تعتقد الشيعة بالعصمة التامّة للرسول حتّى في شؤون الحياة المعيشية على خلاف الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية ، فما رأيكم ؟ |
963
08:26 صباحاً
التاريخ: 2023-07-11
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-07
1138
التاريخ: 2023-08-03
790
التاريخ: 2023-08-20
854
التاريخ: 2023-07-25
1104
|
السؤال : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّد صلى الله عليه واله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟
خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنه صلى الله عليه واله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟
المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.
الجواب : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياء عليهم السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّد صلى الله عليه واله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.
ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :
أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّ صلى الله عليه واله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسول صلى الله عليه واله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :
منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.
ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء (1).
ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّ صلى الله عليه واله أن لا يعترضوهم (2).
ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظم صلى الله عليه واله.
فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: 11] ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.
ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسول صلى الله عليه واله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.
وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّ صلى الله عليه واله (3) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام (4) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان (5).
وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسول صلى الله عليه واله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري (6).
وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود (7).
وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة علي عليه السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا (8) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!
ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّ صلى الله عليه واله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ... } [الأنفال: 67] في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّ صلى الله عليه واله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّ صلى الله عليه واله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.
ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى (9) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.
ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلى الله عليه واله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة (10) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّ صلى الله عليه واله مال إلى القتل (11).
رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :
منها : إنّ النبيّ صلى الله عليه واله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسول صلى الله عليه واله نفى لزوم التأبير فتركوه.
ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّ صلى الله عليه واله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!
ومنها : إنّه صلى الله عليه واله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه (12).
وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.
____________
1 ـ فتح القدير 2 / 311 ، شرح نهج البلاغة 14 / 118 ، جامع البيان 10 / 14 ، زاد المسير 3 / 246 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 21 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 326 ، الدرّ المنثور 3 / 166 ، الطبقات الكبرى 2 / 27.
2 ـ الكامل في التاريخ 2 / 123.
3 ـ السيرة الحلبية 2 / 203 ، أُسد الغابة 2 / 307 ، تاريخ المدينة 1 / 219 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 19.
4 ـ التنبيه والإشراف : 205 ، المستدرك 3 / 368 ، الاستيعاب لابن عبد البر 2 / 765 ، المعجم الكبير 1 / 110.
5 ـ السيرة الحلبية 2 / 254.
6 ـ المصدر السابق 2 / 253.
7 ـ مسند أحمد 1 / 68 و 75 ، مجمع الزوائد 7 / 226 ، الدرّ المنثور 2 / 89 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 428 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 258 ، البداية والنهاية 7 / 231.
8 ـ كنز العمّال 5 / 725 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 435.
9 ـ السيرة الحلبية 2 / 263.
10 ـ المصنّف للصنعاني 5 / 209 ، الطبقات الكبرى 2 / 22 ، عيون الأثر 1 / 373 ، الدرّ المنثور 3 / 202.
11 ـ الكامل في التاريخ 2 / 136.
12 ـ مجمع الزوائد 1 / 139 ، 151 ، الجامع الصغير 1 / 404 ، كنز العمّال 10 / 224 و 229.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
اللجنتان العلمية والتحضيرية تناقش ملخصات الأبحاث المقدمة لمؤتمر العميد العالمي السابع
|
|
|