أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-30
1253
التاريخ: 2023-05-24
7237
التاريخ: 2024-07-27
566
التاريخ: 2024-09-02
320
|
اختلف المفسرون في هل إن الاستسقاء وتفجر الحجر ماءً بضرب العصا يتعلق بصحراء سيناء أم إنه قد تحقق بعد دخول بني إسرائيل إلى القرية المعهودة (التي مرّ ذكرها في الآية 58 من سورة "البقرة")؟ هناك قرائن تؤيد الوجه الأول من أن الحدث المذكور قد حصل في وادي التيه:
1. إذا كانوا قد دخلوا القرية المعهودة فإن تلك القرية (التي تعني الضيعة طبقاً لما مرّ) شرحه كانت تحتوي على ماء الشرب.
2. القرينة الأخرى هي جملة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] التي أتت تتمة للآية؛ إذ كما سيأتي لاحقاً فإن كلمة: {كلوا} ناظرة إلى المن والسلوى الذي كان ينزل على بني إسرائيل في الصحراء. وبهذا يتعين أن تكون جملة: {اشربوا} ناظرة إلى تلك المنطقة أيضاً.
3. القرينة الأخرى تعابير التوراة الجديدة التي جاء فيها:
ثم ارتحل كل جماعة بني إسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا في رفيديم. ولم يكن ماء ليشرب الشعب فخاصم الشعب موسى وقالوا: اعطونا ماء لنشرب... فقال الرب لموسى مرّ قدام الشعب... وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب... فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب (1).
هذه العبارة تشير إلى أن انشقاق الصخرة وتفجر الماء منها كان قد حصل في الصحراء.
تنويه من غير الممكن العثور على إجابة لهذا التساؤل من خلال ترتيب هذه الآية مع الآيات السابقة لها حيث جرى الحديث في البداية عن دخول القرية ثم تبعه الكلام عن الاستسقاء؛ وذلك لأنه يتعارض مع ترتيب آيات سورة الأعراف (2) حيث ذكر دخول القرية بعد الاستسقاء ومن الصعب ترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجّح إضافي.
أما القرينة التي تؤيد الوجه الثاني (تأخر الاستسقاء عن التحير في التيه) فتتمثل في ظاهر سياق نفس الآية محط البحث؛ لأن ظاهر السياق يشير إلى أن الصخرة المذكورة كانت منصوبة في مكان معين (3)، وهو مكان واسع ومناسب بحيث إنه عندما انفلق الحجر وجرى الماء تشكل اثنا عشر مشرباً منفصلاً من الماء كل واحد منها في جهة معينة وله علامة مميزة؛ بحيث إن أفراد كل سبط من الأسباط الاثني عشر كانوا يعرفون الموضع المخصص لهم وإن كل مشرب كان يتسع كما في بعض النقول لإرواء الجمع الكثير للأسباط (4) من غير تعب ولا نصب. وبعبارة أخرى إن ظاهر الآية فقلنا أضرب بعصاك الحجر... قد علم كل أناس مشربهم يقتضي ارتباط الحادثة المذكورة بواقعة خاصة حدثت مرة واحدة وفي مكان واحد وكان مكان الواقعة من السعة والمناسبة بحيث يستوعب جميع المشارب الاثني عشر التي يكفي كل واحد منها لإرواء ما يقارب الخمسين ألفاً من الناس (5)، لا أنه كان حجراً بحجم رأس الإنسان وكان موسى يحمله معه أينما ذهب.
هذا التصوير للحجر ومحلّه يستلزم عدم حدوث هذه القضية في أثناء السير والتوقف في محطات الطريق بل حدثت بعد الاستقرار في مكان بعينه؛ وكأنهم كانوا قد أمروا بالاستقرار في قرية أو ضيعة معينة والإقامة هناك لمدة من الزمن وأن الماء المحدود لتلك القرية لم يكن حالة السكني والاستقرار لن تقتصر الحاجة إلى الماء على شرب القاطنين في المنطقة بل سيتعداه - طبعاً - إلى متطلبات أخرى من قبيل الزراعة كافياً لسد حاجة ذلك العدد الضخم من الناس!، لأنه في وتربية المواشي والبناء وما إلى ذلك، بل قد تكون مصادر المياه لضيعة ما غير كافية حتّى لتغطية ماء الشرب لعدد ضخم كهذا؛ خصوصاً إذا أخذنا في نظر الاعتبار الماء اللازم لشرب الحيوانات والاغتسال وغسل الملابس.
إذن من الممكن تصوير القصة على النحو التالي: عندما دخل بنو إسرائيل القرية (التي من الممكن أن تكون نفس "رفيديم" المذكورة في التوراة جوبهوا بشحة في المياه فشكوا ذلك لموسى) . فاستسقى موسى ا لهم من الله، وبعد ضربه بعصاه على الصخرة التي كانت داخل القرية أو في جوارها أو في منطقة يقال لها "حوري رواية التوراة - انفجرت منها اثنتا عشرة عيناً.
في حالة كهذه فإن بني إسرائيل كانوا يتمتعون بالمن والسلوى من ناحية (على فرض أن القرية كانت في صحراء سيناء وفي الطريق الذي كان يسير فيه بنو إسرائيل)، وقد أصابوا بدخولهم القرية استقراراً نسبياً من ناحية أخرى، وارتفعت عنهم مشكلة انعدام المياه أو شحتها بتفجر تلك العيون الاثنتي عشرة من ناحية ثالثة، وسلبوا الذريعة للتنازع والاختلاف خلال تقسيم العيون بين من الأسباط . من ناحية رابعة. من هذا المنطلق فإنه. من المناسب أن يخاطبوا بالقول: كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين، كلوا من المن والسلوى واشربوا من ماء العيون ولا تنازعوا فيما بينكم ولا تفسدوا في الأرض. بيد أنهم عادوا فتذرعوا بحجة جديدة ألا وهي عدم تنوع طعامهم. لذا فقد جاءهم الخطاب: إذا لم تقنعكم الإمكانات المتاحة في القرية والطعام المحدود لها فادخلوا مدينة... وهو ما يأتي ذكره في الآية اللاحقة.
مما مضى من بيان أولاً: يُستشف أنه ليس المراد من القرية في الآية السابقة خصوص بيت المقدس وأن الالتزام بمثل هذه النتيجة لا ينطوي على أي محذور؛ خصوصاً بالالتفات إلى احتمال أنهم لم يدخلوا تلك المدينة في زمان موسى ، وأن سياق مجموع آيات هذه القصة يوحي تلك الحوادث كانت قد وقعت في زمان حياته.
ثانياً: يتضح النقد للقرائن الثلاث التي مر ذكرها ترجيحاً للوجه الأول (تقدم الاستسقاء على الدخول إلى القرية).
فنقد القرينة الأولى يكمن في أن الرقعة المحدودة لقرية لا تفي بتأمين ماء الشرب لعدد ضخم من الناس يناهز الستمائة ألف نسمة فكيف بتأمين حاجاتهم الأخرى ولأمد بعيد.
أما نقد القرينة الثانية فهو أن الاستقرار في ضيعة واقعة في وسط أطراف صحراء التيه لا يتنافى مع الانتفاع بنعم تلك الصحراء.
ونقد القرينة الثالثة هو أنه جاء في نفس التوراة وفي ضمن العبارة المنقولة فيها أن بني إسرائيل كانوا قد خيموا في "رفيديم" وأن انفلاق الصخرة وتفجر الماء قد حصل بعد الاستقرار في تلك المنطقة ولا يُستبعد أن "رفيديم" هو اسم إحدى مناطق العمران الواقعة في تلك الصحراء.
اعتقد أغلب المفسرين أن قصة تفجر الحجر ماء غير قابلة للجمع حدث دخول القرية. من هنا فقد ذهبوا إلى أن تلك الأحداث كانت مع قد وقعت قبل الدخول إلى القرية والفخر الرازي هو فقط عنهم إذ نقل عن أبي مسلم أن هذه القصة تتعلق بما بعد الدخول إلى القرية، لكن بالالتفات إلى ما قد سلف ذكره فقد ثبت بأن القصتين قابلتان للجمع.
تنويه:
1. إجابة على التساؤل القائل: لماذا لم يراع هذا الترتيب في سورة "الأعراف"؟ يتعيّن القول: كما أسلفنا فإن القرآن ليس كتاب قصة ولا تاريخ كي يقص القصص ويروي القضايا الخارجية كما تفعل الكتب التاريخية بل هو كتاب حكمة وهداية وهو ينقل أي مقطع من التاريخ ينطوي على الهداية وتُستلهم منه الحكمة وينسجم مع غرض محدد تهدف إليه آيات معيّنة أو سورة خاصة، من دون مراعاة الترتيب الزمني للأحداث، اللهم إلا بعض القصص (مثل قصة يوسف) حيث لا تتنافى مراعاة الترتيب الزمني لأحداثها مع حكمة القرآن وهدفه الأساسي بل تكون مقتضى حكمته وهدفه. كما ويمكن القول بأن الفائدة من عدم النظر إلى كل مقطع على مراعاة الترتيب الزمني ى للقصة المعهودة حدة ليجعل من كل واحد منها وسيلة مستقلة للتذكر والتدبر، والحال أنه لو روعي الترتيب الزمني لنظر إلى جميع المقاطع والقضايا بما أنها أمر واحد، ومن الجلي أن المنهج الأول هو أكثر مناسبة لتعليم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس (6).
2. إن ظاهر الآية مورد البحث هو أن المراد من العصارة هو العصا المعروفة للنبي موسى التي قد تحولت إلى ثعبان والتي شق بها الة البحر، وصحيح أن بعض التفاسير قد بينت لهذه العصا خصوصيات أخرى إلا أنها لم تورد سنداً معتبراً لهذا الادعاء ولتلك الخصوصيات.
3. إن عصا موسى المعروفة التي هي عصا خاصة كانت سببا للانفجار والانبجاس. أحياناً يكون الفجور أيضاً سبباً لانشقاق العصا الاتفاق والاجتماع). فما عرف بمصطلح "شق عصا المسلمين" هو عبارة عن الفتنة التي تفرّق المجتمع الإسلامي ويُقال لمثل هذا التفريق المذموم شق عصا المجتمع. وقد تحدث الفخر الرازي عن هذا الموضوع بشكل إجمالي (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الكتاب المقدس (العهد القديم)، سفر الخروج، الأصحاح السابع عشر.
2. أما ما جاء في بعض الأقوال من أنه كان حجراً محدوداً صغيراً يحمله موسى معه وكلما هبطوا في مكان قرعه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً، وعند مغادرة القافلة يتوقف الماء عن التدفق، وأن هذه القضية كانت تتكرر في كل منزل، فإنّه لا . يوجد دليل معتبر عليه، كما أنه مخالف لظاهر ما نقل عن التوراة أيضاً. هنا من ففي العبارة المنقولة عن التوراة ورد تعبير "الصخرة".
3. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 250؛ الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 394.
4. إذ أن ستمائة ألف نسمة ينقسمون إلى اثنتي عشرة قبيلة كل واحدة منها تضم خمسين الفا.
5. التفسير الكبير، مج2، ج 3، ص 101.
6. راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص128.
7. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 250؛ وتفسير منهج الصادقين، ج 1، ص 280.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|