أقرأ أيضاً
التاريخ: 19/11/2022
1576
التاريخ: 16-8-2016
2886
التاريخ: 15-04-2015
3851
التاريخ: 23-8-2016
3602
|
إن إقصاء أهل البيت ( عليهم السّلام ) عن موقع القيادة وإمامة المسلمين أدّى إلى الانحراف في جميع مجالات الحياة ، وترك تأثيره السلبي على جميع مقومات الشخصية ، في الفكر والعاطفة والسلوك ، فعمّ الانحراف الدولة والأمة معا ، كما عمّ التصورات والمبادئ ، والموازين والقيم ، والأوضاع والتقاليد ، والعلاقات والممارسات العملية جميعا .
نعم تغلغل الانحراف في ميدان النفس ، وميدان الحياة الاجتماعية ، وتحوّل الإسلام إلى طقوس ميتة لا تمتّ إلى الواقع بصلة ، خلافا لأهداف الإسلام الذي جاء من أجل تقرير المنهج الإلهي في الحياة . فانحسر عن الكثير من تلك المجالات ليصبح علاقة فرديّة بين الإنسان وخالقه فحسب .
أوّلا : الانحراف الفكري والعقائدي
ازداد الانحراف في عهود الملوك المتعاقبين على الحكم ، وكان للأفكار والعقائد نصيبها الأكبر من هذا الانحراف ، ولم يكترث الحكّام بهذا الانحراف بل شجّعوا عليه ؛ لأنه كان يخدم مصالح الحكم القائم ، ويشغل المسلمين عن همومهم الأساسية وبخاصة التفكير في مجال تغيير الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) .
فكثرت في عهد الأمويين الانحرافات الفكرية والعقائدية وتعدّدت وتعاظمت ، وأصبح لها أتباع وأنصار ، وتحولت إلى تيارات وكيانات خالف الكثير منها الأسس الواضحة للعقيدة الاسلامية ، وابتدعوا ما لا يجوز من الأمور المخالفة للقرآن الكريم وللسنة النبوية ، فانتشرت أفكار الجبر والتفويض والإرجاء ، كما انتشرت أفكار التجسيم وتشبيه اللّه تعالى بخلقه ، وكثرت الشبهات حول ثوابت العقيدة ، وكثر الحديث حول ماهية اللّه تعالى وذاته ، وتنوّعت تيّارات الغلوّ ، حتى زعم البعض حلول الذات الإلهية في قوم من الصالحين ، وقالوا بالتناسخ ، وانتشرت الزندقة ، فجحدوا البعث والنشور ، وأسقطوا الثواب والعقاب وزوّرت الأحاديث والروايات واختلق كثير منها ؛ لدعم التسلط الأموي ، كما راج اختلاق الفضائل لصالح المنحرفين من الصحابة ، وطرحت نظرية عدالة جميع من صحب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أو رآه أو ولد في عهده ، بينما منعوا - من جانب آخر - من نشر فضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) .
وكان للحكّام دور كبير في تشجيع هذا الانحراف المتمثّل في اختلاق النصوص وقد وصف الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) ذلك قائلا : « إنّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام : أحدها : الغلو . وثانيها : التقصير في أمرنا . وثالثها : التصريح بمثالب أعدائنا »[1].
وانتشرت ظاهرة الإفتاء بالرأي ، وراج القياس في الأحكام والتفسير بالرأي لآيات القرآن المجيد ، كما انتشرت أفكار التصوّف والاعتزال عن الحياة ، وفصل الدين عن السياسة .
وأشغل الحكّام كثيرا من الناس بالجدل في المسائل العقلية التي لا فائدة فيها ، وشجّعوا على إقامة مجالس المناظرة والجدل العقيم في ذات اللّه تعالى وفي الملائكة ، وفي قدم القرآن أو حدوثه .
وهكذا كان للحكّام دور كبير في خلق المذاهب المنحرفة والتشجيع عليها ، لا سيّما بعض المذاهب التي كانت تحمل شعار الانتساب إلى أهل البيت ( عليهم السّلام ) كالكيسانية لغرض شق صفوف أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) الذين كانوا يستهدفون الواقع السياسي المنحرف .
ثانيا : الانحراف السياسي
اتّبع الحكّام الأمويون سياسة من سبقهم في تحويل الخلافة إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء دون سابقة علم أو تقوى ، وتوزيع المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة على أبنائهم وأقربائهم والمتملقين لهم ، واستبدوا بالأمر فلا شورى ولا استشارة إلّا مع المنحرفين والفسّاق من بطانتهم . ولشعورهم بعدم الاحقيّة بالخلافة استمروا على نهج من سبقهم في اتخاذ الارهاب والتنكيل وسيلة لتثبيت سلطانهم ، فحينما وجد الوليد بن عبد الملك أنّ ولاية عمر بن عبد العزيز على مكة والمدينة قد أصبحت ملجأ للهاربين من ظلم بقية الولاة ، قام بعزله[2] تنكيلا منه بالمعارضين وارهابهم وغلق منافذ السلامة أمامهم .
وكان سليمان بن عبد الملك محاطا بثلّة من الرجال الذين عرفوا بفسقهم وانحرافهم وسوء سيرتهم كما وصفهم أعرابيّ عنده ، بعد أن أخذ منه الأمان ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، انه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم ، وابتاعوا دنياهم بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ، خافوك في اللّه ، ولم يخافوا اللّه فيك ، حرب للآخرة وسلم للدنيا ، فلا تأمنهم على ما يأمنك اللّه عليه ، فإنّهم لم يأتوا إلّا ما فيه تضييع وللأمة خسف وعسف ، وأنت مسؤول عما اجترموا ، وليسوا مسؤولين عمّا اجترمت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك[3].
واتّبع أبناء عبد الملك الوليد وسليمان سيرة أبيهم ، والتزموا بوصيته في قتل الرافضين للبيعة ، والتي جاء فيها : ادع الناس إلى البيعة ، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا[4].
وأقرّ كثير من الفقهاء سياسة الحكّام الأمويين خوفا أو طمعا أو استسلاما للأمر الواقع ، فقد أقرّوا ما ابتدعوا من ممارسات في تولية الحكم كالعهد إلى اثنين أو أكثر ، فقد عهد سليمان بالحكم إلى عمر بن عبد العزيز ومن بعده ليزيد بن عبد الملك ، فأقرّ كثير من الفقهاء ذلك ، حتى أصبحت نظرية من نظريات تولّي الحكم[5].
وحينما تولّى عمر بن عبد العزيز الحكم حدث انفراج نسبي في السياسة الأموية ، كما لاحظنا ، وقام ببعض الاصلاحات ومنح الحرية النسبية للمعارضين ، وألغى بدعة سبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وردّ إلى أهل البيت ( عليهم السّلام ) بعض حقوقهم ، واعترف بالممارسات الخاطئة لأسلافه من الحكّام ، حتى امتدحه الإمام الباقر ( عليه السّلام ) على ذلك[6].
ولكن حكمه لم يدم طويلا ؛ إذ عاد الوضع إلى ما كان عليه .
وامتازت هذه المرحلة بسرعة تبدّل الحكّام ، فقد حكم سليمان ثلاث سنين ، وحكم عمر بن عبد العزيز ثلاث سنين أو أقل ، وحكم يزيد بن عبد الملك أربع سنين ، وكان كل حاكم ينشغل بالإجهاز على ولاة من سبقه ، وكثرت الاختلافات في داخل البيت الأموي تنافسا على الحكم ، كما كثرت الفتن الداخلية في عهدهم ، حتى قام قتيبة بن مسلم بخلع سليمان والاستقلال في خراسان[7].
وقام يزيد بن المهلب في سنة ( 101 ه ) بخلع يزيد بن عبد الملك وجهّز اليه يزيد من قتله وقتل أتباعه .
وأحاط يزيد نفسه بالمتملّقين الذين يبررون له انحرافاته حتى افتوا له انه ليس على الخلفاء حساب[8].
وهكذا كانت الأمة الاسلامية محاطة بالمخاطر من كل جانب ، ففي سنة ( 104 ه ) ظفر الخزر بالمسلمين وانتصروا عليهم في بعض الثغور .
وفي عهد هشام بن عبد الملك ازداد الارهاب والتنكيل بأهل البيت ( عليهم السّلام ) وأتباعهم وسائر المعارضين ، حتى اجترأ هشام بن عبد الملك على سجن الإمام الباقر ( عليه السّلام ) وأقدم على اغتياله[9]. وأصدر أوامره بقتل بعض أتباع الإمام الباقر ( عليه السّلام ) إلّا أنّ الإمام استطاع أن ينقذهم من القتل[10].
والتجأ الكثير إلى العمل السرّي للإطاحة بالحكم الأموي ، فكان العباسيون يعدّون العدّة ويبثون دعاتهم في الأقاليم البعيدة عن مركز الحكومة وخصوصا في خراسان ، وأخذ زيد ابن الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) يعدّ العدّة للثورة على الأمويين في وقتها المناسب ، لأنّ الأمويين كانوا قد أحصوا أنفاس الناس عليهم لكي لا يتطرقوا إلى انحرافاتهم السياسية أو يعلنوا عن معارضتهم لها .
ثالثا : الانحراف الأخلاقي
لقد حوّل الأمويون الانظار إلى الغزوات ، وحشّدوا جميع الطاقات البشريّة والمادّية باتجاه الغزوات ؛ وذلك من أجل إشغال المسلمين عن التحدّث حول الأوضاع المنحرفة ، وعن التفكير في العمل السياسي أو الثوري لاستبدال نظام الحكم بغيره ، ولم يكن هدفهم نشر مفاهيم وقيم الإسلام كما يتصوّر البعض ذلك ، لأنّهم كانوا قد خالفوا هذه المفاهيم والقيم في سياستهم الداخلية ، وداسوا كثيرا من المقدسات الاسلامية ، وشجّعوا على الانحرافات الفكرية .
وأدّى توسّع عمليات الفتح والغزو إلى خلق الاضطرابات في المجتمع الإسلامي وتشتيت الأسر بغياب المعيل أو فقدانه ، كما كثرت الجواري والغلمان ممّا أدّى إلى التشجيع على الانحراف باقتناء الأثرياء للجواري المغنّيات وتملك المخنثين ، وانتقل الانحراف من البلاط إلى الامّة تبعا لانحراف الحكّام وفسقهم ، فقد انشغلوا باللهو والانسياق وراء الشهوات دون حدود أو قيود حتى كثر الغزل والتشبيب بالنساء في عهد الوليد بن عبد الملك بشكل خاص[11] .
وكانت همّة سليمان بن عبد الملك في النساء ، وانعكس ذلك على المجتمع حتى كان الرجل يلقى صاحبه فيقول له : كم تزوجت ؟ وماذا عندك من السراري ؟[12].
وقد وصف أبو حازم الأعرج الوضع الاجتماعي والأخلاقي مجيبا سليمان بن عبد الملك على سؤاله : ما لنا نكره الموت ؟ بقوله : لأنكم عمّرتم دنياكم وأخربتم آخرتكم ، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب[13].
وكان سليمان يسابق بين المغنيين ويمنح السابقين الجوائز الثمينة[14] ، ويجزل العطاء للمغنيات . كما ازداد عدد المخنثين في عهده[15].
وأقبل يزيد بن عبد الملك على شرب الخمر واللهو[16] ، ولم يتب من الشراب الّا أسبوعا حتى عاد اليه بتأثير من جاريته حبّابة[17].
وكان يقول : ما يقرّ عيني ما أوتيت من أمر الخلافة حتى اشتري سلامة وحبّابة فأرسل من يشتريهما له[18].
وهكذا وصل الانحراف إلى ذروته ، حينما أصبح اللهو والمجون من أولى هموم حكّام الدولة .
وليس غريبا أن تنحرف الأمة بانحراف حكامها وولاتهم وأجهزة الدولة ، وبهذا الانحراف كانت تبتعد الأغلبية من الناس عن الأهداف الكبرى التي حددها المنهج الاسلامي ، ولا تكترث بالاحداث والمخاطر المحيطة بالوجود الاسلامي .
رابعا : الانحراف في الميدان الاقتصادي
لقد تصرّف الحكّام بالأموال العامّة وكأنّها ملك شخصي لهم ، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم وأهوائهم ، على ملذاتهم وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال ، كما كانوا ينفقون الأموال لشراء الذمم والضمائر ، ويمنحونها لمن يشترك في تثبيت سلطانهم أو مدحهم والثناء عليهم ، فقد مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك فأمر له بمائة ناقة ، وكساه وأجزل صلته[19].
فتنافس الشعراء فيما بينهم للحصول على مزيد من الأموال كما تنافس المغنّون لنيل الهدايا من الحكام أو ولاتهم .
وكان الحكّام يعيشون في أعلى مراتب الترف والبذخ ، ويبذّرون أموال المسلمين على لهوهم وشهواتهم ، وعلى المقربين لهم ، في وقت كان كثير من الناس يعيشون حياة الفقر والجوع والحرمان .
وازداد التمييز الطبقي حينما عطّل مبدأ التكافل الاجتماعي ، ولم تكترث الدولة بمعاناة الناس وهمومهم ولم تتدخل في الحث على الانفاق .
وقد ضاعف الحكّام من الضرائب ، فاضافوا ضرائب جديدة على الصناعات والحرف وخصوصا في عهد هشام بن عبد الملك ، الذي كان ينفق ما تجمّع لديه على الشعراء المادحين له [20].
وقد وصف سليمان بن عبد الملك حالات الترف والمجون التي وصلوا إليها قائلا : قد أكلنا الطيب ، ولبسنا اللين ، وركبنا الفاره ، ولم يبق لي لذة إلّا صديق أطرح معه فيما بيني وبينه مؤنة التحفظ[21].
وهكذا انساق الناس - وخصوصا - أتباع الأمويين وراء شهواتهم ورغباتهم ، وانشغل الكثير في السعي للحصول على الأموال بأي وجه أمكن .
[1] عيون أخبار الرضا : 1 / 304 .
[2] الكامل في التاريخ : 4 / 577 .
[3] الكامل في التاريخ : 3 / 178 .
[4] البداية والنهاية : 9 / 161 .
[5] الأحكام السلطانية : 13 ، الماوردي .
[6] الكامل في التاريخ : 5 / 62 .
[7] تاريخ ابن خلدون : 5 / 151 .
[8] البداية والنهاية : 9 / 232 .
[9] مناقب آل أبي طالب : 4 / 206 .
[10] بحار الأنوار : 46 / 283 .
[11] الأغاني : 6 / 219 .
[12] البداية والنهاية : 9 / 165 .
[13] مروج الذهب : 3 / 177 .
[14] الأغاني : 1 / 317 .
[15] المصدر السابق : 4 / 272 .
[16] مروج الذهب : 3 / 196 .
[17] الأغاني : 15 / 295 .
[18] المصدر السابق : 8 / 346 .
[19] الأغاني : 7 / 109 .
[20] المصدر السابق : 1 / 339 .
[21] مروج الذهب : 3 / 76 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|