أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2021
3009
التاريخ: 16-11-2021
2189
التاريخ: 22-5-2022
1685
التاريخ: 2024-01-28
1195
|
قال تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
الشاب والمحيط الاجتماعي :
تبدأ الحياة الاجتماعية عند الإنسان فور اجتيازه مرحلة البلوغ إلى مرحلة الشباب، فيدخل الشاب عالماً جديداً عليه، ألا وهو عالم الاجتماع، وهذا العالم أو بالأحرى هذا المحيط يتطلب منه الاختلاط بمختلف فئات المجتمع وطبقاته، ليصبح كعجلة (تُرس تعشيق) تدفع حركتها سائر العجلات الملتصقة بها إلى الحركة، يتحمل جاباً من المسؤولية، ويعمل من أجل مجتمعه، ليعترف به المجتمع فرداً مفيداً ونشيطاً ، ويقبله عضواً حيوياً في جسده المتكامل. وما يحتاجه الإنسان لتحقيق هذا الهدف الكبير والأساسي هو إحراز الشخصية والتحلي بالصفات الحميدة التي تساعده في التكيف مع المجتمع.
إن الشاب الذي يعتبر من الناحية الطبيعية سليم الخلقة والعقل، ومن الناحية التربوية متحلياً بالصفات والسجايا الأخلاقية الحميدة بفضل ترعرعه في ظل أبوين كفوئين ومرب قدير، يستطيع ان يتكيف بسهولة مع مجتمعه، وينجح بسرعة في إثبات شخصيته. على عكس ذلك الشاب الذي يكون ناقص الخلقة والعقل ، وجامعاً لأسوأ الصفات نتيجة ترعرعه في ظل أبوين غير كفوئين ومرب جاهل ، فإنه سيواجه صعوبات جمة في محاولته لإثبات شخصيته والتكيف مع المجتمع ، فإما أن يستطيع بعد جهد جهيد أن يتكيف إلى حد ما مع مجتمعه ، وإما أن يبقى محروماً من الحياة الاجتماعية حتى آخر عمره.
وتصدر عن الفئة الفاشلة من الشباب ردود أفعال مختلفة ، فمنهم من ينطوي على نفسه ، ومنهم من يمارس الفضولية والتطفل على الناس، ومنهم من يلجأ إلى التمرد وارتكاب الجريمة، ومنهم من يعاني من إحباط في المعنويات وضغوط نفسية حادة ، فيقدم على الإنتحار .
«من المؤسف أن إثبات الشخصية لا يتم دائماً بالشكل الطبيعي ، فالأخلاق التي يتطبع عليها الفتيان خلال مرحلة البلوغ تختلف باختلاف أحاسيس المحبة لديهم. ويعتقد المحلل النفساني المعروف «رانغ» بأن التخوف من إبراز الشخصية وإثبات الوجود يشكل العامل الأساس للنوبات العصبية التي تهاجم الشباب. إن الفئة المتمردة من الشباب لا يمكنها أن تتكيف مع المجتمع ، فهي منغلقة على نفسها، مصرة على سماجتها وتمردها، ولن يكون أفرادها خارج تيار الفاسدين والمتذبذبين في المجتمع. البعض منهم لا يقبل أي عمل يطلب منه خشية المسؤولية، والبعض يرفض أن يعيش تحت وصاية أسرته وذويه، والبعض الآخر يعمل أجيراً لدى الغير بسبب عجزه عن اتخاذ القرار المناسب حول أي من الأعمال الحرة . وتكون الاضطرابات
والانفعالات النفسانية احياناً قوية بشكل تدفع الشاب اليافع إلى الانتحار. وغالباً ما يقترن ذلك بإثارة الخواطر والأحاسيس ولوساوس والتفكير المتواصل وإرتعاش العضلات وانكماشها وتقلصها، وكل هذه الحالات تنطبق على المرضى النفسيين»(1) .
إن الشاب يميل بطبعه إلى إثبات شخصيته وإظهار كفائته. وهو يعتبر أن إثبات شخصيته الاجتماعية إنما يحقق له ذروة في الإستمتاع النفسي، لذا فهو لن يدخر وسعاً من أجل بلوغ هذ الهدف.
والشاب الذي يحصل لأول مرة في حياته على عمل ما في مؤسسة وطنية أو دائرة حكومية يكاد يغمره الفرح والسرور ، لأنه يشعر بأن المجتمع بات يوليه بالغ اهتمامه باعتباره فرداً صالحاً من أفراد المجتمع .
كذلك فإن أول مرتب يناله لقاء عمله يعتز به ويفتخر، مهما كان هذا المرتب ضئيلاً، ولن يكون مستعداً للمقارنة بينه وبين ما كان يستحصل عليه بالمجان من أبيه ، مهما كان وفيراً ، لأن مرتبه هو دليل شخصيته وكفائته.
إن الشاب الذي يتحمل مسؤولية إدارة أسرته بعد وفاة معيلها ، يشعر في قرارة نفسه بالفخر والعز والشموخ ، فهو يبذل ما بوسعه لتأمين متطلبات أسرته غير آبه لما يعترضه من مشاكل وصعاب ، لأنه يستطيع بذلك أن يظهر جدارته أمام اسرته ويثبت شخصيته أمام مجتمعه. أما الشاب الذي لا يستطيع التكيف مع الناس بشكل سليم ، ولا يمكن ان يكون عضواً فاعلاً في المجتمع ، أو على الأقل أن يثبت شخصيتهم ، فإنه يعاني على الدوام من الشقاء واليأس والحرمان.. وباختصار فإن إحراز الشخصية وحسن التوافق والتكيف مع المجتمع هما من الميول الباطنية لجيل الشباب، ومن الأركان الرئيسية للحياة الاجتماعية .
لقد تناولت كتب علم النفس مسألة الشخصية من جميع جوانبها، وتطرق إليها الفلاسفة والعلماء بالبحث والدراسة ، وجاؤوا بتعاريف لمعنى الشخصية ومصدرها وقياسها واضطرابها ونموها وما إلى ذلك من الحالات التي ترتبط بالشخصية. وسنتطرق بدورنا في هذا البحث إلى مسألة الشخصية ليطلع الشباب على أهمية هذه المسألة من جميع أبعادها ، ويتعرفوا على السبيل الأمثل لإحراز الشخصية وبناء الذات .
ما هي الشخصية ؟ ، الكل يعلم أن الناس سواسية من حيث التركيب الجسماني والنفساني، لكنهم يختلفون عن بعضهم البعض الآخر من حيث الخصوصيات الطبيعية والتربوية ، فلكل إنسان وضع خاص .
وتختلف قوة الذكاء والذاكرة وسرعة البديهة والإدراك وحساسية الجسم وردود الفعل العضلية وما إلى ذلك من صفات طبيعية من شخص لآخر ، يعني أن لكل فرد قوة معينة ، كذلك الأمر بالنسبة للصفات الأخلاقية كالصبر والتحمل والعصبية والعفو والتسامح والإنتقام والعطف والحقد والغرور والتواضع والتكبر وغيرها من الصفات ، فإنها تختلف من شخص لآخر، إذ ان لكل فرد صفاته الخاصة به .
إن الشخصية من وجهة نظر علماء النفس هي عبارة عن اتحاد خاص يضم مجموعة من الصفات الطبيعية والمكتسبة الثابتة لكل فرد ، تميزه عن غيره في تعامله مع الناس وعلاقاته الإجتماعية .
«الشخصية هي عبارة عن بناء متماسك يضم في هيكليته نوع سلوك الفرد وعلاقاته بالآخرين وحالته النفسية واستعداداته وطاقاته الكامنة بما يتآلف والوضع الإجتماعي»(2) .
«يقول آلبودت : الشخصية عبارة عن مجموعة متحركة (ديناميكياً) لمنظومات نفسية وجسمية تسبح في أعماق الإنسان ، تشكل بمجملها سبباً في تآلفه مع مجتمعه وبيئته»(3).
«ويعتبر «آلبودت» أن الشخصية تشكل مظهراً لعادات الإنسان وطبائعه وسلوكه ، يحدد كيفية تكيفه مع بيئته» (4) .
«أما «مودي» فيقول إن الشخصية هي عبارة عن مجموعة من الإحتياجات الفردية والإجتماعية للإنسان، وكيفية تأمينها»(5).
«ولا بد هنا من توضيح مسألة أن تكون الشخصية فريدة من نوعها ، فمن المسلم به ان الإنسان لا يمكن أن يكون فريداً من نوعه في كافة الامور.
يشير كل من العلماء «كلوك هون» و«مودي» و(أشنايدر) إلى أن بعض جوانب كل إنسان شبيه 1- بجميع الناس ، 2- ببعض الناس ، 3- فريدة من نوعها .
فالمرء يشبه سائر الناس من ناحية انفعالاته الناشئة عن الوراثة الحياتية والمشتركة بين النوع الإنساني وكذلك من النواحي العامة للحياة الاجتماعية . أما إذا كان يرتبط بمجموعة واحدة ويؤدي في المجتمع دوراً مماثلاً لأدوار غيره ، وربما يشبه بعض الناس من ناحية التكوين الجسماني الموروث ، ولا تتساوى تجاربه الماضية بتجارب الآخرين، فهو فريد من نوعه»(6) .
«والشخصية هي عبارة عن مجموعة منتظمة ومتكاملة وثابتة لخصوصيات الفرد وسلوكه من النواحي الجسمانية والعقلية والاجتماعية التي تميزه عن سائر الناس»(7).
«إن المقصود من الشخصية هو الوحدة التي تجمع بين الصفات الظاهرية والدوافع الخفية للفرد، ومن بين كل تلك الصفات، نعتبر أن تلك التي لها نوع من الثبات والاستقرار هي جزء من شخصيته. فإذا كان الشخص هادئاً في طبعه عادة ويثار بين الحين والآخر، فإن صفته الشخصية هي الهدوء وليس الدافع الذي يخل بهدوئه»(8).
إذا كانت الشخصية الأخلاقية لإنسان ما متزنة هادئة، واعتلته أحياناً موجة من الغضب والهياج ، فإنه سرعان ما يندم ، لأن حالة الغضب العابرة تلك لا تتوافق وشخصيته الأخلاقية ووضعه النفساني . أما إذا كانت شخصيته حادة بطبيعتها ، فإنه لن يندم أبداً إذا ما غضب وهاج ، ويواصل سلوكه السيء ، وقد عبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن هاتين الشخصيتين بالجنون المؤقت والجنون المستحكم.
حيث قال (عليه السلام): الحدة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكم(9).
«لقد جيء بالكثير من المعاني لمفهوم الشخصية ، واستخدمت هذه الكلمة بطرق مختلفة».
«وقد وجد «آلبودت» في العرف العام خمسين معنى لكلمة شخص وشخصية»(10).
رغم أن علماء النفس قد عبروا عن شخصية الإنسان بعبارات وتفسيرات كثيرة ومختلفة ، إلا أن كل هذه العبارات والتفسيرات تضمنت نقطتين مهمتين أجمع عليهما كل العلماء، الأولى ، تكوين مجموعة الصفات الطبيعية والمكتسبة الخاصة بكل فرد والتي تميزه عن سائر أفراد مجتمعه ، والثانية ، التآلف الاجتماعي. وبعبارة أخرى فإن مجموعة الصفات الطبيعية والمكتسبة التي تعين للفرد سلوكه في علاقاته مع الناس وتآلفه معهم ، وتبرز قيمته الاجتماعية ، هي التي تحدد شخصيته.
_________________________
(1) ماذا اعرف؟، البلوغ، ص 90 .
(2) مبادى، علم النفس؛ ص 183.
(3) علم النفس الاجتماعي ، ص 349 .
(4) علم الاجتماع، صاموئيل كينغ، ص106.
(5) علم نفس الطفل، ص 306 .
(6) علم النفس الاجتماعي، ص349.
(7) علم نفس النمو، ص 412.
(8) مبادئ علم النفس، ص150 .
(9) نهج البلاغة، الكلمة 247 .
(10) علم النفس الاجتماعي، ص348.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|