المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6242 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



حجّيّة آراء علماء الرجال  
  
1949   04:58 مساءً   التاريخ: 2023-02-04
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج1، ص 9 ـ 29.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

توثيقات الرجاليّين وتضعيفاتهم (1):

إنّ معظم من قالوا بحجيّة ما ورد في كلمات الرجاليّين - كالشيخ والنجاشي وغيرهما - من التوثيق والتضعيف قد سلكوا في ذلك مسلكين..

المسلك الأول: حجية توثيقاتهم وتضعيفاتهم من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات، وكبرى هذه المسألة يبحث عنها غالباً في الفقه في كتاب الطهارة (2)، كما أنّ البحث عن كبرى حجية خبر الثقة في الأحكام محله علم الأصول.

وقد ذهب كثير من المتأخّرين - ومنهم السيد الأستاذ (قدّس سرّه) - الى حجيّة خبر الثقة في الموضوعات الخارجيّة خلافاً لما نسب إلى المشهور من عدم حجيّته، وهذا بحث طويل الذيل لا يتّسع المقام له، ولكن لا بأس بالإشارة إلى أنّ عمدة ما استدلّ به للحجيّة هي السيرة العقلائيّة، وقد سلم ثبوتها غير واحد وإنّما بحثوا عن ورود الردع عنها وعدمه، ولكن من يتتبّع سيرة العقلاء في مواردها المختلفة ربّما لا يحصل له العلم بجريان سيرتهم على التعبّد بخبر الثقة ولا سيما في الموضوعات، بل كون العمل بمقتضاه منوطاً عندهم بحصول الاطمئنان، أو بكون المخبر عنه من الأمور المهمّة التي يكتفى فيها بما دون الاطمئنان، فليتأمّل.

هذا بالنسبة إلى كبرى حجية خبر الثقة في الموضوعات.

وأمّا كون توثيقات الرجاليّين وتضعيفاتهم من صغرياتها فقد يناقش فيه بأنّ الوثاقة والضعف ليسا من الأمور الحسيّة – أي ممّا ينال بإحدى الحواس الخمس- ليكون الإخبار عنهما من قبيل الإخبار عن الموضوع الخارجيّ.

ولكن يمكن الجواب عن هذه المناقشة بأنّ الوثاقة - مثلاً - وإن لم تكن بنفسها من الأمور الحسيّة ولكن مبادؤها كذلك، أي أنّها مبذولة لكلّ من يملك الحواس السليمة، فهي - أي الوثاقة - ملحقة بالأمور الحسية من حيث إن إدراكها لا يحتاج إلى تخصص معين أو إعمال نظر واجتهاد.

وبعبارة أخرى: إنّ مَن يقول بحجيّة خبر الثقة في الموضوعات لا يفرّق فيه بين ما يكون المخبر عنه بنفسه من المحسوسات وبين ما تكون مبادؤه القريبة كذلك، والوثاقة ونحوها من النحو الثاني، فلا محل للمناقشة الصغرويّة في المقام.

هذا بالنسبة إلى توثيق الشخص لمعاصره المعاشر معه كتوثيق الفضل بن شاذان لمحمد بن عيسى العبيدي.

وأمّا بالنسبة إلى توثيق من كان بينه وبين مَن وثّقه فاصل زمنيّ - كتوثيق ابن نوح لمحمد بن عيسى - فهل يعدّ من قبيل الخبر الحسيّ ليندرج في كبرى حجيّة خبر الثقة في الموضوعات أم أنّه من قبيل الخبر المستند إلى الحدس في المحسوسات الذي لا إشكال في عدم حجيّته؟ فيه وجهان.

ويمكن البناء على الوجه الأول مبنيّاً على مقدمتين..

المقدمة الأولى: أنّ إخبار ابن نوح - مثلاً - بوثاقة العبيدي يحتمل أن يكون منتهياً إلى الحس بأحد وجهين..

إمّا بأن يكون قد بلغه على سبيل التواتر في جميع الطبقات، بأن يكون في كلّ طبقة عدد من المخبرين يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة أو وقوعهم جميعاً في الخطأ والاشتباه، وهذا أمر محتمل بالنسبة إلى بعض الرواة المشهورين ومنهم محمد بن عيسى بن عبيد.

وإمّا أن يكون قد وصله عن طريق ثقة عن ثقة، والخبر المنقول بطريق الثقات في جميع الطبقات وإن كان حدسيّاً في الحقيقة - لأنّ كبرى حجية خبر الثقة كبرى اجتهاديّة نظريّة - ولكن حيث إنّها - كما يدعى - ممّا ثبتت ببناء العقلاء يكون الخبر المبنيّ عليها ملحقاً بالخبر الحسّي.

 وأمّا صغرى كون الراوي الفلانيّ ثقة فهي وإن كانت اجتهاديّة بالنسبة إلى قسم من الوسائط إلا أنّها غير اجتهاديّة بالنسبة إلى قسم آخر منهم، لثبوت وثاقتهم بالاتفاق، ويُحتمَل أن يكون الوسيط المخبر عن وثاقة محمد بن عيسى – مثلاً - من هذا القبيل، أي من القسم الذي لا إشكال في وثاقته عند الجميع.

المقدمة الثانية: أنّ بناء العقلاء قائم على أنّ الإخبار في الأمور الحسيّة إذا شكّ في كونه مستنداً إلى الحسّ أو الحدس يعامل معه على أساس كونه مستنداً إلى الحس.

مثلاً: إذا أخبر أحد عن مجيء زيد أو أنّه قال: كذا، واحتمل اعتماده في ذلك على غير حاسّة البصر في المجيء أو على غير حاسّة السمع في القول - بأن اعتمد على بعض القرائن والمناسبات - يبنى على كون خبره عن المجيء والقول حسيّاً لا حدسيّاً.

وهذه الكبرى ذكرت في كلمات جمع منهم السيد الأستاذ (قدّس سرّه).

فإذا ضمّت هذه المقدمة إلى المقدمة الأولى كانت النتيجة هي أنّ خبر ابن نوح بوثاقة محمد بن عيسى العبيدي إنّما هو من قبيل الخبر الحسيّ فيندرج في كبرى حجيّة خبر الثقة في الموضوعات الخارجيّة.

وهذا هو الوجه الذي اعتمده السيد الأستاذ (قدّس سرّه) (3) في حجيّة توثيقات وتضعيفات الرجاليّين لمن لم يكونوا من معاصريهم من الرواة.

ولكن يمكن الخدشة في هذا الوجه من جهات..

اولاً: إنّ ما أدعي من بناء العقلاء على التعامل مع الخبر على أنّه حسّي إذا كان وارداً في الحسيّات ما لم يثبت خلافه، إن صحّ فإنّما يصحّ فيما إذا احتمل كونه بلا واسطة، وأمّا الخبر مع الواسطة المحتمل انتهاؤه إلى الحس بأحد الوجهين إمّا بالتواتر أو بنقل ثقة عن ثقة فلا تصحّ دعوى بناء العقلاء فيه على ذلك، فإنّهم كما يعتمدون أحياناً - كما يدّعى - على خبر الثقة عن ثقة في الإخبار عن الوقائع التي لا تكون محسوسة لهم كذلك يعتمدون أحياناً أخرى على الخبر الموثوق به وإن لم تثبت وثاقة راويه، فلا وجه لحمل الخبر على كونه واصلاً إليهم عن طريق الثقات طبقة بعد طبقة ليكون ملحقاً بالخبر الحسّي.

وثانيا: إنّ وثاقة الوسائط لا تكون في الغالب واضحة تماماً بحيث لا تقع مورداً للإشكال من أحد، إذ كم من شخص ثقة عند كثير من الناس قد طعن فيه واحد أو اثنان من الأجلّاء؟!

ودعوى أنّ بناء العقلاء في الخبر المروي مرسلاً بطريق الرواة الثقات قائم على كون جميع الرواة من المعروفين بالوثاقة - بحيث لا يكون مجال لأحد للطعن فيهم حتّى فيما لو شك في كونهم من هذا القبيل ـ إنّما هي دعوى باطلة لا شاهد عليها في سيرة العقلاء أصلاً.

وثالثاً: إنّه لو غُضَّ النظر عمّا تقدّم فإنّه إنّما يتمّ البيان المذكور لو احتمل في جميع توثيقات وتضعيفات الرجاليّين لمَن تقدّمهم أن تكون مستندة إلى نقل كابر عن كابر، ولكن مقتضى الشواهد والقرائن - التي لا تخفى على الممارسين - أنّ جملة وافرة منها تبتني على الحدس وإعمال النظر والاجتهاد ولا سبيل إلى التمييز بين القسمين في الغالب، فليتأمّل.

هذا وربما يورد على الوجه المتقدّم من جهة رابعة أيضاً، وقد تعرّضت لما يشبهه وللجواب عنه في الفصل الخامس عند البحث عن حجيّة مراسيل الصدوق، فمَن شاء فليراجع (4).

فظهر بما تقدّم أنّ المسلك الأول في حجية أقوال الرجاليّين وهو الذي بنى عليه السيد الأستاذ (قدّس سرّه) غير تام.

المسلك الثاني: حجيّة توثيقاتهم وتضعيفاتهم من باب حجيّة قول أهل الخبرة في الحدسيّات.

وكبرى حجية قول أهل الخبرة مبحوث عنها في علم الأصول، وعمدة الدليل عليها هي السيرة العقلائية القائمة على رجوع الجاهل إلى العالم، بضميمة عدم الردع الذي يستكشف منه الإمضاء الشرعي.

فإنّ بناء العقلاء قائم على أنّ كلّ مَن تخصّص في فن تكون أراؤه الحدسيّة المستحصلة من ممارسته لذلك الفن وتطبيقه لضوابطه وقواعده حجّة على غير المتخصّص، وحيث إنّ الشارع المقدّس لم يردع عن هذا البناء العقلائيّ - بل هناك شواهد على إمضائه ـ يستكشف بذلك ارتضاؤه له واعتماده عليه في الأمور الشرعيّة.

هذا من حيث الكبرى مسلّم، وأمّا من حيث الصغرى وكون قول الرجاليّ مصداقاً لقول أهل الخبرة فيمكن تقريبه بأنّ علم الرجال علم قائم بذاته له قواعده وضوابطه وهناك علماء تخصّصوا فيه، وليس لغيرهم أن يصل إلى ما وصلوا إليه من آراء وأنظار بمقتضى خبرتهم وممارستهم وتضلعهم بقواعد هذا الفن، وهذا واضح لمَن لديه أدنى إلمام به، فحال هذا العلم حال بقيّة العلوم التي جرت سيرة العقلاء على رجوع عامّة الناس إلى المتخصّصين فيها.

ولكن يمكن الإشكال في حجيّة توثيقات وتضعيفات الرجاليّين من باب حجيّة آراء أهل الخبرة من جهتين..

الجهة الأولى: أنّ حجيّة آراء أهل الخبرة تختصّ بالأمور التي لا يحصل العلم بها إلا لمَن لديه تخصّص معيّن وينظّم مقدّمات حدسيّة غير قريبة من الحسّ للوصول إلى النتيجة، وأمّا الأمر الحسّيّ أو القريب من الحسّ الذي يدركه كلّ من كان سليم الحواس فليس مورداً لحجيّة الخبر الحدسيّ. والوثاقة والضعف من هذا القبيل، فإن من يملك الحواس السليمة ويعاشر الشخص يمكنه التوصل إلى كونه ثقة أو لا من دون حاجة إلى تخصص معين.

فالإخبار عن الوثاقة أو الضعف لا يتوقف على إعمال النظر والاجتهاد حتى يلتزم بحجيته من باب حجية أقوال أهل الخبرة.

وهذا لا يعني إنكار كون علم الرجال من العلوم النظريّة المبنيّة على الحدس والاجتهاد، بل مجرّد عدم كون التوثيق والتضعيف خاضعين لإعمال النظر والحدس، إذ إنّ الوثاقة والضعف وإن لم يكونا من الأمور الحسيّة ولكنّهما قريبان من الحس لأنّ مبادئهما حسيّة كما سبق، فلا يعدّ الإخبار عنهما من قبيل رأي أهل الخبرة ليلتزم بحجيّته من هذه الجهة.

ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ ما ذُكر من كون الوثاقة والضعف من الأمور القريبة إلى الحسّ صحيح بالنسبة إلى مَن يعاصره الشخص ويكون قريباً منه، وأمّا غيره كمَن كان قبل مائة عام - مثلاً - فإنّ تشخيص وثاقته أو ضعفه يتوقّف - في معظم الحالات - على مقدّمات حدسيّة ونظريّة كالشهادات المحكيّة عن معاصريه ممّا لا تبلغ درجة التواتر إلا نادراً، وكذلك بعض القرائن والشواهد الأخرى التي من أهمّها بالنسبة إلى رواة الأحاديث هو ملاحظة ما رووه في كتبهم وما روي عنهم في كتب غيرهم، ولذلك نجد أنّ بعض الرجاليّين كابن الغضائري يعتمد في جانب مهم من تضعيفاته وتوثيقاته على كتب الرواة وأحاديثهم وكونها نقية من التخليط والغلو ونحوهما أو لا.

وبذلك يظهر أنّ توثيقات وتضعيفات الرجاليّين على قسمين:

فمنها ما لا يبتني على مقدّمات حدسيّة كتوثيق أو تضعيف المعاصر لمعاصره، ومنها ما يبتني على الحدس والاجتهاد، وهو الغالب فيما يتعلّق بغير المعاصرين للرجاليّ من الرواة وأصحاب الكتب والمصنّفات، وهذا القسم الثاني يعدّ من قبيل آراء أهل الخبرة فيمكن البناء على حجيته من هذه الجهة، فليتأمّل.

الجهة الثانية: أنّ فتوى الفقيه استناداً إلى رواية اعتمد في وثاقة بعض رواتها على قول النجاشي - مثلاً - من حيث كونه من أهل الخبرة في الرجال يقتضي عدم حجيّة فتواه؛ لأنّها حسب الفرض تستند إلى مقدمتين: إحداهما تبتني على اجتهاده وهي تماميّة دلالة الرواية على ما أفتى به، والثانية قلّد فيها النجاشي وهي كون الراوي لتلك الرواية ثقة، والنتيجة تتبع أخس المقدّمتين، أي إذا كانت إحدى المقدمتين لما أفتى به اجتهاديّة والثانية قد قلّد فيها الغير تكون الفتوى غير اجتهاديّة فلا تكون حجّة على المقلّدين.

ومقتضى ذلك أنّه لا يجوز تقليد مَن يأخذ بآراء الرجاليّين في التوثيق والتضعيف من باب حجيّة قول أهل الخبرة، أي فيما يفتي به استناداً إلى روايات تقوم حجيّتها عنده على ما صدر منهم من توثيق أو تضعيف.

وقد يُجاب عن هذا الإشكال بأنّ المعتبر فيمَن يجوز تقليده أن يصدق عليه أنّه فقيه وفق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وممّن قد نظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم وفق التعبير الوارد في بعض الروايات (5)، وهذا العنوان ينطبق على مَن يمارس عملية استنباط الأحكام الشرعيّة وإن كان يعتمد في بعض مقدّماتها البعيدة على آراء غيره من أهل الخبرة كآراء النحويّين واللغويّين والبلاغيّين وحتّى المناطقة والفلاسفة، أي أنّه يكفيه أن يكون متخصّصاً في المقدّمات القريبة لعمليّة الاستنباط كالقواعد الأصوليّة والفقهيّة، ولا ضيرَ في أن يعتمد في غيرها على سائر أهل الخبرة فإنّه لا يضر بصدق كونه فقيهاً، إذ متى صدق أنّه فقيه جاز الرجوع إليه وأخذ الفتوى منه.

أقول: إنّ أصل الإشكال وما أجيب به عنه غير تام..

1 - أمّا أصل الإشكال فلأنّ مَن يرجع إلى فقيه يعتمد في توثيق راوي الحديث الذي يفتي بمضمونه على اجتهاد بعض الرجاليّين فإنّما يكون في الحقيقة مقلداً لشخصين: الرجاليّ الذي قال إنّ فلاناً ثقة، والفقيه الذي استند في فتواه إلى رواية فلان من جهة حجيّة خبر الثقة.

نظير مَن يرجع إلى طبيب الباطنيّة فيرسله إلى طبيب المختبر ليشخّص نسبة السكر في دمه قبل أن يحدّد نوع الدواء وكميّته، فالوصفة الطبيّة في مثل ذلك وإن كانت تكتب بقلم طبيب الباطنيّة ولكنّها في الحقيقة نتاج عمل طبيبين: طبيب الباطنيّة وطبيب المختبر معاً. وكما لا يصحّ في هذه الحالة أن يمنع المريض من استعمال الدواء الذي وصفه طبيب الباطنيّة من جهة أنّه اعتمد في تحديد نسبة السكر على رأي طبيب المختبر، كذلك لا يصحّ في مورد البحث أن يمنع العامي من الأخذ بفتوى الفقيه من جهة أنّه اعتمد في وثاقة بعض رواة الحديث الذي أفتى بمضمونه على أقوال بعض الرجاليّين.

والوجه في ذلك أنّ الأساس في حجيّة رأي الطبيب وفتوى الفقيه هو بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم وعمله برأيه فيما لا سبيل له إلى العلم به. وهذا ممّا لا يفرّق فيه بين أن يكون ذلك الرأي نتاج فكر عالم واحد أو نتاج فكر عالمين - مثلاً – كلٌّ في حقل اختصاصه.

نعم إذا كان حقل اختصاصهما واحداً فلا سبيل إلى التلفيق بين رأي أحدهما في مسألة ورأي الآخر في مسألة أخرى لتكون النتيجة هي حاصل كلا الرأيين، كأن يرى أحد المجتهدين حجيّة خبر الثقة ويرى الآخر تمامية دلالة خبر زرارة الثقة على حكم، فإنّ هذا لا يثمر رأياً بثبوت ذلك الحكم يمكن أن يأخذ به العامي كما لعلّه واضح.

هذا فيما يتعلق بأصل الإشكال.

2 - وأمّا ما ذُكر في الجواب عنه فهو غير تام، من جهة أنّ السيرة العقلائيّة قد جرت على رجوع الجاهل إلى العالم - أي إلى أهل الخبرة والاختصاص - وهذه السيرة لا شك في كونها ممضاة من قبل الشارع المقدّس حتّى فيما يمتد إلى العلوم الشرعيّة كالعلم بالأحكام الفرعيّة المسمّى بالفقه، والكاشف عن الإمضاء الشرعيّ ليس هو مجرّد عدم الردع بل إنّ الأمر بالرجوع إلى الفقهاء وأضرابهم من أهل العلم في عشرات الروايات كاشف قطعيّ عن موافقة الشارع المقدس للمنهج العقلائيّ في رجوع الجاهل إلى العالم حتى في ما يتعلق بعلوم الشريعة كما في سائر حقول المعرفة.

وهذا في أصله واضح لا إشكال فيه، ولكن هناك نكتة ينبغي الالتفات إليها وهي أنّ الخطاب الشرعيّ متى ما ورد في مورد الحكم العقليّ أو العقلائيّ فإنّه لا ينعقد له إطلاق بأوسع من دائرة ذلك الحكم وإن لم يكن فيه ما يقتضي التضييق بحسب المدلول اللغويّ.

ومن هنا قلنا في محله (6): إنّه لو بني على تماميّة ما استدلّ به من الأخبار على البراءة الشرعيّة في الشبهات البدويّة إلا أنّه لمّا كانت البراءة فيها مطابقة لحكم العقل - على المختار - فالخطاب الشرعيّ يعدّ تأكيداً له ولا ينعقد له إطلاق أشمل من دائرة الحكم العقليّ، ولذلك فهو لا يعمّ موارد قوة احتمال التكليف من جهة تعاضد القرائن والشواهد ولا موارد إحراز أهمية المحتمل على تقدير ثبوت التكليف وإن لم يكن احتماله قوياً.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يُقال في المقام: إنّ ما جرت عليه سيرة الناس في زمن المعصومين (عليهم السلام) من رجوع الجاهل إلى العالم إنّما كان مورده هو الرجوع إلى مَن هو من أهل الخبرة والاختصاص في جميع المقدمات التي يبتني عليها اجتهاده واستنباطه، فالطبيب مثلاً إنّما كان يعتمد على نفسه في جميع ما تعلّق بطبابته ولم يكن الأمر كما في زماننا هذا من اعتماد طبيب الباطنيّة على طبيب السونار والمختبر والرنين ونحو ذلك، وهكذا حال الفقيه فإنّه كان يعتمد على نفسه في جميع ما كان يحتاج إليه في استنباط الحكم الشرعيّ من العلوم الأخرى كاللغة والتفسير والرجال وغيرها، فما يمكن استكشاف إمضائه من جهة عدم الردع أو من جهة ورود النصوص الخاصّة بالإرجاع إلى الفقهاء مثلاً إنّما هو الرجوع إلى من يكون صاحب اختصاص في جميع ما يتوقّف عليه استنباطه واجتهاده، وأمّا مَن يعتمد على شخص آخر في بعض المقدّمات التي تتعلق بحقل آخر من حقول المعرفة كاللغة والرجال فلا دليل على حجيّة قوله.

إن قيل: إنّ السيرة العقلائية القائمة على رجوع الجاهل إلى العالم إنّما هي بمناط كاشفية رأي العالم عن الواقع نوعاً، تلك الكاشفيّة التي هي غير منوطة بكون العالم معتمداً على نفسه في جميع مقدّمات اجتهاده ونظره حتى فيما يتعلّق منها بعلم آخر.

نعم لا ينكر أنّ السيرة العقلائيّة المذكورة لم تجرِ في عصر المعصومين (عليهم السلام) في مجال الرجوع إلى العالم المعتمد على غيره في بعض المقدّمات، ولذلك لا يمكن استكشاف ارتضاء الشارع المقدّس للرجوع إلى مثله من خلال عدم الردع أو من خلال النصوص الدالة على الإمضاء، لما مرّ من عدم انعقاد الإطلاق لها بأوسع ممّا جرت عليه السيرة العقلائيّة.

ولكن مع ذلك يمكن القول بأنّ النكتة التي بلحاظها يتيسّر استكشاف إمضاء الشارع المقدس للسيرة العقلائيّة الممتدة إلى الأمور الشرعيّة هي ذاتها التي تقتضي في المقام موافقة الشارع على الأساس الذي قامت عليه السيرة العقلائية في رجوع الجاهل إلى العالم، وهو كما سبق كاشفيّة رأي العالم عن الواقع نوعاً.

وتوضيح المقام: إنّ تشريع الأحكام لما كان لغرض تأمين الملاكات الكامنة في متعلّقاتها فلو فرض أنّ فيما بنى عليه العقلاء في أمورهم العادية ممّا يجرونه بحسب الطبع والعادة في الأمور الشرعيّة ما لا يرتضيه الشارع المقدس، لمنافاته مع تحقيق الملاكات المولوية، فلا بد له تأميناً لتلك الملاكات من ردع العقلاء عن إجرائه في الأمور الشرعية وإلا يكون مخلاً بملاكات أحكامه، وهو ممتنع في حقّه.

وهذا المعنى كما يقتضي قيامه بالردع عمّا لا يرتضي امتداده إلى الأمور الشرعيّة من السيرة العقلائيّة ممّا يمتد إليها في عصره بمقتضى الطبع والعادة لولا ردعه عن ذلك، كذلك يقتضي ردعه عمّا يعلم امتداده إليها في المستقبل لئلا تقع الأجيال القادمة في محذور مخالفة الملاكات المولويّة.

ففي محلّ البحث إذا كان الشارع المقدس لا يرتضي للمسلمين الرجوع إلى فقيه يعتمد في بعض مقدّمات اجتهاده واستنباطه على غيره من أهل الخبرة في سائر حقول المعرفة، فهذا وإن لم يكن موضعاً لابتلائهم في العصر الإسلامي الأول إلّا أنّه لمّا كان يعلم بابتلاء الأجيال القادمة به مستقبلاً فلا بدّ له أن يتخذ الإجراءات الكفيلة ببلوغ الردع عن ذلك إلى أسماعهم تحفّظاً على ملاكات أحكامه، وحيث إنّه لم يبلغ إلى أسماعنا كشف ذلك عن موافقته على ما هو المناط في بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم، وهو كاشفيّته النوعيّة عن الواقع، بلا فرق بين كونه معتمداً على نفسه في جميع المقدّمات أو على غيره في بعضها المتعلّق بسائر حقول المعرفة.

قلت: إنّ الملاكات المولويّة على درجات متفاوتة في الأهميّة وتختلف بحسب ذلك درجة ما تستدعيه من الاهتمام بتبليغها إلى المكلّفين، والأحكام المتعلّقة بالأمور المستحدثة في عصر غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) إذا لم يصل الردع عمّا استجدّ بناء العقلاء عليه من قبل الشارع المقدس يجوز أن يكون الوجه فيه اعتماد الشارع في إفادة حكمه المخالف للبناء المستجدّ على ما تقتضيه العمومات والإطلاقات وما بحكمهما.

 ويمكن أن يكون من جهة عدم كون الملاك الكامن في الحكم بمرتبة من الأهمية تقتضي التسبّب في ايصاله إلى المكلّفين بأيّ نحو كان.

وعلى ذلك لا يمكن التأكّد من موافقة الشارع المقدّس لما هو مقتضى البناء العقلائيّ غير المعاصر للمعصومين (عليهم السلام).

والمتحصل ممّا تقدّم: أنّ البناء على جواز الرجوع إلى فتوى الفقيه الذي يعتمد على غيره فيما يتوقّف عليه استنباط الأحكام الشرعيّة من العلوم الأخرى - غير الفقه وأصوله - كاللغة والرجال ونحوهما إنّما يتمّ على أحد تقديرين..

أحدهما: أن ينعقد الإطلاق لنصوص الإرجاع إلى الفقهاء ليشمل مثله.

ولكنّه غير واضح، لما مرّ من أنّ النصّ الشرعيّ الوارد في مورد الحكم العقلائيّ لا ينعقد له الإطلاق بأوسع من دائرة ذلك الحكم بموجب السيرة العقلائيّة في عصر صدور النص.

ثانيهما: أن يُبنى على أنّ العبرة في موارد السيرة العقلائيّة الممضاة من قبل الشارع المقدّس إنّما هي بالنكتة التي تبتني عليها السيرة، أي أنّها إذا كانت أوسع ممّا هو مورد الجري العمليّ بُني على أوسعيّة الحكم الشرعي. ولكن هذا أيضاً غير تام، فإنّ الإمضاء الشرعيّ لا يلحق المرتكز العقلائيّ وإنّما يلحق ما جرت عليه السيرة في عصر المعصوم (عليه السلام) كما مرّ توضيحه آنفاً.

فالنتيجة: أنّ السيرة العقلائيّة - الممضاة بالنصوص الشرعيّة - التي هي الدليل على حجيّة فتوى الفقيه في حقّ العامي لا تفي بإثبات حجيّتها فيما إذا كان الفقيه معتمداً في بعض مقدّمات استنباطه على رأي غيره من أهل الخبرة، وإن كان ذلك في بعض العلوم الأخرى كعلم الرجال كما هو محل البحث.

وعلى ذلك فالصحيح اشتراط أن يكون الفقيه متخصّصاً في جميع المجالات المرتبطة باستنباطه للحكم الشرعي سواء في اللغة أو النحو أو الصرف أو المنطق أو الفلسفة أو الحديث أو الرجال أو غير ذلك، أي أنّه يجب أن يكون له الحدّ اللازم من التخصّص في كلّ هذه العلوم أيضا، بالإضافة إلى تخصّصه في الفقه وأصوله، لتكون الفتوى التي يصدرها نتيجة لاجتهاده فقط لا بضميمة اجتهاد غيره.

ومهما يكن فقد ظهر من جميع ما تقدّم: أنّ أيّاً من المسلكين المشهورين في حجيّة توثيقات وتضعيفات الرجاليّين ممّا لا يمكن المساعدة عليه

فالصحيح - إذاً - ما سلكه سيّدي الاستاذ الوالد (دامت بركاته) من أنّ توثيق الرجاليّ وتضعيفه إنّما يصلح أن يكون من مبادئ حصول الاطمئنان أو عدم حصوله بوثاقة الراوي أو بصدور الرواية عن المعصوم (عليه السلام) على اختلاف المسلكين في حجيّة خصوص الخبر الموثوق به أو الأعمّ منه ومن خبر الثقة، فإذا كان الفقيه ممّن يرى حجيّة الخبر الموثوق به ولاحظ أنّ النجاشيّ - مثلاً - وثّق فلاناً من الرواة فإن حصل له الاطمئنان بروايته أي بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) - ولو بضميمة بعض الشواهد والقرائن - عمل بها وإلّا فلا عبرة بذلك التوثيق.

ولو كان ممّن يرى حجيّة خبر الثقة فإن حصل له الاطمئنان بوثاقة ذلك الراوي لقول النجاشي أو بضميمة بعض الشواهد والقرائن عمل بروايته -وإن لم يحصل له الوثوق بصدورها من المعصوم (عليه السلام) - وإلّا فلا يمكنه التعويل على ذلك التوثيق.

ودعوى أنّ باب الاطمئنان منسدّ في هذه الأعصار ولا سبيل إلى أن يطمئنّ الفقيه بصدور الخبر من الإمام (عليه السلام) إلّا في موارد الاستفاضة ونحوها، كما لا سبيل إلى أن يطمئن بوثاقة الراوي إلّا مع تعدّد الموثّقين من أعلام المتقدّمين، دعوى غير صحيحة.

بل الصحيح أنّ مَن لديه ممارسة طويلة وخبرة متراكمة ومتابعة دقيقة يحصل له الاطمئنان في كثير من الحالات بصدور الخبر وإن كان منفرداً وبوثاقة الراوي وإن انحصر الموثّق في شخص واحد.

نعم مَن ليس له إلمام واسع وخبرة تامّة فإنّه لا يحصل له الاطمئنان، ولكن لا عبرة بعدم حصول الاطمئنان لمثله.

 

تضعيفات ابن عقدة:

يُلاحظ الفصل الرابع: ترجمة محمّد بن سنان برقم 75 (7).

 

 توثيقات المفيد في كتاب الإرشاد والرسالة العدديّة:

هنا أمران:

 الأمر الأوّل (8): أنّ الشيخ المفيد (قدّس سرّه) قد وصف مجموعة من الرواة بأوصاف عالية في موضعين من كتاب الإرشاد..

الموضع الأول: في الفصل الخاص بذكر النصّ على الكاظم (عليه السلام) بالإمامة من أبيه الصادق (عليه السلام)، حيث قال(9): "فممّن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام)، من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصّته وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين (رضوان الله عليهم) المفضّل بن عمر الجعفيّ ومعاذ بن كثير وعبد الرحمن بن الحجّاج والفيض بن المختار ومنصور بن حازم وعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وطاهر بن محمد ويعقوب السرّاج، وسليمان بن خالد، وصفوان الجمّال، وغيرهم ممّن يطول بذكرهم الكتاب.." ثم أورد روايات هؤلاء على ترتيب أسمائهم. والملاحظ أنّ تلك الروايات هي كلّ ما أوردها الكليني (10) في كتاب الكافي في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام) بعد حذف المكرّر منها.

الموضع الثاني: في الفصل الخاصّ بذكر النصّ على الرضا (عليه السلام) بالإمامة من أبيه الكاظم (عليه السلام) فقال (11): "فممّن روى النص على الرضا على بن موسى (عليه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته داود بن كثير الرقّي ومحمّد بن إسحاق بن عمّار وعلي بن يقطين ونعيم القابوسيّ والحسين بن المختار وزياد بن مروان والمخزوميّ وداود بن سليمان ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان"

 ثمّ أورد روايات هؤلاء على ترتيب أسمائهم.

والملاحظ أنّ تلك الروايات هي أيضاً كلّ ما أورده الكلينيّ (12) في الكافي في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بعد حذف المكرّر منها.

ومن المؤكّد في المجموعة الثانية أنّه لا يمكن أن يوصفوا جميعاً بأنّهم من خاصّة الإمام (عليه السلام) وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، فإنّ فيهم داود بن كثير الرقّي الغالي الضعيف، وزياد بن مروان الواقفيّ الذي أنكر مبلغاً كبيراً على الإمام (عليه السلام)، والحسين بن المختار ومحمد بن إسحاق بن عمّار اللذين قيل إنّهما من الواقفة، وعبد الله بن الحارث المخزوميّ - وقد ذكر لقبه فقط - ونعيم القابوسيّ وهما من المغمورين جداً. فكيف يصحّ أن يوصف هؤلاء جميعاً بما وصفهم به (قدّس سرّه)؟!

كما أنّ من المستبعد جدّاً في المجموعة الأولى أن يكونوا جميعاً من فقهاء الأصحاب - إن لم يستبعد كونهم جميعاً من ثقات الإمام له وخاصّته وبطانته - حيث إنّ عدد الفقهاء من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في كلّ طبقة كان محدوداً جداً كما يعرف ذلك بتتبّع رجال النجاشيّ وإحصاء من وصفهم فيه بالفقاهة. فكيف اتّفق أنّ كلّ مَن رووا عن الصادق (عليه السلام) النص على ولده الكاظم (عليه السلام) كانوا من الفقهاء؟! ولا سيّما أنّه لم يوصف من عدا منصور بن حازم وسليمان بن خالد منهم بالفقاهة في كلمات الرجاليّين، بل إنّ بعضهم لا يعرف من هو كطاهر بن محمد وفي بعضهم كلام كالمفضّل بن عمر الجعفيّ.

والذي يزيد الريب والشك في اتّصاف المجموعتين بالأوصاف المذكورة في كلام المفيد (قدّس سرّه) هو أنّ هؤلاء هم – كما مرّ- كلّ مَن أورد الكلينيّ رواياتهم في البابين المذكورين، وهل من الصدفة أنّه أورد في هذين البابين بالخصوص - دون الأبواب المشابهة المخصّصة لإيراد النصّ على سائر الأئمة (عليهم السلام) - روايات من يتّصفون بتلك الصفات العالية؟!

وفي ضوء ذلك يخطر بالبال أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) كان مبنياًّ على ضرب من التغليب، أو أنّ إطلاق تلك الأوصاف في حقّ بعض المذكورين إنّما كان لبعض الدواعي الصحيحة غير كونهم متّصفين بها واقعاً.

والحاصل: أنّه يصعب البناء على أنّ التوثيقات المذكورة في كتاب الإرشاد كانت مسوقة لبيان الواقع بالنسبة إلى جميع المذكورين فيه، كما نبّه على ذلك المحقّق الشيخ محمد حفيد شيخنا الشهيد الثاني (قدُّس سرّهما) (13).

الأمر الثاني (14): قال الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في رسالته في الردّ على أصحاب القول بالعدد ما لفظه (15): "وأما رواة الحديث بأنّ شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوماً، ويكون ثلاثين يوماً، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وأبي الحسن موسى بن جعفر وأبي الحسن علي بن موسى وأبي جعفر محمد بن علي وأبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد (صلوات الله عليهم) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة، وكلّهم قد أجمعوا نقلاً وعملاً على أنّ شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً، نقلوا ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وعرفوه في عقيدتهم، واعتمدوه في ديانتهم.

وقد فصّلت أحاديثهم بذلك في كتابي المعروف ب(مصباح النور في علامات أوائل الشهور) وأنا أثبت من ذلك ما يدل على تفصيله إن شاء الله"

ثم أورد (قدّس سرّه) روايات عدد ممّن أشار إليهم، وهم محمد بن مسلم ومحمد بن قيس وأبو الجارود وعمّار بن موسى الساباطيّ وأبو أحمد عمر بن الربيع وأبو الصباح الكناني ومنصور بن حازم وعبد الله بن مسكان وزيد الشحّام ويونس بن يعقوب وإسحاق بن جرير وجابر وأبو مخلد وابن أبي يعفور ومعاوية بن وهب وعبد السلام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين وهارون بن حمزة الغنويّ والفضيل بن عثمان وسماعة بن مهران وعبيد بن زرارة والفضل بن عبد الملك وحمّاد بن عثمان ويعقوب الأحمر.

ثم قال (قدّس سرّه): "وروى كرّام الخثعميّ وعيسى بن أبي منصور وقتيبة الأعشى وشعيب الحدّاد والفضيل بن يسار وأبو أيّوب الخزّاز وفطر بن عبد الملك وحبيب الجماعيّ وعمر بن مرداس ومحمّد بن عبد لله بن الحسين ومحمد بن الفضيل الصيرفي وأبو علي بن راشد وعبيد الله بن علي الحلبيّ ومحمد بن علي الحلبيّ وعمران بن علي الحلبيّ وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين ويعقوب الأحمر وزيد بن يونس وعبد الله بن سنان ومعاوية بن وهب وعبد الله بن أبي يعفور في من لا يحصى كثرة مثل ذلك حرفاً بحرف وفي معناه وفحواه وفائدته".

أقول: لا ريب في أنّ معظم مَن عدّهم (طاب ثراه) هم من الثقات، ولكن يلاحظ أنّ فيهم جمعاً ممّن رُمي بالضعف والغلو - كمحمد بن الفضيل الصيرفيّ - أو نص على كونه مجهولاً - كأبي مخلد وهو الخيّاط بقرينة روايته عن الباقر (عليه السلام) دون السرّاج الذي روى عنه ابن أبي عمير- أو هو ممّن لا ذكر له في شيء من كتب الرجال ولا في الأسانيد - كعمر بن مرداس وفطر بن عبد الملك وحبيب الجماعيّ ومحمد بن عبد الله بن الحسين إن لم يكن هو المدنيّ الذي ذكره الشيخ في كتاب الرجال.

وأيضاً فيهم جمع من أصحاب المذاهب الباطلة ككرّام الخثعمي الذي كان واقفيّاً، وأبي الجارود الذي كان زيديّاً، وعمّار الساباطي وعبد الله بن بكير اللذين كانا من الفطحيّة، وسماعة بن مهران الذي عُدّ من الواقفيّة.

وأيضاً فيهم بعض المخلّطين كجابر وهو جابر بن يزيد الجعفي الذي حكى النجاشي (16) عن المفيد أنّه كان ينشده أشعاراً له تدلّ على الاختلاط، وفيهم غير واحد ممّن لم يكن صاحب كتاب كأبي علي بن راشد وعبد الأعلى بن أعين.

فكيف يصحّ أن يُوصَف هؤلاء كلّهم بأنّهم من (الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يُطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدوّنة والتصنيفات المشهورة)؟!

ثم أليس من البعيد جداًّ أن يكون جميع من وصلت إليه (قدّس سرّه) رواياتهم في نقصان شهر رمضان أحياناً - ممّا أوردها وممّا لم يوردها وهي بأجمعها موجودة في كتاب التهذيب لتلميذه الشيخ (قدّس سرّه) - قد اتّصفوا بتلك الصفات العالية وحازوا تلك المزايا العظيمة التي قلّ مَن اتّصف بها وحازها من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)؟!

مع أنّ مقتضى العادة - الذي لم نجد تخلّفاً عنه في شيء من الموارد - أن تكون حال هذه المسألة حال سائر المسائل التي قد روى حكمها عن الأئمة (عليهم السلام) الثقة وغيره وصحيح المذهب وغيره والفقيه وغيره وصاحب الكتاب وغيره ووصلت إلى المتأخّرين نماذج من روايات الجميع أو الأكثر.

أليس فيما ذكر كلّه قرينة واضحة وشاهد بيّن على أنّ ما ذكره هل كان مبنيّاً على ضرب من التغليب، وربّما بغرض مزيد من التأكيد على بطلان القول بالعدد.

وبالجملة: يصعب جداً البناء على وثاقة من لم تثبت وثاقته بطريق آخر- كأبي الجارود - لمجرّد ورود اسمه في العبارة المتقّدمة للشيخ المفيد (قدّس سرّه)، والله العالم.

 

تضعيفات ابن الغضائريّ:

يلاحظ الفصل السادس: رجال ابن الغضائري برقم 1 (17).

 

توثيقات العلّامة وأضرابه من المتأخّرين (18):

قال السيد الأستاذ(قدّس سرّه) (19): "وممّا تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينصّ على ذلك أحد الأعلام المتأخّرين بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصراً للمخبر أو قريب العصر منه، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين أو ابن شهر آشوب، وأمّا في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاووس والعلّامة وابن داود ومن تأخّر عنهم كالمجلسيّ لمن كان بعيداً عن عصرهم فلا عبرة بها، فإنّها مبنيّة على الحدس والاجتهاد جزماً، وذلك لأنّ السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ (قدّس سرّه)، فهو حلقة الاتصال بين المتأخّرين وأرباب الأصول التي أخذ منها الكتب الأربعة وغيرها.

 ولا طريق للمتأخّرين إلى توثيقات رواتها وتضعيفهم غالباً إلا الاستنباط وإعمال الرأي والنظر.

نعم قد يتّفق أنّ العلاّمة وابن داود يحكيان عن ابن عقدة توثيقاً لأحد إلّا أنّهما لا يذكران مستند حكايتهما.

والعلّامة لم يذكر فيما ذكره من الكتب التي له إليها طريق في إجازته الكبيرة كتاب الرجال لابن عقدة.

أقول: ينبغي البحث في موردين..

(الأول): في توثيقات العلّامة وأضرابه في ثنايا كتبهم الرجاليّة كالخلاصة ونحوها، ممّا لم يعثر على مستند لها في كتب المتقدّمين الواصلة إلينا.

وهذه التوثيقات حالها حال توثيقات المتقدّمين إذا كان الموثّق مثل العلّامة (قدّس سرّه) بمَن دلّت الشواهد على أنّه كانت لديه بعض المصادر الرجاليّة الأخرى غير الأصول الخمسة الواصلة إلى المتأخّرين ككتاب ابن عقدة، وأمّا عدم ذكر طريقه إلى هذا الكتاب في إجازاته فلا يقتضي عدم اعتباره، إذ لا ينحصر اعتبار النسخ الواصلة إلى المتأخّرين من كتب المتقدّمين في وجود الطريق إليها، بل كثيراً ما يحصل الوثوق بالنسخة بوجه آخر كما إذا كان عليها خطّ بعض العلماء السابقين ونحو ذلك.

ومن المعلوم من طريقة العلّامة (قدّس سرّه) في الخلاصة أنّه يفرق بين الموارد، فتارة يصرّح باسم مَن أخذ التوثيق من كتابه وتارة أخرى لا يصرّح بذلك وإنّما يعرف بالمقارنة بين عبارته وما ورد في كتاب النجاشي أو الشيخ - مثلاً - أنّه أخذه من هذا أو ذاك، وربّما لا يعرف مصدره لعدم توفّره عندنا، وعلى ذلك فإذا وثّق أحداً واحتمل كونه مأخوذاً من كتاب ابن عقدة أو غيره من المصادر فحاله في الاعتبار حال توثيق الشيخ - مثلاً - لأحد الرواة، ولا وجه للتفريق بينهما.

وأمّا العلّامة المجلسيّ ونظراؤه ممّن وصل إلينا ما توفّر لديهم من المصادر فمن الواضح أنّه لا يجري البيان المتقدّم في توثيقاتهم، فلا يعتمد عليها لابتنائها على الحدس والاجتهاد لا محالة.

(الثاني): في تصحيحات العلّامة وأضرابه للطرق والأسانيد في ثنايا كتبهم الفقهيّة أو في خاتمة الخلاصة ونحوها، ممّا تبتني على وثاقة بعض الرواة غير الموثّقين في كتب الرجال.

وهذه التصحيحات لا يعتد بها، فإنّ جلّها أو كلّها تعتمد على مبانٍ اجتهاديّةٍ صرفةٍ.

والوجه في ذلك: أنّ العلامة - مثلاً - قد أورد في الخلّاصة ما كان لديه في كلمات السابقين من إضافات على ما ورد في الأصول الرجاليّة الخمسة، فمن المظنون قويّاً أنّ تصحيحه لخبر من لم يوثّقه في الخلاصة لا يعتمد على ما ورد في كتب المتقدّمين من مدح أو توثيق، بل على ضرب من الحدس والاجتهاد - كاستغناء شيوخ الاجازة عن التوثيق (20) - فلا يمكن التعويل عليه بناءً على حجيّة قول الرجاليّ من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات، بل وحتى بناء على حجيته من باب حجّيّة قول أهل الخبرة فإنّه إنّما يكون حجّة فيما إذا احتمل - احتمالأ معتدّاً به - استناده إلى مقدّمات صحيحة، ويمكن أن يُقال: إنّ توثيق العلامة وأضرابه لمن لم يكن عندهم مستند لوثاقته من كلمات السابقين ليس كذلك، فليتأمل.

وممّا يشهد لذلك ما وقع للشهيد الثاني (قدّس سرّه) (21)، فقد عبّر عن رواية لعمر بن حنظلة بالصحيحة، وقال ولده المحقّق الشيخ حسن (22): "من عجيب ما اتّفق لوالدي (قدّس سرّه) أنّه قال في شرح بداية الدراية: إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بتعديل ولا جرح. ولكنّه حقّق توثيقه من محل آخر".

ووجدت بخطّه (قدّس سرّه) في بعض مفردات فوائده: "أنّ الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق (عليه السلام): (إذاً لا يكذب علينا)، والحال أنّ الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلقه به في هذا الحكم مع ما علم من انفراده به غريب، ولولا الوقوف على الكلام الأخير لم يختلج في الخاطر أنّ الاعتماد في ذلك على هذه الحجّة".

فتحصّل ممّا تقدّم: أنّه ينبغي التفريق في توثيقات المتأخّرين، ولا محلّ للقول باعتبارها أو عدم اعتبارها بقول مطلق.

هذا كلّه على القول بحجيّة توثيقات الرجاليّين، ومنه يظهر الحال بناء على ما هو المختار من أنّها إنّما تصلح أن تكون من مبادئ الاطمئنان بوثاقة الراوي أو بصدور خبره من الإمام (عليه السلام).

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحوث في شرح مناسك الحج: ج11(مخطوط).

(2) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الطهارة): ج1، ص 319، ط ـ النجف الأشرف، وبحوث في شرح العروة الوثقى: ج2، ص84.

(3) معجم رجال الحديث: ج1، ص 36.

(4) لاحظ: ج2، ص 39.

 (5) الكافي: ج1، ص 67.

(6)  لاحظ بحوث فقهيّة: ص 373.

(7) لاحظ: ص 438.

(8) بحوث في شرح مناسك الحجج: ج 11 (مخطوط).

(9) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص 216.

(10) الكافي: ج 1، ص 307.

(11) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص 247 ـ 248.

(12) الكافي: ج1، ص 311.

(13) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: ج3، ص 295، 450.

(14) بحوث في شرح مناسك الحج: ج13 (مخطوط).

(15) جوابات أهل الموصل: ص 25 وما بعدها.

(16) رجال النجاشي: ص 128.

(17) ج2، ص 89.

(18) بحوث في شرح مناسك الحج: ج12، 13، 14 (مخطوط).

(19) معجم رجال الحديث: ج1، ص 37 ـ 40.

(20) كما نجد أنّ المحقّق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قدّس سرّه) قد صحّح في كتابه منتقى الجمان روايات الصدوق التي وقع محمد بن على ماجيلويه في طريقها وذكر في مقدّمة (المنتقى: ج1، ص 39 ـ 40) أنّه اعتمد في ذلك على استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق.

(21) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: ج7، ص444.

(22) منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: ج1، ص 19 (بتصرّف).

 

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)