أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-19
1115
التاريخ: 2024-04-21
697
التاريخ: 2024-02-27
803
التاريخ: 2023-06-28
1368
|
من بين اللوحات الكثيرة التي كشفتْ عنها أعمال الحفر التي قامت بأعبائها الجامعة المصرية حول معبد «بوالهول» ثلاث لوحات تلفت النظر، غير لوحة «أمنحتب الثاني» العظيمة التي تحدثنا عنها. فإن هذه اللوحات أجمل شكلًا، وأدقُّ صناعة من اللوحات الأخرى التي أهداها الموظفون لتمثال «بوالهول»، وقد مثل على كل منها شاب من عِلْية القوم، بل أمير يقدِّم قربانًا لتمثال «بوالهول» ولتمثال المَلِك. وفي لوحتين منها كان الملك المقدم إليه القربان هو «أمنحتب الثاني»، وفي ثلاث اللوحات قد مُحِي عَمْدًا اسم الأمير، وفي واحدة منها كان اسم الأمير موضوعًا في طُغْراء. وقد مُحي اسم الأمير بدقة وعناية بحيث لم تُمَسَّ كلمة من الكلمات التي مع الاسم بأي سوء، كما أنه قد اتُّخذت الحيطة فلم يضر رمز من الرموز المقدسة، ومن ذلك نفهم أن هذا المحو قد قام به شخص يحمل في صدره ضغينة شخصية لأصحاب هذه اللوحات، كما أنه لا يحمل أي حقد على الفرعون أو الإله الذي صور على اللوحة، ومِن ثَمَّ نعلم أن هذا العمل لم يكن من جانب رجال «إخناتون «. ومما يلفت النظر أن محو الاسم لم يكن قاصرًا على الاسم البارز الذي كان يتبع الصورة، بل قد تخطَّاه إلى الاسم الذي في صلب متن اللوحة نفسها، غير أنه لحسن الحظ قد خان هذا الحاقدَ الذي قام بالمحو نظرُه، فتَرَك لنا الاسم سليمًا في مكانين، ومن ثَمَّ نعلم أنه كان يُسمَّى «أمنمأبت»، وأنه كان يحمل ألقابًا تُعدُّ من أعظم ألقاب الدولة وأرفعها. والآن يتساءل المرء مَن هم هؤلاء الأمراء الذين مُثِّلوا على هذه اللوحات؟ هل هم شخص واحد، أم هم ثلاثة شبان يحتمل أنهم إخوة؟ ولما كان لكل منهم غديرة شَعْر (شوشة)، مما كان يرمز به عند المصريين القُدَامى لسنِّ الطفولة استطعنا أن نحكم بأنهم لم يبلُغوا الحُلُمَ بعدُ، ولكي يكون في استطاعتنا محاولة حلِّ هذا اللغز، نفحص كلَّ لوحة على حِدَتها، وسنرمز لها هنا تسهيلًا لفحصها بالأحرف «أ» «ب» «ج»؛ فمِن اللَّوحة (أ) نعلم أن صاحبها كان أميرًا صغيرًا بهيَّ الطلعة، يقدم قربانًا لكلٍّ من تمثالَيْ «بوالهول» والفرعون «أمنحتب الثاني»، وأن الشخص الحقود الذي مَحَا اسمَه لم يُلحِق أيَّ ضرر بأيٍّ اسم أو رمزٍ إلهي. ولا نزاع في أن هذا الفرد الذي محا الاسم لم يكن من عُمَّال «إخناتون»؛ لأن اسم «آمون» بقي على اللوحة لم يُصِبْه أذًى.
وفي اللوحة الثانية «ب» نجد أن الأمير الممثَّل عليها يُشبه الأول، وكذلك يُقدِّم لتمثالَيْ «بوالهول» والملك «أمنحتب الثاني» قربانًا. وقد كان كذلك لم يبلغ سنَّ الرُّشْد، كما يدلُّ على ذلك غديرةُ شعره المُدلَّاة على صُدْغه، وكان يَحمِل ألقابًا عالية، وكلها بطبيعة الحال ألقاب فخرية، وكذلك نرى النقوش التي نقشت فوق تمثاله تكاد تكون صورة مطابقة للنقوش التي على لوحة الأمير السابق، مما يوحي بأن اللوحتين قد تكونان لأمير واحد بعينه. وهذه اللوحة كذلك قد أصابتْها أضرار كثيرة على يَدِ فرد أراد أن يمحو شخصية صاحبها وحده، ولم يكن للتعصب الديني شأن في إتلافها؛ لأن كل الرموز الدينية بقيت سليمة. ومما هو جدير بالذكر أن اسم هذا الأمير كان منقوشًا في طُغْراء لا تَزَال خطوطُها الخارجية ظاهرة. أما اللوحة الثالثة «ج» فنرى عليها أميرًا يَظهَر أنه مثل الأميرين اللذين مُثِّلا على اللوحتين السابقتين، ويُسمَّى «أمنمأبت». فقد تُرك لنا اسمه في مكانين على اللوحة أخطأهما عدوُّه. أما في اللوحة فقد محي اسمه تمامًا. وهذا الأمير ممثَّل كذلك بغديرة الشعر التي تدل على الطفولة أيضًا، ويُرى مقدِّمًا القربان للإله «بوالهول» وللملك «أمنحتب الثاني»، وفي منظر آخر يقدِّم قربانًا للإلهة «إزيس». من أجل ذلك يمكننا أن نستخلص مما سبق الحقائق التالية:
(1) أن اللوحات الثلاث متشابهة في الأسلوب والصنعة، وكلها من عصر واحد.
(2) وأن اسم الأمير قد بَقِيَ لنا في لوحتين وهو «أمنمأبت».
(3) وأن هذا الشاب كان ابن ملك.
(4) وأن الاسم الممحوَّ كان في حالة واحدة موضوعًا في طُغْراء.
(5) وأن هذا الأمير كان في لوحتين يقدِّم القربان لتمثال «بوالهول» والملك معًا.
(6) وأن اسم أولئك الأمراء قد مُحِيَ على يَدِ شخصٍ مُعادٍ يحمِل في قلبه حِقْدًا شخصيًّا لصاحب اللوحة، وليس له علاقة بالمَلِك أو بالإله «بوالهول».
(7) وأنه في اللوحة الثالثة «ج» نرى أميرًا يقدِّم القربان لتمثال الملك، وأن اسم الأخير قد فُقِدَ عَفْوًا نتيجة كسر وليس نتيجة مَحْوٍ.
وإذا فحصنا كل النتائج التي وصلنا إليها في هذا البحث، اتضح جليًّا أن أولئك الأمراء — على ما يَظهَر — أولاد الفرعون «أمنحتب الثاني»، ويحتمل أن اللوحات كذلك هي كلها كانت لأمير واحد؛ أيْ لأخٍ أصغر «لتحتمس الرابع». وسنرى عندما نفحص متن اللوحة الجرانيتية المنسوبة لهذا الفرعون أن «بوالهول» يتحدث في رؤية صادقة للأمير «تحتمس» ويساومه في أنه إذا قام بتنظيف ما يحيط بتمثاله من رمال، وحافظ عليه مما يَطمس جسمَه ويُخفِيه عن الأعين، فإنه سيَمنَحه تاجَ مصر. ومن ذلك يتضح جليًّا أن الأمير «تحتمس» لم يكن هو الوارث الحقيقي لعرش مصر، وإلا فإن وَعْد «بوالهول» له يكون عديم الفائدة؛ لأنه كان بطبيعة الحال سيخلف والدَه بعدَ موته دون منازع، ولم يكن في حاجة لتحمُّل مشاقِّ تنظيف «بوالهول» ليُكافَأ عليه بعرش المُلْك الذي كان سيئول إليه طبعيًّا دون مناهض. ومن ذلك يمكننا أن نزعم بحق أن إخوة الأمير «تحتمس» أو أخاه كانوا عَقَبَةً في سبيل تولِّي عرش المُلْك، وأن «تحتمس» قضى عليهم بطريقة ما، إما بالموت أو النفي، ثم مَحَا بعدَ ذلك أسماءهم، وكل ما يُشعِر بوجودِهم لأجْل أنْ تُنسَى ذكرياتُهم. ولا نزاع في أن قصة الحُلْم هي محضُ اختِرَاع لأجْل أن يُبرِّر موقفَه أمامَ الرأي العام، وهذا يُفسِّر لنا العزيمة الصادقة التي نفذ بها الشطر الذي كان عليه أن يقوم به في المساومة. ولعمري لقد كان هذا التحايُل للاستيلاء على عرش الملك بغير حق شرعي من البِدَع التي نشأتْ في مصر منذ عهد الأسرة الخامسة، فمنذ ذلك العهد نجد الملوك الذين لم يكن لهم حق شرعي مطلق في تولِّي العرش يختلقون أقصوصة يجعلون القوة الإلهية تتدخل فيها لتُحلِّل لهم الاستيلاء على عرش الملك، وأول مَن استعمل هذه الحيلة مَلِك في الأسرة الخامسة، ثم استعملها — على ما يَظهَر — «سنوسرت الأول»، وفي الأسرة الثامنة عشرة شاعتْ وتنوعتِ الأساليب التي كانتْ تُتَّبع وسيلة لذلك، كما شاهدنا في حالات «حتشبسوت» و«تحتمس الثالث»، ثم «تحتمس الرابع» الذي نحن بصدَدِه الآن. ومما يعضد الرأي الذي أوردناه هنا أن «أمنحتب الثاني» كان له أولاد ذكور عديدون، وقد ذكر لنا الأستاذ «فلندرزبتري» في تاريخه عن مصر استنادًا على ما دوَّنه «لبسيوس» في كتابه عن آثار مصر (L. D. III, Pl. 69a). أن من المحتمل أن يكون «لتحتمس الرابع» إخوة يتراوح عددُهم بين الخمسة والسبعة من أبيه «أمنحتب الثاني»؛ لأنه وُجد في قبر «حكرنحح» مربِّي «تحتمس الرابع» منظر مثل فيه «تحتمس» الصبي جالسًا على حجر مربيه، وقد مثل معه إخوة آخرون عديدون، ومما يؤسف له أنه وُجد كل أسمائهم قد مُحيتْ، وعدم ذكرِهم في أي مكان آخر يُشعِر بأن أخاهم «تحتمس» كان قاسيًا مُجْحِفًا لآثارهم وذكرياتهم، كما أساء إليهم أنفسِهم (راجع: Petrie, “History”, II, p. 165 ) والواقع الذي يُؤسف له أن هذه النظرية التي استعرضناها هنا على ضوء هذه الكشوف الحديثة لا تجعل من «تحتمس الرابع» رجلًا مثاليًّا؛ لأنه وإن لم يكن قد لعب دور السفاح في هذه الرواية المحزنة — والظاهر أنه قد قام بهذا الدور المَشِين لأسباب كثيرة — فإنه كان رجلًا جامد القلب، يحب الأَثَرَة إلى أقصى حدٍّ، ولا يبعد أنه كان السبب في الحُزْن الذي توجَّعتْ منه أمُّه، وأظهرتْه في الكلمات الباقية التي وجدناها على تمثالها، وسنرى حالةً مماثلةً لهذا المحو في صورة أحد أولاد «سيتي الأول»، ويحتمل أنه أخوه «رعمسيس الثاني»؛ لأن صورته قد أُزيلت من منظر موقعة «سيتي الأول»، التي على جدران معبد الكرنك، غير أن في ذلك بعض الشك. والآن نعود إلى هذا الأمير التَّعِس «أمنمأبت» الذي وُجدت لوحاتُه في منطقة «بوالهول»؛ إذ لا بد أنه كان جريًا على تقاليد الأسرة في هذا العهد قد خرج لزيارة «بوالهول» للصيد والقنص في تلك المنطقة التي اشتُهرت بحيوانها البري. ومن المحتمل أنه هو وإخوته كانوا قد تعوَّدوا الطِّراد في هذه المنطقة، وكان من بينهم ذلك الشاب الماكر الغامض الذي أصبح فيما بعدُ «تحتمس الرابع»، وكان قد اعتاد الصيد في «وادي الغزال» (وهو اسم أُطلِق على صحراء «منف» وما جاورها). واللوحة الجرانيتية (1) التي أقامها بين مخالب «بوالهول» قد حَفِظَتْ لنا قصةَ الحيلة التي برَّر بها تولِّيَه العرش بما قام به من عمل جليل لتمثال هذا الإله الذي كان يُخفِي في صورته إلهَ الشمس؛ أعظم الآلهة المصرية قوة وسلطانًا وعدالة، وعلى ذلك كان إقصاء كلِّ مُدَّعٍ آخرَ للمُلْك أمرًا لا مفرَّ منه، وأن كل ما أتاه من سفك دمٍ وبطشٍ بإخوته أو بالوارث الأصلي كان تنفيذًا لنبوءة هذا الإله العظيم.
وهاك متنَ هذه اللوحة:
التاريخ وألقاب الفرعون
السنة الأولى، الشهر الثالث من الفصل الأول، اليوم التاسع عشر من حكم جلالة حور، الثور القوي، منشئ الضوء، محبوب الإلهتين، الباقي في الملكية مثل «آتوم»، حور الذهبي، القوي السيف، وصادِّ الأقواس التسعة، مَلِك الوجْه القِبْلي والوجْه البحري «منخبرو رع» ابن الشمس، «تحتمس الرابع»، المضيء في التيجان، محبوب «آمون» معطي الحياة والثبات والرضا مثل رع مخلدًا.
نعوت «تحتمس الثالث»
يعيش الإله الطيب ابن «آتوم»، حامي «حور أختي» والصورة الحية لإله الكل، والعاهل، ومَن أنجبه «رع»، ووارث «خبري» الممتاز، وصاحب الوجه الجميل مثل والده، ومَن خُلق مجهَّزًا بصورة «حور» عليه، وهو ملك … الآلهة؛ خطوة مع تاسوع الآلهة، والذي يُطهِّر عين شمس، ومَن يُرضي «رع»، والذي يُجمِّل «طيبة»، ومَن يُقدِّم الصدق للإله «آتوم»، ومَن يمنحه قاطن جنوبي جداره (2) (بتاح)، ومَن يُقيم أَثَرًا بالقرب اليومية للإله الذي خلق كل الأشياء، ومَن يبحث عن كل نافع لآلهة الجنوب والشمال، ومَن يُقيم بيوتهم بالحَجَر الجِيري، ومَن يَمنَح كل قرباتهم، ابن «آتوم» من جسده، «تحتمس الرابع» الذي يُضيء في التِّيجان مثل «رع»، وارث حور على عرشه «منخبرو» «رع» معطي الحياة.
...................................................
1- لقد كان الرأي السائد عند علماء الآثار واللغة المصرية القديمة أن هذه اللوحة حديثُ خرافةٍ، وأنها أُلِّفتْ في العهود المتأخرة (راجع: Erman, “Ein neues Denkmal von der grossen Sphinx”, Sitzung Berlin Akademie (1904) 428ff. an p. 1063–1064). غير أن الأستاذ «شبيلبرج» برهن على أن هذا الرأي فاسد، وأنها كُتِبت فِعْلًا في عهد هذا الفرعون (راجع: Spiegelberg, “Orient. Lit. Zeitung” (1904) 1268ff. and 343). ومع كل ذلك لم يَقنَع الأستاذ «إدوارد مير» بحُجَج الأخير وقال عنها إنها خرافة، ولها مثيل في اللغة المصرية القديمة، وهو لوحة «بنترش» وفي البابلية خرافة سرجون. (راجع Ed. Meyer, “Geschichte des Altertum” , II, I p. 149, note 1 ) ولكن بعد كشف لوحة «أمنحتب الثاني» القائمة بجوار لوحة «تحتمس الرابع» وغيرها من اللوحات المماثلة لا يَسَعُ الإنسانَ إلا الاعتراف بأنها من صنع عصر «تحتمس الرابع» مع إصلاح ما تهشَّم منها فيما بعدُ على يد ملك تَقِيٍّ.
2- كانت تُسمَّى مدينة «منف» الجدار الأبيض، وكان معبد الإله «بتاح» يقع في الجِهة الجنوبية من هذه المدينة؛ ولذلك أُطلِق عليه «قاطن جنوب جداره»؛ أي إن الجدار الأبيض هي بلدته التي يسكن فيها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|