منافرة [1] عبد المطلب وحرب بن أمية

قال أبو المنذر [2] : كان رجل من اليهود من أهل نجران يقال له أذينة [3] في جوار عبد المطلب/ بن هاشم، وكان يتسوق في أسواق تهامة بماله، وأن حرب بن أمية غاظه ذلك فألب عليه فتيانا من قريش وقال لهم: هذا العلج الذي يقطع الأرض إليكم ويخوض بلادكم بماله من غير جوار ولا أمان [4] ! والله لو قتلتموه ما خفتم أحدا يطلب بدمه، قال: فشد هاشم [5] بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي عليه وصخر بن عامر [6] بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقتلاه، وكان معهما ابن مطرود بن كعب الخزاعي، قال: فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا حتى كان بعد فعلم من اين أتى، فأتى حرب بن أمية فأنّبه لصنيعه وطلب بدم جاره، فأبى حرب ذلك عليه وانتهى بهما التماحك [7] واللجاج إلى المنافرة، فجعلوا بينهما النجاشي ملك الحبشة، فأبى أن ينفذ [8] بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رياح [9] بن عبد الله بن قرط بن رزاح [10] بن عدي بن كعب فأتياه فقال حرب [11] بن أمية: يا أبا عمرو! أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأوسم [منك] [12] وسامة وأعظم منك هامة وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا وأجزل منك صفدا [13] وأطول منك مذودا [14] ، وأني لأقول هذا وإن فيك لخطالا [15] : إنك لبعيد الغضب رفيع الصيت في العرب، جلد المريرة [16] تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا [17] . قال: فنفر عبد المطلب على حرب، فغضب حرب من ذلك وأغلظ لنفيل وقال: من انتكاس الدهر أن جعلناك حكما، فأنشأ نفيل يقول: (البسيط)

ليهنأ [18] قوما لهم في الناس سابقة ... حمل المئين وسبق ما لهم [19] ورع [20]

أعطاهم الله نورا يستضاء به ... إذا الكواكب أخطا نوءها النجع [21]

وهم عروق [22] الثرى منهم أرومتنا ...ما جادى [23] اليوم في تربائهم [24] ضرع [25]

ما إن ينال البلى [26] أركان منزلهم [27] ... ولا يحل بأعلى نيقهم [28] صدع [29]

أولاد شيبة [30] أهل المجد قد علمت ... عليا معدّ إذا ما هزهز [31] الورع [32]

وهبت الريح بالصراد [33] فانطلقت ... تزجي جهاما [34] سريعا سيره ملع [35]

وشيبة الحمد نور يستضاء به ... إذا تخطّا إلى المشبوبة [36] الفزع

وراحت الشول [37] جدبا في مراتعها ... حول الفنيق [38] رسيلا [39] ما له تبع

يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا [40] ... تسقي الحجيج وماذا يحمل [41] الهبع [42]

أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه الخشاش [43] ومنه الناضر [44] الينع

فاعرف لقوم هم الأرباب فوقكم ... لا يدركنّك شر [45] [ماله [46]] دفع [47]

هم الرّبى من قريش في أرومتها ... والمطعمون [48] إذا ما مسها القشع

وقال في ذلك الأرقم بن نضلة بن هاشم يذكر منافرة هاشم وأمية:(الطويل)

وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد

فيا حرب قد جاريت غير مقصر [49] ... شآك [50] إلى الغايات طلّاع انجد

قال: فأراد حرب بن أمية إخراج بني [عدي-] [51] بن كعب من مكة فاجتمعت لذلك بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف وغضب لعبد المطلب بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وغضبت بنو سهم لبني عدي لأنهم من الأحلاف فمنعوهم، فلما رأى ذلك حرب بن أمية كف عنهم.

________________

[1] المنافرة: المفاخرة في الحسب والنسب والشرف.

[2] يعني هشام بن محمد بن السائب الكلبي.

[3] في أنساب الأشراف 1/ 73: أدينة بالدال المهملة، وأذينة كجهينة.

[4] في أنساب الأشراف 1/ 73: ولا خيل، وهو خطأ.

[5] في أنساب الأشراف 1/ 73: عامر بن عبد مناف بن عبد الدار، لم يذكر عامر في ولد عبد مناف في نسب قريش- انظر ص 254.

[6] في أنساب الأشراف 1/ 73: عمرو، وهو خطأ. كان لكعب بن عامر ابنان عمرو وعامر وكان صخر ابن عامر- نسب قريش ص 275.

[7] في الأصل: التماحل، وفي أنساب الأشراف 1/ 73: المحك، والتماحك النزاع والخصام.

[8] في الأصل: ينفد- بالدال، وفي أنساب الأشراف 1/ 73: يدخل.

[9] في الأصل: رباح- بالباء الموحدة، ورياح بكسر الراء.

[10] رزاح بفتح الراء إذا نسب إلى عدي بن كعب بن لؤي وبكسر الراء إذا نسب إلى ربيعة بن حرام بن ضنة.

[11] في الأصل: الحرب (مدير) .

[12] ليست الزيادة في الأصل.

[13] الصفد متحركا: العطاء، وفي أنساب الأشراف 1/ 73: صلة.

[14] في الأصل: مددا، وفي أنساب الأشراف 1/ 73: مذودا، والمذود كمنبر اللسان وبه يذاد عن العرض، والمعنى أن عبد المطلب أكثر دفاعا عن عرضه وشرفه من حرب بن أمية.

[15] في الأصل: لخصال.

[16] جلد المرير: قوي العزيمة، وفي أنساب الأشراف 1/ 73: جلد النذيرة، وهو خطأ.

[17] نافرت منفرا: فاخرت من هو الغالب عليك في الحسب والشرف.

[18] في الأصل: ليهن- يعني ليهنأ الظفر.

[19] في الأصل: له.

[20] في الأصل: وزع بالزاي، والورع متحركا: الجبان الضعيف الذي لا غناء عنده.

[21] النجع بضم النون وفتح الجيم جمع النجعة بضم النون وسكون الجيم وهي طلب الكلأ في مواضعه.

[22] عرق الثرى اسم إسماعيل عليه السلام أيضا- أنساب الأشراف 1/ 6.

[23] في الأصل: جادب، والجادي: السائل (مدير) .

[24] في الأصل: ثوياله، وبهامش الأصل توياله تفعال من الويل وتاياله تفعال من آلت، ولعله كما أثبتنا (مدير) .

[25] في الأصل: الصرع، والضرع: الضعيف والمذلل (مدير) .

[26] في الأصل: الرجا ولعل الصواب ما أثبتنا.

[27] في الأصل: منزلة.

[28] النيق بكسر النون وسكون الياء: أعلى موضع في الجبل، جمعه نياق وأنياق ونيوق.

[29] في الأصل: الصدع.

[30] شيبة الحمد لقب عبد المطلب.

[31] هزهز: ذلل.

[32] سبق شرحه- انظر الحاشية رقم 6 (مدير) .

[33] الصراد كحجاج بضم الحاء: الغيم الرقيق الذي لا ماء فيه.

[34] الجهام بفتح الجيم: السحاء الذي لا ماء فيه.

[35] الملع بفتح الميم وسكون اللام: العدو الشديد، وقيل فوق المشي دون الخبب [وههنا متحرك للضرورة الشعرية- مدير] .

[36] يعني النار المشبوبة أي موقدة.

[37] الشول بفتح الشين وسكون الواو جمع الشائلة وهي من الإبل ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر وارتفع ضرعها وجف لبنها.

[38] الفنيق كعتيق: الفحل المكرم الذي لا يؤذي ولا يركب لكرامته، جمعه الفنق والأفناق.

[39] الرسيل: الفحل العربي يرسل في الشول ليضربها.

[40] الهبع بفتح الهاء وسكون الباء مصدر هبع يهبع وهو مشي الحمار البليد فهو هبع.

[41] في أنساب الأشراف 1/ 74: يبلغ.

[42] الهبع بضم الهاء وفتح الباء: الحمار.

[43] في الأصل «الحشاش» أو «العشاش» ولا معنى له ههنا (مدير) .

[44] في الأصل: الزاهد، ولعله: الزاهر، والتصحيح من أنساب الأشراف 1/ 74. [وقد يجوز:

منه الخشاش ومنه الزاهد المنع- مدير] .

[45] في الأصل: شره.

[46] ليست الزيادة في الأصل.

[47] «دفع» متحركا للضرورة الشعرية (مدير) .

[48] في الأصل: المطمعون (مدير) .

[49] في الأصل: مغمر، والتصحيح من أنساب الأشراف ج 1 ص 74 (مدير) .

[50] في أنساب الأشراف «شأاك» وهو من «شأي القوم» أي سبقهم، وفي الأصل: شأاك (مدير) .

[51] ليست الزيادة في الأصل.