الالفاظ الموضوعة للمعاني العامّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص157-159
2025-12-21
20
إنّ هؤلاء لو خطوا على طريق الأدب الصحيح، والفلسفة الإسلاميّة خطوة واحدة، لما تقوّلوا هذه الأقاويل، ونسجوا هذه الأباطيل.
لقد وضعت الألفاظ للمعاني العامّة. فالمجيء بمعنى الإتيان، أي الأقتراب التدريجيّ. وتتمثّل هذه الحقيقة في الإنسان برجليه، وفي الحيوان ذي الأربع بأربع، وفي الطير بتحريك جناحيه؛ وفي الحوادث الأرضيّة والسماويّة لمناسبتها. أنتم تقولون: جاء المطر، وجاء الثلج، وجاءت الرياح، وجاءت الزلزلة، فهل لهذه الأشياء أرجل تمشي بها؟! وتقولون: جاءت الشمس، وجاء النور، فهل لهما أرجل؟ وتقولون في الأمور المعنويّة: جاء عقل زيد إلى موضعه (ثاب إلى رشده)؛ وجاء حبّه؛ وجاء إدراكه؛ وجاء سخاؤه؛ وجاء جبرئيل؛ وتقولون في الأمور المادّيّة غير المعنويّة كالكهرباء، والماء، وغيرهما: جاءت الكهرباء، وجاء الماء؛ وجاءت حرارة زيد إذا حُمَّ بدنه. فهل لهذه الأشياء أرجل؟ فمجيء كلّ شيء يتناسب مع ماهيّته. ولم يذكر أحد من اللغويين قطّ أنّ المجيء ملازم لحركة الارجل.
ومعنى قولنا: جاءت رحمة الله، اقتربت، ورفع الحجاب، وتجلّت للناس صفة الرحمة.
وجاء الله، تعني أنّ حجاب الإنّيّة الذي عليه الناس قد رفع، فشاهدوا ذاته المقدّسة متجلّية بالهيمنة، والإحاطة، والاستيلاء؛ وأدركوا جماله وجلاله بدون حجاب؛ هذا هو المعنى الحقيقيّ للمجيء. فالالفاظ قد وضعت للمعاني العامّة؛ والمواصفات الخاصّة بموضع الاستعمال لا علاقة لها بموضوعها العامّ.
وفي ضوء ذلك نقول: أنّ لفظ المجيء قد استعمل في معناه الحقيقيّ؛ غاية الأمر أنّ معناه الحقيقيّ عامّ؛ ولو يؤخذ بنظر الأعتبار في تلك الخصوصيّات المستعملة.
ولا نقول: إنّه لا يمكن استعمال لفظ المجيء في هذه الحالات في معناه الحقيقيّ وهو الإتيان على الاقدام، وينبغي أن نؤوّله، ونحمله على معناه المجازيّ. فهذا الجواب غير صحيح.
لقد استعمل لفظ العرش في معناه الحقيقيّ؛ وهو عامّ؛ ويلزمه أنّ العرش ليس مادّيّاً، وعرش كلّ شيء يتناسب مع ذاته: فعرش الله مجرّد، وليس مادّيّاً، كما أنّ الله مجرّد وليس مادّيّاً.
أنّ عرش الله هو عالم المشيئة والإرادة والاختيار المهيمن على العوالم كلّها.
الله سميع؛ ومعنى أنه يسمع، أي: يدرك المسموعات بعلمه المحيط؛ وهو بصير وله عين، أي: يدرك المُبصرات بعلمه المحيط؛ ولله يد، أي: قدرة، ووسيلة لممارسة القدرة؛ ويداه، تعنيان صفة الجمال، والجلال؛ واسمي: الجميل، والجليل. هذه معان غير مؤوّلة وغير مجازيّة.
ولا قرينة عندنا على المجاز حتى يقول أحد شيئاً يدلّ عليه؛ وينبغي أن نحمل اللفظ على المعاني الحقيقيّة عند عدم وجود قرينة؛ والقرينة العقليّة لا تكفى أيضاً؛ لأنّ العقول تتباين فيما بينها هنا.
أنّ هذا النمط من البحوث السطحيّة يسوقنا آخر المطاف إلى الجمود والتعنّت والتجسّم؛ إلّا أنّ وضع الألفاظ للمعاني العامّة يحلّ كافّة المشاكل؛ ذلك لأنّ حقيقة الموضوع هي على هذا النسق أيضاً.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة