أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-11
905
التاريخ: 2023-10-06
802
التاريخ: 2023-09-27
1220
التاريخ: 2024-08-03
469
|
وأراد يوستنيانوس أن يُحرر تُجار الإمبراطورية ورجال الصناعة فيها مِن تحكُّم الفُرس في مقدراتهم؛ فإنه لم يكن بإمكان الروم في القرن السادس أَنْ يبتاعوا مباشرةً من الصين والهند بعضَ المواد اللازمة للبذخ والتعظم والتعظيم، كالحرير والحجارة الكريمة والأطايب والأفاوية؛ ذلك أن هذه المواد كان محتومًا لها أن تمر عبر فارس؛ إذ كان الفُرس يبتاعونها في أسواق بُخارى، وعند تُخُوم الصين وفي جزيرة سيلان، ثم ينقلونها إلى حدود الروم عند الفُرات، ولا يرضون بيعها إلا بأغلى الأسعار، أَوْ لا يسمحون بتصديرها إلا بكميات محددة، فسعى يوستنيانوس للوصول إلى بخارى عن طريق البحر الأسود، فلزيقة، فبحر قزوين، متحاشيًا الدخول في حدود فارس. وكذلك سعى لتشجيع الروس الجنوبيين على الاتصال بتخوم الصين للغاية نفسها، ثم دفع تجار بيروت وصيدا والإسكندرية إلى استيراد هذه البضائع عن طريق البحر الأحمر ومرافئ حمير الجنوبية، وجعل من مرفأ آيلة بالقرب من العقبة ومرفأ قلزم بالقرب من السويس قاعدتين تجاريتين، كما أنشأ على جزيرة تيران في خليج العقبة جمركًا إمبراطوريًّا لهذه الغاية نفسها (1)، وكانت مراكب الأحباش وعرب الجنوب تجوب بحر العرب والمحيط الهندي حتى سيلان، فاتصل يوستنيانوس في السنة 530 أو 531 بالنجاشي «ملك ملوك» الأحباش وحسَّن له نقل سلع الهند والصين من سيلان إلى مرافئ البحر الأحمر، فاقتنع النجاشيُّ بالأمر وحضَّ عليه تُجَّاره. ولكن الفرس كانوا في مرافئ الهند أوسع نفوذًا من الأحباش فقاوموا تجار الأحباش مقاومة شديدة، وفي السنة 532 جاء السلم بين الفرس والروم فعادت الأمور إلى مجاريها الطبيعية وعاد الروم إلى الاستيراد عن طريق فارس. غير أن العلاقات عادت فتأزمت في السنة 540 — كما سنرى — فلجأ يوستنيانوس إلى تحديد سعر الحرير وأكره التجار على قبول تعرفة حكومية، فشلَّ بذلك نشاط التاجر الفرد ولحق بالتجار اللبنانيين خسارة فادحة كادت تقضي على صناعاتهم، ثم أفلت سرُّ تربية دود الحرير من الصين، نقله قسيسان مسيحيان بين السنة 552 والسنة 554 إلى الروم، فتلقاه اللبنانيون بالتهليل وأقبلوا على تربية دود الحرير في لبنان، وفعل مثلهم يونان المورة وبعض الجزر، فأصبح لدى الروم إنتاجٌ محليٌّ من الحرير استعاضوا به مما كان قد لحق بهم من خسارة وباتوا بمأمنٍ من تحكم الفُرس في مقدراتهم، واستطاعوا هم — بدورهم — أن يحافظوا على سرِّ تربية دود الحرير زمنًا طويلًا. واتسع نطاق عمل اللبنانيين بنوعٍ خاصٍّ فراجتْ بضائعُهُم الحريرية في جميع أسواق البحر المتوسط وفي فرنسة وألمانية وبريطانية، ونشطوا في تصديرها إلى الشرق الأقصى، فكثر طلابها في الصين نفسها، وعظمت تجارة القسطنطينية، فتقاطرت إليها المراكبُ من كل حدب وصوب من مرافئ المتوسط والبحر الأسود؛ لتحمل إليها المواد الخام على أنواعها، وتنقل منها إنتاجها الصناعي، وأصبحت — بفضل هذه التجارة واهتمامها بالفضة — المركزَ الأعظمَ للتحاويل المالية وللصرافة أيضًا. والإسكندرية بفضل موقعها وعظم مرفأها ظلت تنعم بدخل موفور، وكان أهم ما تتجر به حبوب مصر ومعادن أفريقيا ونفائس الشرق الأقصى، وقامت فيها جاليةٌ لبنانيةٌ هامةٌ تستغل سوقها العظيمة. وسُرَّ يوستنيانوس بازدهار التجارة، وهنأ نفسه أنه استطاع — بسعيه وحُسن تدبيره — أن يقدم «زهرة أُخرى» إلى الدولة التي أحب والتي وكل الله إليه أمرها، وليس في كلامه هذا ما لا يتفق والحقيقة؛ فأعمال الحفر والتنقيب في السبعين السنة الأخيرة قد دلت على هذا الازدهار دلالةً واضحة (2).
...........................................
1- Abel, F. M., l’Isle de Jotable, Rev. Bib. 1930, 520–424
2- Diehl, Ch., Justinian’s Govt. in the East. Camb. Med. Hist. II, 40–42
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|