أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-29
720
التاريخ: 30-01-2015
1653
التاريخ: 2024-10-31
199
التاريخ: 2024-09-04
304
|
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ...}[آل عمران / 159]
من كلام الشيخ أدام الله عزه أيضاً حضر في دار الشريف أبي عبدالله محمد بن محمد بن طاهر(رحمه الله)، وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فقهائها، فقال له الورثاني: أليس من مذهبك أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان معصوماً من الخطأ، مبرأ من الزلل، مأموناً عليه من السهو والغلط، كاملاً بنفسه غنياً عن رعيته؟
قال له الشيخ أيده الله: بلى كذلك كان (صلى الله عليه واله وسلم).
قال له: فما تصنع في قول الله جل جلاله: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }. أليس قد أمره الله بالاستعانة بهم في الرأي وأفقره إليهم؟ فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي (صلى الله عليه واله وسلم)؟
فقال له الشيخ أدام الله عزه : إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم، ولحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت و توهمت، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الإيضاح عما أخبرتك به، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، كان معصوماً من الكبائر والصغائر وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا وأوفرهم عقلاً وأكملهم تدبيراً، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة، والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله (عزوجل) والتهذيب والإنباء له عن المصالح.
وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته؛ لأنه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأياً منه وأجود تدبيراً وأكمل عقلاً أو ظن ذلك.
فأما إذا أحاط علماً بأنه دونه فيما وصفناه، لم يكن للاستعانة في تدبيره براره برأيه معنى، لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال، كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم، والآية بينة يدل متضمنها على ذلك.
ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }، فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم، ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستعانة برأيهم لقال له، فإذا أشاروا عليك فاعمل وإذا اجتمع رأيهم على شيء فامضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته.
فأما وجه دعائهم إلى المشورة عليه(صلى الله عليه واله وسلم)، فإن الله أمره أن يتألفهم بمشورتهم ويعلمهم بما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدبوا بآداب الله(عزوجل)، فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم، على أن هاهنا وجهاً آخر بينا وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويسير خلافه ويبطن مقته ويسعى هدم أمره ويناقضه (ينافقه خ ل) في دينه ولم يعرفه بأعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم، فقال عز اسمه: { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]. وقال جل اسمه: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [التوبة: 127].
وقال تبارك اسمه: { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] ، وقال: { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56].
وقال عز من قائل: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].
وقال جل جلاله: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] ، { وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } [التوبة: 54].
ثم قال سبحانه بعد أن أنبأه عنهم في الجملة: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] ، فدله عليهم بمقالهم وجعل الطريق إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم، ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإن الناصح تبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في فاستشارهم لذلك، ولأن الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم.
ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه (صلى الله عليه واله وسلم) في الأسرا فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته، كشف الله تعالى ذلك له وذمهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه؛ فقال جل وتعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] ، فوجه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسوله (صلى الله عليه واله وسلم) عن حالهم، فيعلم أن المشورة لهم، لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنما كانت لما ذكرناه (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 11، والمصنفات 2: 31.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|