء الجدران الجانبية، وباستعمال طريقة الملء والتفريغ في إقامة قاعة العمد، وتفسير ذلك: أنه بعد وضع أسس الأعمدة، وإقامة قواعده كانت تُملأ القاعة بالتراب حتى قمة قواعد العمد التي وُضعت، وبعد ذلك كانت تجلب قطع الأحجار الأخرى اللازمة لبناء العمد مع تعلية الأتربة بعد بناء كل قطعة، فإذا ما انتهى تركيب قطع كل أحجار الأعمدة تكون القاعة قد مُلئت بالأتربة. ومن الأمور الثابتة التي لها أهمية قصوى أن النقوش الوحيدة التي تُنسب ﻟ «رعمسيس الأول» في قاعة العمد العظمى توجد في الصف الأعلى تحت الإطار الذي يلي أحجار السقف، وأقصى منظر نقشه في الجهة الجنوبية من القاعة يبتدئ مباشرة على مسافة اثنتي عشرة أو عشرين بوصة من قطعة عارضة السقف التي تمتد من البوابة حتى العمود الحادي والثمانين، وفوق هذا المنظر نشاهد منظرًا نقشه «حور محب»، وقد [… ﻫ] (4) »رعمسيس الأول» بعض الشيء، هذا بالإضافة إلى أننا نجد الكوَّة التي نُقرت في بناء البوابة لتوضع عليها العارضة الثانية من جهة الجنوب ظاهرة للعيان فيها الإطار الثعباني الشكل الذي يُنسب إلى عهد ما قبل الرعامسة، وهو منقوش نقشًا غائرًا، وربما يعزى عدم محوه إلى أن هذا الجزء من الجدار لم يكن معرَّضًا لنظر الجمهور، ولأن محو النقوش الأولى قد حدث بعد التغييرات الهندسية، وبعد الانتهاء من الإضافات التي عملت. وفي اعتقادي أن إعادة نقش البوابة، وبناء قاعة العمد كان كالآتي: على أثر وضع تصميم لقاعة العمد كان من البدهي أن النقوش الغائرة الأصلية التي عملها «حور محب» لم تعد صالحة لأسباب مختلفة؛ ولذلك أزيلت، وعلى ذلك بدأت أعمال محو المناظر — وكانت هذه العملية تجرى في أثناء إقامة الأعمدة — عندما كانت القاعة تُملأ تدريجيًّا بالأتربة لرفع الأحجار اللازمة، وقد استمرت عملية المحو حتى وصلت إلى كتل الأحجار التي كانت مخبأة وراء «مداميك» السقف هذه، وهذه العملية ربما تمت في عهد «حور محب» إذا كان هو الذي أمر بتغيير تصميم المبنى في أواخر حكمه، وبذلك يكون قد محا نقوشه التي عملها، أو أن الذي قام بهذه العملية هو «رعمسيس الأول»، ويحتمل أنه أشرك ابنه «سيتي الأول» معه في ذلك، والرأي الأخير هو المرجح. وعند الانتهاء من بناء قاعة العمد كان كل البناء قد ملئ بالأتربة، وكانت الأعمدة الخالية من الزينة المقامة حديثًا بطبيعة الحال مدفونة تحت هذه الأتربة، ولم يكن ظاهرًا للعيان غير أحجار السقف، وعند هذه المرحلة من البناء كان الصناع على استعداد لبدء تهذيب وجوه الأعمدة كلما أزيلت عنها الأتربة التي كانت تغمرها، وهي التي كانت تستعمل بمثابة «سقالات» في أثناء بناء القاعة، وقد نقش «رعمسيس الأول» نقوشه الجميلة عندما بُدئ في إزالة هذه الأتربة في الصف الأعلى من البرج الشمالي للبوابة، وقد كان مضطرًّا أن يعمل نقوشه على الصف الأعلى؛ لأن باقي القاعة كان مغطى طبعًا بالأتربة. ويدل انتهاؤه من نقش خمسة مناظر فقط — وهو عمل لا يتطلب أكثر من بعض أسابيع — على أن إقامة هذا الجزء من قاعة العمد يمكن أن ينسب إليه بدون أي شك، ويقدر كل من المهندس «كلارك»، و«انجلباخ» لردم قاعة العمد بالتراب ستة أسابيع (5)،وهذا التقدير يجعل من المرجح إمكان إقامة كل الأعمدة مدة حكم «رعمسيس» القصيرة، وبخاصة إذا كانت عملية قطع لأحجار منظمة لمد البنائين بالأحجار اللازمة، ونحن من جانبنا نعلم أن كثيرًا من نشاط «حور محب» الذي خلفه «رعمسيس الأول» — وهو الذي بنى الدهليز، والبوابة الثانية، والبوابتين التاسعة والعاشرة في الكرنك — كان متجهًا طوال مدة حكمه إلى إعادة تنظيم الحكومة بعد سقوطها في عهد العمارنة، وعلى ذلك لا يبعد أنه قد سار في إصلاح كل فروع الأشغال العامة بدرجة عظيمة من القوة والنظام مما كانت تتمتع به البلاد من قبل عدة أجيال على الأقل، ولا أدل على هذا النظام وحسن سيره مما تم في عهد «أمنحتب الثالث» الذي أنجز حفر بحيرة النزهة المشهورة للملكة «تي» في مدة خمسة عشر يومًا، ويبلغ طولها سبعمائة وثلاثة آلاف ذراع، وعرضها سبعمائة ذراع (راجع ج5). وسواء عزونا إلى «رعمسيس الأول» إقامة طريق واحد من قاعة العمد هذه أم لم نعزُ، فمن المؤكد أنه توفي قبل أن يتقدم كثيرًا في إعادة نقش البوابة، وقد أخذ «سيتي الأول» في إتمام هذا العمل الذي قام به والده من النقطة التي انتهى إليها، ومن ثم استمر «سيتي» في تزيين هذا الصف، وتابع العمل بالتوالي في الصفوف الباقية كلما أزيل التراب، وكانت الطريق الشمالية كلها من القاعة من عمل «سيتي الأول» ولم يحمل واحد من عمدها اسم «رعمسيس الأول»، والسبب في ذلك ظاهر إذ إنه عند موت «رعمسيس» كانت كل الأعمدة مغطاة بالتراب الذي كان قد ملأ القاعة لرفع الأحجار عليه لوضعها في أماكنها من البناء، ومما سبق نفهم أن الذي رفع بنيان عمد هذه القاعة هو «رعمسيس الأول» على الأرجح، وأن ابنه «سيتي» قد نقش عمدها، ولما اشترك «رعمسيس الثاني» مع والده في الملك شاركه في هذا العمل كما يدل النقش الغائر الذي اتخذه «رعمسيس الثاني» طرازًا له، بل نجد أنه — فضلًا عن ذلك — نسب معظم هذه القاعة لنفسه، كما اغتصب الاسم الذي وضعه لها والده، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد موت «سيتي الأول»، فقد كان اسم القاعة أولًا «معبد روح سيتي محبوب آمون في بيت آمون»، وبعد موت «سيتي» محا «رعمسيس» هذا الاسم، وجعله «معبد روح رعمسيس محبوب آمون في بيت آمون»، فإذا قبلنا ما استعرضه «كيث سيلي» في نظريته الخلابة هذه أصبح إدعاء «رعمسيس الثاني» فيما نسبه لنفسه من إقامة قاعة العمد تشبه تمامًا ما ادعاه لنفسه من إقامة آثار عدة في طول البلاد وعرضها، وهاك نص الإهداء الذي ينسب فيه «رعمسيس» قاعة العمد لنفسه:
«رعمسيس الثاني» الملك القوي، المقيم الآثار في بيت والده «آمون»، والباني بيته بناء مخلدًا ثابتًا أبدًا. تأمل! إن الإله الطيب قد مال قلبه ليقيم آثارًا، وسواء أكان قائمًا أم يقظًا فإنه لم يفتر عن البحث في عمل أشياء ممتازة، وقد كان جلالته الذي وضع الأنظمة، وقاد العمل في آثاره، وكانت كل خططه تنفذ في الحال مثل خطط والده «بتاح جنوبي جداره»، وهو صورة في الواقع مما عمله ذلك الصانع الممتاز الذي يضع الأشياء الممتازة التي عملها جلالته … من عمل ممتاز مخلد. وكل مملكة تحت قدميك يأيها الملك، يا حاكم الأقواس التسعة، يا رب الأرضين «رعمسيس الثاني». لقد عمله بمثابة أثره لوالده «آمون رع» رب «طيبة»، فأقام معبد «روح رعمسيس محبوب آمون في بيت آمون» بالكرنك من الحجر الرملي الأبيض بمثابة مثوى لرب الآلهة، ومأوى للتاسوع المقدس، وقد أحيط ﺑ … عمد، وجدرانه مثل جبلي أفرديتبوليس (كرم أشقاو) ثابتة، وقد عمل … وجماله يصل إلى عنان السماء.
..............................................
1- راجع: Legrain. Les Temples de Karnak Bruxcelles (1929) p. 133; Ed. Meyer, Gesch, II, I p. 428 Note 2; Petrie Hist. III, p. 20.
2- راجع: K. Seele Coregency, § 33–38.
3- لا نزاع في أن تأثير كهنة «آمون» وخططهم وميولهم كانت تلعب دورًا هامًّا في هذه الأمور الخاصة بالآلهة، وربما تعد قليلة الأهمية للذين يكتبون في هذا الموضوع، ولكن الواقع أن طائفة الكهنة هم الذين كانوا بلا نزاع يرشدون ويلهمون الملوك بالقيام بالمشاريع البنائية في المعابد، ونشاهد ذلك بنوع خاص في العهد الذي أعقب إعادة ديانة «آمون»، بل من الجائز أنهم كانوا هم القوة العاملة وراء الفرعون، فكانوا في مكانة تؤهلهم أن يملوا على الملوك ما يشاءون في هذا الصدد، وبخاصة من عهد «توت عنخ آمون» حتى عهد «رعمسيس الثاني»، وهي الفترة التي كان التحمس فيها للدين القديم على أشده من العنف والتعصب.
4- السياق غير متصل، هكذا بالأصل.
5- راجع: Ancient Egyptian Masonery p. 91.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|