أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-05
1258
التاريخ: 2024-02-28
871
التاريخ: 2023-07-04
1378
التاريخ: 2023-07-27
1071
|
اعلم أنّ أكثر كتب هذا العلم مُبَوَّبة على أبواب ثلاثة، وبعضها بزيادة مقدّمة وخاتمة يذكر فيها فوائد:
فالباب الأوّل في الأسامي.
والثاني في الكُنى.
والثالث في الألقاب.
فأمّا فائدة استقلال كلٍّ من الأخيرين بباب - مع ذكرهم جملة ممّن لم يعرف له إلّا لقب أو كنية، أو لم يكن معروفاً إلّا بأحدهما في عداد الأسامي على حدّ ذكرها، ومَن لم يكن كذلك يذكرون ما له من كنية أو لقب عند ذكر اسمه، خصوصاً الكنية المُصدَّرة ب «ابن» لالتزامهم بذكرها مع الأسامي، كما يقولون: محمّد بن أحمد بن عبد اللَّه بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال مولى بني أسد أبو عبد اللَّه، وقلّما يترك اللقب أو الكنية عند ذكر أسامي أربابهما- فهي أنّ في كثير من الأخبار التعبير عن كثير من رجال السند بالكنية أو اللقب، بل ربّما لا يعبّر عنهم إلّا بأحدهما، كابن أبي عمير وابن بكير وابن أبي جيد وأبي بصير وأبي حذيفة وأبي الخطّاب والبزنطيّ والزهريّ والحلبيّ والتلعكبريّ والسكونيّ والنوفليّ، إلى غير ذلك، فذكروهما على الاستقلال ليرجع الراجع إلى بابيهما فيعلم بهما أحوال الرجل إن ذُكرت فيهما أو اسمه، فيقف عليه عند ترجمته ويعرف أحواله، فلو لم يذكروا كذلك بل عند أسامي أربابهما خاصّةً، لم يتمكّن الراجِع من معرفة مَنْ عبّر في السند بأحدهما ذاتاً أو وصفاً إلّا بملاحظة جميع الأسامي، وفيه من الصعوبة أو التعسّر أو التعذّر ما لا يخفى.
وحيث إنّ ذلك محتمل في كثير من الكُنى والألقاب التزموا بذكر الجميع في موضعٍ مستقلّ مع استطراديّة البعض، ومع ذلك فليس هذا من جميعهم، فبعضهم اكتفى في موضع الاستقلال ببعض الكنى والألقاب، حتّى أنّ في (منتهى المقال)
حكى عن أستاذه والميرزا أنّهما أدرجا كثيراً من الألقاب في الأسماء وكذا بعض النساء، وذكر بعض ذلك في آخر الكتاب (1).
وكيف كان فيذكرون في باب الأسماء أبواباً أو فصولًا على عدد الحروف الهجائيّة وترتيبها، فيكتبون باب الألف وباب التاء وهكذا، ويتعرّضون في كلّ باب لجميع مَنْ صُدِّر اسمه بحرف ذلك الباب على ترتيب حروف الهجاء أيضاً بالنسبة إلى الحرف الثاني والثالث والرابع وهكذا، نظير ما صنعه أهل اللغة وإن اختلف الصنفان بوضع الباب على أوائل الحروف أو أواخرها.
مثلًا: يُقدَّم في الرجال في باب الألف اسم آدم على اسم أبان؛ لتقدّم الألف على الباء، وأبان على إبراهيم؛ لأنّهما وإن استويا في الحرفين (2): الأوّل والثاني إلّا أنّهما اختلفا في الثالث، والألف في الاسم الأوّل مقدّم على الراء في الاسم الثاني، وإبراهيم مقدّم على أحمد؛ لاختلافهما في الحرف الثاني مع تقدّم الباء على الحاء، وهكذا أحمد على إدريس.
وأيضاً فالمكبَّر مقدّم على المصغّر، كالحسن والحسين، وعمرو وعمير، بل كلّ ما فيه زيادة حرف أو حركة مؤخّر عمّا ليس فيه، كحارثة وعمارة وعبيدة وسلمة وسلامة، وعمر عن حارث وعمار وعبيد وسلم وسلام وعمرو.
وعُلّل بأنّ الزيادة فرع ما زِيدَ عليه، فحقّه التأخير، ولأنّه على خلاف الأصل العَدَمي، وهو مقدّم على الوجود، إلّا أنّه مع اطّراده في كلّ ما كانت الزيادة ألِفاً- إذ يقدّم زياد على زيد وسلام على سلم والحارث على الحرث وعامر على عمرو وعمر وغير ذلك- لا حاجة إليه في تقديم المكبّر على المصغّر؛ لأنّه على القاعدة المتقدّمة، فإنّ الياء متأخّر عن كلّ حرف.
نعم، يفتقر إليه فيه أيضاً حيث كان بعد حرف التصغير، أي آخر الكلمة ياء أيضاً، كما في حُيَي مُصغَّر حيّ.
وعلى كلّ حال فهذا هو الذي عليه بناؤهم.
ثمّ إنّ هذا إذا اختلفت الأسماء المصَدَّرة بحرف الباب ولو في حرفٍ واحد إمّا في الثاني أو الثالث وهكذا، وأمّا إذا اتّفقت في الجميع- كما في المشتركات المتّفق فيها عدّة أشخاص في اسمٍ واحد، كأحمد وإسماعيل ومحمّد وعليّ وغير ذلك، بل الأكثر ذلك؛ لندرة مَنْ خُصَّ به اسم ممّا يذكر في الرجال- فالمدار بإعمال نحو ما سمعت على أسماء الآباء، فَمَنْ أوّل حروف اسم أبيه مقدّم على أوّل اسم أبي غيره يُقَدَّم على الأخير وإن تأخّر ثاني حروف اسم أبيه عن ثاني بل ثالث بل رابع، وهكذا من اسم أبي غيره.
مثلًا: يُقَدَّم آدم بن إسحاق على آدم بن عبداللَّه، وهو على آدم بن المتوكّل؛ لأنّ أوّل إسحاق مُقَدَّم على أوّل عبداللَّه وإن تأخّر ثاني إسحاق عن ثاني عبداللَّه، وهكذا في ابن عبداللَّه وابن المتوكّل وهكذا.
ومع اتّفاق أوائل أسماء آباء الجميع يُراعى ما ذكر في ثانيها ومع الاتّفاق فيه في ثالثها، وهكذا على حدّ ما عرفت في أصل الأسماء. وهذا إذا لم يشترك أسماء الآباء.
فلو اشتركت- كما في أحمد بن محمّد وجعفر بن محمّد وعليّ بن أحمد وعليّ بن إسماعيل ونحو ذلك ممّا توافق فيه أسماء الأولاد والآباء- رُوعِيَ ما ذكر في أسماء.
الأجداد، فيُقَدَّم أحمد بن محمد بن أحمد على أحمد بن محمّد بن إسحاق، وهو على أحمد بن محمد بن جعفر، وهو على أحمد بن محمّد بن الحسن، وهكذا.
وكذا يتصاعد إلى أسامي آباء الأجداد على النحو المزبور إذا كان الاشتراك في أسماء الأجداد أيضاً.
ولو كان الاشتراك في الجميع أو لم يكن أسامي أجداد الجميع أو البعض مذكورةً، فيُراعى ما ذُكر فيما ذُكر لهم من الألقاب والكنى، سواء كان في مقابل اللقب أو الكنية في أحدِهما
أحدهما في الآخر كما في أحمد بن عليّ العلويّ وأحمد بن عليّ الفائدي، بالفاء، وفي أحمد بن محمّد أبي عبداللَّه وأحمد بن محمّد أبي الغريب، وفي إسماعيل بن أبي فديك وإسماعيل الأزرق- أو كان في مقابله الاسم، كما في محمد بن خالد الطيالسي ومحمّد بن خالد بن عبد الرحمن؛ إذ الابن غير ملحوظ في الترتيب، فالمقابلة بين الطيالسي وعبد الرحمن، إلى غير ذلك.
وقد يكون نظر الترتيب في الكنى بينها وبين مثلها أو بين الألقاب أو الأسامي إلى ما أُضيف إليه الأب بإسقاطه عن الملاحظة، كما هو الغالب بل على الإطلاق في المصدَّرة ب «ابن» فيقدّم أحمد بن عبداللَّه الإصفهاني على أحمد بن عبداللَّه بن أُميّة، مع أنّ الباء مقدّم على الصاد، وكذا يقدّم محمّد بن قيس الأسدي على محمّد بن قيس أبي عبداللَّه مع تقدّم الباء على السين، فيظهر أنّه لم يلاحظ المضاف في الترتيب، بل لُوحظ الأسدي مع عبداللَّه، و واضحٌ أنّ الألف مقدّم على العين، إلّا أنّ مثل ذلك نادر لا يوجب تشويش الراجع واضطرابه وإن كان اطّراد الأمر على ما مرّ من القاعدة أولى.
فأمّا ذِكر الكنى والألقاب عند ذكر الأسامي فلم أقف على كتابٍ رتّب ذلك على القاعدة أو التزم بتقديم الكنى مطلقاً أو الألقاب كذلك، فكثيراً مّا يقدّم اللّقب، وكثيراً يُعكس، فيقال: محمّد بن مروان الذهلي البصري أصله كوفيّ أبو عبداللَّه، ومحمّد بن مسعود بن محمّد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر، ويقال أيضاً: محمّد بن يحيى أبو جعفر العطّار القمّيّ، لكنّ الغالب تقديم الكنية.
وقد تتوسّط الكنية بين عدّة ألقاب أو لقبين، كما في محمد بن جعفر بن محمد بن عبداللَّه النحوي أبوبكر المؤدّب.
ولاريب أنّه لو لُوحظ الترتيب على القاعدة المتقدّمة أو التزم بأحد التقديمين، كان أولى.
ولعلّ الباعث على إهمال الأمرين اختلاف الكنى والألقاب في الاشتهار، فيؤخّر الأشهر، لقباً كان أو كنيةً؛ لحصول المعرفة به إن لم يحصل بغيره، كما هو القاعدة في التعاريف والرسوم.
هذا كلّه إذا كان الموجود في السند أسماء الرواة خاصّةً أو مع اللقب أو الكنية أو معهما، وأمّا إن كان الموجود فيه خصوص اللقب أو الكنية أو هُما، فعلى المراجِع إلى الكتب الرجوع إلى باب الكنى والألقاب.
ونقول فيهما: إنّ الأمر فيهما من حيث الترتيب كما مرّ في الأسماء، فيقدّم أبو إبراهيم على أبي أحمد، وهو على أبي إسحاق، وهو على أبي إسماعيل وهكذا.
وكذا يقدّم الآدميّ على الأبرازيّ، وهو على الإبلي، وهو على الأجلح، وهو على الأحمر، وهكذا.
وباب الكنى مقدّم على باب الألقاب؛ لتصدُّرِ الألف في الأوّل مطلقاً، سواء كانت الكنية مصدَّرةً بالأب أو الأُم أو الابن أو الأخ أو الأُخت. فهذا على وفق القاعدة إلّا في خصوص الألقاب المشار إليها، وعدّة أُخرى مصدّرة بالألف وثوانيها ممّا هو مقدّم على الميم بالنسبة إلى المصدّرة بالأُم، لكن التزموا هذه المخالفة لتحقّق إفراد أحد البابين على الآخر، فإنّه أَولى وأهمّ من مراعاة القاعدة المذكورة في خصوص الألفاظ المزبورة، كما التزموا بها بالنسبة إلى ما فيهما وما في باب الأسماء؛ لوضوح أنّ مقتضى القاعدة تقديم غير ما صُدِّر بالأم وما ذكر من الألقاب، نحو إسماعيل وإسحاق إلى آخر أبواب الأسماء، فخالفوها؛ للغرض المزبور.
لكن بقي أنّ مقتضى القاعدة تقديم ما صُدِّر بالابن على ما صدِّر بالأب؛ لتقدّم النون على الواو أو الياء، وكذا تقديم ما صدِّر بالأخت على ما صدّر بالأخ؛ لتقدّم التاء على الحرفين، والموجود فيها العكس.
ولعلّ وجهه مراعاة جانب الابوّة مع أنّ التصدير بها هو الأصل والغالب في الكنى، ومع ذلك لم يكن الحرفان من لوازم المصدّر بالأبوة؛ لقلبهما في حالة النصب إلى الألف المقدّم على الجميع وإن ندر، أو لم يتحقّق ذكره بهذه الحالة مضافاً إلى الحرفين، بل الحروف اقيمت عندهم مقام الإعراب، فكأنّما خرجت بذلك عن جوهر الكلمة.
وببعض ما ذُكر الاعتذار عن تقديم الأخ على الأخت.
هذا فيما لم يفرد للنساء باب على حِدَة، وإلّا كما صنعه في (منتهى المقال) فما صُدِّر بالأم أو الاخت موضعه في الباب المنفرد لهنّ. وبنحو ما ذُكر أو بعضه الاعتذار عن تأخير باب النساء عن جميع الأبواب، مع اقتضاء قاعدة الترتيب خلافه.
إذا تمهّد لك هذا نقول: إنّ المُراجِع إلى الكتب إن وجد ما أراده من الاسم أو الكنية أو اللقب منحصراً به في أحد الأبواب أو مميَّزاً بما مرّ من التميّز بالأب أو الجدّ أو اللقب أو الكنية، فيضبطه وينظر في حاله ووصفه من المدح والقدح بالألفاظ التي نشير إلى بعضها في الباب الثاني، ويحكم على السند بما استفاده منها، حتّى أنّه لو وجده من غير تعرّض لأحواله وأوصافه - وهو المصطلح عليه بِ «المجهول» - لم يفتقر إلى ملاحظة ما يأتي في الباب الثاني، بل يحكم بجهالة السند وضعفه من باب الفقاهة وإن لم نقل بأصالة الفسق؛ إذ المراد بالضعيف حينئذٍ أنّه غير حجّة في الظاهر؛ لأصالة عدمها.
لكن لا ينبغي الاقتصار في المراجعة على خصوص موضع الاسم أو أخويه؛ لاحتمال ذكر وصف مدح له أو قدح في باب ابنه أو أبيه أو أخيه، فإنّهم كثيراً مّا يتعرّضون لبيان أحواله في عنوان أحد المذكورين بذكر وصف للجميع أو له خاصّةً، كما أنّ مع عدم وجدان اسمه في موضعه لا ينبغي التسارع إلى الحكم بالإهمال والضعف على ما مرّ، بل يلاحظ العناوين المزبورة؛ لاحتمال ذكره فيها.
ومع ذلك لا يكتفى البتّة بكتابٍ لم يجمع جميع الأسامي أو الأوصاف أو الأقوال، بل يلاحظ الجامع لجميع ذلك، وأحسن جمعاً من الجميع كتاب (منتهى المقال) للشيخ أبي عليّ الحائريّ رحمه الله، إلّا أنّه أسقط فيه المجاهيل، كما اعترف به في أوائله (3) بزعم عدم الحاجة إلى ذكرهم، ولم يلتفت إلى أنّه ربّما تشترك أسامي الثقات مع المجاهيل بحيث لا تميّز أو يتوقف على ملاحظتهما معاً.
فالناظر في كتابه كثيراً مّا يظنّ انحصار الاسم الذي يريده أو تميّزه بزعم أنّه الموجود في الكتاب، وفي الواقع هو من المجاهيل الساقطين، ولا يخفى أنّ هذا نقص شديد في كتابه وإن كان كاملًا من وجوه أُخر، ومن هنا وجب للمُراجع إليه أن يضمَّ إليه في الملاحظة كتاباً آخر مشتملًا على المجاهيل، كالنقد (4) والوسيط (5) وغيرهما.
وإن وجده- بعد ملاحظة أسباب التميّز، المتقدّمة- مشتركاً بين أشخاص، فلا يخلو إمّا أن يكون الاشتراك بين الموثَّقين أو بين الممدوحين بالمدح الموجب لاعتبار السند، فلاحاجة له إلى ملاحظة ما في الفصل الثاني من أسباب التميّز؛ لصحّة السند أو اعتباره على كلّ حال، وتعيينه أنّ هذا الرجل هو الثقة الفلاني دون الثقة الآخر غير محتاج إليه.
وكذا لو كان الاشتراك بين ضعفاء بالنصّ أو بالجهالة أو الإهمال في كتب المتقدّمين مع فقد ما يقوّيه في كتب المتأخّرين المتعرّضين له؛ لعدم اعتبار السند حينئذٍ على كلّ حال.
نعم، قد يفتقر إلى التميّز في القسم الأوّل في مقام التعارض؛ لوضوح اختلاف مراتب التوثيق والمدح.
والواجب علينا بمقتضى أخبار العلاج وغيرها الأخذ بقول الأعدل، وبالجملة، الأقوى في حصول الاطمئنان، وهذا متوقّف على التميّز حينئذٍ.
وأيضاً قد يتوقّف عليه معرفة الطبقة الموجبة لاتّصال السند، فقد يكون الواقع في السند في الواقع مَنْ لا يلائم الطبقة، فيكون في الواقع مرسلًا، وقد حكمنا- لولا التميّز- باتّصاله، بل وكذا في القسم الثاني في مقامٍ جاز أو وجب علينا الأخذ بالخبر الضعيف؛ للتسامح في دليل الكراهة والاستحباب أو الاعتضاد بشهرة أو غيرها إذا وجدت في الجانبين، بل ربّما يكتفى في الضعيف الأقوى ببعض اعتضاداتٍ لا يكتفى به في الضعيف الأضعف.
وإمّا أن يكون بين الممدوحين والمقدوحين، فلابدّ حينئذٍ من ملاحظة المميّزات الآتية وغيرها، فنقول:
الضابط فيها ما يختصّ قطعاً أو ظنّاً ببعض المشتركين في الاسم ونحوه اختصاصاً إضافيّاً، أي بالنسبة إلى سائر المشتركين معه في الاسم وإن كان موجوداً بل على الوجه الأتمّ في غيرهم، فإنّه لا ينافي الغرض الذي هو التميّز عن المشاركين.
ومرجع هذا في الحقيقة - بعد ملاحظة الاختصاص المستفاد من الاسم مع الاختصاص المستفاد من المميّزات- إلى الاختصاص الحقيقي؛ لخروج الغير بالاسم، والمشاركين فيه بالمميّز المفروض اختصاصه فيما بينهم به.
وحيث عرفت أنّ المدار على الضابط المزبور علمت أنّ الاقتصار في عَدِّها على خمسة أو اثني عشر بل إفادة حصرها فيها- كما في كلام بعضهم - ممّا لا وجه له، إلّا أن يريد ما وجده واستنبطه، وإلّا فهي أزيد ممّا ذُكر؛ إذ منها التميّز بالنسب واللقب والكنية والصنعة ومطلق الوصف والمكان والزمان.
والثلاثة الأُولى عُلِمت...، فإنّ عمدة التميّز فيه ببعضها أو جميعها، والأربعة الأخيرة قد تجامع الثلاثة فتقدّمت؛ إذ من الألقاب ما يكون صنعةً، كالخيّاط والحنّاط والعطّار والصيرفيّ والحدّاد والحذّاء والزرّاد والسرّاد، فإنّهما بمعنى صانع الدرع.
ومنها: ما يكون صفةً، كالأحول والأرقط والأشلّ والأفرق والأصمّ والضرير ونحو ذلك.
ومنها: ما يدلّ على المكان، كالبرقيّ والبزوفريّ والجامورانيّ والحلبيّ والحلوانيّ والراونديّ والرازيّ وغير ذلك.
وأمّا الزمان فمستفاد من النسب بالتوالد؛ لغلبة الملاقاة والاجتماع حتى في حال الرواية، بل يستفاد اتّحاد العشيرة أو القبيلة من جملة من الألقاب، كالكاهليّ والكنانيّ والمازنيّ والمخزوميّ والنجاشيّ والنخعيّ والنوبختيّ إلى غير ذلك. وأكثر هذه المميّزات كما تميّز مَنْ ذُكرت في حقّه عمّن لم تذكر فيه، كذا تميّز بعض مَنْ لم تُذكر في حقّه عن مثله.
مثلًا: إذا روى بعض المشاركين في الاسم عن بعض أهل الصنائع، وعرفنا في أحوالهم أنّ خصوص أحدهم كان له صنعة التي للمرويّ عنه وإن لم يطلق المشتقّ منها عليه، وكان المفروض اتّحاد المكان والزمان، يحصل لنا ظنّ بأنّ هذا هو الراوي عنه، ويتقوّى هذا الظنّ بكون الرواية فيما يتعلّق بالصنعة المزبورة.
[و] يظهر هذا بملاحظة نقل الفتيا وآداب الصنعة وما يتعلّق بها من بعض الناس لبعض.
وأمّا إفادة اتّحاد المكان والزمان والعشيرة لظنّ التميّز فمن الواضحات من غير حاجة إلى مقايسة الرواة بِنَقَلَةِ الفتيا والأحكام العرفيّة والقصص والأخبار.
وكيف كان فمن المميّزات اتّحاد العشيرة أو اللقب.
ومنها: التلمّذ، بل مطلق كثرة المصاحبة، بل ربّما يكون ظنّ التميّز فيهما أقوى ممّا مرّ؛ لاشتمالهما على اتّحاد المكان والزمان وزيادة.
ومنها: كون الراوي أو مع المرويّ عنه من أهل علمٍ، كالكلام مثلًا، والروايةِ فيه أو في مشكلاته.
ومنها: كونه أو مع المرويّ عنه من خواصّهم وكثيري المعرفة بحقّهم عليهم السلام والرواية فيما لا يتحمّلها غير أمثالهم.
ومنها: أن يقال في حقّ بعضهم: إنّه كثير الرواية خصوصاً إذا انضمّ إليه القول في حقّ الآخرين بقلّتها وفُرض الاشتراك في كثير من الروايات.
ومنها: أن يقال في حقّه: إنّه روى خُطب الأمير عليه السلام أو قضاياه أو خُطب النكاح مثلًا وكانت الرواية فيها.
ومنها: كون الرواية موصولةً إلى الأمير عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وكان بعضهم من العامّة، كالسكونيّ والنوفليّ.
ومنها: كون الراوي المشترك مرجعاً لأهل بلدٍ أو قرية، والراوي عنه أو جميع السلسلة منهم.
ومنها: كونه من جُباة الصدقات والزكوات والرواية في كيفيّتها.
ومنها: اضطراب الرواية، وقد قيل في حقّ بعضهم: إنّه مضطرب الرواية.
ومنها: كون بعضهم جمّالًا أو مكارياً أو ملّاحاً، وبالجملة، كثير السفر والرواية في آدابه وأحكامه بالنسبة إلى الصلاة والصوم وغيرهما، خصوصاً إذا فرض كون أكثر روايات الاشتراك من هذا القبيل.
ولا يُتَوهَّم دخول هذا في التميّز بالصنعة؛ لأنّ الملحوظ فيه اتّحاد الراوي والمرويّ عنه فيها، وإنّما ذكرنا كون الرواية في أحكامها؛ لتقوية الظنّ بالتميّز بها، والملحوظ مجرّد كون الرواية فيما يختصّ به بعض أهل الاشتراك.
ومنها: اختصاص بعضهم برواية كتابٍ خاصّ من أصلٍ أو نوادر وكانت الرواية منه.
ومنها: التميّز بالراوي المعلوم عن المشترك، كما إذا وجدنا روايته عنه في مقامات، أو قيل في حقّ المعلوم: إنّه يروي عن هذا المشترك، أو في حقّ المشترك: إنّه يروي عنه هذا المعلوم.
وقد صنّف الأمين الكاظمي رحمه الله في هذا الباب كتاباً سمّاه (هداية المحدّثين إلى طريقة المحمّدين) وهو الذي نقل عنه بالمعنى في كتاب (منتهى المقال) بعنوان (المشتركات) المرموزة ب(مشكا) وهو كتاب جيّد جدّاً لم يُصَنَّف مثله في هذا المعنى، لم يَدَعْ فيه مشتركاً إلّا بيّن أنّه ممّن يروي أو ممّن يُروى عنه.
ومنها: التميّز بالمرويّ عنه، عكس ما ذُكر.
ومنها: لو علمنا من الخارج أو من تصريح أهل الرجال أو بعضهم أنّ بعض المشتركين كان يميل إلى معلوم ويمدحه، بل كان ممّن يعتقد بعلمه أو بورعه، ولم يكن شيء من ذلك بين هذا المعلوم وغير هذا البعض من المشتركين، والموجود في السند المشترك رواية المشترك عنه.
ومنها: لو علمنا بما ذُكر أنّ جميع المشتركين عدا واحد منهم كانوا لا يرون فلاناً شيئاً ولا يعتقدون به، بل كانوا يرمونه بنحو الفسق وفساد العقيدة، وكان هو المرويّ عنه في السند المشترك، فيظنّ أنّ الراوي عنه المشترك هو المستثنى من الجماعة، كما يظنّ في سابقه أنّ الراوي هو البعض المعتقد به، ويقوى الظنّ باجتماع الأمرين بأن يقال في حقّ المستثنى في الأخير ما ذُكر في سابقه.
ومنها: كون معلومٍ حاضراً في بلد المعصوم عليه السلام أو في بلد العلماء والرواة، وبينه وبين أحد المشتركين مراسلات ومكاتبات في حوائجهم من أمر دنياهم ودينهم، وكان يتّفق الملاقاة بينهما بنزول أحدهما في منزل الآخر أو غيره في مدّة مرّةً أو مرّات، ولم يكن هذا بينه وبين غيره من المشتركين، وكان المرويّ عنه في السند المشترك هو المعلوم المذكور.
ومنها: كون أحد المشتركين أشهر وأظهر في انصراف إطلاق اللفظ المشترك إليه سواء كان اسماً- كانصراف أحمد بن محمد إلى الأشعريّ القمّيّ المعروف دون أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ وغيره- أو كنيةً- كانصراف أبي بصير إلى ليث البختريّ المراديّ دون يحيى بن القاسم الأسديّ وغيره- أو لقباً كانصراف البزنطيّ إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر دون القاسم بن الحسين، وانصراف الصفّار إلى محمّد بن الحسن ابن فروخ دون غيره، إلى غير ذلك.
كون أحد المشتركين أشهر وأظهر في انصراف إطلاق اللفظ المشترك إليه سواء كان اسماً- كانصراف أحمد بن محمد إلى الأشعريّ القمّيّ المعروف دون أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ وغيره- أو كنيةً- كانصراف أبي بصير إلى ليث البختريّ المراديّ دون يحيى بن القاسم الأسديّ وغيره- أو لقباً كانصراف البزنطيّ إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر دون القاسم بن الحسين، وانصراف الصفّار إلى محمّد بن الحسن ابن فروخ دون غيره، إلى غير ذلك.
والانصراف المذكور إنّما ينفع حيث كان الموجود في السند اللفظ المنصرف دون غيره، والوجه واضح.
ثمّ إنّ هذا الانصراف قد يكون بالنسبة إلى جميع المشتركين، وقد يكون بالنسبة إلى بعضهم، والأخير لا ينفع إلّافي التميّز في الجملة عن البعض المزبور، خصوصاً حيث كان في ثالثٍ أشهر منهما معاً، فإنّه ينصرف إليه.
نعم، لو عُلم ببعض المميّزات عدم إرادة الثالث الأشهر أو المساوي معه في الاشتهار، أفاد الانصراف في غيره تميّزه عن غيره.
وهذا كما ذكر في النقد (6) في الحلبيّ المشترك بين محمّد بن عليّ بن أبي شعبة وإخوته: عبيد اللَّه وعمران وعبد الأعلى وأبيهم وأحمد بن عمر بن أبي شعبة وأبيه عمر وأحمد بن عمران أنّه في الأوّل ثمّ الثاني أشهر وإن تأمّل في الترتيب في التعليقة.
فعلى فرضه لو كانت قرينة على عدم إرادة الأوّل عيّنا الثاني بالانصراف المزبور.
وبالجملة فأسباب التميّز كثيرة يقوى المتأمّل على إخراجها والتميّز بها، وإنّما أشرنا إلى هذه الجملة ليتقوّى ذهن الناظر على تخريجها بالتفطّن إلى شعبها...
ثمّ إنّه قد يوجد في بعض الموارد واحد من أسباب التميّز دون غيره، وقد تتعدّد لكن مع توافق الجميع في المفاد.
وهذا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال مع وجود المتعدّد واختلاف المفاد، فهل لبعضها ترجيح على البعض؟ وهل يرجّح بالكثرة في جانبٍ أم لا؟
الأظهر أنّه لا ضابط لأحد الوجهين ولا دليل عليه، بل الوجه أنّ المدار على قوّة الظنّ، فقد تكون في واحدٍ أقوى منها في متعدّد، بل قد تكون في واحدٍ في خصوص موردٍ ولا تكون فيه في غيره.
وهذا مع ضبطه بما عرفت هو المستفاد من دليل الاكتفاء بما في الكتب الرجالية، وهو اقتضاء قاعدة الانسداد لاعتبار الظنّ الحاصل منها، وعليه فلو لم يحصل ظنّ منها أصلًا أو في مقام اختلاف المميّزات، فالوجه التوقّف عن التميّز حينئذٍ، والبناء على الضعف بالاشتراك إذا كان بين ممدوح ومقدوح، كما هو مفروض البحث.
نعم، مَنْ اختار بقاعدة الانسداد اعتبار الظنّ النوعيّ- أي ما هو من أسبابه مطلقاً أو عند فقد الظنّ الشخصيّ- فله التميّز حينئذٍ بأحد الأسباب عند التعارض بما هو أقواها في نظره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وذكر فيه أيضاً في ترجمة ابن داود، صاحب كتاب «الرجال» المعروف، أنّه رتّبه على حروف المعجم في الأسماء وأسماء الآباء.
قلتُ: يظهر منه- مع ملاحظة ماحكاه فيها عن الشهيد الثاني- أنّ أصل الترتيب الموجود في كتب المتأخّرين (منه رحمه الله).
(2) في الأصل: «الحروف»، والصحيح ما أثبتناه.
(3) منتهى المقال، ج 1، ص 5، قال: "ولم أذكر المجاهيل؛ لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم".
(4) هو كتاب «نقد الرجال» للسيد مصطفى بن الحسين الحسيني، من تلامذة المولى عبداللَّه التستري الاصفهاني، أَلَّفَه سنة 1015.
(5) للمولى الميرزا محمد الإسترآبادي صاحب «الرجال الكبير» و«الوسيط» و«الصغير».
(6) نقد الرجال، ص 322، الرقم 526؛ ص 27، الرقم 150.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|