أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1529
التاريخ: 12-4-2017
2469
التاريخ: 12-1-2017
1664
التاريخ: 1-07-2015
1767
|
فنقول : الممكن ... هو ما لا ضرورة لوجوده وعدمه بلحاظ نفسه ، قبال الواجب لذاته والممتنع لذاته ، فإذن ، يُحتمل أن يكون الممكن موجوداً أو معدوماً بنفسه ، لكن لا بنحو الضرورة بل بالأولوية غير البالغة حدّ الضرورة ، وهذه الأولوية راجعة إمّا إلى اقتضاء ذات الممكن كما في تقرير المشهور ، أو إلى نفس أحد الطرفين ، بأن يكون الوجود أو العدم أليق وأولى بذات الممكن ، كما في تقريب السيد الداماد قدّس سره (1) ، فينسدّ باب إثبات الصانع حينئذٍ ، فلابدّ من إقامة الدليل على إبطال هذه الأولوية .
ثمّ إنّ الأولوية المتصوّر على أقسام أربعة :
الأولوية الذاتية الكافية ، والأولوية الذاتية غير الكافية ، والأولوية الغيرية
الكافية ، والأولوية الغيرية غير الكافية . والبحث هنا يتشعبّ إلى شعبتين :
الشعبة الأُولى : في الأولوية الذاتية وفيها
أقوال :
القول الأَوّل : إنّ وجود الممكن وعدمه بالنظر
إلى ذاته على السواء ، ولا أولوية لأحدهما على الآخر ، فيكون متساوي الطرفين .
نقله في الشوارق عن الجمهور (2) .
القول الثاني : إنّ العدم أَولى به ؛ لأنّه أسهل
وقوعاً ، فإنّ الوجود يتحقّق بعد تحقّق جميع أجزاء علّته التامّة بخلاف العدم ؛ إذ
يكفيه انتفاء جزء من العلّة .
القول الثالث : إنّ وجود بعض الممكنات أَولى من
عدمه بالنظر إلى ذاته ، لا على وجه يخرج عن حيّز الافتقار إلى الغير ، ويسدّ به
إثبات الصانع ، بل على وجه يستدعي أكثرية وقوع وجوده بإيجاب العلّة وإفاضة الجاعل
، وبعض الممكنات بالعكس ممّا ذكر .
أقول : المراد بالأُولى الوجودات القارّة ،
وبالثانية الوجودات السيّالة غير القارّة ، بتوهّم أنّ العدم أَولى بهذه الوجودات
ـ كالأصوات والحركات والأزمنة ـ وإلاّ لجاز بقاؤها مع أنّه غير جائز ، وإذا جازت
الأَولوية في جانب العدم فليكن جوازها في جانب الوجود ـ كما في الوجود القارّ ـ
أَولى .
القول الرابع : تخصيص هذه الأَولوية في طرق العدم
فقط ، بالقياس إلى طائفة من الممكنات بخصوصها ، أي السيّالة غير القارة .
نُقلت هذه الأقوال الثلاثة الشاذة عن الفلاسفة .
أقول : أمّا القول الثاني فهو أجنبي عن المقام ؛
إذ السهولة في علّة العدم لا في نفسه ، فهذه الأولوية إنّما هي بالنظر إلى الغير
لا بالنظر إلى ذات الممكن .
وأمّا القول الثالث فيفسده أنّ الوجود غير البقاء
، بل لا يلزمه ، فعدم البقاء لا يسبّب أَولوية العدم بالنسبة إلى الماهية .
وبوجه آخر : إنّ التصرّم والبقاء من خصوصيات الوجود أو الماهية ، ولا صلة لهما
بأَولوية أحد الطرفين بها ، وأَولوية الماهية بأحدهما كما لا يخفى ، وإن شئت فقل :
إنّهما راجعان إلى الإمكان الاستعدادي دون الإمكان الذاتي ، ومنه ينقدح بطلان
القول الرابع أيضاً .
وأمّا القول الأَوّل فله دلائل :
1 ـ ما ذكره القوشجي في شرحه على التجريد (3) من
أنّه مع ذلك الرجحان ، لو لم يجز وقوع الطرف المرجوح نظراً إلى ذات الممكن ، لم
يكن ممكناً ما فرضناه ممكناً ، ولو جاز وقوعه نظراً إلى ذاته ، لجاز رجحانه على
الطرف الراجح نظراً إلى ذاته ؛ إذ لا يتصوّر الوقوع بدون الرجحان ، لكنّه لا يجوز
: لمنافاته مقتضى ذات الممكن وهو رجحان الطرف الراجح .
ويمكن الخدش فيه ، بأنّه مبني على أنّ الذات
تقتضي الأولوية وجوباً ، وأمّا إذا قيل بأنّ اقتضاءها لها أيضاً على نحو الأَولوية
فيرتفع المنافاة المذكورة .
2 ـ ما ذكره الرازي واستحسنه غيره (4) ، من أنّ
ما يقتضي رجحان طرف فهو بعينه يقتضي مرجوحية الطرف الآخر ؛ للتضايف الواقع بينهما
، ومرجوحية الطرف الآخر يستلزم امتناعه ؛ لاستحالة ترجيح المرجوح ، وامتناعه
يستلزم وجوب الطرف الراجح ، فتصبح الأولوية وجوباً وهو خلف . واختاره الدواني
أيضاً (5) .
وردّه صاحب الأسفار ، بأنّه إذا كان اقتضاء رجحان
طرف بعينه على سبيل الأُولوية ، كان استدعاء مرجوحية الطرف المقابل أيضاً على سبيل
الأولوية لمكان التضايف ، والمرجوحية المستلزمة لامتناع الوقوع إنّما هي المرجوحية
الوجوبية ، لا ما هي على سبيل الأولوية ، فلا خلف .
ولو سلّمنا ذلك فمن المستبين أنّ مرجوحية الطرف
المرجوح ، إنّما يستدعي امتناعه بالنظر إلى الذات مع تقييدها بتلك المرجوحية ،
أعني الذات المحيّثة بالحيثية المذكورة لا الذات بما هي هي ، وهذا امتناع وصفي ،
فيكون بالغير ، ولا يستدعي إلاّ وجوب الطرف الراجح كذلك ، أي بالغير لا بالذات ،
فليس فيه خرق الفرض ، والامتناع بالوصف الذي هو ممكن الانفكاك يكون ممكن الانفكاك
، فكيف ظنّك بالوجوب الذي بإزاء هذا الامتناع ؟
3 ـ ما قيل (6) من أنّ الطرف الآخر إن امتنع بسبب
تلك الأَولوية ، كان هذا الطرف الأَولى لذاته واجب الوجود أو العدم ، وهذا خلف وإن
لم يمتنع ، فإمّا أن يقع بلا علّة فهو محال وإمّا أن يقع بعلّة ، فثبوت الأولوية
للطرف الأَولى به يتوقّف على عدم تلك العلّة التي للطرف الآخر ؛ إذ معها يكون
الراجح هو الطرف الآخر بالضرورة ، وعليه فلا تكون تلك الأَولوية لذات الممكن وحده
، بل مع انضمام ذلك العدم إليه ، وهذا خلاف المفروض.
أقول : ويرد على الشقّ الأَوّل من الترديد ، أنّ
الامتناع المذكور وصفي كما عرفت آنفاً ، وعلى الثاني منه أنّ الأولوية المذكورة
كما تقتضي وجود الطرف الأَولى ، كذلك تقتضي مرجوحية سبب الطرف الآخر ، فتكون
الأولوية لذات الممكن وحده ، ولا تتوقّف على شيء آخر ، فإنّها توجب العدم المذكور
فكيف يفرض توقّفها عليه ؟ فتأمل .
4 ـ ما نقل القوشجي (7) من أنّه لو تحقّق أولوية
أحد الطرفين لذاته ، فإن لم يمكن طريان الطرف الآخر ، كان ذلك الطرف ممتنعاً ،
فيكون الطرف الراجح واجباً وقد فرضناه ممكناً ، وإن أمكن طريان الطرف الآخر فإمّا
لا بسبب فيلزم ترجّح المرجوح وهو محال ، أو بسبب ، فإن لم يصر ذلك الطرف أَولى به
لم يكن السبب سبباً ، وإن صار يلزم مرجوحية الطرف الأَولى لذاته فيزول ما بالذات
وهو ممتنع .
أقول : ويرد عليه ما أوردناه على الوجه الأَوّل .
هذا ولكن التحقيق أنّ المسألة غير محتاجة إلى
مزيد العناية وكثير الرعاية ؛ لأنّها إمّا ضرورية أو قريبة من الضروري ؛ إذ الوجود
إن كان عين الذات أو جزءها كان الموجود واجباً ، وإن كان زائداً عليها ـ كما هو
المفروض ـ لم يعقل اقتضاء أولوية أحد الطرفين لها أصلاً ، فإنّ الذات المذكورة قبل
وجودها أو جعل جاعلها أمر اعتباري محض ، فالقول باقتضائها الوجود ملازم للالتزام
بتأثير المعدوم في الوجود ، وهذا واضح البطلان وضروري الفساد ، ولا فرق في ذلك بين
كون الاقتضاء بنحو الوجوب أو الأولوية ، وإلى ما ذكرنا ينظر كلام الأسفار حيث قال
: فأمّا تجويز كون نفس الشيء مكوّن نفسه ومقرّر ذاته ـ مع بطلانه الذاتي ـ فلا
يتصوّر من البشر تجشّم ذلك ما لم يكن مريض النفس ... (8) إلخ .
وقال أيضاً : ثمّ مع عزل النظر عن استحالة
الأولوية يقال : لو كفت في صيرورة الماهية موجودةً ، يلزم كون الشيء الواحد مفيداً
لوجود نفسه ومستفيداً عنه ، فيلزم تقدّمه بوجوده على وجوده (9) انتهى .
أقول : ومن هنا لم يلتزم بالأولوية الكافية أحد
من العقلاء ، ومَن قال بالأولوية فإنّما قال بغير الكافية منها ، هذا مع أنّا لو
فرضنا صحّة الأولوية الكافية ـ بفرض المحال ـ لكان باب إثبات الواجب الوجود
مفتوحاً غير مسدود ... ، نعم ينسدّ به باب إثبات الصانع وهذا ظاهر .
ثمّ لا فرق فيما ذكرنا من بطلان الاقتضاء للذات
الاعتبارية الصرفة ، بين كون الأولوية كافيةً أو غير كافية كما لا يخفى ، وإن كان
نفي الثانية مستصعباً عند قوم من الباحثين ، وأمّا الأولوية بالمعنى المنقول عن
السيد الداماد قدّس سره فهي أيضاً ظاهرة البطلان ، على كلّ من أصالة الوجود وأصالة
الماهية كما يظهر وجهه بالتأمّل .
الشعبة الثانية : في الأَولوية الغيرية وفيها
أيضاً أقوال :
الأَوّل : أَولوية الوجود عند وجود المقتضي
وانتفاء الشرط ، وأَولوية العدم في صورة فقدان المؤثّر وتحقّق الشرط (10) .
الثاني : أَولوية ما هو الواقع خارجاً من الوجود
أو العدم ، نسبها في الأسفار (11) إلى طائفة من أهل الكلام ؛ لمنعهم تحقّق الوجوب
فيما سوى الواجب وإن كان بالغير ، وفي موضع آخر منها إلى أكثر المتكلمين (12) .
الثالث : التفصيل بين الأفعال الاختيارية وغيرها
، فالأُولى تصدر عن غير وجوب سابق، والثانية لا تتحقّق ما لم تجب كذلك ، والظاهر
أنّ هذا مذهب جماعة من العلماء ، وهو مختار سيدنا الأُستاذ العلاّمة الخوئي ـ دام
ظله ـ وكان يصرّ عليه في مجلس درسه الشريف ( خارج أُصول الفقه ) .
ثمّ إنّ بعض الكلاميين أنكروا الأَولوية أيضاً
كما قيل ، بل نسبه العلاّمة الحلي قدّس سره (13) إلى أكثر المعتزلة والأشاعرة
متمثّلين بالهارب الواصل إلى طريقين متساويين ، فإنّه يسلك أحدهما لا محالة من غير
ترجيح لأحدهما على الآخر .
بل يظهر من الأسفار أنّ بعض المتكلّمين أنكر
الوجوب اللاحق أيضاً ، وهو الضرورة بشرط المحمول ، لكنّه بعيد فإنّ العقل بإدراكه
البدوي يجزم بالوجوب المذكور .
الرابع : إنّ ما لم يجب وجوده لم يوجد ، وما لم
يمتنع عدمه لم ينعدم ، ولا تكفي الأَولوية في ترجيح أحد طرفي الممكن أصلاً ، ذهب
إليه الفلاسفة وجمع من المتكلّمين ، بل نسبه المحقّق الطوسي رحمه الله إلى
محقّقيهم ، ونقل إنكاره عن بعض القدماء (14) .
واستدلّوا عليه بأنّا إذا فرضنا هذه الأَولوية
متحقّقةً ثابتة ، فإمّا أن يمكن معها وجود الطرف الآخر المقابل لطرف الأولوية ، أو
لا يمكن ، والثاني يقتضي أن تكون الأَولوية وجوباً ، والأَوّل يلزم منه المحال ،
وهو ترجيح أحد طرفي الممكن المتساوي على الآخر لا لمرجّح ؛ لأنّا إذا فرضنا
الأَولوية ثابتةً يمكن معه وجود الطرف الراجح والمرجوح ، فتخصيص أحد الطرفين
بالوقوع دون الثاني ترجيح من غير مرجّح وهو محال ، ولهذه الحجّة تقريبات كلّها
متحدة المعنى لكنّها عندي مزيّفة ، فإنّ الأَولوية وإن لا تنفي إمكان المقابل ،
إلاّ أنّها تكفي لوقوع متعلّقها على الفرض ، ولا ملازمة بين الأمرين كما زعموها،
فافهم .
الثاني : ما استدلّ به الحكيم السبزواري بقوله :
(15) الأَولوية ماهية من الماهيات ، فهي مستوية النسبة إلى الوقوع واللاوقوع ،
فوقوعها ولا وقوعها جائز .
أقول : وفيه نظر .
الثالث : ما استدلّ به هو أيضاً ، من أنّ
الأولوية لو لم تكن مستويةً بل متعلّقة بأحد الطرفين جاء لزوم التعلّق ووجوبه ،
والفرض أنّه لا وجوب ، وفيه أيضاً نظر .
الرابع : ما في شرح المواقف (16) ، من أنّ الوجود
إذا صار بسبب تلك العلّة أَولى بلا وجوب ، وكان ذلك كافياً في وقوعه ، فلنفرض مع
تلك الأَولوية الوجود في وقت والعدم في وقت آخر ، فإن لم يكن اختصاص أحد الوقتين
بالوجود لمرجّح لم يوجد في الآخر ، لزم ترجّح أحد المتساويين بلا سبب ، وإن كان
لمرجّح لم تكن الأولوية الشاملة للوقتين كافيةً للوقوع ، والمقدّر خلافه .
أقول : الأَولوية مرجّحة للوجود ، فالعدم لابدّ
له من مخصّص فتأمل .
الخامس : ما فيه أيضاً ، من أنّ الأولوية لا تنشأ
إلاّ من العلّة التامة ؛ لأنّه متى فُقد جزء من أجزائها كان العدم أَولى ، فإذا
فُرض أنّ اختصاص أحد الوقتين لمرجّح لم يوجد في الآخر ، لم تكن العلّة التامّة
علّةً تامّة ، فقد ثبت أنّ الأولوية وحدها غير كافية . وفيه بحث .
هذا ما وجدناه من أدلّتهم ، والصحيح عندي ، أنّ
الآثار الصادرة من العلل الموجبة والأفعال الاختياري التوليدية ، ممّا لابدّ من
وجوبها قبل وجودها ، فما لم يجب شيء منها لم يوجد ، وأمّا الأفعال الاختيارية
المباشرية ففيها إشكال سندرسه في مسألة الجبر والتفويض .
ثمّ إنّ الموجود من الممكن مع لحاظ وجوده واجب
بالضرورة ، وهذا هو الوجوب بشرط المحمول ، المسمّى بالوجوب اللاحق ، وهذا ممّا لا
شكّ في تحقّقه ، وهكذا الكلام في المعدوم من الممكن ، فإنّه مع لحاظ عدمه ممتنع .
فالنتيجة : أنّ كلّ ممكن موجود محفوف بالوجوبين ،
وكلّ ممكن معدوم محفوف بالامتناعين ، هذا مع بقاء الماهية الإمكانية على ما هي
عليه من الإمكان الذاتي ، غير أنّ في الوجوب السابق للفعل المباشري كلاماً أشرنا
إليه آنفاً ، بل الوجوب اللاحق يجري في الواجب أيضاً ، كما يقال : الله العالم
عالم بالضرورة ، الله الموجود موجود بالضرورة ، وهكذا ، كما أنّ الامتناع اللاحق
يجري في الممتنع الذاتي أيضاً .
_____________________
(1) الشوارق 1 / 84.
(2) الشوارق 1 / 82.
(3) شرح التجريد / 43.
(4) نقله في الأسفار 1 / 202.
(5) شرح القوشجي ( الحاشية ) / 43.
(6) شرح المواقف 1 / 417.
(7) شرح التجريد / 43.
(8) الأسفار 1 / 200.
(9) الأسفار 1 / 202.
(10) شرح المواقف 1 / 417.
(11) الأسفار 1 / 204.
(12) الأسفار 1 / 222.
(13) شرح قواعد العقائد / 42.
(14) شرح قواعد العقائد / 40.
(15) الأسفار ( الحاشية ) 1 / 222.
(16) شرح المواقف 1 / 419.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|