تحقيق روائي في اللوح المحفوظ
المؤلف:
الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني
المصدر:
دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية
الجزء والصفحة:
ج2 ، ص 56-58
9-06-2015
6637
اللوح - المستقر فيه
حقيقة القرآن - فقد قال في المفردات : " اللّوح واحد ألواح السفينة ، قال
تعالى : {وَحَمَلْنَاهُ
عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر : 13] وما يكتب فيه من الخشب وغيره . قوله تعالى { فِي لَوحٍ مّحْفُوظٍ }
فكيفيته تخفى علينا ، إلاّ بقدر ما روي لنا في الأخبار ، وهو المعبَّر عنه بالكتاب
في قوله : إنّ ذلك في كتاب إنّ ذلك على الله يسير " (1) .
وقال المحدث الطبرسي في كتاب
الاحتجاج : " اللوح المحفوظ وهو اللوح المطابق لعلمه تعالى ، لا يحدث فيه
أيُّ تبديل أو تغيير . الثاني : لوح المحو والاثبات : وهو الذي يتغيّر ويتبدل ما
فيه حسب ما تقتضيه الحكمة الالهية قبل وقوعه وتحققه في الخارج . وهذا اللوح
المحفوظ - أعني - لوح المحو والاثبات تتطلع عليه الرسل والأنبياء والأوصياء
والملائكة ، وقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إنّ لله علمين :
علم مكنون ومخزون لا يعلمه إلّا هو من ذلك يكون البداء ، وعلم علمه ملائكته
وأنبياؤه ورسله ، فنحن نعلمه " (2).
وقد وردت في بيان ما
هيته عدّة روايات :
فمن هذه الروايات :
ما رواه الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص في مسائل عبد الله بن سلام أنّه سأل النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : " فأخبرني عن أربعة أشياء خلقهن الله بيده
؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : خلق الله جنات عدن بيده ، ونصب شجرة طوبى في
الجنة بيده ، وخلق آدم (عليه السلام) بيده ، وكتب التوراة بيده ، قال : صدقت يا
محمد ، قال : فمن أخبرك بهذا ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) جبرائيل . قال :
جبرائيل عمّن ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن ميكائيل . قال : ميكائيل عمّن
؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن إسرافيل ، قال : اسرافيل عمّن ؟ قال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : عن اللوح المحفوظ ، قال : اللوح عمّن ؟ قال (صلى الله عليه
وآله وسلم) : عن القلم . قال : القلم عمّن ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن
ربّ العالمين . قال : صدقت يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) " (3) .
ومنها : ما رواه في
تفسير عليّ بن إبراهيم بقوله : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) ،
بقوله : في قوله ذا العرش المجيد حدّثني أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن
جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : " بينا رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) جالس وعنده جبرائيل إذا حانت من جبرئيل نظرة قبّل السماء - الى أن قال
- : قال جبرائيل (عليه السلام) : إنّ هذا اسرافيل حاجب الرب وأقرب خلق الله منه ،
واللوح بين عينيه من ياقوته حمراء ، فاذا تكلّم الرب تبارك وتعالى بالوحي ، ضرب
اللوح جبينه ، فنظر فيه ، ثم يلقيه إلينا فنسعى إلينا نسعى به في السماوات والأرض
" (4) .
قوله : يا قوتة حمراء
، ليس المراد منه الياقوت المادّي الذي نوعٌ من الأحجار ، بل من باب التمثيل
والتشبيه ؛ أي وجود نوراني شبيه بالياقوتة الحمراء وقوله : ضرب اللوح جبينه ، لعلّ
المقصود نوعُ التقاءٍ وقرعٍ حاصل بين اللوح وبين مركز نور وجود اسرافيلٌ ، فيشاهد
بهذا الطريق كلام الله ويتلقيه ثم يلقية الى جبرائيل (عليه السلام) .
قوله : " حاجب
الربّ "أي بوّأب الرب ، يعبّر عنه في الفارسية بـ " دربان " . وهو
الذي يصدر به أمر الرب وإذنه ، ولا يُقدّر لأحد من المخلوقات من جانب الله تعالى
إلّا بواسطته . ونقل بعض المفسرين عن تفسير القمي " صاحب الرب " ، ولكن
الموجود في المطبوع من هذا التفسير " حاجب الرب " وهو الأصح الأنسب .
ومنها : رواه ابن شهر
آشوب في المناقب عن الامام زين العابدين (عليه السلام) قال في حديث : " إن
لله لوحاً محفوظاً يلحظه في كل يومٍ ثلاثمائة لحظة ليس منها لحظة واحدة ، إلاّ
يحيى فيها ويميت ويعزّ ويذلّ ويفعل ما يشاء " (5).
ومنها : ما عن علي بن
إبراهيم في تفسير آية : { بلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ
مَّحْفُوظٍ} [البروج : 21-22] . قال : " اللوح المحفوظ له طرفان طرف عن
يمين العرش وطرف على جبهة إسرافيل ، فإذا تكلّم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح
جبين اسرافيل ، فينظر في اللوح فيوحي بما في اللوح الى جبرائيل " (6) .
وقال العلامة - بعد
نقل هذه الرواية ورواية اُخرى عن أهل العامة - : " والرويات في صفة اللوح
كثيرة مختلفة ، وهي على نوعٍ من التمثيل " (7).
وحاصل ما يستفاد من
النصوص الواردة في اللوح انه موجود نوراني غير مادي ثبت فيه مقدرات عالم الوجود
والكائنات والشرايع ، وهو المطابق لعلم الله المكتوم عن غيره المصون المحفوظ من
أيّ تغيير وتبديل .
ثم إن الروايات
الواردة في بيان خصوصيات اللوح ، لم أجد فيها رواية صحيحة معتبرة من حيث السند ولم
أجد مجموعها بالغة حدّ التظافر . ومن هنا يشكل الالتزام بمضمونها من جانب الشارع
وإسناد إليه .
فإن رواية الشيخ
المفيد عن ابن عباس مرسلةٌ
، ووقوع عمرو بن شمر في طريق رواية أبي الجارود المروية في تفسير القمي يكفي في
ضعفه .
وأما رواية ابن شهرآشوب فهي
أيضاً ضعيفة بالارسال ؛ حيث رواه ابن شهرآشوب مرسلاً
عن أبي حمزة الثمالي بقوله :
وسأله أبو حمزة الثمالي زين
العابدين (عليه السلام) ... فقال عليّ بن الحسين : " إنّ الله ... الخ "
(8).
وأما المروي الثالث ،
فهو قول علي بن إبراهيم نفسه .
نعم لا إشكال في أصل
وجود اللوح المحفوظ وأنه قد كتب فيه مقدرات جميع الأمور . فإن هذا مما ثبت بالكتاب
والسنة القطعية .
__________________________
1. المفردات في غريب
القرآن : ص 456 .
2. احتجاج الطبرسي : ج2 ،
ص179 .
3. الاختصاص : ص38-39
وص 42 .
4. تفسير القمي : ج2
، ص 27-28 ، تفسير نور الثقلين : ج5 ، ص 548 ، ح32.
5. تفسير نور الثقلين
: ج5 ، ص 549 ، ح 35 .
6. تفسير القمي : ج2
، ص 415 .
7. تفسير الميزان ،
ج2 ، ص 257 .
8. مناقب ابن شهرآشوب : ج3 ،
ص 299 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة