أقرأ أيضاً
التاريخ: 18/12/2022
1477
التاريخ: 11/12/2022
2015
التاريخ: 22-10-2019
1754
التاريخ: 11/12/2022
1148
|
مقال الاعترافات
لسنا نعرف كذلك أن كاتباً بلغ في هذا الفن من فنون المقال الادبي بعض ما بلغه الدكتور طه حسين في كتابه المعروف "بالأيام" .
وهو صورة نابضة بالحياة، زاخرة بالمعاني، رسمها كاتب قدير عرف بغزارة العاطفة، وجمال التصوير، وعذوبة العبارة.
وقد زعم الكثيرون أن كتاب "الايام" محدود الجوانب، قصره كاتبه على وصف حياته في القرية، ولكن هذا الزعم بعيد عن الصواب؛ لان الكتاب صورة رائعة للقرية المصرية بما فيها، ومن عليها، فضلاً عن كونه في نفس الوقت صورة رائعة أيضاً لكفاح شاب فقد البصر منذ الصغر، ولكنه ناضل في حياته حتى أصبح ملء السمع وملء البصر!
والكتاب من هذه الناحية الاخيرة أشبه بكتاب أمريكي كان له تأثير كبير في الأوساط الادبية، وعنوانه "العالم عند أطراف أصابعي" .
والحقيقة التي لا مراء فيها أن القرية المصرية لم تظفر بقصة وافية تصورها هذا التصوير الجديد، كما ظفرت بذلك كله في كتاب "الايام" .
من أجل هذا أقبل المصريون وقراء العربية إقبالا منقطع النظير على قراءة هذه المقالات منذ نشرت تباعاً في مجلة الهلال عام 1936 ، ثم جمعت فيما بعد في كتاب، ثم ترجم هذا الكتاب إلى عدد غير قليل من اللغات الاجنبية فوجد أصحاب هذه اللغات في قراءته أضعاف اللذة التي وجدها أصحاب العربية.
ومهما يكن من شيء فإن كتاب "الايام" يمتاز بأمور شتى يمكن تلخيصها في كلمة واحدة، وهي أنه واقعي في تصويره، وإن لم يكن واقعياً في طريقة تعبيره، فهو واقعي في تصويره بمعنى أن "طه حسين" وصف به حياته في الريف المصري أصدق ما يكون الوصف، وصور الحياة كلها في هذا الريف المصري أدق ما يكون التصوير، فلا تكلف في تزويق الحديث ولا جنوح إلى اختراع الحوادث، ولا رغبة في إخفاء الحقائق عن عين القارئ، ومعنى ذلك أن أهم ما في كتاب "الايام" هو عنصر الصدق والامانة، وهو من هذه الناحية مخالف لكاتب آخر، سبقت الإشارة إليه، وهو "المازني" الذي قلنا إنه يميل إلى اختراع الحوادث بما يتفق وما سماه "الصدق الفني" .
غير أن كتاب "الايام" ليس واقعياً من حيث الاسلوب الكتابي، أو طريقة التعبير، بل هو في هذه الصفة الاخيرة مخلف كل المخالفة للمازني.
ذلك أن "طه حسين" يأبى على شخصياته القصصية في "الايام" إلا أن تنطق اللغة العربية الفصيحة، على حين أن المازني، وتوفيق الحكيم، وإضرابهما من الكتاب يجرون الحوار بين شخصيات القصة الواقعية باللغة العامية، مادامت هذه اللغة هي التي يتكلمها أشخاص القصة بحكم مركزهم الاجتماعي من جانب، أو بحكم حرمانهم من الثقافة، وجهلهم باللغة الفصيحة من جانب آخر.
ومع هذا وذاك لا يحس قارئ "الايام" بأن في اللغة الفصيحة التي يجريها الكاتب على ألسنة أشخاصه شيئاً من الغضاضة، أو التكلف الذي يقلل تقليلا واضحاً من صفة الواقعية، وليس كل جانب من الكتاب قادراً على ذلك في الواقع، إذ أن طواعية اللغة لا تتيسر عادة إلا للعارفين بها، والقادرين عليها.
وثم صفة من الصفات التي يمكن أن يستشفها القارئ لكتاب "الايام"، وهي أن "طه حسين" يهتم اهتماماً بالغاً بتصوير النفس الإنسانية في كل موقف من المواقف التي تعرض لأشخاص القصة، ثم هو أبرع كاتب يهيئ لك الجو من الناحية النفسية لكي تستطيع متابعة القراءة، وهو يعتمد في كل ذلك على ما وهبته الطبيعة من عمق المشاعر، واتساع العواطف، ورحابة النفس، والقدرة على سير أغوار الاشخاص الذين يتحدث عنهم في مقالاته، كما يعتمد أخيراً على قدرته على ما يسمى "التأمل الباطني" حتى لكأن نفسه الباطنة دنيا كبيرة، أو مسرح ضخم يستطيع أن يكون فيه مخرجاً لشتى الروايات التمثيلية الإنسانية الخالدة.
والخلاصة أن صفة الخلود في كتاب "الايام" آتية له من ناحيتين: هما الصدق الحقيقي الذي تحدثنا عنه أولاً، والقدرة على وصف النفس البشرية بمشاعرها المختلفة في حالاتها المختلفة بعد ذلك.
أما أسلوب هذه الفصول أو المقالات التي على شكل اعتراف فمتأثرة بالمدرسة الجاحظية في الكتابة، وهي مدرسة ذات خصائص فنية معروفة من أهمها: الاسهاب، والاستطراد، واتساع العبارة، وجذب القارئ، وسحبه بلطف ومهارة، ثم هي مدرسة تعني كذلك بالمقابلات بين الالفاظ بعضها وبعض من جهة، وبين المعاني بعضها وبعض كذلك من جهة ثانية، ولعل أهم ما تمتاز به المدرسة الجاحظية فوق هذا كله أمران:
أما أولهما- فقدرة هذه المدرسة على أن تؤدي لك أفخم المعاني بأيسر الالفاظ.
أما الثاني- فعنايتها عناية ظاهرة بجرس اللفظ، وموسيقى العبارة، وتقطيع الكلام قطعاً متوازنة، تستطيع أن تقف عند كل واحدة منها، وتستشعر الراحة في هذا الوقوف.
ويظهر أن السبب في شيوع هذه الصفة الاخيرة في أسلوب "طه حسين" بوجه خاص هو تعلمه منذ نعومة أظفاره تجويد القرآن الكريم، ثم اعتماده في ريعان شبابه، وإلى الآن في تحرير مقالاته، على الإملاء.
ولسنا نقصد في هذا الفصل من الكتاب إلى التعريف بطه حسين، ولا بأدب "طه حسين"، كما لم نقصد في الفصل السابق إلى التعريف بالمازني ولا بأدب "المازني"، وإنما قصدنا الكلام عن هذا الضرب من ضروب المقال الادبي، وهو مقال الاعتراف، وقد شئنا أن نضرب له المثل بكتاب "الايام"، وكان يصح أن نضرب المثل بكتب أخرى لولا ضيق المقام.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|