أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2016
1129
التاريخ: 2023-07-18
1188
التاريخ: 29-8-2016
1373
التاريخ: 7-9-2016
1319
|
لمّا كانت العدالة من الشروط الاولية للحديث الصحيح عند الفريقين السنة والشيعة، ولمّا كانت عدالة الصحابة من الامور المتفق عليها بين محدثي السنة، كان من المفروض ان نتعرّض لهذين الموضوعين في هذه الدراسات حول الصحيح للبخاري، والكافي للكليني، ذلك لانّهما لم يدوّنا في هذين الكتابين الا ما صحّ عندهما من المرويّات في مختلف المواضيع، ولانّ البخاري اكثر ما يعتمد في صحيحه على مرويّات الصحابة مهما كان حالهم، ولا يتردّد في مروياتهم ولو كانت لا تنسجم مع اصول الاسلام ومبادئه، أو كانت عن طريق ابي سفيان، والحكم بن ابي العاص وامثالهما من اعداء الاسلام.
والمراد من العدالة كما يظهر من موارد استعمالها عندهم، استقامة الراوي في امور الدين، وسلامته من الفسق، ومنافيات المروءة في جميع الحالات ونصّ الخطيب البغدادي في (الكفاية) على انّ العدل من عرف بأداء الفرائض، ولزوم ما أمر به، وتوقّي ما نهي عنه، وتجنّب الفواحش المسقطة، وتحرّي الحق والواجب في افعاله ومعاملاته، والتوقّي في لفظه ممّا يثلم الدين والمروءة، واضاف إلى ذلك: انّ من كانت هذه حاله فهو الموصوف بانّه عدل في دينه، واستدل على ذلك بقول النبي (صلى الله عليه وآله): من عامل الناس فلم يظلمم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت اخوّته، وحرمت غيبته.
واكثرهم يفرّق بين تعديل الراوي وتزكية الشاهد، فيكتفون في تعديله بشاهد واحد، ويشترطون التعدّد في التزكية؛ لأنّها نوع من الشهادة التي لا بد فيها من التعدد.
ويبدو من هذا النص وغيره من النصوص انّ العدالة من الصفات القائمة بالنفس التي تعرف بآثارها كأداء الفرائض وتجنّب المحرمات ومنافيات المروءة وغير ذلك ممّا يكشف غالبا عن وجود تلك القوة الدافعة على العمل بالواجبات وترك المحرمات، وتحرّي الحق والواجب في جميع الافعال والمعاملات، فلا بد والحالة هذه من تتبّع احوال الراوي في أكثر حالاته ليصح الحكم عليه بالعدالة أو عدمها.
وقال الدكتور صبحي الصالح: ولا ريب انّ العدالة شيء زائد على مجرّد التظاهر بالدين والورع، لا تعرف الا بتتبّع الافعال واختبار التصرّفات لتكون صورة صادقة عن الراوي (1).
ونصّ في المجلد الثاني من توضيح الافكار على انّه لا فرق بين تزكية الراوي وتزكية الشاهد من حيث الاكتفاء بشاهد واحد، وايّد ذلك القاضي أبو بكر الباقلانيّ، واحتج لذلك بان التعدد انّما يجب في الشهادة، وتزكية الشاهد ليست شهادة (2).
ونصّ الشيخ عبد الصمد والد الشيخ البهائي أحد اعلام الاماميّة في كتابه الوجيزة في دراية الحديث: انّ عدالة الراوي وجرحه يثبتان بشهادة عدل واحد عند الاكثر، ولو اجتمع الجارح والمعدّل فالمشهور تقديم الجارح.
كما وانّ اكثر النصوص الشيعية تؤكّد انّ العدالة صفة قائمة في النفس، وانّ الطريق إلى معرفتها هو فعل الواجبات وترك المحرمات، كما نصّ على ذلك العلّامة الحلّي واكثر من تأخّر عنه، واضاف بعضهم إلى ذلك ترك ما يتنافى مع المروءة وان لم يكن بذاته من المحرمات، وفي مقابل ذلك نصّ جماعة على انّها ليست شيئا آخر وراء فعل الواجبات وترك الحرام فمن فعل الواجب وترك الحرام كان عادلا، وان لم يكن ذلك ناتجا عن وجود صفة في النفس تدفعه إلى فعل الواجب وترك الحرام، وتشدد فريق ثالث في تحديدها، فقالوا: بأنها الاستقامة في امور الدين الناتجة عن الملكة القائمة في النفس، وفرعوا على ذلك بان من فعل الواجبات وترك جميع الكبائر إذا لم يكن ذلك منه بتأثير تلك القوة الدافعة على العمل والاطاعة لا يكون عادلا، واحتجّوا لذلك ببعض المرويات عن الائمة (عليهم السلام) وقد جاء فيها.
ان العادل هو المعروف بالستر والعفاف، وكف البطن والفرج واليد واللسان، واجتناب الكبائر التي توعد الله عليها سبحانه بالنار: وهذه الصفات لا تجتمع في شخص ما لم يكن الخوف من الله مسيطرا عليه ومتأصلا في نفسه، وليست الملكة في واقعها غير الخوف والرجاء الدافعين على الطاعة والاستقامة في امور الدين.
ومهما كان الحال فالظاهر انّ الجميع متّفقون على انّ العدالة التي هي شرط في الشاهد وامام الجماعة والراوي وغير ذلك تترتّب اثارها إذا كان الانسان معروفا بالستر والعفاف وترك المعاصي، وفعل الواجبات سواء كانت من الامور القائمة بالنفس وهذه الامور كواشف عنها، ام كانت هي العدالة الشرعية التي اعتبرها الشارع موضوعا للآثار المختلفة حسب المقامات، وتفسيرها بهذا المعنى ليس بعيدا عن ظاهر النصوص التي تعرضت لحا لها، وقد جاء في بعضها، صن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن حرمت غيبته، وكملت مروءته وظهرت عدالته، وفي بعضها إذا كان ظاهر الانسان مأموناً جازت شهادته، وليس عليك ان تسال عن باطنه إلى غير ذلك من النصوص التي تشير إلى ان العدالة ليست شيئا آخر ورا فعل الواجبات وترك المحرمات.
وقد تعرّض الفقهاء بمناسبة حديثهم عن العدالة ومنافياتها إلى تصنيف المعاصي إلى صغائر وكبائر ونص كه صرهم على ان الاصرار على الصغائر وعدم التوبة عنها من نوع الكبائر، لانّ الاصرار عليها يلازم الاستخفاف بأوامر الله والامن من العقوبة، جاء عن الامام محمد الباقر (عليه السلام): انّ الاصرار على الذنب امن من مكر الله ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون، ونصّ اكثرهم على انّ الكبيرة هي ما توعّد الله عليه بالعذاب في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) واعتمدوا في ذلك على رواية عبد العظيم ابن عبد الله الحسني عن ابي جعفر الجواد (عليه السلام) وجاء فيها انّ عمرو بن عبيد دخل على الامام الباقر (عليه السلام) وبعد إذ استقر به المجلس تلا قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر الاثم والفواحش}، ثم قال: احب ان اعرف الكبائر من كتاب الله، قال أبو جعفر (عليه السلام): يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك بالله، قال سبحانه: {ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنّة}، وبعده الياس من روح الله، لان الله يقول: {لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون}، ومضى الامام (عليه السلام) يعدّد الكبائر التي نصّ عليها القرآن حتّى عد اثنين وعشرين نوعا منها.
وجاء عن الامام الرضا (عليه السلام) انّها خمس وثلاثون نوعا، وعدّ منها: قتل النفس، والزنا والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، واكل مال اليتيم، ومعونة الظالمين والركون إليهم، والربا، وقذف المحصنات، وغير ذلك من المحرّمات المنصوص عليها في الكتاب والسنّة وتقسيم المعاصي إلى الصغائر والكبائر هذا التقسيم يمكن ان يكون نسبيا بمعنى انّ كل معصية بالنسبة لما فوقها صغيرة، وبالنسبة لما هو دونها كبيرة فلو قلنا بذلك تصبح كل معصية من المعاصي صالحة للوصفين، ويكون الفاعل مستحقا للعقاب باعتبار كونه عاصيا مع قطع النظر عن نوع المعصية ووصفها، ويدل على ذلك قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فانّ له نار جهنم}، حيث انّ الآية بظاهرها تنصّ على انّ مطلق المعصية سبب لهذا الجزاء.
وممّا لا شك فيه ان عدالة الراوي تثبت بشاهدين عدلين بمقتضى الادلة الدالة على حجية البينة وقيامها مقام العلم في جميع موارد العمل بها، اما الشاهد الواحد، فقد نص أكثر الفقهاء على الاكتفاء به في تعديل الراوي، كما نص على ذلك الشيخ عبد الصمد في الوجيزة، والمامقاني في مقباس الهداية وغير هما، وفي مقابل ذلك لم يكتف بعض الفقهاء بالشاهد الواحد لان عدالة الراوي كغيرها من الموضوعات التي لا بد من احرازها بطريق العلم أو ما يقوم مقامه، وليس ذلك الا البينة التي تتألف من شاهدين. ورجح الشيخ الانصاري الاكتفاء بكل ما يفيد الوثوق والاطمئنان بعدالته بما في ذلك العدل الواحد إذا حصل من شهادته الاطمئنان بها اعتمادا على بعض النصوص التي لم تشترط أكثر من الوثوق والاطمئنان كقوله (عليه السلام) لا تصلي الا خلف من تثق بدينه وورعه، وقوله: إذا كان مأمونا جازت شهادته، ونحو ذلك مما يشير إلى ان المعول على الاطمئنان بالشاهد وامام الجماعة والراوي، سواء حصل ذلك من استقصاء حاله مباشرة، أو من شهادة العدلين أو العدل الواحد (3) واضاف إلى ذلك بعضهم انّ الاقتصار على البيّنة في هذه المسالة يؤدي إلى الغاء كثير من المرويات، لعدم تيسر البينة على عدالة الراوي، لا سيما مع بعد المسافة بينه وبين الشاهد، على انّ التعديل والتجريح الموجودين في كتب الرجال مبنيان على الحدس الذي لا يفيد الا الظن، والاكتفاء به يرجع إلى الاعتماد على الاطمئنان من اي طريق كان، وشهادة العدل الواحد لا تقصر احيانا عن افادة هذه المرتبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ص 133 من علوم الحديث.
(2) الباقلاني أحد الشيوخ الذين انتهت إليهم زعامة المذهب الاشعريّ في النصف الثاني من القرن الرابع، توفي سنة 403.
(3) انظر رسالة الشيخ مرتضى في العدالة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|