أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-31
928
التاريخ: 2024-08-11
398
التاريخ: 2024-06-11
771
التاريخ: 2024-02-17
938
|
كان «أمنحتب بن حبي» المدير العظيم لبيت الفرعون، ويُعد من أكبر الشخصيات الذين خدموا الفرعون «أمنحتب الثاني»، بل قد يُعد أكبر شخصية بارزة في عهد هذا الفرعون إذا استثنَيْنا سمِيَّه «أمنحتب بن حبو» الذي سنعلم تاريخ حياته فيما بعدُ. ولم يكن «أمنحتب» هذا ينتسب إلى أسرة عريقة في المجْد، وإن كان ابنَ عمِّ الوزير «رع موسى» الذي سنتكلم عنه في دوره، وقد استطاع في مدَّة خدمته أن يَجمَع لنفْسِه وظائف عدَّة في الدولة ذات نفوذ عظيم، وها هي ذي ألقابه ووظائفه مُرتَّبةً على حسب أنواعها:
(1) ألقاب الشرف التقليدية: الأمير الوراثي، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد، والسمير العظيم الحب، والسمير الأكبر لرب الأرضين، والمدير الملكي، والقاضي (أو المبجَّل).
(2) ألقاب الكهانة: كاهن «ورت حقاو»، والمشرف على الكهنة في بيت سخمت، ومدير أعياد «بتاح» القاطن جنوبي جداره وكل آلهة «منف»، والكاهن «إمي ورت».
(3) ألقابه الهندسية والإدارية: (راجع J. E. A. Vol. XXIV. p. 19, 20). المشرف على الأعمال في «خنمت بتاح»، ومدير الأعمال، والمشرف على مخزن الغلال المزدوج في كل البلاد قاطبة، والمشرف على بيتَيِ الذهب والفضة، والمشرف على كل صُنَّاع الملك.
(4) ألقابه الكتابية: الكاتب، وكاتب الملك، وكاتب الملك الحقيقي، ومحبوبه (راجع Davies, “The Tomb of Ramose”, Pls. IX, XI, XII, XIX)، وكاتب الفرعون للمجندين.
(5) ألقابه بوصفه مدير البيت: مدير البيت، والمدير العظيم لبيت الملك، ومدير البيت «لمنف»، والمدير العظيم لبيت الفرعون في «منف».
نعوته
وقد كان «أمنحتب» يُنعت بالنُّعوت التالية: موضع ثقة سيده، ومَن رقَّاه الملك، والمحبوب من رب الأرضين، ومَن في قلب حور في بيته، وعَيْنا ملك الوجه القبلي، وأذنا ملك الوجه البحري، والحاكم الذي على رأس أشراف الفرعون، والرفيع المقام في مكانته، والمعظَّم في وظيفته، والفم الذي يمنح الرضا في مسكن الملك، والفم الذي يَبعث الرضا في كل الأرض قاطبة، ومَن يمدحه «بتاح» كل يوم، والواحد الممدوح الذي خرج من الفرج ممدوحًا، وصاحب الإله الطيب (Ibid Pls. IX, XI, XII, XIX). وقد عُثر لهذا الموظف العظيم من تمثال من الحجر الرملي وجده «بتري» في منف وعليه نَقْش طريف يحدثنا عن تاريخ حياته (Petrie, “Tarkhan I, & Memphis”, V, Pls. LXXVIII–LXXX). فيقول:
إن هذا التمثال قد مُنح بمثابة حظوة من الملك ووُضع في بيت «نب ماعت رع» المسمَّى المتَّحِد مع «بتاح»، وهو الذي أقامه جلالته حديثًا لوالِدِه «بتاح» القاطن جنوبي جداره في أراضيه المنزرعة غربي «حتكا بتاح» لأجْل الأمير الوراثي، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، ومحبوب رب الأرضين، العظيم في رتبته، والسامي في وظيفته، والحاكم الذي رأس أشراف جلالته، وعينا ملك الوجه القبلي، وأُذُنا ملك الوجه البحري … والذي على علم بطريقة القصر، والفم الذي يمنح الرضا في مسكن الفرعون، وصاحب الكلام السامي؟ … وكاتب الفرعون الحقيقي، ومحبوبه «أمنحتب» يقول: إني أتكلم إلى فخامتكم، أنتم يا مَن ستأتون إلى الوجود، يا رجال المستقبل الذين سيعيشون على الأرض، لقد خدمتُ الإله الطيب والأمير «المرح» (؟) ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب ماعت رع» عندما كنت فتيًّا وليس لي قريب. وعندما تقدَّمتُ في السِّنِّ … دخلتُ القصر عندما كان في سكنه الخاص حتى أرى «حور» في بيته هذا، ومشى الأشراف خلفي (؟) وقد منحني امتيازات عطف؛ وذلك بسبب أخلاقي السامية، ورقَّاني المدير العظيم للبيت، وكانت عصاي على رءوس القوم، وقد أصبحتُ ثَرِيًّا بالعبيد والماشية والأملاك من كل شيء مما لا يُحصى عددُه، ولم يكن هناك ما أرغب فيه بفضل سيد الأرضين «حور خع-م-ماعت» … ولقد أقمتُ العدل من أجل «رع»؛ لأني عَرَفتُ أنه يعيش عليه، وأنِفْتُ من قول الكذب، ولقد رقَّاني لأقوم بالمباني التي في بيته ملايين السنين، وهو الذي أقامه حديثًا في أراضيه المنزرعة غربي «حتكا-بتاح» (منف)، في حي «عنخ تاوي»، ولقد كان والده «بتاح» الذي … وأنتظر؟ بمثابة أثر لوالده «بتاح» بعمل ممتاز أبديٍّ بالحجر الجيري الأبيض من «عيان». ولقد كان جماله مثل أفق السماء، وكل أبوابه كانت من خشب الأرز المجلوب من المرتفعات (أيْ لبنان) من خيرة «جاو»، وغُشِّي بالذهب النُّضَار المجلوب من الصحراء، وبكل أنواع الأحجار الثمينة. وكانت قاعاته وأبوابه من … عظيم … عمل خالد بمثابة قطعة حصينة، أمَّا بُحيْرته فقد حُفرت وغُرست فيها الأشجار، وصارت ساطعة بكل نوع من الأخشاب الثمينة المنتخبة من البلاد المقدسة، وقواعد أوانيه كانت من الفضة والذهب … وكل أنواع الأحجار الصلبة. وبعد أنْ تمَّ هذا البناء بصورة جميلة وقف جلالته قرابين جديدة مقدسة تحتوي على هِبَات يومية لوالده «بتاح» القاطن جنوبي جداره ولآلهة هذا البيت، فقد كانوا يمدُّون بالطعام الطيب إلى الأبد، وعين كهنة مطهرون، وكهنة من أولاد حكام «إنبو» (منف) وخُصصت حقول وماشية وعمال ورعاة من غنائم جلالته التي رجع بها من كل أرض، وقد شغل جلالته تمامًا كل وظائف هذا المعبد، وكان جلالته هو الذي أنجزها على هذا الوجه، كما تستحق عن طيب خاطر؟ … وقد جعل جلالته هذا البيت يقدِّم لمعبد «بتاح» المُؤَن لكل تماثيله مثل بيوت ملك الوجه القبلي والوجه البحري التي بجانب جلالته في المدينة الجنوبية (طيبة)، وقد كانت تحت مراقبة كل مدير بيت للفرعون … خبزها أبدي. والآن تأمَّل، لقد خَصَّصتُ أملاكًا من حقولي وعبيدي وماشيتي لأجْل تمثال «نب ماعت رع» الذي يُسمَّى … وهو الذي أقامه جلالته لوالده بتاح في هذا المحراب. قائمة بذلك: عشرة ومائتا فدان ونصف أرورا. وفي الأقاليم الشمالية وعشرون ومائتا فدان من الحقول مما أُعطيتُه حظوة من الملك، فيكون المجموع ثلاثين وأربعمائة فدان ونصف فدان، هذا فضلًا عن … عشرة … ألف أوزة من التي تَضَع بيضًا، وألف خنزير، (1) وألف خنزير صغير، وقد مدحني جلالته على ذلك، كما كنتُ ممتازًا في قلبه، ولقد رُفعتُ إلى سِنٍّ موقَّرة في حظوة الملك، وأسلمتُ هيكلي الجثماني إلى التابوت بعد حياة طويلة، وانضممتُ إلى قبري في الجبانة … وقد كان احترامي لدى رجال البلاط، وحبي عند كل الناس، وحظوتي كانت وطدت في القصر. وقد منحني جلالته قربانًا مقدسًا مما قدَّم أمام تمثاله الخاص بالحفلات في بيته المسمَّى المتَّحِد مع «بتاح» الذي أقامَه في أرضه المنزرعة غربي «حتكا بتاح». وفضلًا عن ذلك فإنه عندما يشبع الإله نفسه بمأكولاته، ويتسلَّم هذا التمثال كذلك وجباته، تقدم المُؤَن أمام خادمه المطيع هذا (أيْ نفسي) على يدِ الكاهن المرتِّل الذي في بيته، وعلى الكاهن المطهَّر اللبيب أن يقدم قربانًا … (27) … على حسب الشعائر المُتَّبَعة خلال اليوم. قائمة بذلك: «فطائر بيت (المقدار المستعمل في الطهو ثلاثون) عشرون فطيرة، فطائر بيت (المقدار المستعمل في الخبز أربعون وحدة) ثلاثون فطيرة، وفطائر «بيت» (المقدار في الخبز مائة) مائة فطيرة، وفطائر برسن (المقدار المستعمل في الخبز أربعون) عشرون، فطيرة وفطائر برش (المقدار المستعمل في الخبز أربعون) ثلاثون فطيرة، فيكون المجموع مائتي رغيف مختلفة، وجِعَة (المقدار الذي استُعمل في صنعها ثلاثون) عشرة أباريق، ومن الشحم إبريقان، وساقٌ واحدة من كل مقدمة ثور يَرِد إلى هذا البيت، و«مَنٌّ» واحد من النبيذ، ووِطاب من اللبن، وفطائر من الخبز الأبيض اثنان، وإوزة واحدة، وخضر وستُّ حزم … وثلاث. وهكذا أقول: اصغوا أنتم يا أيها الكهنة المطهرون، والكهنة المرتِّلون، والكهنة التابعون للمعبد المسمَّى «المتَّحِد مع بتاح»، وكل مدير بيت للفرعون، سيعيش هنا فيما بعد في «إنبوا». لقد منحكم جلالته خبزًا وجِعَة ولحمًا وفطائر وكل ما لذَّ وطاب لأجْل أن تغذُّوا أنفسكم في بيته المسمَّى «المتحد مع آمون» في خلال كل يوم فلا تطمعوا في مؤنتي التي قرَّرها لي إلهي فضلًا منه عليَّ في قبري. على أني لم أذكر أكثر مما هو ملكي الخاص، ولم أطلب أيَّ شيء أكثر مما يجب، وذلك لأني لما تعاقدتُ على تخصيص هذا العَقَار بتمثال الفرعون الكائن في هذا البيت (المعبد) في مقابل منْحِي قربانًا مقدسًا من تلك القرابين التي تمرُّ بهذا التمثال المحفلي بعد أداء التضحية الخاصة بالشعيرة الدينية رغبة في تسجيل مؤنتي للأجيال، كنتُ رجلًا عادلًا على الأرض يَعرِف إلهه، وأنه سيزيد في جماله، كما عاملتُ خَدَم بيته معاملة طيبة، ولم أُقْصِ رجلًا عن مرتبه، ولم أغشَّ إنسانًا آخَر في ممتلكاته، ولم أغتصب أملاك آخرين بالخداع، وكنتُ أمقتُ الغشَّ، وإني أقول أيضًا: إن كل مدير بيت للفرعون من الذين سيكونون في منف، وكل كاتب وكل كاهن مرتل، وكل كاهن مطهر تابع لهذا المعبد، والكهنة غير المحترفين في كل المعبد، وكل مَن سيكون في هذا البيت إذا منعوا مؤنتي التي قرَّرها لي «بتاح القاطن جنوبي جداره» والإله الفاخر الذي يعيش على الصدق، والذي سوَّى صورتَه بنفسه، مما أعطانيه الملك «نب ماعت رع» لأجل أن أعمل قربانًا لقبري، بسبب عِظَم حظوتي عنده (فإن مثل هذا الشخص) سيزوره غضبُه، وستُنزَع وظيفتُه أمام وجهه، ويُعطاها رجلٌ يكون عدوًّا له، وستغيب عنه قرينتُه (رُوحه)، وسيسقط بيته على الأرض. أما كل مدير بيت للفرعون في «إنبوا» وكل كاتب، وكل كاهن مرتل، وكل كاهن مطهر لهذا المعبد، والكهنة غير المحترفين في كل المعبد، وكل مَن يلوذ بهذا البيت ويمنح الكاهن المرتل الذي في بيتي مؤنتي كل يوم، فإن هذا الإله الفاخر سيمدحه، وسيقضي حياته في سلام وبدون شجار، وسيرتفع إلى عُمْرٍ موقَّر، وتُسلَّم وظيفتُه إلى أولاده بعدَ عُمْرٍ طويل، وستكون كل سِنِيه سعيدة بدون حزن، وسيكون حسن السمعة بين الناس، ولن يَحِيق به شرٌّ؛ لأني كنتُ عادلًا ومنصفًا على الأرض، فقد أَعطيتُ الجائع خبزًا والعطشان ماء، وعملتُ كلَّ ما يُرضي الناسَ ويمدحُه الإلهُ. ومما سبق نعلم أن «أمنحتب» قد درج إلى أعلى الرُّتَب بفضل مجهوداته وما امتاز به من الصفات العالية والخلق العظيم. فلم يَرِثْ وظائفَه من والدٍ صاحب ألقاب عظيمة أو عن أمٍّ لها نفوذ في البلاط، على أن مثل هذا النبوغ الشخصي كان من الأمور العادية في مصر القديمة. ولا نزاع في أن «أمنحتب» قد بدأ مجال حياته الحكومية كاتبًا، وقد كان هذا أول لقب حمله، ولا بد أنه أظهر براعة في هذه الوظيفة مما جعله يرقَى إلى وظيفة «كاتب الملك»، وهو لقب ظلَّ يحمِلُه حتى آخِرِ حياته، ثم رقي بعد ذلك إلى رتبة كاتب الملك الحقيقي (أيْ إنه كان أحد السكرتاريين الخصوصيين للفرعون «أمنحتب الثالث»). أما وظيفة «كاتب مجندي الفرعون» فقد كانت اختصاصاتُها إطعام الجنود والعُمَّال وكسوتهم وتفقد أحوالهم العامة. ونحن بدورنا نعلم أن وظيفة الكاتب لم تكن قاصرة على المهارة في الكتابة وحدَها، بل كان لا بدَّ للكاتب من أن يكون قديرًا في الحساب وحلِّ المسائل الرياضية والميكانيكا المعقَّدة، كذلك وضع التصميمات الخاصة بالمشاريع العظيمة البنائية (راجع Papyrus Anastasi I & M. M. A. 18, Oct. Part. II. p. 6). فليس من المستغرب إذن أن يكون «أمنحتب» في أول حياته الحكومية قد أضاف إلى وظائفه أعمال المدير العظيم لبيت الفرعون، ورئيس الخزانة ومهندس البناء، وقد وصل إلى قمة مجْده بتولِّيه وظيفةَ المدير العظيم لبيت الفرعون في «منف»، إذ قد وصل بها إلى درجة عظيمة من الثراء والغِنَى والجاه ممَّا لم يَصِلْه أحد في جميع البلاد قاطبة إذا استثنينا سمِيَّه «أمنحتب بن حبو» الذي سنوفيه حقَّه في حينه. أما مَهامُّ وظيفة رئيس الخزانة فكانت ثانوية بالنسبة لمهام المدير العظيم لبيت الفرعون، وأما لقب حامل خاتم ملك الوجه البحري فكان لقب شرف وحسب، وكان يحمله كل موظف من أصحاب الشهرة العظيمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة، ومن الأفراد الذين كان يَكِلُ إلَيْهم الفرعون القيام ببعوث إلى البلاد الأجنبية. وما قام به «أمنحتب» بوصفه مهندسَ بناءٍ ظاهر لا يحتاج إلى إيضاح كثير؛ إذ إنه بوصفه مدير الأعمال، والمشرف على المباني في «خنمت بتاح» قد أقام معبد «أمنحتب الثالث» في «منف»، ويجوز أنه كذلك قام بالإضافات التي عملها هذا الفرعون في «معبد العرابة». وعلى الرغم من أن هذا المعبد لم يكن من الفخامة والعظمة بحيث يُضارِع المعبد الذي أقامه «أمنحتب بن حبو» في «طيبة» إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون على جانب عظيم من الأهمية والفخامة. ولقد اشترك «أمنحتب بن حبي» بوصفه مواطنًا منفيًّا في الحياة الدينية الخاصة بمسقط رأسه؛ لذلك نَجِده كان يشغل وظيفة المشرف على كهنة الإلهة «سخمت» وهي زوج الإلهة «بتاح» وأمُّ الإلهة «نفرتم»، وهؤلاء يكونون ثالوث «منف»، وقد كان كاهنًا لإلهة أخرى برأس لبؤة وهي الإلهة المحلية «ورت حقاو»، والظاهر أنه كذلك كان يُشرف على كل الأعياد الدينية في «منف»، وبخاصة أعياد الإله «بتاح» أعظم آلهة هذه الجهة، ومن الجائز أن تكون الألقاب الدينية التي حَمَلها ألقاب شرف في معظم الحالات، وقد أخبرنا «أمنحتب» هذا أنه كان يختلف على القصر، وأنه كان على أحسن ما يكون مع الفرعون من الودِّ والحظوة، وليس من الصعب تصديق هذا، فقد كانتِ الصداقة التي بين الفرعون والرجل الذي ينهض بأعباء شئونه الخاصة ظاهرة بما كان بينهما من المنفعة المشتركة التي أحكمتْ أواصرها كتابة فيما يتعلَّق بالقربان الذي كان يُقدَّم لتمثال كلٍّ منهما، على أن هذا العمل لم يكن اغتصاب متاع من جهة الفرعون، ومن جهة أخرى لم تكن هبةً للفرعون من قِبَل مدير البيت، بل كان مجرَّد تبادل منفعة كما يحدث بين نِدَّيْن، قامت على مبدأ قِيمة دفعت مقابل قِيمة تسلمت؛ إذ إن مجرَّد قدرة «أمنحتب» على تخصيص ثلاثين وأربعمائة أرورا من الأرض للصَّرْف منها للمحافظة على تمثال لدليل قاطع على مقدار ما كان عليه هذا الرأسمالي من الغنى الفاحش. والواقع أن «أمنحتب» كان مِن أول أمْره حتى نهاية المطاف موظفًا منفيًّا. وتدل ظواهر الأمور كلها على أنه تلقَّن تعليمَه الأول في «منف»، ونال أعلى وظائفه هناك، وأخيرًا دُفن في تربتها، وقد كان شعوره وعاطفته الدينية مع آلهة الوجه البحري، وبخاصة آلهة «منف» ولا أدلَّ على ذلك من أن الإله «آمون» والآلهة الطيبين لم يُذكروا على آثاره، (ومن المحتمل أنه سمِّي «أمنحتب»؛ تبرُّكًا باسم الفرعون «أمنحتب الثاني» الذي وُلد في عهده لا مِن أجْل الإله «آمون»، وقد كانت زوجة «مري» مغنية الإله «آمون» مما يدل على أنها كانت طيبية الأصل غير أن في ذلك شكًّا كبيرًا). وعلى الرغم من أن نشاط «أمنحتب» كان معظمه منحصرًا في «منف» لا يصح أن نعدَّه مجرَّدَ موظَّف إقليمي لا مكانة له في المجتمع المصري الراقي؛ إذ إنه مع ارتفاع «طيبة» إلى منزلة عاصمة الإمبراطورية، فإن «منف» قد ظلت أكبر مدينة، ومن وجوه كثيرة أهم مدينة في مصر. يضاف إلى ذلك أن «منف» بما منحتْها الطبيعة من جوٍّ لطيف ومركز وسط بالنسبة للإمبراطورية المصرية، كان فراعنة الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة يُفضِّلون الإقامة فيها معظم وقتهم أكثر من مُكْثِهم في «طيبة» عاصمة البلاد السياسية والدينية. ومع أن «أمنحتب» قد بدأ حياته رجلًا من عامة الشعب ثم دخل في خدمة الفرعون كما يقول هو من غير قرابة؛ أي دون أن يكون رجلًا من أسرة غنية وعريقة في الجاه لتُساعده، فإنه قد تسنَّم قمَّة المجد والقوة والنفوذ حتى إنه عند وفاته كان في مقدور ابنه «إبي» أن يحتلَّ مكانته التي أصبحتْ خالية بموته. وهذا دليل ناطق أمامنا على أنه كان من المستطاع لأسرة مصرية أن ترتفع في جيل واحد من الحضيض إلى مكانة علِيَّة تُهيِّئ لأفرادها أن يشغلوا أعظم مناصب الدولة. ولما كانت الأرستقراطية الوراثية غير معروفة في العادة في مصر في ذلك العصر، فلا بد أن «إبي» كان رجلًا من أصحاب الكفايات العظيمة والمهارة الفائقة.
ولدينا عدد عظيم جدًّا من آثار «أمنحتب» باقٍ حتى الآن مما يدعو للدهشة وهي:
(1) قبره الذي أقامه لنفسه في «منف»، والظاهر أنه كان بالقرب من المقبرة التي أقامها «حور محب» القائد العظيم والمَلِك فيما بعدُ؛ أي بالقرب من رأس الجسر «بسقارة»؛ وذلك لوجود قطع منقوشة من هذا القبر في هذه الجهة (راجع J. E. A. Vol. XXIV. p. 18). ومعظم الآثار التي سنذكرها هنا مستخرجة من هذا القبر.
(2) محبرة كتابة نموذجية من المرمر موجودة الآن بمتحف «اللوفر» (Boreux “Guide Louvre” I. p. 66).
(3) محبرة أخرى نموذجية من المرمر بمتحف «متروبوليتان» (Hayes, J. E. A. Ibid. p. 16).
(4) محبرة أخرى نموذجية من المرمر بمتحف «فلورنس» (A. Z. Vol. XLIV. p. 89).
(5) قضيب مكعب في متحف «فلورنس» (راجع J. E. A. Vol. II, p. 139).
(6) لوحة من الحجر الجيري الأبيض بمتحف «فلورنس» (Rec. Trav. II. p. 124-5).
(7) هرم صغير من الجرانيت الرمادي بمتحف «فلورنس» (Schiaparelli, “Cat. Florence” p. 89).
(8) إناءان منقوشان من المرمر بمتحف «فلورنس» (A. Z. Vol. 44. p. 89).
(9) هرم صغير من الجرانيت الأحمر في متحف «ليدن» (راجع Ibid).
(10) صندوق أواني أحشاء بمتحف «ليدن» (راجع ibid).
(11) رِجْل كرسي من الخشب بمتحف «ليدن» (راجع Ibid).
(12) لوحة من الحجر الرملي (كوراتسيت) بمتحف القاهرة (Quibell, “The Monastery of Apa Jeremias”, p. 6, 146. Pl. LXXV).
(13) تمثال من (الكوارتسيت) من «منف»، وهو الآن بمتحف «أشموليان» بأكسفورد (راجع Petrie, “Tarkhan I. & Memphis”, V, p. 33–36. Pls. LXXVII–LXXX).
(13) تمثال من الجرانيت بالمتحف البريطاني الآن (Budge, “Guide to Sculpture”, p. 127. No. 448. Pl. XVII).
............................................
1- دلت الكشوف الحديثة على أن الخنزير كان يقدم فعلا قربانا؛ اذ عثر على عظام خنزير في حجرة دفن الملك زد كارع أحد ملوك الاسرة الخامسة (راجع 4. p .XLII .S .A Batrawi .A .Pro).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|