أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-1-2023
1098
التاريخ: 2024-08-28
258
التاريخ: 29-6-2016
6792
التاريخ: 24-11-2016
2160
|
من المطلوب أن يكون الظاهر عنوانا للباطن، بأن يكون المرء صادقاً مع نفسه سراً وعلانية. والأفضل من ذلك أن يكون الظاهر حسناً والباطن أحسن منه.
أما الأسوأ فأن يكون الظاهر قناعاً جميلاً، يتستر به صاحبه، حيث يصبح حينئذٍ منافقاً يخدع الناس بجلبابه الجميل الذي يسر الناظرين، ليمارس الفساد في سره بشخصه الخبيث.
وكما أن للإيمان درجات، فإن للنفاق أيضاً درجات، وكما أن للصدق مراتب، فإن للكذب دركات، ولعل بعض الشر أهون من بعض، كما أن الخير بعضه أفضل من غيره.
ويصدق ذلك في جميع مجالات حياة الإنسان الاجتماعية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية.
فلربما يكون المنافق عاملاً في المجال السياسي، حيث يتظاهر بالخير، ويبطن الشر، ويوزع على الناس الوعود المعسولة والشعارات البراقة، ويتظاهر بالدفاع عن الحقوق العامة حتى ينتخبه الناس، فإذا جلس على أريكة السلطة بدأ يظلم العباد، ويجمع الأموال على حساب الفقراء، ويستخدم وعوده ومظهره قناعاً مزيفاً لهدف أناني يتجسد في حب السلطة.
ولربما يكون المنافق عاملاً في المجال الديني، حيث يتظاهر بالالتزام بالتقوى، ويبطن الفسق والفجور، فيتحدث للناس عن الزهد، ولكنه يطمح في المزيد من الدنيا، ويطلب من الناس القناعة، بينما كل خلية من خلايا جسمه متعلقة بمصالحها أكثر من تعلق الطفل بثدي أمه. يقول للناس الحسنى ويفعل بخلاف ما يقول، يأمرهم بالمعروف، وهو يعمل المنكر، يلبس قناع الدين، ليخفي حب الشهوات.
وهذا النوع من الرجال أخطر على حياة الناس ومصالحهم من أي نوع آخر، والسبب أن النفاق الديني يخرب ضمائر الناس، ويمنعهم من الإيمان بالله.
فإذا كان النفاق السياسي يخرب العلاقات الاجتماعية بين آحاد الناس، فإن النفاق الديني يخرب العلاقات العبادية بين العباد وربهم، وحسب تعبير الحديث القدسي: «أولئك قطاع طريق عبادي المريدين»(1) لأن مَن يقف في طريق الله ويتظاهر بالإيمان، لكنه يعمل بخلاف ذلك، سيمنع السائرين في هذا الطريق من مواصلته، لأنهم يجدون أمامهم نموذجاً سيئاً للغاية.
وفي الحقيقة فإن النفاق لا يسود بلداً إلا وتنعدم الثقة بين المواطنين فيه، ويؤدي الأمر إلى التفكك الاجتماعي من جهة، وانتشار ظاهرة (النفاق) عند جميع شرائح المجتمع.
فحينما ينافق الحاكم فإن المحكوم سينافق معه، وحينما ينافق التاجر فإن العملاء أيضاً ينافقون معه، وحينما ينافق رجل الدين فإن أتباعه ينافقون معه أيضاً.
وهكذا يأخذ الشك مكان الثقة، والنفاق مكان الإيمان، والعمل السيئ مكان العمل الصالح. من هنا فإن مشكلة النفاق أخطر من مشكلة الكفر، لأن الذين يكفرون يكشفون عن هويتهم علناً، فيعرفهم الناس على حقيقتهم. أما الذين ينافقون فإنهم مثل فاكهة فاسدة في صندوق من الفواكه الصالحة. إنهم يتغلغلون بين صفوف الناس، ويثبطون من عزائمهم، ويضلونهم عن الصراط السوي، ويزورون عليهم المبادئ والمعتقدات.
فالنفاق مرض مُعدٍ بلا علامات ظاهرة، وهو مثل مرض قاتل لا ألم فيه، فهو لا يكشف إلا بعد القضاء على صاحبه. يقول الشاعر:
يلقاك والعسل المصفى يجتنى من قوله، ومن الفعال العلقم
فكم من «ممثل» لإبليس وهو يلبس مسوح القديسين. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «مثل المنافق كالحنظلة الخضرة أوراقها، المرّ مذاقها»(2).
ويقول عليه السلام: «المنافق قوله جميل، وفعله الداء الدخيل»(3)، ففعل المنافق هو داء يضر مثلما يضر المرض الخفي، ويقول الإمام عليه السلام أيضاً «قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان، عالم اللسان. يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون»(4).
إن المنافق يعاني من انفصام في شخصيته، وهو بذلك يظهر غير ما يبطن، ويعيش حالة من التمزق الداخلي، والفساد (الجوّاني) فيحاول التستر عليه بالنفاق (البرّاني)، ولذلك فهو يكذب، ويخلف، ويغدر، ويفجر، وتلك هي علامات المنافق.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: «أربع من كن فيه كان منافقاً، وإن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذ خاصم فجر»(5).
إن من أظهر مصاديق النفاق هو أن يكون للمرء شخصية كذوبة، فلا يكون مظهره هو العنوان الصحيح لمخبره وهذا من أظهر مصاديق الكذب، يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام: «جُعلت الخبائث في بيت وجُعل مفتاحه الكذب»(6).
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحياة قائمة على الحق لا على الباطل، وأن النفاق هو عين الباطل، عرفنا أن لا تقدم مع النفاق، ولا نجاح لمن لم يكن صادقاً مع نفسه ومع الناس.
من هنا فإنا لم نجد عظيماً واحداً من عظماء التاريخ كان ينافق مع نفسه أو مع الناس، كما لم نجد حضارة واحدة قامت على أساس النفاق، بل لم نجد قرية أصبحت آمنة يأتيها رزقها رغداً، إذا سادها النفاق وحكمها المنافقون.
فلكي تنجح : فلابد أن يكون مظهرك عنوان مخبرك، ولابد أن تصلح جوّانيك كما تُصلح برّانيك، وتزيّن نفسك كما تزين جسمك.
________________________________
(1) الكافي، ج١، ص٤٦، باب المستأكل بعلمه.
(2) غرر الحكم، ج ٦، ص ١٥٢.
(3) المصدر السابق.
(4) نهج البلاغة، ص ٣٨٥، كتاب ٢٧.
(5) بحار الأنوار، ج ٧٥، ص ٩٤.
(6) المصدر السابق، ج ٧٢، ص ٢٦٣.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|