أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
3712
التاريخ: 27-7-2017
3118
التاريخ: 29-09-2015
2366
التاريخ: 23-7-2016
22646
|
مهما
كان إطار الرواية فهي تنطلق من واقعٍ خارجيٍ أو نفسيّ يريد الكاتب معالجته لهدفٍ
يريد بلوغه. وقد رأينا أن واقع ما بعد الحرب كان مأساوياً مملوءاً بالمشكلات؛ وأن
نعماءه أصابت فئة ضئيلة من ذوي المال والسلطة وبأساءه عمّت الجميع الذين وجدوا
أنفسهم أمام السّراب. وقد عكف الروائيون على تصوير هذا الواقع وتحليله في قالب
منسوج من الحقيقة والتخييل؛ إنه واقعهم بقدر ما هو واقع القراء، لكنه مرئيٌّ من
زاوية الكاتب وتأمله. وليست الرواية للإمتاع بقدر ماهي مُرْصدة للتغيير. إنها -كما
يقول الروائي روب غرييه-عملٌ يضع العالمَ موضع البحث والتساؤل(1).
على
أن الروائي لا يستطيع تغيير شيءٍ في المجتمع إلاّ بعد أَنْ يتغيّر هو؛ فبينه وبين
المجتمع علاقة جدليةً. يقول الروائي الفرنسيّ ألبير ميمي: نحن حملة ردّ
الفعل، ونحن المترجمون لكلّ اهتمامات معاصرينا(2).
أما
شكل الرواية الحديثة فقد شهد تفجّراً لا حصر لأنواعه؛ فمن العودة إلى أشكال القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلى التجريب في ظل الحريّة المطلقة. وبين هذين
القطبين سقطت بعض الأنماط كالنمط السّارتريّ، الذي يقوم على الوعظ والإرشاد كما
يقول بعض نقاده؛ وظهرت نظريات وأشكال جديدة نذكر منها الحركة التي تألفت حول روب
غرييه باسم (الرواية الجديدة). وقد بلغ التسارع في التغيير أن شمل الكاتب نفسه
الذي صار يطوّر أشكاله بين الحين والآخر بل بين الرواية والتي تليها. إن روايات
روب غرييه السابقة أصبحت جزءاً من التراث... ولم تعد تمثل أسئلة مطروحة، وروب نفسه أخذ يرود آفاقاً جديدة
ويتحدث عن أشياء أخرى...(3) وهذا التسارع ناشئٌ عن سرعة تغير العالم الذي سرعان ما تلف
دوّامته الكتّاب وتؤدي إلى تغيّر في الشكل والمضمون.
لقد
ألغى بعضهم الأشخاص وألغي بعضهم الآخر (مثل سولرز) كل مقومات القصّة: الحَدَث
والبطل والزمان والمكان. ثم بالغ فجردها من الفواصل والنقاط وجعلها كتابة مسترسلة
وألفاظاً لا تحدها حدود أو أُطر معينة(4). وسمي هذا الاتجاه بالشيئية.
وقد أصبح القارئ يجد عسراً في قراءة أمثال هذا النمط.
وعلى
الرغم من هذا التطوّر لاتزال بعض ملامح الرواية السابقة التي عهدت عند بروست ماثلة
بل هنالك ردّة إلى تلك الأشكال وهوادة في التجريب وميلٌ إلى التراخي لدى الكتاب
والقراء في جميع أنحاء العالم الغَرْبيّ(5). وخفّت الفروق الحادة بين
الأشكال المتطرفة.
لقد
بهتت ألوان الواقعية الجديدة والوجودية وظهرت روح مغايرة وتقنيات جديدة، وبرزت
الرواية الغرائبية والسحريّة والفانتازية التي لا تنتمي أبداً إلى الواقعية،
ورواية الذعر والكوارث المرعبة ورواية الألغاز والمفاجآت والرعب والكوابيس
والأشخاص الغامضين (شيكلس وبورغيز) وسميت بالرواية السّوداء. وظهرت رواية الخيال
العلمي التي اتبعت مدرسة جول فيرن (نهاية القرن التاسع عشر) وبرز فيها كتاب
(كالبريطاني ك.س. لويس-1963) من خلال أدب الأطفال والناشئة والمسلسلات
التلفزيونية، وروايات العنف والإبادة وروايات غزو الفضاء (عظيموف وفرانك هربرت)
واكتشاف المجهولات وتصورات القرن الحادي والعشرين من خلال محطات الفضاء المزوّدة
بالعقول الالكترونية. وكثير من هذه الروايات الجديدة عالجت التمييز العنصري والحرب
الباردة وهموم المجتمعات المعاصرة، وندّدت بالجوع والظلم والحروب ودعت إلى السّلام
والمحبّة...
هذه
هي باختصار ملامح رواية ما بعد الحرب. وهذا يكفي لتبيان انطلاقها من إطار المذاهب
ودخولها مرحلة الإبداع التجريبي الحر المتنوع. إنها (الحداثة) المناسبة لطبيعة عصر
القلق والسّأم والسرعة والبحث عن الجديد.
__________
(1)
الإبداع الروائي اليوم. دار الحوار 1988، ص74و 118.
(2)
المصدر نفسه: 61.
(3)
المصدر السابق: 80.
(4)
المصدر السابق: مطاع صفدي 55.
(5)
المصدر السابق: روبرتس: 79، 110، 118-