أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2019
2172
التاريخ: 16-2-2021
2204
التاريخ: 23-10-2019
2483
التاريخ: 28-8-2020
1996
|
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الشرائط الأساسيّة لحصول لقاء الله تعالى.
2- يبيّن أنّ الوصول إلى الله يتحقّق من خلال الإيمان به والهجرة إليه.
3- يستدل على أنّ الجهاد في سبيل الله هو أفضل الأعمال المقرّبة من ساحته المقدّسة.
أسس الطريق:
إنّ الآية الكريمة التالية من كتاب الله العزيز تبيّن لنا جوانب هذا الطريق الأساسيّة والتي بمراعاتها يضع الإنسان قدمه على الصّراط الإلهي المستقيم، يقول تعالى في محكم كتابه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 20 ـ 21].
فالآية تشير بشكل واضح إلى أنّ الإيمان، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، من العوامل الأساسيّة التي تمهّد الأرضيّة للقاء الحق والوصول إلى درجةٍ عظيمة عنده كما قال عزّ اسمه: ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ﴾، ليكون في نهاية المطاف من الفائزين ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾. إذاً، فشرط التقرّب إلى الله وصيرورة الإنسان عند الله كما هو حال الشّهيد هو في أن يتحلّى المجاهد بالإيمان الصّحيح والواعي، ثم يشمّر عن ساعد الهمّة ليهاجر إلى الله ورسوله، ثم ينزل إلى ميدان المجاهدة ومقارعة الأعداء بهمّةٍ عالية وبأسٍ شديد حتى ينال شرف القتل في سبيل الله، فيصل إلى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيناجي ربه قائلاً: "إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئنّ القلوب إلّا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلّا عند رؤياك" (1).
الإيمان واللقاء:
الإيمان من شؤون البشر وميولهم التي خلقت معهم، فأن نقول "إنسان" فهذا يعني أنّنا أمام كائن يمتلك ميلاً طبيعياً نحو الإيمان بشيء ما، فلا يخلو إنسان من هذا الميل أو الشعور. والإيمان هو نوع من الإذعان أو التّسليم لحقيقة أو لشيء نعتقد أنه حقيقة، والنّفس التي تؤمن به تعيش حالة من الخضوع أو التّسليم له. والإيمان في الإسلام يقابل الكفر وهو الذي يكون حساب البشر في يوم القيامة على أساسه، وهو الإيمان بالله الواحد الأحد الذي خلق كلّ شيء وهو ربّ العالمين. فالإيمان الإسلامي يختلف عن أيّ إيمان آخر، وبمعرفته يمكن أن نقول إنّ كلّ إيمان آخر هو الكفر الحقيقيّ الذي سوف يظهر في يومٍ من الأيام.
لقد خلق الله الإنسان لكي يصل إلى هدفٍ واقعيّ تتحقّق عنده سعادته المطلقة وكماله النهائي، وهو لم يطالبه بالإيمان إلا لدخالته في تحقّق الهدف النهائي. ويمثّل لقاء الله ودخول جنّته هذه السعادة المطلقة التي هي هدف الإنسان {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، وما لم يدخل هذا الإنسان إلى الجنّة فهو من أصحاب النار والشّقاء الأبدي. وبمراجعة الآيات التي تحدّثت عن شروط الفوز بالجنّة والنّجاة من العذاب، نجد أنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو العامل الأساسيّ بل الوحيد، لأن كلّ العوامل الأخرى لا تقف إلى جانبه بل تنبع منه {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. وكذلك إذا راجعنا جميع الآيات التي تحدّثت عن سبب الدّخول إلى جهنّم والعذاب الإلهي والحرمان من لقاء الحق تعالى، نجد أنّ السّبب الوحيد هو الكفر بالله سبحانه {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 12]. وسرّ ذلك أنّ الإيمان والكفر هما الموجّه لمسيرة الإنسان فما يؤمن به الإنسان ويعتقد به هو الذي سيكون هدفه النهائي، وأولئك الذين آمنوا بالله حقاً، وتوجّهوا إليه وطلبوه، وسلكوا الطريق المؤدّي إليه، كانت عاقبتهم الوصول إليه ودخول جنّته التي هي مقام لقائه. فلا إمكانية للوصول إلى هذه المنزلة الرّفيعة إلا بعد الإيمان به تعالى وبإمكانية لقائه {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46]، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [هود: 29]. والقرآن الكريم يحدّثنا ويؤكّد لنا على أنّ سعادة الأفراد والمجتمعات تكمن في إيمانها، وأنّ شقاءهم حاصل كفرهم، فالخير يبدأ من الإيمان وينمو معه، والشرّ مستبطن في الكفر ويستشري به. أمَا أولئك الذين آمنوا بغير الله الواحد الذي بيده كلّ خير، فسيتحرّكون نحو كمالات وهميّة، وأشياء يظنّون الخير فيها والسعادة المنشودة منها، ولكنّهم في النهاية سيدركون أنّ ما آمنوا به لم يكن الإله الحقيقيّ أصل كلّ خير ومفيض كلّ نعمة.
ولا شكّ أنّ الإيمان وحده لا يكفي للوصول إلى السعادة، فالإيمان إذا لم يصل إلى درجةٍ يحرّك معها الإنسانَ نحو مفيض الخير والكمال فإنّه لن يكون مؤثّراً. بل الإيمان الذي يولّد السّعي هو الذي سيكون مؤثّراً، وأعظم أثرٍ للإيمان الواقعي هو أنّه يجعل قلب صاحبه متوجّهاً ومقبلاً إلى الله سبحانه وتعالى، بينما يكون الكفر إعراضاً وإغلاقاً لهذا القلب أمام كلّ خير وسعادة ينشرها الرحمن في عباده ومخلوقاته.
إذاً، ما ينبغي أن يتعلّق به الإيمان ليكون إيماناً إسلاميّاً، هو الإله الذي بيده كلّ خير وكمال وسعادة يصبو إليها الإنسان.
وهذا هو التّوحيد ومعنى أن يكون المرء موحّداً. فالتوحيد ليس مجرّد اعتقاد بأنّ الله خالق كلّ شيء وأنه لم يشرك معه أحداً في خلقه، بل يعني أيضاً الاعتقاد بأن كلّ خير نريده أو نحتاج إليه فهو موجود عند الله، وعلينا أن نطلبه منه. ونفس هذا الاعتقاد يعدّ درجةً من درجات الإيمان، وهو إذا استولى على قلب الإنسان، فأخرج كلّ ما ينافي هذا الاعتقاد الحقيقيّ من قلبه، فإنّ صاحبه يصل إلى أعلى درجات الإيمان. لأنّ الإيمان الكامل هو الذي يكون القلب معه لله وحده دون سواه، فتكون جميع تحرّكات هذا الإنسان إلهية، وعندها يصبح في أعلى درجات الاستعداد لاستقبال ألطاف الحق ومواهبه السنيّة.
وأمّا الوسيلة الفضلى لنيل هذه الدرجة من الإيمان وتعميقها وترسيخها في القلب فهي العمل الصّالح {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 75] وأهمّ هذه الأعمال المقرّبة إلى الله والهادية إليه الهجرة والجهاد في سبيل الله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].
الهجرة في سبيل الله:
من كان يريد الله تعالى فعليه أن يهاجر إليه. والهجرة إلى الله هي التعبير العمليّ عن الإيمان به، لذا قال تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72].
فالخطوة الثانية بعد الإيمان بالله والاعتقاد العقلي والقلبي به هي الهجرة في سبيله، والإنسان ما دام حيّاً فهو مكلّف بهذه الهجرة، وهي على أنواع ومراتب:
منها: أن يهاجر الإنسان من بلاد الكفر والمشركين إلى ديار الإسلام، التي يستطيع أن يؤدّي فيها تكليفه، ويأمن فيها على دينه، {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100].
ومنها: أن يترك الدّناءة، ويهجر الخبائث، ويتجنّب المعاصي التي تحول بينه وبين لقاء ربه والظّفر بجنّته، وهي قوله تعالى في كتابه العزيز، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5].
ومنها: الهجرة بالبدن عن مخالطة أهل العصيان والفسوق، ومجالسة أهل البغي والطغيان، وأبناء الدنيا الذين يعيقونه عن التوجّه للآخرة. والهجرة بالقلب عن المودّة لهم والميل إليهم، وترك العادات والتقاليد المخالفة للشرع، والاعتبارات الوهميّة التي تمنع الإنسان من سلوك طريق الآخرة، وتكون عائقاً من السّفر إلى الله. ففي المجتمع المادّي يتقيّد الإنسان بعادات وهميّة اعتاد عليها أهل الدنيا حتى أصبح قياس النّفع وميزان الخسارة مبيناً عليها. كما جرت العادة أن ينسب الجهل إلى كلّ من يلتزم الصّمت في المجالس العلميّة أو غير العلميّة، أو أن يعتبر التّهافت إلى الجلوس في صدر المجلس دليلاً على الرّفعة والمنزلة العالية، أو أن يعتبر أن التصّنع في الكلام والتشدّق به دليلٌ على سعة الاطّلاع والفهم، وخلافه دليل على الحقارة والضّعة وضعف الموقف والشخصيّة. بل على الإنسان المؤمن حقاً أن يغضّ النظر عن كل هذه الأمور وأن يهجرها دون أيّ خوف أو وجل، وهي قوله تعالى في كتابه العزيز {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].
ومنها: أن يهجر الإنسان أنانيّته، ويخرج من بيت نفسه المظلم، وحبّه لذاته، بهدف القضاء على أهواء النّفس حتى يقدر أن يضع قدمه على بساط التّوحيد، ويدخل عندها في مضمار {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]. وهذه هي الهجرة الحقيقيّة إلى الله حيث يدوس الإنسان على أهوائه وأنانيّته وييمّم وجهه شطر الإله والمعبود الأوحد، وهي الهجرة التي قال الله تعالى فيها: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26].
وجاء في بعض التفاسير في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100] أنّ البيت في الآية يحمل على معنيين؛ على البيت الظاهري وهو المنزل، وعلى البيت الباطني وهو بيت النفس. فكلّ من يهاجر من بيت النفس الأمّارة بالسوء بهدف التوجّه إلى الله قاصداً لقاءه، فإنّ أجره وثوابه على الله، وهو سوف يوفّيه إيّاه حتماً حتى ولو أدركه الموت في الأثناء.
الجهاد في سبيل الله:
على الإنسان الذي يبحث عن السّبيل الأسلم لتعميق الإيمان وتثبيته في النّفس طمعاً في الهداية، أن يبحث عن أفضل الأعمال التي تبرهن عن صحّة وسلامة مقاصده وأهدافه. فليس كلّ من ادّعى {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99]. صحّت هجرته إلى ربّه، بل عليه أن يقدّم الأدلّة التي تثبت صحّة نيّته وصدقه في الطلب. وأفضل وسيلة لإثبات هذا المدّعى هو انتخاب أفضل الأعمال التي تقرّبنا إلى الله وتدنينا منه.
ويُعتبر الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال وأحمزها، فقد سُئل إمامنا الصادق عليه السلام ذات مرّة: أي الأعمال أفضل؟ فقال عليه السلام: "الصّلاة لوقتها وبرّ الوالدين والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ" (2).
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض"(3)، وهو أشرف الأعمال أيضاً كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم" (4).
ومنشأ هذه العظمة والأهمّية، أنه ما صلحت دنيا ولا دين إلّا بالجهاد. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إن الله عزّ وجلّ فرض الجهاد وعظّمه، وجعله نَصْرَهُ وناصِرَه، والله ما صلَحت دنيا ولا دين إلا به" (5). وكيف لا تكون له هذه العظمة وهو من أركان الإيمان كما قال عليه السلام: "الإيمان أربعة أركان الصّبر واليقين والعدل والجهاد" (6).
وقد حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنهج العملي للإسلام واختصره بكلمةٍ واحدة في الجهاد في سبيل الله حيث قال:
"سياحة (7) أمّتي الجهاد" (8).
فمن أراد اتّباع سبيل الحق لا طريق له إلى ذلك إلّا بالجهاد.
والجهاد في سبيل الله على قسمين كما أخبر بذلك رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث رُوي أنه صلى الله عليه وآله وسلم استقبل سريّة كان قد بعثها للقتال فقال لها بعد عودتها: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل له: وما الجهاد الأكبر، قال: جهاد النفس" (9). الجهاد الأصغر وهو مواجهة العدوّ الخارجي من الكفّار وأعداء الإسلام، الذين يمنعون إقامة حكم الله تعالى على الأرض، وهذه المواجهة لها أشكالٌ عديدة: عسكرية وأمنية وسياسية وثقافية واقتصادية وغيرها. وهذا الجهاد الأصغر هو درع الله الحصينة وجنّته الوثيقة، كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وسوّغهم كرامة منه لهم ونعمة ذخرها.
والجهاد هو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء"(10).
أما الجهاد الأكبر فهو محاربة العدوّ الباطني، وهو الأهواء والنفس الأمّارة. ووظيفة المجاهد الأساسيّة القضاء على هذا العدوّ الباطني والانتصار عليه، وهو أشدّ فتكاً وخطراً من العدوّ الخارجي بل ومن أخطر الأعداء على الإطلاق كما أخبر عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى قائلاً: "الله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدوّ لكم، إنه تبارك وتعالى قال إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وإن أول المعاصي تصديق النفس، والركون إلى الهوى" (11).
وقد سمّى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الجهاد بالأكبر، لأن الهزيمة فيه هي الهزيمة الحقيقية، والانتصار فيه هو الانتصار الأكبر.
فالهزيمة في ساحة الجهاد الأصغر ليست هزيمة في الحقيقة بل هي نيل إحدى الحسنيين، أمّا في ساحة الجهاد الأكبر فإنّ الإنسان.
إذا فشل في محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء، فإنها ستسيطر عليه وتصبح هي الآمر والناهي في مملكة وجوده، فيخرج بذلك من ميدان العبوديّة لله ليدخل في ميدان عبوديّة النّفس والطاعة لها فيسقط في أسفل سافلين {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]،
وربما لا يتمكّن من جبران هذه الخسارة بعدها أبداً.
فالنفس جرّاء التعلّق بزينة الدنيا وشهواتها تصبح مشغوفة بها، فتدعو صاحبها لارتكاب الخطايا وتزيّن له السيّئات، وهي لا تزال على هذا المنوال حتى تصبح أمّارة بالسوء لا يهدأ لها خاطر إلا إذا دعت وأمرت بالسيّئات. وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بقوله {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53].
فالّنفس إذا تركت وشأنها وأهملت تربيتها تكون مبادرة إلى المعاصي وتأمر بالسوء دائماً، والاستثناء هو ما خرج برحمة الله تعالى بالتربية والمجاهدة. وعليه نصل إلى هذه النتيجة، أن من آمن بالله حقّ الإيمان، وهاجر إليه، وجاهد في سبيله، فهو في أعظم درجة عند الله، وهو من الفائزين {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].
المفاهيم الرئيسة:
1 ـ لقاء الحقّ عزّ وجلّ والتقرّب إليه يحصل بثلاثة أمور: الإيمان به، حقّ الإيمان، الهجرة إليه وترك كل ما سواه، والجهاد في سبيله.
2 ـ الإيمان هو من شؤون البشر وميولهم التي خلقت معهم، فأن نقول: "إنسان" فهذا يعني أنّنا أمام كائن يمتلك ميلاً طبيعياً نحو الإيمان بشيء ما.
3 ـ الإيمان وحده لا يكفي للوصول إلى السعادة، فالإيمان إذا لم يصل إلى درجةٍ يحرّك معها الإنسانَ نحو مفيض الخير والكمال فإنّه لن يكون مؤثّراً.
4 ـ لا يمكن أن يدنو الإنسان من ساحة الحقّ إلّا بعد أن يهجر كل ما يعيقه عن التوجّه إليه، ومن أهم هذه الموانع: الذنوب، أهل الباطل والسوء، وحبّ النّفس والذات.
5 ـ من كان يريد الله تعالى فعليه أن يهاجر إليه. والهجرة إلى الله هي التعبير العمليّ عن الإيمان به.
6 ـ الجهاد في سبيل الله هو أفضل الأعمال التي تدني الإنسان من ربه لأنّه ما صلح الدين ولا الدنيا إلا به.
7 ـ الجهاد في سبيل الله على نحوين، أصغر وهو جهاد العدو الظاهري للدين والإسلام، وباطني وهو النفس الأمارة بالسوء والأهواء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّادية، مناجاة الذاكرين.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 158.
(3) المصدر نفسه، ج5، ص 3.
(4) المصدر نفسه، ص 36.
(5) المصدر نفسه، ص 8.
(6) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص16.
(7) السياحة: تعني الطريق والمنهج.
(8) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص 14.
(9) المصدر نفسه، ص 137.
(10) الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص4.
(11) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص 138.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|