أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-19
189
التاريخ: 21-7-2016
1923
التاريخ: 31-1-2022
2159
التاريخ: 10-6-2022
1427
|
وأمّا المراقبة بعد ذلك، فإذا خاض في الأعمال لاحظها بالعين الكالئة.
قال الصادق عليهالسلام: «اعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» (1).
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ** خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ** ولا أنّ ما تخفي عليه يغيب
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب ** وأنّ غداً للناظرين قريب
فالمراقبة ملاحظة الرقيب وانصراف الهمّ إليه، وهي حالة يثمرها نوع من المعرفة بأنّ الله مطّلع على الضمائر رقيب على أعمال العباد، قائم على كلّ نفس بما كسبت، فهذه المعرفة إذا صارت يقيناً، ثمّ استولت على القلب وقهرته جرّت إلى مراعاة جانب الرقيب وصرف همّته إليه.
ومراقبة العارفين الموقنين بما ذكر إمّا مراقبة التعظيم والاجلال، أي استغراق القلب بملاحظته والانكسار تحته فلا يلتفت إلى غيره، وحينئذٍ تكون الجوارح متعطّلة عن الالتفات إلى المباحات فضلاً عن المحظورات، وإذا تحرّكت بالطاعات كانت كالمستعمل بها، فلا يحتاج إلى تدبّر وتثبّت على حفظها بل تكون جارية على نهج السداد من غير تكلّف.
ومن نال هذه الدرجة استغرق همّه بالله فقد يغفل عن الخلق حتى لا يرى من يحضر عنده ولا يسمع ما يقال له، ولا يبعد ذلك، فإنّك ترى من استغرق قلبه بمهم حقير من مهمّات الدنيا فيعرض (2) في الفكر فيه فيمشي فربّما يتخطّى عن مقصده وينسى الشغل الذي نهض له، فكيف بمن استغرق همّه بملوك الدنيا ثم كيف بمن استغرق همّه بملك الملوك، فهذه مراقبة المقرّبين.
وإمّا بغلبة اليقين باطّلاعه تعالى على ظاهرهم وباطنهم مع عدم دهشتهم بملاحظة الجلال بل بقيت قلوبهم على حدّ الاعتدال ملتفتة إلى الأعمال والأحوال الا أنّه غلب عليهم الحياء من الله تعالى، فلا يقدمون ولا يحجمون الا بعد التثبّت فيه ويمتنعون عمّا يفضحهم في الآخرة، فإنّهم يرونه تعالى في الدنيا مطّلعاً عليهم فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة، وفرق ما بين الدرجتين يعرف بالتأمّل فيما تتعاطاه في خلوتك من الأعمال، فبحضور صبيّ تعلم اطلاعه عليك تستحيي منه فتحسن جلوسك وتراعي أحوالك لا عن إجلال وتعظيم، بل عن حياء، وبحضور ملك أو كبير تعظّمه وتجلّه وتترك ما أنت فيه شغلاً به لا حياءً منه، وهذا يحتاج إلى مراقبة جميع حركاته وسكناته وكلّ اختياراته فينظر قبل العمل فيما تحرّك إليه خاطره أهو لله خاصّة أو في هوى نفسه؟! فيتوقّف حتى ينكشف له بنور الحقّ فيمضيه في الأوّل دون الثاني بل يلوم نفسه فيه على الميل والهمّ، وهذا التوقّف في بدو (3) الأمر واجب.
ففي الخبر: «ينشر للعبد في كلّ حركاته وإن صغرت ثلاثة دواوين: الأوّل: لِمَ؟، والثاني: كيف؟، والثالث: لمن؟» (4).
ولا يخلص من هذا الا بالمعرفة التامّة بأسرار الأعمال واغترارات النفس ومكائد الشيطان والتمييز بين ما يحبّه هواه أو يحبّه الله ويرضى به في نيّته وفكرته وسكونه وحركته، والجاهل غير معذور، بل ينبغي التوقّف حتى ينكشف بنور العلم أنّه لله فيمضيه، أو لهوى النفس فيتّقيه، فإنّ الخطرة الأولى في الباطل إذا لم تدفع أحدثت الرغبة المورثة للهمّ المورث للقصد الجازم المورث للفعل المنتج للبوار، فلا بدّ من حسم مادة الشرّ عن أصله أعني الخاطر وإن لم يستضيء له الحق لعجزه عن الفكر بنفسه استضاء بنور علماء الدين المعرضين عن الدنيا.
ثم ينظر عند الشروع في العمل بتفقّد كيفيّته ليقضي حقّ الله فيه ويحسن النيّة في إتمامه (5) ويكمل صورته، وهذا ملازم له في جميع الحالات، إذ لا يخلو عن حركة وسكون، فإذا راقب الله فيما قدر على عبادته تعالى بالنيّة ومراعاة الأدب وحسن الفعل فلا يخلو العبد عن طاعة أو مباح أو معصية، فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الآداب وحراستها عن الآفات، وفي المباح بمراعاة الأدب وشهود المنعم في النعمة والشكر عليها وفي المعصية بالتوبة والندم والحياء والتدارك لما فات، ولا يخلو أيضاً عن مصيبة لا بدّ له من الصبر عليها أو نعمة لا بدّ له من الشكر عليها، بل لا ينفكّ عن فرض في الفعل أو الترك أو ندب يسارع به إلى المغفرة أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه والعون على طاعته تعالى، ولكلّ من ذلك حدود لا بدّ من مراعاتها بدوام المراقبة.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].
والساعات ثلاثة : ساعة فاتت لا تعب على العبد فيها كيف ما انقضت في تعب أو راحة، ومستقبلة لا يدري العبد يعيش إليها أم لا، وما يقضي الله فيها، وحاضرة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب ربّه، فإن لم تأته الساعة المستقبلة لم يتحسّر على فوت هذه الساعة، وإن أتته استوفى حقّها أيضاً، ولا يطول أمله بل يكون من وقته (6) كأنّه آخر أنفاسه، فلعلّه كذلك وهو لا يدري، فيكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت على تلك الحالة، ويكون له كما قبل أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكّر في صنع الله، وساعة يخلو فيها للطعام والشراب (7)، بل لا يخلو في هذه الأخيرة عمّا هو أفضل الأعمال، أي الذكر والفكر فيما يتناوله، فإنّ فيه من العجائب ما لو فطن به علم أنّه أفضل من كثير من الأعمال، بأن يتفكّر إمّا في عجائب نفعها وكيفيّة ارتباط قوام الحيوانات بها وتقدير الله لأسبابها وخلق الشهوات الباعثة إليها والآلات المسخّرة للشهوة فيها، أو يتفكّر في وجه الاضطرار إليها وأنّها تؤذي (8) لو استغنى عنها، فيرى نفسه مقهوراً مسخّراً لشهواتها، أو يتفكّر في صنع صانعها ويترقّى منها إلى صفاته فيتذكّر لأبواب تنفتح عليه من عالم الملكوت هي أعلى مقامات العارفين والمحبّين، إذ المحبّ إذا رأى صنع حبيبه نسي الصنعة واشتغل بالصانع.
__________________
(1) المحجة البيضاء: 8 / 155.
(2) كذا، وفي المحجة البيضاء: (8 / 157) فيغوص.
(3) كذا، والصحيح: «بدء» فإنّ البدو بمعنى البادية لا الابتداء.
(4) المحجّة البيضاء: 8 / 158.
(5) كما في المحجّة البيضاء (8 / 162) وفي النسخ: إيمانه.
(6) في المحجّة البيضاء (8 / 163): بل يكون ابن وقته.
(7) المحجّة البيضاء: 8 / 164 مرسلاً.
(8) كذا، وفي المحجّة (8 / 164): ويلاحظون وجه الاضطرار إليها وبودّهم لو استغنوا عنه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|