أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-7-2017
4189
التاريخ: 29-09-2015
2620
التاريخ: 29-09-2015
2751
التاريخ: 30-09-2015
1867
|
تعني
كلمة السّريالية في اللغة الفرنسية مذهبَ ما وراء الواقع. والواقعُ ما هو موجود؛
سواءٌ في عالم المادّة أم الحسِّ أو الوعي؛ أي ما يدركه الإنسان مباشرة في العالم
الخارجي أو ما يشعر به ويعيه في عالمه النفسي. والسّرياليّة لا تهمل هذا الواقع،
ولا تنكره ولكنها لا تثق به ولا تعوّل عليه. فهو في رأي بروتون زعيم السريالية
معادٍ لكلّ ارتقاء فكريّ وخُلُقي(1) ولذلك فهم يبحثون عن واقع خفيّ
يقبع في أعماق النفس دون أن يشعر الإنسان بوجوده وقد تكوّن درسا في الأعماق منذ
زمن الطفولة، أو ربما في الأجيال السابقة. إنه واقعٌ موجود، ولكنْ في عالم
اللاَّشعور أو اللاوعي، وهو يؤثر في شخصيتنا وسلوكنا وتصرفنا ودوافعنا دون أنْ نعي
آلية هذا التأثير، ويظهر بين الحين والآخر حين تنعدم رقابة الشعور في أشكال مختلفة
كالأحلام النوميّة وأحلام اليقظة وهذيانات السَّكْر أو التخدير أو الحمّى وزلاّت
اللسان والأخطاء غير المقصودة، والميل أو عدم الميل نحو شخص من الأشخاص أو شيءٍ من
الأشياء، وفي التنويم المغناطيسي والأمراض النفسية والمخاوف التي لا نجد لها
مبرّراً معقولاً والنزوات والجرائم الغامضة التفسير....
هذا
هو عالم ما وراء الواقع. إنّه جزءٌ من الذات. وهو موجود ولكنه غير مرئيّ ولا
ملاحظ، كالوجه الآخر للقمر.. ويرى العالم السويسري تيودور فلورنوا أن الذات
الواعية لا تؤلف إلاّ جزءاً يسيراً من الكيان الفرديّ؛ بل هي تغوص في لجج الذات
اللاواعية التي تلوح في بعض الأحيان بشكل وَمَضاتٍ وتجليات روحية(2).
وقد
كان العالمُ الباطنيّ معروفاً منذ العصور السابقة، ولكنّ الذي انكب على دراسته
تجريبياً، وأوضحَ معالمه، ووضع نظرياته هو الطبيب النمساوي فرويد Freud
(1873-1930) الذي توصّل من خلال تجاربه وملاحظاته
ومعالجاته النفسية إلى وضع منهجٍ في التحليل النفسيّ يرمي إلى تفسير
كثير من الأمراض النفسية والانحرافات السلوكيّة، ويبحث عن العقد النفسيّة القديمة
المترسّبة في أعماق اللاشعور، التي تعمل في ظلام اللاّوعي بمنزلة المنبع والدافع
لكثير من الرّغبات والميول وضروب السلوك...
وكان
فرويد يستعين أيضاً بتحليل الأساطير والنصوص الأدبيّة لتدعيم نظرياته، وبهذا لفت
النظرَ إلى الصّلة الوثيقة بين الإنتاج الأدبي والعالم الباطنيّ، وجعل من كشوفات
التحليل النفسيّ اتجاهاً أدبياً ونقدياً وفكرياً جديداً كان له تأثير كبير في
توجيه الإبداعات في القرن العشرين.
وكان
من أبرز نظرياته أن العُقد الجنسيّة المكبوتة والمتراكمة في أعماق اللاشعور هي
المحركُ الأساسيُّ للتصرف البشريّ. ولاسيّما ما دعاه (عقدة أوديب) (3).
والمدرسة
السّريالية هي التجسيد الفنّي والأدبيّ لمنهج فرويد في التحليل النفسي القائم على
العالم الباطنيّ اللاشعوري. وهذا ما يعتبره السّرياليون الواقع النفسيّ الحقيقيّ.
وقد تجلّت في الأدب والمسرح والفنون التشكيليّة والسّينما. وكانت هذه المدرسة
تحاول دوماً الغوصَ في الأعماق النفسيّة والاغتراف منها ومشابكتها مع معطيات
الواقع الواعي. مجافيةً معطيات المنطق والعلم الموضوعي ورقابة الفكر، وغير مكترثة
بالواقع الاجتماعي وما يفرضه من المواصفات الأخلاقية والنظم وما يسوده من العقائد
والفلسفات.. إنّ كلّ هذه الأمور عندهم قشور يجب أن تنسف ليتفتح الانسان الحقيقي
ويبني عالمه ومستقبله الجديد منطلقاً من أرضٍ نظيفة يلتقي على صعيدها كل البشر في
عالم الحب والحرية والسعادة!
___________________________
(1)
بيانات السريالية ص17-بروتون، وزارة الثقافة-دمشق.
(2)
النقد والأدب-جان ستاروبينسكي-ترجمة بدر الدين القاسم-وزارة الثقافة – دمشق
(3)
بينما كان ماركس يرى المحرك الأساسي في الحاجات المعاشيّة. وقد تراوحت معظم الآداب
والفنون ونظريات النقد بين قطبي الفرويدية والماركسيّة.