علاقة الجغرافية الاجتماعية بالعلوم الأخرى

هناك علاقة وثيقة بين الجغرافية الاجتماعية وطائفة من العلوم الأخرى، تتباين من حيث قوة علاقاتها بالجغرافية الاجتماعية (مخطط 3)، ولأن البعد الاجتماعي واسع جداً، فلا يمكن الإلمام بجميع تلك العلوم. لذا سنقتصر على بيان أهمها. وهذه العلوم تقدم مادة غزيرة للباحث في مجال الجغرافية الاجتماعية، يستعين بها في مجال دراسته وأبحاثه. ولاشك أن هناك علاقة وتداخلاً كبيراً بين الفعالية الاجتماعية وغيرها من فعاليات الإنسان المتصلة ببيئته الجغرافية.

فقد أكد المفهوم الجغرافي القديم على وصف الظواهر الطبيعية والبشرية وصفاً مجرداً بعيداً عن التعليل والتحليل والتصنيف، ومع تطور الظواهر الجغرافية وظهور التخصصات الدقيقة، اتجهت الدراسات الجغرافية باتجاه تعليل الظواهر وتفسيرها وتصنيفها تبعاً لأسبابها وعواملها ومتغيراتها، وظهر اتجاه تطبيقي في الدراسات الجغرافية جعل من الأخيرة تقدم خدماتها للمجتمع والمخطط والتنموي وصاحب القرار. وأصبحت الدراسة الجغرافية من الدعائم الرئيسة التي يعتمد عليها المنشغلون في اتخاذ القرار. ومن الطبيعي أن هذا التطور في المفهوم الجغرافي والمنهجية المتبعة استدعى الاعتماد على العلوم | وهذه الاستعانة تصل في بعض الاحيان إلى التداخل مع تلك العلوم، لأن علم الجغرافية يمثل حلقة مهمة لربط بعض العلوم، فهو يسخرها لخدمته ويأخذ منها ما يهمه ويفيده في عمله، لكن الجغرافية لا تدخل في صميم عمل تلك العلوم بل تقف حيثما ينتهي بها المفهوم الجغرافي.

إن الهوية الجغرافية أصبحت أكثر وضوحاً من خلال الاتجاهات الحديثة لعلم الجغرافية، فقد اتضح أن علم الجغرافية من العلوم البينية التي تقف على الأخرى، مسافات محددة من العلوم، وأنه همزة الوصل بين العلوم الطبيعية والبشرية، وهي تقدم خدماتها لجميع العلوم الأصولية كالجيولوجيا والاقتصاد والفلك والاجتماع والتاريخ والفيزياء والطب... إلخ، كما يستعين الجغرافي في دراساته وأبحاثه من تلك العلوم بقدر حاجته التي تخدمه في مجال بحثه وبحدود لا يتجاوزها وبشكل يجعله في منأى عن الغرق في متاهات تلك العلوم.

من الخصائص التي انفردت بها الجغرافية عن بقية العلوم، بل لا يكاد يشاركها فيها علم آخر، خاصية الشمول، إذ يقوم الجغرافي بدراسة الأبعاد المختلفة للظواهر والعلاقات المكانية بشكل متكامل في إطار المكان التكاملية.