المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

موجز في تاريخ المَدينةُ المنوَّرةُ
4-4-2017
ما أجري من العلل مجرى الزحاف
24-03-2015
حوذان المناقع Ranunculus paludosus
25-8-2019
حسام الدين بن جمال الدين الطُّريحي( ت/1095 هـ)
1-7-2016
تصنيف التربة على أساس موادها الصخرية
18-4-2016
وضع الكلام
2-08-2015


ثمار الزواج  
  
2252   09:33 صباحاً   التاريخ: 20-3-2022
المؤلف : الشيخ حسين قازان
الكتاب أو المصدر : إستعد للزواج
الجزء والصفحة : ص17ــ37
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مقبلون على الزواج /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-6-2018 1928
التاريخ: 2024-07-04 627
التاريخ: 14-1-2016 2056
التاريخ: 5-6-2020 2179

الطهارة واجتناب المعصية

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة)(1).

الإنسان رجلاً كان أو امرأة، له غرائز وشهوات مختلفة منها: الحاجة إلى الطعام والشراب، وهذه الشهوات التي هي في طبيعة كل إنسان - تشتعل، وتطلب من صاحبها الاستجابة لها فتدفعه نحو الطعام و.. وتلح عليه في تلبية حاجاتها فتضغط عليه بوسائل مختلفة، وقد تطغى عليه إذا لم يستجب لها فتتحكم به وتسيطر عليه وتنقله من نور العقل والحق إلى ظلمة الشهوة والفساد، فتكون كل حياة هذا الشخص لأجل هدف واحد وهو الجنس دون ضوابط، وفي هذه الحالة يكون كالحيوان الذي لا يسعى نحو شيء سوى الشهوة.

هنا يقف الإنسان حائراً ماذا يفعل (هل يستجيب لهذه الحاجات والشهوات كيفما كان، أم أنه يحاول أن يلهي نفسه ويشغلها ويقضي على هذه الشهوات بأي طريقة؟ أم لا..؟!

فيأتي الإسلام الحنيف ليقول له أن الله لم يجعل فيك هذه الشهوات لتقضي عليها، وإنما عليك أن تلبي نداءها وتستجيب لها، ولكن بالطريقة التي حددها لا كما تشاء، لأنه هو العالم بمصلحتك.

يقول الإمام الخميني قدس سره:

(ويتعامل (الإنسان) مع نفسه بالرفق والمداراة، ولا يحملها أزيد من طاقته وحاله).

ورعاية هذا الأدب (الرفق والمداراة) بالنسبة إلى الشباب وحديثي العهد من المهمات فإنه إذا لم يعامل الشباب أنفسهم بالرفق والمداراة ولم يؤدوا الحظوظ (الحاجات) الطبيعية إلى أنفسهم بمقدار حاجتها من الطرق المحللة، يوشك أن يوقعوا في خطرعظيم لا يتيسر لهم جبره و... فعلى السالك أن يتملك نفسه كطبيب حاذق ويعاملها على حسب اقتضاءات الأحوال وأيام السلوك. وعليه أن يخمد نارالشهوة بالطرق المشروعة، فإن في إطفاء الشهوة بطريق الأمر الإلهي. إعانة كاملة على سلوك طريق الحق، فلينكح وليتزوج فإنه من السنن الكبيرة الإلهية، ومضافا إلى أنه مبدأ البقاء للنوع الإنساني، فإن له دوراً واسعا أيضا في سلوك طريق الآخرة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله "من تزوج فقد أحرزنصف دينه"، وفي حديث آخر "من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة" وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال "وأكثر أهل النار العزاب(2).

فالزواج هو الطريقة التي ارتضاها الله تعالى لنا لإطفاء نار الشهوة وعدم الوقوع في المعاصي والانغماس في مفاسد الشيطان ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة* فليتزوج فإنه أغض للبصر. وأحصن للفرج. ومن لا طول له فليصم فإن الصوم له وجاء*(3) فهو يجعل للإنسان حصناً منيعاً يصون من خلاله نفسه بقوة الإيمان والعفة*. وينزهه عن كل عمل فاسد وشيطاني كالزنا. واللواط. أو النظرة إلى الجنس الآخر بشهوة ولذة. حيث أن لهذه النظرة الحرام وإن كانت صغيرة جداً عاقبة مشينة. قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

"النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة"(4).

والزواج كما نعرف مستحب وليس واجباً وتكليفاً إلهياً، ولكن إذا كان تركه يدفع بالمرء إلى الوقوع في معصية الله عز وجل ولو بمقدار نظرة أو تفكير حرام، فهنا لا بد للشاب أن يطالب والده بأن يعجل في زواجه، لأن الزواج في مثل هذه الحالة يكون واجباً شرعاً لصون النفس عن الوقوع في المعصية.. ولذلك حذر أهل البيت عليهم السلام من تركه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "تزوج والاً فأنت من المذنبين..."(5).

الولد الصالح ومباهاة رسول الله صلى الله عليه وآله

"إن لكل شيء ثمرة، وثمرة القلب الولد"(6).

لعل من آهم ثمار الزواج إنجاب الولد الصالح، ولو لم يكن من وراء الزواج سواه لكفى!!. فالولد عبارة عن مزيج من الأم والأب، لأن كليهما يجتمعان في الولد، هو ثمرة يقطفانها من شجرة زواجهما، وبه يشعر الإنسان بحياة جديدة ونشاط جديد، حيث أن الولد يبث في الأسرة الحيوية والنشاط لأنه قرة عين أمه وأبيه وروحهما، ويجذبهما إليه بطريقة عجيبة فيعشقانه ويصير عندهما أهم من أنفسهما. يقول الشهيد مرتضى مطهري:

"هذا الفتى وهذه الفتاة اللذان لم يكونا يفكران، وهما خليلين، إلا فيما يخصهما وحدهما، أصبحا، بعد أن ارتبطا برباط الزواج وتكوين العائلة، لا يفكران إلا فيما يخص الطرف الآخر. فتتداخل أشعة مطالبهما، وما إن يرزقا بالوليد حتى يتغيرا كل التغيير. فذاك الفتى المتثاقل الكسول غدا سريعا كثير الحركة، وتلك الفتاة التي لم تكن تغادر الفراش إلا بعناء أمست الآن كالبرق الخاطف إذا سمعت صوت طفلها النائم في المهد. ترى ما تلك القدرة التي أزالت ذلك الكسل والتراخي واستبدلته بكل هذا النشاط والحركة؟ إنها الحب ليس غير!.."(7).

ويكمل في حديثه عن حب الولد حيث يقول:

"وإنه الحب الذي يجعل من الأم التي كانت بالأمس القريب أنانية، مغرورة، كسولة، تستعجل الأمورثائرة الأعصاب، ضعيفة الصبر، قليلة التحمل، امرأة عجيبة في صبرها وتحملها ورضاها بالجوع والعطش والتعب وقلة النوم وانعدام الأناقة وتحمل مشاق الأمومة.."(8).

نعم فإنجاب الولد وتربيته هو عمل شاق لو نظرنا إليه من حيث الجهد والتعب ولكن لو نظرنا إليه من زاوية الحب والقلب فإننا نجده أمراً عظيماً جداً لأن الولد هو قرة العين ومن لا ولد له لا قرة عين له كما يقول البعض، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وآله بأن نطلب الأولاد حيث قال صلى الله عليه وآله: "أطلبوا الولد والتمسوه فإنه قرة العين وريحانة القلب.."(9).

فالمرأة والرجل يجمعان حبهما وإخلاصهما في إناء ومجمع واحد وهو الولد، كما إن الإحساس بالأمومة والأبوة فيه الكثير من البركات التي لا يعرفها سوى من صار أباً أو أماً، منها الشعور بالمسؤولية. فالولد ينمي الشعور والإحساس بالمسؤولية عند والديه وذلك من جميع النواحي المادية كتوفير الراحة له و.. ومن الناحية الأهم وهي تربيته تربية صالحة وتعليمه ليكون نافعاً لدينه في مجتمعه. وعلينا أن لا ننسى بأن الولد الذي يكبر ويكون مؤمناً صالحاً محباً لمحمد وأهل بيته عليهم السلام هو ذخر لوالديه في الدنيا والآخرة وباعث فخر لهما ويكونا شركاء معه في كل عمل يقوم به من أجل الإسلام وفي سبيل الله عز وجل. ونذكر شباب المقاومة الإسلامية على سبيل المثال فإن آباءهم وأمهاتهم شركاؤهم في جهادهم وقتالهم ضد العدو الصهيوني، والذين يسقطون منهم على الأرض شهداء هم أيضاً مدعاة فخر واعتزاز في الدنيا والآخرة لأهلهم، فيواسون بذلك مولاتنا فاطمة الزهراء وابنتها العقيلة زينب عليهما السلام وبالتالي فهم شفعاؤهم يوم القيامة، وهكذا أيضاً هو حال العلماء و... من هنا نفهم ما جاء في كتاب العروة الوثقى والتي اعتبر الإمام الخميني قدس سره العمل بها مجزٍ ومبرىء للذمة، حيث يقول:

"ولأن فائدته (للزواج) لا تحصر في كسر الشهوة بل له فوائد منها: زيادة النسل، وكثرة قائل لا إله إلا الله، فعن الباقر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يمنع المؤمن أن يتخذ اهلا (زوجة) لعل الله ان يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله"(10).

والولد الصالح صدقة جارية (أي تبقى إلى الأبد) وميراث الله من عبده المؤمن، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"ميراث الله من عبده المؤمن ولدصالح يستغفرله"(11).

وهناك مسألة أخرى في غاية الأهمية وهي أن كثرة الأولاد وإنجابهم هي سبب لأن يتباهى ويفتخر بنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة، ويا لها من مفخرة عظيمة جداً وهي أن ننجب الأولاد فيكون ذلك سبباً لتباهي الرسول صلى الله عليه وآله بنا على كل الأمم يوم القيامة، فقد جاء عنه صلى الله عليه وآله:

"تناكحوا تكاثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط*(12).

إتباع سنة أهل البيت  عليهم السلام

خلق الله تعالى - وكما نعرف - الإنسان في هذا العالم للوصول إليه عز وجل، فهدف كل إنسان صالح في الحياة لقاء الله تعالى. كما أنه سبحانه وتعالى، يسر له السبل وفتح أمامه الطريق لبلوغ هذا الهدف النهائي، وجعل أهل البيت عليهم السلام أي محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين هم الأدلاء والضوء الذي يستنير به المسافرون إليه تعالى، والباب الوحيد الموصل إلى السعادة في جنان الله، فهم عليهم السلام القادة والهداة كما جاء في الخبر عن رسول اللهصلى الله عليه وآله:

"نحن باب الله الذي يؤتى منه بنا يهتدي المهتدون"(13).

لذلك فلا بد من اتباعهم إذا لنكون من أحباب الله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فعلينا أن نقوم بما قاموا به، نفعل ما فعلوا، نترك ما تركوا، نحب ما أحبوا ونبغض ما أبغضوا لأنهم الأساس والميزان في كل الأعمال، وهذا قليل من كثير مما ورد في حقهم وفضلهم في كثير من الأخبار والروايات. قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"إجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس. ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين(14).

من خلال هذه الكلمات التي تختزن معان وأسراراً عظيمة، نعرف أن من يريد الوصول إلى رضوان الله الأكبر فعليه أن يتبع سنة محمد وأهل بيته عليهم السلام ومن سنتهم عليهم السلام الزواج كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"(15).

فالزواج من سنن أهل البيت عليهم السلام وتركه طبعاً لا يعني دخول جهنم لأنه مستحب وليس واجباً، ولكنه (ترك الزواج) يعني الحرمان من كمالات وبركات كثيرة.

المحبون لسنة أهل البيت عليهم السلام يتزوجون كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج فإن من سنتي التزويج"(16).

والزواج هو خطوة ينبغي للإنسان القيام بها وذلك لإكمال نصف الدين كما جاء في الحديث :إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي"(17).

وعلينا أن نعلم أنه لو كان في ترك الزواج أدنى فضل أو خير لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومولاتنا فاطمة عليها السلام الذين هم سادة الفضل والخير بل أساسه، أسرع الناس في الإعراض عنه (الزواج) ولما كانوا تزوجوا عليهم السلام فقد جاء في الحديث:

"أن امرأة سالت أبا جعفر. الباقر عليه السلام فقالت: أصلحك الله إني متبتلة، فقال عليه السلام لها: وما التبتل عندك؟ قالت: لا أريد التزويج أبداً.قال عليه السلام ولم؟! قالت: التمس في ذلك الفضل، فقال عليه السلام: انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحق به منك، إنه لا أحد يسبقها إلى الفضل"(18).

لذلك ينبغي علينا الحذر من وسوسات الشيطان الذي يصور لنا الزواج بصورة قبيحة أحياناً ومعقدة أحياناً أخرى، ومن بعض التقاليد والعادات التي تثقل موضوع الزواج وتضع العوائق والموانع أمامه، لتحرمنا الكثير من بركات وفوائد الزواج.

العون على طاعة الله عزوجل

قال إمامنا الصادق عليه السلام:

"ثلاثة أشياء لا يحاسب عليها المؤمن:... وزوجة صالحة تعاونه، ويحصن بها فرجه"(19).

من بركات الزواج أيضاً أن يعين الزوجان بعضهما البعض على طاعة الله تعالى، فما أجمل أن يرزق الإنسان (رجلاً كان أو امرأة) شريكاً لحياته ذا إيمان وخلق حسن يعينه على معرفة نفسه والوصول إلى ربه المتعال. فيصلان معاً إلى أعلى درجات السعادة في رضوان الله تعالى.

فالزوجة بأدائها لحقوق زوجها، وطاعتها له بما أمر الله به، تكون من عمال الله تعالى الذين لا يخيبون ولا يخسرون، كما جاء في الرواية أن شخصاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني (أي أوصلتتي إلى آخر الدار) وإذا رأتني مهموماً قالت ما يهمك إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك (أي أن الله هو الكفيل والرازق) وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً، فانبرى صلى الله عليه وآله  يبدي إعجابه وإكباره بها وقال صلى الله عليه وآله:

"بشرها بالجنة وقال لها: إنك عاملة من عمال الله، ولك في كل يوم اجرسبعين شهيدا(20).

وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام:

"الإ مرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح، وأيما امراة خدمت زوجها سبعة أيام، أغلق الله عنها سبعة أبواب من النار وفتح لها ثمانية أبواب من الجنة تدخل من أيها شاءت"(21).

أما الزوج فبخدمته لزوجته التي قال عنها الإمام الخميني أنها منبع كل الخيرات وفي موضع آخر قال.

"جذوركل أوجه السعادة تستمد من حضن المرأة"(22).

يكون من خيار الناس ومقرباً من الله تعالى، وقد وصف أهل البيت عليهم السلام من يخدم زوجته بصفات عديدة منها ما جاء في الحديث:

"لا يخدم العيال إلا صديق، أوشهيد، أو رجل يريد الده به خير الدنيا والآخرة"(23).

وفي حديث آخر: "خيركم خيركم لأهله (زوجته)"(24).

ومن المعروف أن الحصول على التوفيق لطاعة الله هو أعظم نعمة إلهية على العبد المؤمن، حيث أنه يطلب دائماً هذا التوفيق كما ورد في الدعاء «اللهم ارزقني توفيق الطاعة». وإن الزوجين المؤمنين يعين أحدهما الآخر وبقوة للحصول على هذه النعمة والتحفة الإلهية. وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الأمر في جوابه لرسول الله صلى الله عليه وآله عندما سأله صلى الله عليه وآله عن بضعته الزهراء عليها السلام حيث قال صلى الله عليه وآله : "يا علي كيف وجدت أهلك*؟ فقال علي عليه السلام: نعم العون على طاعة الله"(25).

إصلاح الفرد والمجتمع

يمكننا أن نختصر الحديث عن ثمار وأهداف الزواج بالقول بأنه عامل مهم ومساعد في إصلاح نفس الإنسان، وإصلاح المجتمع الذي يعيش فيه. فإصلاح نفس الإنسان يكون من خلال عدة أمور مر الكلام عن قسم منها كالطهارة من الذنوب واجتناب المعصية، واتباع سنة أهل البيت عليهم السلام والعون على طاعة الله... وبالإضافة إلى ذلك فإن للزواج دوراً كبيراً في:

* التخلص من الأنانية:

خلق الله تعالى الإنسان للوصول إليه تعالى كما روي في الحديث القدسي:

"يا عبدي خلقت الخلق لأجلك، وخلقتك لأجلي".

ولكن هناك أشواك تعترض الإنسان وتحاول أن تمنعه من بلوغ هذا الهدف، أساسها النفس الأمارة بالسوء التي تحاول أن توجه صاحبها نحو الدنيا ووزينتها وتصرفه عن الله تعالى، وتجعل همه الأساسي وعمله الوحيد الحصول على أكبر قدر في هذه الدنيا من الزينة والجاه و... حتى أنها تجعله في كثير من الأحيان طامعاً بخيلاً لا يحب أن يعطي شيئاً مما يملك.. ولذلك حذر أهل البيت عليهم السلام منها كما جاء عنهم عليهم السلام في الحديث:

"أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك"(26).

ودعوا عليهم السلام الإنسان لترك هذه النفس وبعبارة أخرى لترك هذه الأنانية - أي حب النفس - لأن القرب من الله تعالى يكمن في محبة أهل البيت عليهم السلام ومحبة الإسلام والمؤمنين وخدمة الآخرين لا في محبة النفس وخدمتها، فالله تعالى يحب الإنسان المتفاني في سبيل الإسلام والمسلمين كشباب المقاومة الإسلامية الذين يضحون بمالهم وأولادهم بل وأنفسهم من أجل الآخرين ويتركون كل ما لديهم في هذه الدنيا للدفاع عن الحق وتثبيت الحقيقة..

فالخطوة الأولى للتخلص من حب النفس (الأنانية) هي حب الآخرين وخدمتهم وقد دعا الإسلام إلى ذلك من خلال عدة أمور منها حب الأصدقاء والأخوة. فقد روي في الحديث:

"أحبب لأخيك كما تحب لتفسك".

والزواج هو أيضاً من جملة الأمور التي تساعد المرء على الخلاص والنجاة من حب النفس، فالإنسان عندما يكون صغيراً، مثلاً، نجده يهتم كثيراً بنفسه وقليلاً ما تجده يفضل الآخرين عليها ولو كانوا أخوته في بعض الأحيان. ولكننا نجد أن هذا الشخص الأناني والمغرور مثلأ عندما تزوج صار يحب زوجته كنفسه بل وأحياناً أكثر من نفسه ثم أولاده وأحفاده فيكونون بالنسبة إليه أهم من نفسه، فإذا كان جائعاً لا يأكل قبل أن يشبعوا، ولا يشرب قبل أن يرتووا، ولا يهنأ له عيش دون الاطمئنان عليهم.. ففي الزواج يصير الزوجان شخصاً واحداً ونفساً واحدة، وذلك لأنهما أحبا بعضهما البعض فإتحدت روحهما بتعاطف قلبيهما .

فالزواج الذي يقوم على اتحاد القلوب، والمودة يكون عاملاً مهماً ومساعداً للتخلص من الأنانية من خلال حب الآخرين وبعبارة أخرى من خلال حب الزوجة والأولاد وخدمتهم..

* الاستقرار والأنس:

يحتاج الإنسان في حياته إلى السكون والطمأنينة ويسعى نحو الراحة النفسية، وهذا ما يتوفر في الزواج لكل من الرجل والمرأة وقد أخبر الله تعالى عن ذلك في كتابه المجيد وجعل هذه المحبة والمودة بين الزوجين آية من آياته حيث قال عز من قائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

فالرجل يسكن إلى المرأة ويأنس بها، ويستريح عند قلبها، تزيل عنه الهموم والآلام، وتهتم لأمره، وقد أشار الإمام زين العابدين عليه السلام في كلام له إلى مكانة المرأة من الرجل حيث قال عليه السلام:

"إن الله جعلها سكنا ومستراحاً وواقية..."(27).

وفي آية أخرى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. ...فالمرأة تستر على زوجها وتكون سكنا له. ولم يقتصر الحديث عن المرأة فقط بل قال تعالى {وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} فالرجل هو سكن المرأة، كما أنه في الآية {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ...} إشارة واضحة إلى أن المرأة تسكن إلى الرجل سكون الحبيب لمحبوبه كما يسكن الرجل إليها حيث قال تعالى: {..لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا..} ولم يقل ليسكن الرجال إلى النساء فقط أو العكس إنما كان الحديث للطرفين.

فالرجل إذاً هو ملاذ المرأة، وموضع أحزانها وأفراحها، والحامي لها، الدافع عنها كل سوء، وهو الذي يأخذ بيدها فيعلمها ويهديها إلى الله تعالى..

وباختصار يمكن القول أن في الزواج سعادة الرجل والمرأة معاً كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لهما: "من تزوج فقد اعطي نصف السعادة"(28).

* تحمل المسؤولية:

يلقي الزواج على كل من الزوجين نوعاً من المسؤولية التي ينبغي رعايتها وعدم التساهل فيها. فالزوج مسؤول عن حماية الزوجة وتأمين المسكن لها والإنفاق عليها وينبغي أن يؤمن لها الحنان.. ومن ثم يصير مسؤولاً عن الأولاد، عن تربيتهم وتعليمهم ليكونوا مؤمنين صالحين ومن القادة المجاهدين في جيش مولانا إمام الزمان - أرواحنا فداه... وكذلك أيضاً هي الزوجة العمود الفقري للأسرة، ومحور الحب والحنان في العائلة كما يبين ذلك إمامنا الخميني حيث قال:

"إن الأحاسيس والعواطف العائلية تحتاج إلى محور أساسي يتمثل في سيدة المنزل، فإذا فقد هذا المحور، أصبحت العائلة شكلا خاويا بدون معنى"(29).

فينبغي على الزوجة تأمين الحنان والدفء العاطفي للزوج والأولاد، ومشاركة الزوج في همومه وآلامه ومشاكله وكيفية حلها. وهي أيضاً تشارك الزوج في تربية الأولاد وإرشادهم إلى الصراط المستقيم ولا بد من الالتفات إلى أن كل من الزوجين يحافظ على الآخر، ويعينه على الثبات والتقوى وسلوك طريق الخير والهدى وذلك من خلال ممارستهما لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو جزء من المسؤولية الملقاة على عاتقهما.

فالزواج يعطي لكل من الشاب والفتاة تجربة، وحس تحمل للمسؤولية. وكيفية مواجهة الأمور والأحداث وتربية الأولاد و... فما يكسبه ويتعلمه ويحصل عليه كل منهما في الزواج من فوائد وبركات مادية ومعنوية لا يمكن الحصول عليه في أي مكان آخر. فالحب والحنان. ومتعة تربية الأولاد وكيفية التعاطي معهم ومسؤولية المنزل والعائلة والأثر المعنوي للزواج ولتربية الأولاد.. كل هذه الأمور وغيرها لا يمكن أن يحصل الإنسان عليها مهما كان إيمانه قوياً إلا إذا تزوج. فالزواج في هذه المسألة كالجهاد في سبيل الله، فالذي يقضي عمره بعيداً عن هموم الإسلام والمسلمين. ولا يعرف بما يجري في هذا العالم، ولا يعيش أجواء المقاومة والمجاهدين، هذا الشخص مهما كبر فضله وعظم شأنه، فإنه محروم من الآثار المعنوية التي يحصل عليها المجاهد في الجبهة عند النزول إلى ميدان القتال.

هذه المسألة تبين لنا سراً من أسرار الشريعة الإسلامية، بحيث أن من يلتزم بها دون ترك أي مسألة فيها فإنه يكون كاملاً، وبعبارة أخرى يكون خليفة الله في الأرض. ولو نظرنا إلى أهل البيت عليهم السلام فإننا نجدهم أكمل خلق الله تعالى وقد التزموا بكافة تفاصيل الشريعة وهم أفضل الناس إيماناً وأشجعهم في ساحة المعركة و... وقد تزوجوا وكان الزواج من سنتهم، وحثوا الناس عليه كما ذكرنا.

فالزواج مطلب كل إنسان واعٍ يسعى نحو الكمال، ومن يتركه هرباً من المسؤولية، فهو ضعيف الشخصية، يحتاج إلى تعزيز ثقته بالباري عز وجل والتوكل عليه. كما أنه لا يعرف قيمة وأهمية الزواج وإلا لما فر منه، فينبغي عليه أن يقدم على هذه الخطوة التي تصقل شخصيته وتمنحه التوازن والاستقرار.

أما إصلاح المجتمع فيكون بعدة خطوات منها الزواج، حيث أن له مدخلية كبيرة جداً في القضاء على المنكر والفساد الأخلاقي في المجتمعات. فمن أهم عوامل فساد الشباب والفتيات وانحرافهم عن طريق الحق، واهتمامهم وحرصهم الشديدين على الدنيا ومظاهرها هو العزوبية، التي تؤدي إلى فقدان التوازن النفسي والمعنوي.

لأن الله خلق في داخل كل إنسان - كما ذكرنا – حاجة جنسية كالحاجة إلى الطعام والشراب، وعند البلوغ وبعده تتأجج هذه الشهوة وتشتعل نيرانها في النفس وتمارس على الإنسان الضغوط المختلفة وذلك ليستجيب لها ويقضي حاجتها، وإذا لم يلب هذه الحاجة ويستجب لندائها فإنها تطغى ومن الممكن أن تسيطر على نفسه وتصبح الآمرة والناهية في حياته، فتدفعه إلى تقليد أتباع الشهوات لما فيهم من انحطاط وتحلل أخلاقي، فيتوجه عندها إلى الحفلات ونوادي الرقص واللهو، ويستمع إلى الأغاني الصاخبة و... إلى ما هنالك من أعمال مشينة تحط من قيمة الإنسان، وتسلبه العفة والحياء اللذين هما من صفات المؤمن الأساسية كما يفهم من الحديث عن مولانا أبو عبد الله الصادق عليه السلام: "لا إيمان لمن لا حياء له"(30) وذلك لما لهذه الصفة من موقعية مهمة وكبيرة في الإسلام.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الحياء هو الدين كله"(31) وهذه الشهوة الجنسية إذا سيطرت تسلب هذه الصفة من النساء بشكل سريع فيتوجهن إلى النوادي المختلفة، ويظهرن مفاتنهن ويبرزن جمالهن.. وما ذلك سوى للفت أنظار الشباب وإثارة إعجابهم، وبذلك يجعلن من أجسادهن سلعة رخيصة ينال منها كل منحط سافل.

وهكذا تتسافل المرأة من مكانتها وتسقط من مقامها السامي الذي أراده الله لها، لتصير منحطة يتناولها كل من كان في قلبه مرض، ولو أنها تفكرت ملياً في ما تقوم به وعادت إلى فطرتها السليمة فإنها تجد أن الحياء والعفة أجمل زينة لها، ولا ينبغي لأحد أن يمس جمالها ولو بعينيه سوى زوجها ومحارمها، ولأدركت أن هذه الدنيا أياماً معدودة، وهي إلى زوال فلا ينبغي أن تكون حياتها مسخرة في سبيلها..

هكذا تسيطر الشهوة الجنسية على الشباب والفتيات فتنتشر أدوات ووسائل الثقافة الغربية من أفلام وصور ودعايات و.. ويسري الفساد في المجتمع، وينتشر الزنى، وتكثر حالات الاغتصاب..

فلأجل هذا وما ذكرنا أتى الإسلام وحث على الزواج انطلاقاً من عدة أمور. أهمها الاستجابة الطبيعية السليمة لهذه الحاجة الجنسية، وذلك بما يرضاه الله ويحبه رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام فالزواج يصرف الشباب والفتيات عن كل هذه المنكرات والأعمال الفاسدة القبيحة، ليندفعوا نحو الطموحات العالية الكبيرة من قبيل التعلم والاختراع والإبداع وتبليغ الإسلام ونشره و... ذلك لمحاربة الظلم والطغيان وبناء دولة إسلامية عادلة.. فبصلاح أمر الشباب يكون صلاح المجتمعات، من هنا نفهم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد حذر من عدم تزويج المؤمن الأمين وذلك لما يعكس على المجتمع من وقوع الفتنة وانتشار الفساد والمنكر فيه. حيث قال صلى الله عليه وآله:

"إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب لكم فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"(32).

ولا بد لنا من عدم الغفلة عن أمر مهم جداً في عملية إصلاح المجتمع وهو الولد الذي يكون نتيجة للزواج ويعتبر من أهم ثماره وقد ذكرنا أن صلاح المجتمع لا يكون إلا بصلاح جيل الشباب فيه، وهو الذي يرسم مستقبل ومصير هذا المجتمع.

الشباب إنما تنشأ وتتلقى التربية من العائلة، أي من الأم والأب، فلو تربى الولد تربية صالحة وفق التعاليم الإسلامية والتي أشار إليها أهل البيت عليهم السلام، فإن هذا الولد سيكون له أثر عظيم عندما يكبر في تغيير العالم، حيث يمكن لشخص واحد أن يغير مسار العالم كالإمام الخميني الذي استطاع أن يسقط أعتى نظام في إيران، وإنشاء الجمهورية الإسلامية. ليس هذا فحسب بل كان صدى ثورته في كل العالم، والمقاومة الإسلامية في لبنان ليست إلا ثمرة طيبه من نهج هذا الإنسان العظيم الذي شهد له الصديق والعدو.

لذلك فالأم والأب يشاركان في رسم مصير العالم، إما نحو السعادة بإتجاه دولة الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، وإما إلى الشقاء نحو الشيطان أمريكا وإسرائيل، وللأم الدور الأكبر في تربية الأولاد لتواجدها معهم بصورة دائمة، ولذلك قال الإمام الخميني:

"سعادة الدول وشقاؤها يتوقفان على وجود المرأة"(33).

فالثورة على الظالمين ورفضهم، وإقامة الحكومة الإسلامية رهن أعمال النساء، وسبب ذلك يخبرنا عنه الخامنئي حيث قال:

"المرأة هي الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يقدم من حضنه كوادر إلى المجتمع، فهي تشد المجتمع بل المجتمعات ببركاتها نحو الصمود والقيم الإنسانية السامية"(34).

إنجاب الأولاد وتربيتهم الصالحة من أهم عوامل التمهيد لإمام الزمان عليه السلام وإلى ذلك أشار أهل البيت عليهم السلام في الحديث:

"ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً (اي أن يتزوج) لعل الله ان يرزقه نسمة (ولد) تثقل الأرض بلا إله إلا الله"(35).

فثمار الزواج كثيرة وفيه من البركات والخيرات ما يعجز اللسان عن حمد الله تعالى وشكره. وباختصار شديد فيه إصلاح للنفس الإنسانية في علاقتها مع ذاتها، مع الله مع الناس، وفيه إصلاح للمجتمع من خلال بناء كوادر تسعى نحو الإصلاح والتغيير.

ولعله يمكن أن نفهم من هنا الرواية الشريفة والمباركة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما من بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى من التزويج"(36).

________________________________

(1) ميزان الحكمة - باب 207 .

(2) الآداب المعنوية للصلاة - ص 58.

* الباءة: القليل من الرزق والمال الذي يسد الحاجة ولو بصعوبة.

* وجاء: وقاية.

(3) المحجة البيضاء -ج 3.

* العفة: الاستغناء.

(4) فروع الكافي ج2.

(5) بحار الأنوار ج 103 .

(6) مكارم الأخلاق. الباب 8.

(7) الإمام علي (عليه السلام) في قوتيه الجاذبة والدافعة.

(8) المصدر نفسه.

(9) مكارم الأخلاق الباب 8.

(10) العروة الوثقى ج2.

(11) مكارم الأخلاق الباب 8.

* السقط: هو الجنين الذي يموت في بطن أمه.

(12) المحجة البيضاء ج 3.

(13) فضائل الشيعة.

(14) كشف الغمة ج2.

(15) بحار الأنوار ج 103 .

(16) المصدر السابق ج10.

(17) المصدر السابق ج103.

(18) ميزان الحكمة - باب 207.

(19) مكارم الأخلاق الباب 8.

(20) المصدر نفسه.

(21) مستدرك الوسائل ج 15.

(22) المرأة في ظل الثورة الإسلامية.

(23) بحار الأنوار ج104.

(24) مكارم الأخلاق - الباب 8.

* أهلك: أي زوجتك. ويقصد (صلى الله عليه وآله) ابنته الحبيبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

(25) نقلاً عن كتاب الزواج. للشيخ إبراهيم الأميني.

(26) بحار الأنوار ج70.

(27) رسالة الحقوق.

(28) مستدرك الوسائل - الباب 1 .

(29) المرأة في ظل الثورة الإسلامية.

(30) ميزان الحكمة - الباب 134.

(31) المصدر السابق.

(32) بحار الأنوار ج 100.

(33) المرأة في ظل الثورة الإسلامية.

(34) المصدر السابق.

(35) وسائل الشيعة ج14.

(36) بحار الأنوار ج 103




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.